فى مثل هذا اليوم قبل عشر سنوات من عام 2014 اتصل بى الراحل العزيز الأستاذ ياسر رزق رئيس تحرير «الأخبار» ليبلغنى أسوأ خبر سمعته بعد رحيل مصطفى حسين الرسام الأعظم فى تاريخ «الأخبار»، صدمنى بصوته المتهدج بنبرة الحزن وهو يقول: «أحمد رجب تعيش أنت.. تعلالى حالا عشان نعمل ملحق عنه»، كنا نقترب من منتصف الليل ومكتبه مزدحماً بعدد كبير من الزملاء من المؤسسة وزملاء من المؤسسات الصحفية الأخرى، وضع أمامى 10 كتب لفقيدنا العظيم وهو يقول «همتك يا بطل.. اعمل لنا 6 صفحات يكونوا على مكتبى غدا»، قرأت ليلتها كتب ناظر مدرسة البهجة، الحزن جعلنى لا أشعر بالجهد والتعب الخرافى الذى بذلته لإعداد الصفحات المطلوبة، وها هى 10 سنوات مضت على غياب الساخر صاحب القلم الساحر، وكلفنى الزميل العزيز د.أسامة السعيد رئيس التحرير منذ ما يقرب من ثلاثة أسابيع بإعداد صفحة خاصة من «كنوز» لإحياء الذكرى العاشرة لغياب ابن «الأخبار» البار الذى خصص له زاوية يومية فى «أخبار الناس» لإحياء أقصر مقال كان ينشره فى جريدة «الأخبار» بعنوانه الشهير «نص كلمة»، بذلت جهداً مضاعفاً فى إعادة قراءة 10 كتب قرأتها منذ 10 أعوام مضت لاختيار مواد الصفحة التى بين أيديكم اليوم. اقرأ أيضًا| كنوز| 100 شمعة لفيلسوف «الأخبار».. خدعنا بعدائه للمرأة فصدقناه! وكما يقولون إن قلب المؤمن دليله، ويبدو أن قلبى كان يستشعر شيئاً ما فكان يحرضنى على أن أكون شبه منتهٍ منها، فعقب الانتهاء من تنفيذ صفحة الخميس الماضى، شعرت يوم الأربعاء وأنا أغادر صالة التنفيذ بالجريدة بدوار وتعرق وألم شديد فى صدرى وظهرى وذراعى اليسرى، فقلت للزملاء الأفاضل الذين أحاطوا بى بصوت لا أسمعه «أنا حاسس بذبحة قلبية»! ودون الدخول فى تفاصيل ما جرى بعدها، تذكرت أن ساخرنا الأعظم له كتاب بعنوان «ضربة فى قلبك»، نالنى من الكتاب اسمه، وجاءت الضربة فى قلبى، لكن محبة ربنا ودعوات الزملاء والأمنيات الطيبة ممن تواصلوا مع أسرتى فى هذا الموقف العصيب، فعلت فعلها فى تخفيف الأزمة الصعبة، ومن كرم ربنا أننى كنت شبه منتهٍ من الصفحة التى بين أيديكم اليوم قبل ما حدث لى، والتى أردت أن تكون كل موضوعاتها بقلم الساخر الأعظم الذى رسم الضحكة والابتسامة والبهجة على وجوهنا، تحية لروحه فى يوم ذكراه العاشرة. معاناة الساخر الأعظم مع «كمنجة» فى حجم دولاب النملية ! عندما بلغ ساخرنا الأعظم أحمد رجب السادسة من عمره كانت أمنيته أن يصبح مطرباً، وعلاقته بالمطربين لم تكن تتجاوز «الفونوجراف» التى تدار بالمنافيلا، كان يرى أن المطرب مخلوق متميز عن البشر، فهو إذا فتح فمه خرج كلامه مصحوباً بموسيقى تتصاعد من بطنه، وعندما كان الساخر الصغير يخلو إلى نفسه كان يفتح فمه ليغنى «أنا اللى مهما تعذبنى ساكت على الغلب وصابر»، وينتظر أن تخرج الموسيقى من بطنه لكنها لم تكن تخرج، فيترك فمه مفتوحا لعل الموسيقى تكون قادمة فى السكة من بطنه، إلى أن ضبطته أمه وفمه مفتوحا على آخره. وسمعها تهمس لوالده «ابنك باين عليه طالع عبيط!»