فى مثل هذه الأيام منذ تسعة وأربعين عاما، وطوال الفترة التى استغرقتها معارك العبور والنصر، منذ لحظة ميلادها فى الساعة الثانية من بعد ظهر السادس من أكتوبر 1973، مع انطلاق نسور الجو عابرين بطائراتهم القناة للقيام بالضربة الجوية المظفرة، إيذانا بنهوض المارد المصرى لتحرير الأرض واسترداد الكرامة،...، كانت أنظار العالم كله شرقه وغربه مركزة على مصر ترصد وتحلل. ورغم المفاجأة التى أذهلت الكل، نظرا لعدم التوقع بإمكانية نهوض مصر من عثرتها وهزيمتها قبل أعوام وأعوام، إلا أن جميع أجهزة الرصد والتحليل العالمية سجلت باندهاش كبير، القدرة المتعاظمة والتطور الكبير للجيش المصرى تخطيطا وأداءً، والذى ظهر واضحا فى دقة التخطيط وكفاءة التنفيذ، خلال الاقتحام الناجح للمانع المائى والاستيلاء على «خط بارليف» وتدمير مواقع العدو الحصينة شرق القناة. وفى ذات الوقت الذى سجلت فيه مراكز المراقبة والرصد العالمية دقة وكفاءة العمليات العسكرية المصرية على جبهة القتال، والتى مكنت الجيش المصرى من تحقيق أهدافه فى العبور والنصر وتلقين الجيش الإسرائيلى درسا لا ينسى، كانت أيضا ترصد وتحلل مجريات الأمور وسير الأوضاع فى الداخل «أى على الجبهة الداخلية» فى القاهرة والمحافظات والمدن الأخرى بطول وعرض الوطن المصرى كله. وكان لافتا لانتباه الكل، ذلك الهدوء المسيطر على سير الحياة فى مصر كلها دون استثناء، سواء فى أكبر وأضخم المدن وهى القاهرة والإسكندرية، أو فى أصغر قرى مصر ونجوعها فى الصعيد أو الدلتا،...، حيث كانت جميع الأمور الحياتية تسير بسلاسة تامة وغير عادية، مع حرص واضح من كل المواطنين على التلاحم ومساعدة بعضهم بعضا. وكان لافتا وبقوة اختفاء كل صور التناحر أو الشد والتعامل الخشن بين المواطنين، وعدم حدوث أزمة واحدة والابتعاد تماما عن مصادر الخلاف الشخصى، واختفاء كل صور التناحر أو الغضب بين المواطنين مع اختفاء تام لكل مظاهر العنف الاجتماعى، بل وأيضا الاختفاء الشامل للجرائم العادية طوال أيام الحرب المجيدة بطول وعرض البلاد. وكان التفسير الوحيد الذى أجمع عليه الكل لهذا الذى يحدث فى مصر سواء فى خط القتال أو فى الداخل هو أن «روح أكتوبر» التى تملكت كل المصريين، جعلتهم جميعا يسعون ويعملون لهدف واحد وهو العبور والنصر واستعادة الكرامة وتحرير الأرض.. أنها روح الإصرار على النصر.