يتركز اهتمام المستثمرين بالذكاء الاصطناعى حتى الآن على العائدات الكبيرة التى تحققها أسهم التكنولوجيا.. لكن هل يمكن أن تساعد نماذج اللغة الكبيرة للذكاء الاصطناعى فى اختيار الأسهم؟ هل يمكن للتكنولوجيا التى تعمل بالذكاء الاصطناعى أن تمنح المستثمرين ميزات إضافية بعيدا عن استخدام الأساليب التقليدية بالتحليل؟ التحولات التكنولوجية أدت إلى تغير الصناعة المالية بشكل متكرر وساعد التحليل الآلى لبيانات التداول التاريخية لصناديق الاستثمار والمستثمرين خاصة المحترفين على تحديد الأوراق المالية المقومة بأقل من قيمتها الحقيقية وأنماط التداول القابلة للتكرار منذ أن ابتكرها جيم سيمونز فى الثمانينيات. وأصبحت تطبيقات فحص الأسهم المتطورة متاحة بسهولة للمستثمرين المحترفين وصناديق الاستثمار بفضل قوة الحوسبة، ولكن نماذج اللغة الكبيرة للذكاء الاصطناعى جاءت بشىء جديد فهى قادرة على محاكاة الذكاء البشرى من خلال تفسير كميات هائلة من البيانات. ويتم حاليا طرح الجيل الأول من أنظمة الذكاء الاصطناعى القادرة على تحليل المعلومات المتباينة لتحديد الأسهم الرابحة، بما فى ذلك البيانات المالية والإحصاءات الاقتصادية والتطورات السياسية ومعنويات السوق وحركات سفن الحاويات والقضايا القانونية وحتى توقعات الطقس. الجيل الأول وكان أبرز تطبيقات الجيل الأول من أنظمة الذكاء الاصطناعى أداة «ال ال ام سوت» التى أطلقها بنك جى بى مورجان فى شهر يوليو الماضى والتى تساعد محللى البنك فى الكتابة وتوليد الأفكار وتلخيص المستندات. وطورت شركة ليجلست أداة ذكاء اصطناعى تسمى ترافو سنيفر، تحلل الدعاوى المدنية لتحديد أهداف استثمارية جذابة، وذلك من خلال مسح سجلات المحكمة والقضاة وفصول التقاضى وتوقع الأحكام قبل المحاكمة لتحديد الأسهم التى من المرجح أن تستفيد من ذلك. وتقوم بعض الشركات بإدخال أنظمة الذكاء الاصطناعى التى تختار الأسهم وفقًا لأنماط استثمار محددة، وبدلاً من اتباع خطة وارن بافيت فى قضاء خمس إلى ست ساعات كل يوم فى قراءة الوثائق المالية، يمكن للمستثمرين السماح للذكاء الاصطناعى بتحمل عبء تحليل البيانات على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع لتحديد أنواع الاسهم ذات الأساسيات المالية القوية وإمكانات النمو. ويستخدم صندوق الاستثمار المتداول «ال كيو ايه اى» التابع لشركة سوفت بانك الذكاء الاصطناعى فى اختيار الأسهم وإنتاج تقارير الحيازات الشهرية للاسهم التى يستثمر بها بشكل مستقل. وتقدم العديد من شركات الوساطة المالية خدمة المستشار الآلى للعملاء، لتحديد أهداف الاستثمار والآفاق الزمنية ومستويات تحمل المخاطر لإنشاء العملاء محفظة استثمارية. ثم ترشح أسهم المحفظة الآلية من خلال استبيان ويقوم بعد ذلك بتقييم المحفظة الاستثمارية النموذجية التى تلبى معايير المستثمر. ولا تتوفر أنظمة الذكاء الاصطناعى القوية فقط لصناديق الاستثمار ذات الملاءة المالية فقط، بل يستخدم