، وعندما تصلب فكه المفتوح وأتوا بالمجبراتى ليغلق فمه، حكى لأمه عن خيبة أمله فى أن يكون مطرباً لأن الموسيقى لا تخرج من بطنه، فأفهمته أن المطرب هو الشخص المؤدب الذى يسمع كلام أمه، وبناء عليه عاش الصغير مؤدبا يسمع كلام أمه، حتى جاء اليوم الذى طار فيه من الفرح عندما فوجئ بأصوات موسيقية تخرج من فمه، وأفهمته أمه أنها ثمرة أن يكون مؤدباً وبيسمع كلامها، ولم تقل له أن هذه الأصوات نتاج «الزغطة»! يواصل ساخرنا الصغير روايته الدرامية مع الطرب فى كتابه «الأغانى للأرجبانى» مع المناخلى أفندى مدرس الموسيقى بالمدرسة الابتدائية الذى كان يلزم تلاميذه بالصمت عندما يعزف على البيانو «خليك على نارك ياسى جودة دى وقعتك صبحت سودة.. يا جودة حبك طهقنى.. خلاص كرهتك صدقنى»، ويردد تلاميذه الأغنية من خلفه، وكان ساخرنا الصغير مفتوناً بالألحان التى يصنعها المناخلى للفنانة رجوات صاحبة كازينو بيكاديللى، وحفظ منها «على مين ده ياواد ياحميدة .. روح قبلا اطلع م البيضة»، و«عايق على خدك شامة.. يا سقينى المر ف برشامة»، ووقف ذات يوم فى منتصف الفصل مقلدا الأستاذ المناخلى وهو يردد أغنية «خليك على نارك ياسى جودة دى وقعتك صبحت سودة»، الاندماج جعله لا يشعر بالأستاذ جودة مفتش الموسيقى الذى كان يقف خلفه، وتلك المصيبة التى حطت على رأس المناخلى أفندى، ونظرات الناظر الذى نهره وهو يطلب منه أن ينتظره عند باب مكتبه ! ويروى ساخرنا الصغير بقية الحكاية بنفسه قائلا: «تعاطفت بشدة مع الأستاذ المناخلى الذى نسبت إليه تهمة الإهمال الجسيم لأنه لم يلقن التلاميذ الأناشيد المقررة، وسألنى الناظر فى التحقيق «هل أعطاكم المناخلى أفندى نشيد السيف ؟ فقلت «لا يا بيه»، عاد ليسألنى «هل أعطاكم نشيد الهرم؟»، قلت «لا يا بيه»، فقال «هل أعطاكم نشيد النيل ؟»، فقلت «نعم يا بيه»، فقال «طيب سمعنى»، فأنشدت «على شط النيل أشوفك يا وله.. وأسمع مواويلك يا وله»، ولا داعى للحديث عن الصفعة التى تلقيتها فهى تمثل تضحية صغيرة فى سبيل الغناء، ولما بلغت مرحلة المراهقة، تغير صوتى وأصبح أجمل، وأسعدنى أنه صار من الأصوات التى تثير الجدل كلما غنيت، فقد انقسم الرأى فى حلاوته، رأى يقول إنه عورة يجب سترها، والرأى الثانى يقول إنه صوت ساحر وجذاب، والرأى الثانى هو رأيى أنا فقط، ظللت أغنى متخذا من أفراح الأقارب والأصدقاء ميداناً أبرز فيه مواهبى، حتى التقيت فى أحد الأفراح بإنسان متزن وجد الحجة الوجيهة التى اقنعتنى بوجوب اعتزال الغناء عندما أصابنى بثلاث غرز فى ذقنى، وكان طبيعيا أن أتحول إلى العزف على آلة موسيقية، فالتحقت