فى مثل هذه الأيام منذ واحد وخمسين عاما، وطوال الفترة التى استغرقتها معارك العبور والنصر، منذ لحظة ميلادها فى الساعة الثانية من بعد ظهر السادس من أكتوبر 1973، مع انطلاق نسور الجو المصريين عابرين بطائراتهم قناة السويس للقيام بالضربة الجوية المظفرة، إيذانا بنهوض المارد المصرى لتحرير الأرض واسترداد الكرامة،...، كانت أنظار العالم كله مركزة على مصر ترصد وتحلل. ورغم المفاجأة التى أذهلت الكل، نظرا لعدم التوقع بإمكانية نهوض مصر من عثرتها وهزيمتها قبل أعوام وأعوام، إلا أن جميع أجهزة الرصد والتحليل العالمية سجلت باندهاش كبير القدرة المتعاظمة والتطور الكبير للجيش المصرى تخطيطا وأداء الذى ظهر واضحا فى دقة التخطيط وكفاءة التنفيذ، خلال الاقتحام الناجح للمانع المائى والاستيلاء على خط بارليف وتدمير مواقع العدو الحصينة شرق القناة. وفى ذات الوقت الذى سجلت فيه مراكز المراقبة والرصد العالمية دقة وكفاءة العمليات العسكرية المصرية على جبهة القتال، التى مكنت الجيش المصرى من تحقيق أهدافه فى العبور والنصر وتلقين الجيش الإسرائيلى درسا لا ينسى، كانت أيضا ترصد وتحلل مجريات الأمور وسير الأوضاع فى الداخل، أى على الجبهة الداخلية فى القاهرة والمحافظات والمدن الأخرى بطول وعرض الوطن المصرى كله. وكان لافتا لانتباه الكل ذلك الهدوء المسيطر على سير الحياة فى مصر كلها دون استثناء، سواء فى أكبر وأضخم المدن وهى القاهرة والإسكندرية أو فى أصغر قرى مصر ونجوعها فى الصعيد أو الدلتا،...، حيث كانت جميع الأمور الحياتية تسير بصورة سلسة للغاية، مع حرص واضح من كل المواطنين على التلاحم ومساعدة بعضهم البعض. وكان لافتا وبقوة اختفاء كل صور التناحر أو الشد والجذب والتعامل الخشن بين المواطنين، وعدم حدوث أزمة واحدة بين الأفراد، مع اختفاء تام وشامل لكل مظاهر العنف الاجتماعى، وأيضا اختفاء شامل لكل المخالفات وحتى الجرائم العادية طوال أيام الحرب المجيدة بطول وعرض البلاد. وكان التفسير الوحيد الذى أجمع عليه الكل لهذا الذى يحدث فى مصر سواء فى خط القتال أو فى الداخل، هو أن روح أكتوبر التى تملكت كل المصريين جعلتهم جميعا يسعون ويعملون لهدف واحد، وهو العبور والنصر واستعادة الكرامة وتحرير الأرض،...، إنها روح الإصرار على النصر.. روح أكتوبر.