العديد من المستثمرين والشركات الآن روبوت الدردشة شات جى بى تى للعثور على الأسهم من خلال طرح أسئلة حول تاريخ الشركة وأنشطتها الحالية والمالية حيث يمكن للأداة المجانية إنتاج سرديات استثمارية لشركات محددة وتوقع كيفية أداء أسهمها. اختبار الذكاء الاصطناعى وقدمت دراسة أجرتها جامعة شيكاغو بعنوان «تحليل البيانات المالية باستخدام نماذج اللغة الكبيرة للذكاء الاصطناعى»، ونُشرت فى وقت سابق من هذا العام، أدلة أكاديمية مثيرة للاهتمام حول قدرة روبوت الدردشة شات جى بى تى على التغلب على المحللين المحترفين. وقام الباحثون باستخدام بيانات الميزانيات وبيانات الدخل لأكثر من 15000 شركة يرجع تاريخها إلى الفترة من عام 1968 إلى عام 2021. وتم توجيه طلب لروبوت الدردشة شات جى بى تى بكتابة سرد اقتصادى يتنبأ بالتغيرات التى جرت فى أرباح الشركات. وكانت دقة روبوت الدردشة 60٪ مقارنة بنسبة 57٪ للقدرات البشرية. ويستند البحث إلى دراسات سابقة تشير إلى أن النماذج الحاسوبية يمكن أن تتفوق على المحلل المتوسط عند التنبؤ بالأرباح فى الأمد القريب وإن التحليلات على فترات قصيرة نسبيا يعزز نقاط قوة الآلة بقدرتها على اتباع القواعد وتجاهل التحيزات للأفراد. وأشارت النتائج إلى أن «استراتيجيات التداول القائمة على تنبؤات روبوت الدردشة شات جى بى تى تتفوق على الاستراتيجيات القائمة على أى نماذج أخرى». وتشير الدراسة أن النموذج كان بارعا فى التنبؤ بأرباح الأسهم الأصغر. ومن الضرورى ملاحظة أن الدراسة الخاصة بروبوت الدردشة «شات جى بى تى» كانت تركز على توقعات الأرباح قصيرة الأجل لأن فهم مسارات الأرباح طويلة الأجل له علاقة أكبر بالأحكام الدقيقة حول مسائل لا يمكن تحليلها بسهولة والتى تشمل عناصر مثل المزايا البنيوية للشركات والظروف الاقتصادية والتكنولوجية والسياسية المتغيرة، ووزن المخاطر مقابل توقعات أداء السهم على مدى آفاق طويلة. وتعد قدرة الذكاء الاصطناعى على القيام بهذا النوع من التفكير اختبارًا حقيقيًا لمزاعم محاكاة الذكاء البشري، وقد تم تسليط الضوء بالفعل على المخاوف بشأن قيود نماذج الذكاء الاصطناعى من خلال ميلها إلى «الهلوسة» والمتعلق بتوليد محتوى زائف من خلال تجاهل المعلومات التى كان من الممكن أن يكتشفها الإنسان. ووجدت دراسة حديثة أجرتها جامعة ستانفورد للاستجابات الخاصة بروبوت الدردشة «شات جى بى تى» أن الهلوسة كانت «منتشرة ومزعجة». وعند طرح أسئلة محددة وقابلة للتحقق حول موضوعات وقضايا مختلفة، بلغت هلوسة روبوت الدردشة شات جى بى تى نسبة 69٪. ومثل هذه الاتجاهات تشكل سمات متأصلة فى التكنولوجيا ذاتها وليس مجرد أخطاء يمكن إصلاحها ببساطة حيث إن نماذج الذكاء الاصطناعى التوليدى عبارة عن آلات احتمالية مدربة على تقديم الاستجابة الأكثر احتمالاً من الناحية الإحصائية، ومن غير الواضح كيف قد تتوقع النماذج الأحداث غير المتوقعة وتستجيب لها إذا تم تدريبها على بيانات قديمة.