بمعهد الخواجة جيوفانى لأتعلم العزف على الكمنجة، وبعد الدرس الرابع اشترط علىّ الخواجة أن اشترى كمنجة، واستقر الرأى على أن الكمنجة سوف تشغلنى عن الدروس الخصوصية فى الجبر. ذلك العلم البغيض الذى كنت أنجح فيه بصعوبة، وكانت أمى توزع الشربات على الجيران عندما يعلن المدرس أن ربنا أكرمنى بحل مسألة جبر، وانتهت معركتى بوعد بأنى إذا نجحت آخر السنة ستكون الكمنجة هدية النجاح، فبذلت جهوداً أسطورية لكى أنجح فى الجبر، ورحت أسهر الليالى حتى أصبحت نحيلاً شاحباً، وكل شيء فى جسمى صار رفيعاً إلا مخى، ظل تخيناً لا يستطيع الجبر اقتحامه، وتمكنت من الحصول على أعلى درجة للنجاح فى الجبر «4 على 20»، وبدأت أطالب بالكمنجة فقال أبى «أوصيت الرجل المختص وستكون الكمنجة عندك بعد أسبوع». واصطحبنى إلى ذلك الرجل الذى قادنا إلى ركن من المحل وضع فيه الكمنجة التى نظر إليها أبى بانبهار شديد، ثم التفت إلى يشرح كيف هى كبيرة ورائعة، فقد كانت مربعة الشكل كدولاب النملية وفى نفس حجمه، وزيادة فى ارضاء أبى قام عم عمران النجار بتركيب أربع عجلات للكمنجة ودفعها أمامه كالعربة فى طريقه إلى بيتنا، وفى الطريق استوقفه كونستابل انجليزى وطلب رخصة الكمنجة التى تسير بدون لوحات، فأكد له أنها كمنجة وليست عربة خضار. ويروى ساخرنا الصغير نهاية حكايته مع الكمنجة قائلا «لا أريد الإفاضة فى أمرها وتفاصيل محاولاتى البطولية لمجرد حملها تمهيدا للعزف عليها، وعندما نجحت فى حملها مرة، اختنق الدم فى وجهى واعتراني نهجان شديد، حتى وفقت إلى الحل عندما عزفت عليها وأنا نائم تحتها على ظهري كميكانيكى السيارات، وعلى أية حال، كانت هذه الكمنجة نقطة تحول فى حياتى الموسيقية، إذ جعلتنى عازفا عن الرغبة فى أى عزف، ولم تنزو أحلامى مع رقاد الكمنجة فى عشة الأرانب، وبدأت مشواراً جديداً لم يكتب لى النجاح فى العزف على «العود»، وأيقنت بعدها أن نجاحى سيكون فى كتابة الشعر الغنائى، لكنى منيت بخيبة الأمل، فتحولت لسلخ الشعراء والمطربين والمطربات بالغيرة والانتقام !. أحمد رجب من كتاب «الأغانى للأرجبانى» فوبيا «الوزير جاى» تسيطر على «جعدار» بك ! اتصلت بالسيد المدير العام أحمد بيه البشارى جعدار لأشرح له شكوى المواطن صابر أيوب وأرجوه حلها، فقيل لى إن المدير عنده مرور، اتصلت فى اليوم التالى فقيل لى إنه يفتش فى المصلحة تفتيشاً شديداً ! وعرفت أن البشارى بيه حالته كرب لأن الوزير جاى بعد يومين ليتفقد سير العمل بالمصلحة ويستمع إلى شكاوى الناس، والبشارى بيه يقضى أياماً عصيبة فى انتظار هذه الزيارة وأصبح لا يردد سوى عبارة «الوزير جاى» ! فإذا قال له أحد «سلامو عليكو»، قال «الوزير جاى.. ورحمة الله وبركاته»، وإذا أمسك بالسماعة قال الوزير جاى بدلاً من أن يقول «آلو»، وأصبح ينتفض من نومه