تُعد حرب أكتوبر عام 1973 واحدة من أبرز المعارك في التاريخ العسكري الحديث، فقد خاضت مصر معركة مصيرية لاستعادة سيناء التي كانت محتلة من قِبل إسرائيل بعد حرب يونيو 1967. وانتهت حرب العبور بتحقيق نصر عسكري مهم لمصر على جبهة سيناء. بعد مرور 51 عاماً على هذا الحدث التاريخي، لا تزال الدروس المستفادة من هذه الحرب حاضرة في الذاكرة الوطنية والإقليمية، وتكتسب أهمية خاصة في ظل التصعيد الحالي بين إسرائيل وحركات المقاومة في فلسطينولبنان. ولكن ما هي تلك الدروس؟ أهمية القوة العسكرية في تحقيق السيادة أظن أن الدرس الأهم من دروس أكتوبر، هو أن يكون لديك جيش قوي ومستعد أفضل كثيراً من أن تعتمد على تنظيم في حماية الدولة. فوجود الجيش المصري كان عنصراً حاسماً وأساسياً في نجاح مصر في مواجهة الاحتلال. ففي فترة ما قبل الحرب، كانت إسرائيل تملك تفوقاً عسكرياً واضحاً بفضل المساعدات الغربية، لا سيما بعد حرب 1967. ومع ذلك، استطاعت مصر إعادة بناء جيشها وتحديثه ووضع الثقة فيه، بل ووضعت خططاً استراتيجية تعتمد على المفاجأة والإبداع التكتيكي، مثل عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف الذي كان يعتبر أحد الخطوط المنيعة والصعبة. هذا الدرس يُبرز أن الحفاظ على جيش قوي ومؤهل لمواجهة التهديدات الإقليمية أمر لا غنى عنه. وما يشهده العالم العربي اليوم من أزمات ونزاعات، لا سيما الصراع المستمر بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، أو إسرائيل وحركة حماس في فلسطين، يُعيد إلى الأذهان أهمية وجود قوة عسكرية متماسكة قادرة على الدفاع عن سيادة الوطن وحماية مصالحه. قوة تعمل لصالح الدولة وبتناغم مع الدولة ومع الشعب، وهو ما تحقق في الحالة المصرية بامتياز. التخطيط الاستراتيجي ومرونة القيادة لم يكن نصر أكتوبر وليد الصدفة، بل نتيجة تخطيط استراتيجي طويل المدى اعتمد على جمع المعلومات وتقييم نقاط القوة والضعف لدى العدو. إن الإبداع التكتيكي الذي ظهر في عملية العبور كان مبنياً على تحليل دقيق للوضع الميداني والإمكانات المتاحة. فمصر استخدمت التكنولوجيا والابتكار لتجاوز العقبات المادية، ما ساهم في تعديل مسار الحرب. اقرأ أيضا| ذكرى 6 أكتوبر.. استغاثة جولدا مائير: «إلحقوووووونا» اليوم، يُعد هذا الدرس بالغ الأهمية في مواجهة التحديات الإقليمية المتجددة. الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على لبنانوفلسطين ومن بعدهما سوريا، واستهدافها لحركات المقاومة في هذه البلاد، تؤكد أن القدرة على التخطيط الاستراتيجي المرن والمبني على الواقع الميداني يمكن أن يغير مسار الأحداث، تماماً كما فعلت مصر في 1973. الوحدة العربية والتضامن الإقليمي من الدروس المهمة الأخرى لحرب أكتوبر هو التضامن العربي الذي تجسد في دعم الدول العربية لمصر خلال الحرب. هذا التضامن، سواء عبر المساعدات العسكرية أو الاقتصادية أو السياسية، كان عنصراً حاسماً في تحقيق هذا النصر. فقد فرضت بعض الدول العربية حظراً على النفط كوسيلة ضغط اقتصادي على الدول الداعمة لإسرائيل، ما أثر بشكل كبير على موازين القوى الدولية. اليوم، ومع تصاعد التوترات في المنطقة، يبدو أن فكرة القرار العربي الواحد القوي المؤثر قد صارت من الماضي، ما يعزز أهمية العودة إلى مفهوم التضامن الإقليمي في مواجهة التهديدات المشتركة. فالصراع الحالي، والحرب التي تشنها إسرائيل على بعض البلاد العربية، لابد أن يواجه بقرارات عربية موحدة. السيادة الوطنية والكرامة حرب أكتوبر أكدت أن الكرامة الوطنية والسيادة لا يمكن تحقيقهما إلا من خلال المقاومة والتضحيات. الشعب المصري، بفضل جيشه، نجح في استعادة جزء من أراضيه المحتلة، وأثبت للعالم أن إرادة الشعوب لا يمكن قهرها. هذا الدرس يتجلى اليوم في كل مقاومة تسعى للدفاع عن الأراضي المحتلة أو رفض الاعتداءات الخارجية. الوضع الراهن في لبنان يعيد التذكير بأهمية الدفاع عن السيادة والكرامة الوطنية. فإسرائيل لا تزال تستغل الوضع غير المستقر لتحقيق مصالحها، ما يعزز الحاجة إلى تعاون إقليمي للحفاظ على استقرار لبنان وغيره من بلدان المنطقة التي تضررت داخلياً كثيراً خلال السنوات الماضية، بفعل الحروب والتدخلات الخارجية. القرار من الداخل وليس من الخارج حسناً فعل الرئيس الراحل أنور السادات عندما أنهى صلاحية العمل للخبراء الروس الذين كانوا متواجدين في مصر أوائل السبعينيات. وكان القرار نابع من فكرة أن يكون القرار، سواء قرار الحرب أو حتى معارك الاستنزاف، مصرياً خالصاً. أن يكون صاحب القرار هو مصر لا موالاة لأحد عليها، ولا فضل لأحد عليها. وهو ما لا نجده الآن حيث فضلت بعض الحركات أن تعتمد في قرارها وتسليحها وتدريبها على قوى إقليمية كبرى، وهو ما أضعف من وجودها. في الذكرى ال51 لحرب أكتوبر، يبقى الدرس الأكبر هو أن الجيش القوي، المدعوم بإرادة سياسية واستراتيجية واضحة، هو الضمانة الحقيقية لتحقيق السيادة الوطنية وحماية الكرامة. ما حققته مصر في 1973 يُعد مثالاً يُحتذى به في مواجهة التحديات.