مذعورا وهو يردد «الله حى الوزير جاى»، وكان من الصعب الاتصال بالبشارى بيه الذى أصبح فى حالة مرور دائم على إدارات المصلحة، فحملت شكوى صابر أيوب وتوجهت إلى مكتبه العامر، فوجدت قبيلة من السكرتارية ليست من باب المظاهر أو الأبهة أو النفخة الكدابة، فالرجل قال لى من قبل أن وقته من ذهب، وقبيلة السكرتارية تعمل بأحدث أساليب العصر والتخصص، هناك مدير للمكتب كله، ثم مدير لدرج مكتبه اليمين ومدير لدرج مكتبه الشمال، ومدير للدرج الأوسط، ومدير لكرسى المكتب مهمته الوقوف خلف البشارى بيه ليدير به الكرسى أثناء حديثه مع الزوار ! انتظرت المدير العام فى مكتبه، وما لبث أن جاء يحيينى بحرارة قائلا «الوزير جاي»، ثم قال «تصور أنا سعيد بزيارة الوزير وأذكر بها نفسى فى كل لحظة حتى ازداد سعادة، غير صحيح إننى خائف منها لأن طول عمرنا فى منتهى اللطف مع أحبابنا المواطنين، ونظر لى مرحبا «الوزير جاى.. قصدى قهوة ولا شاى»، ودخل الساعى ليقول له البشارى بيه «الوزير جاي؟»، فعرضت عليه شكوى المواطن صابر أيوب فى حق «ظنانة» أفندى الذى يرفض أن ينجز أوراقه، فأكد أن «ظنانة أفندى» من أدق الموظفين وحريص فى اتباع القواعد والأصول لدرجة أنه رفض أن يوقع على عقد زواجه إلا إذا صدق على توقيعه المدير العام، وتعطل عقد قرانه إلى أن عثروا عليّ، فوقعت عقد زواجه ولم يقبل أن يسلمنى عقد زواجه لأوقعه إلا بالسركى ! عبرت للبشارى بيه عن إعجابى بدقة ظنانة أفندى الذى يرفض إنجاز أوراق صابر أيوب إلا إذا راجعها ووقعها «الزعتراوى» أفندى أولا وما عليك إلا أن تستدعى «الزعتراوى» أفندى ليوقع على أوراق صابر، فرد البشارى بيه قائلا «مستحيل طبعا لأن الزعتراوى أفندى مات.. ولقد فوجئنا منذ ثمانية أشهر بمن يبلغنا أن الزعتراوى أفندى مات، فتوجهنا إلى منزله لتشييع جنازته، ولم نخطر رسمياً حتى الآن بأنه قد مات ونحن لا نعتد بغير الأوراق الرسمية، ولهذا نعتبره لايزال على قيد الحياة ولايزال موظفاً عندنا طالما لم يتقدم أحد إلينا بشهادة وفاة أو إعلام وراثة لأنه مقطوع من شجرة، لا أب ولا أم ولا عم ولا جنس قريب له على سطح الكرة الأرضية، وعندما سألت البشارى بيه إن كان واثقاً من أن الزعتراوى قد مات ؟ قال إنه واثق من أن «الوزير جاى»، وأكد أن الزعتراوى مات وشبع موت لأنه حضر غسله من باب الثواب، لكنه لا يصدق إلا الأوراق الرسمية، ولا يزال يعتبره حياً، واطلعنى على قرار رسمى موقع بخط يده عبارة عن أمر إداري بخصم 15 يوماً من مرتب الزعتراوى أفندى لتغيبه عن العمل بدون إذن واستنفاذه إجازاته الاعتيادية والعرضية والمرضية وإنذار بالفصل. قلت له: أرجوك تفصله حتى نحل مشكلة صابر أيوب، اذا لم تنجز أوراقه فسوف يبيع كل ما يملك ويصبح هو وزوجته وأولاده فى الشارع، فقال البشارى بيه «الوزير جاي»، قلت له «إننى أحدثك عن صابر أيوب»، فقال إنه لا يستطيع أن يفصل الزعتراوى أفندى إلا بعد إجراءات تحتمها اللوائح والقوانين وأهمها حضور الزعتراوى أفندى أمام المحكمة التأديبية، ثم أضاف «الوزير جاي»، وعبثا حاولت أن أناقش مشكلة المواطن صابر أيوب مع أحمد بيه البشارى جعدار الذى سيطرت عليه فوبيا «الوزير جاى»! . أحمد رجب من كتاب «كلام فارغ» ذكاء المرأة فى جرجرة الرجل لعش الزوجية ! مسألة التفوق الذكائى للمرأة على الرجل مفروغ منها مهما كابر فيها الرجل وسفسط، فمثلاً.. يظل الشباب يسخر من الزواج حتى يجد نفسه مربوطاً من رجليه بحبل، والطرف الآخر منه فى يد المرأة التى تسحله وتجره على وشه إلى عش الزوجية بدون ألم، وبفضل حقنة البنج أو حقنة الحب التى تحقنه بها قبل سحله، فالمرأة تحرص على أن يتمم الشاب نصف دينه، وتحقق هذا بذكائها، والزواج مرض وراثى يتوارثه الابن عن الأب عن الجد عن جد الجد، والشاب يميل إلى الفرار من هذا المرض الوراثى مدفوعاً بغريزة الدفاع عن النفس وحب البقاء، لكن غريزة أخرى تتغلب عليه فى النهاية هى غريزة حب الانقياد للمرأة التى تزداد قوة وفاعلية كلما تقدم الرجل فى السن حتى يصل إلى الدرجة التى ينهر فيها ابنه قائلاً : «ما بتسمعش كلام امك ليه يا ولد.. تكونش فاكر نفسك أحسن منى ؟»! والواقع أن المرأة هى صاحبة الفضل الأول فى تنمية غريزة حب الانقياد لها، فهى تبدأ مع الرجل خطة باهرة منذ شبابه المبكر المراهق لتعوده على الانقياد وراءها، فتلبس له المحزق لتراه يمشى خلفها بعيون مبحلقة، وتلبس له المينى جوب والميكروجوب فيسرع فى أعقابها بعيون أكثر بحلقة، فالمينى والميكرو والمحزق أدوات ضرورية لتدريب الرجل على أن يمشى دائماً فى الاتجاه الذى تسير فيه، وقد لا تلبس المحزق ولا المينى جوب ومع ذلك يمضى الرجل خلفها لأن الطبيعة تخدم المرأة فى انقياد الرجل وراءها، فسيقانها من الخلف أجمل من الأمام ! وعندما ينضج الشاب ويصبح على رصيد من الاتزان لا يجرى وراء مينى أو مكرو أو محزق، لكننا نجده يدخل مرحلة أخرى فى الانقياد للمرأة عندما يصبح جنتلمان يتقن فن الانحناء للمرأة ويحرص أن تتقدمه ليتبعها فى الحفلات والمجتمعات، وتكون المرأة هنا مرتدية فستان سواريه طويل وحشمة، لكنها لا تنسى بذكائها أن تقدم للرجل كل عوامل الترغيب ليمشى خلفها كالتابع عندما تجعل فستان السواريه عارى الظهر، فتنمى فيه غريزة حب الظهور النسائية حتى يظل يتبعها كالمسحور وهو فى حالة سعادة، وفى هذا التدريب يتعلم الرجل الانقياد للمرأة معنوياً، فرأيه يمشى خلف رأيها، لا لأن رأيها يلبس المينى جوب أو المحزق، ولكن لأنها تعرف كيف تقول رأيها ملفوفاً بذكاء فى ورق سلوفان وورق مفضض ومربوطاً بفيونكة وردى، بالإضافة إلى أن الرجل مهيأ نفسياً لكى يتبعها فى آرائها بعد أن تعلم - منذ شبابه المبكر - أن يكون تابعاً يسير خلفها سواء كان صايع فى الشارع، أو جنتلمان مجتمعات عنده غريزة حب الظهور العارية. والشيء الغريب المجرد من أى إنصاف أن يقال إن الرجل بعد كذا سنة زواج يتقوس ظهره ويمشى مطأطأ الرأس، وأعداء المرأة ينسون هذا التغيير الفسيولوجى الذى يطرأ على جسم الزوج بأن سببه هموم الزواج، وهذا افتراء على المرأة، فالرجل بعد كذا سنة جواز يتقوس ظهره ويصبح مطأطأ الرأس ليبحلق فى سيقانها، أو فستانها المحزق، ولما كان الرجل أطول قامة من المرأة فشيء طبيعى جداً أن يطأطئ رأسه - إن كان جنتلمان - ليبحلق فى ظهرها العارى، ولا يمكن عملا - أن يمشى رجل خلف امرأة مباشرة دون أن يطأطئ رأسه ليبحلق، وشيء عادى جداً بعد السنين الطويلة أن تحدث تلك التغيرات الفسيولوجية فى جسمه لإفراطه فى طأطأة رأسه لزوم البحلقة، وأنا أعرف زوجة مسكينة لا تستطيع أن ترى وجه زوجها إلا إذا جلست على الأرض وتطلعت إليه، فرأسه ملقى فوق صدره، لأنه كان أكبر خباص فى شبابه ! أحمد رجب من كتاب «توتة توتة» قصة الوفاء ومعاناة المرض بين رجب وحسين 40 عامًا جمعت بين الثنائى الأعظم أحمد رجب ومصطفى حسين، قدما خلالها «كنوز» فى مجال الكلمة الساخرة والكاريكاتير الذى كان يفجر الضحكات ويرسم البسمة على شفاه الناس كل صباح، باستثناء 6 سنوات افترقا خلالها وعادا معًا بعد أن زالت أسباب الخلاف فى نهاية عام 2003، ويقول مصطفى حسين عن تلك العلاقة النادرة: «بدأت علاقتى بصديق عمرى أحمد رجب على يد الأستاذ مصطفى أمين بعد عودته إلى أخبار اليوم فى عهد الرئيس أنور السادات، وقرر وقتها الأستاذ مصطفى أن يجمعنى كرسام كاريكاتير بالكاتب الساخر الأشهر أحمد رجب، فقدمنا معا - هو بالكلمة وأنا بالريشة - كل ما أبدعناه فى مطبوعات دار أخبار اليوم، وارتبط بنا قارئ جريدة «الأخبار» يومياً بما يكتبه هو فى «نصف كلمة» وما أرسمه أنا بالصفحة الأولى والأخيرة، وعندما مرضت بالسرطان، وكانت حالتى تسوء كل يوم عن الذى سبقه لعدم توافر العلاج الذى أحتاج إليه، فدخلت فى غيبوبة جعلت أحمد رجب يقلب الدنيا من أجلى وطلب من المسئولين أن يأمروا بسفرى إلى الخارج وعرفت أنه كتب «عقلى وقلبى وكل مشاعرى خارج السيطرة؛ لأن إنساناً من أعز الناس يقف الآن على حافة الحياة.. وأتوسل إلى الله ألا يغيب عن ناظرى.. إنه مصطفى حسين الذى قاسمنى أعنف معارك الصحافة، يخوض الآن وحده آخر معارك العمر دفاعاً عن الحياة.. صلوا معى من أجله .. إننى أكتب هذا العمود كل يوم بعد إجازة قصيرة من فكر ضبابى شارد مع المنعطف الذى يجتازه مصطفى حسين» وعندما سافرت للعلاج فى لندن كان يتصل بى باستمرار، وهذه مسألة مكلفة ماديًا، لكن مكالمته كانت لها أثر بالغ فى نفسيتى، فأنا طريح الفراش بلا حول ولا قوة لمدة أربعة أشهر، وكان المنظر الذى أشاهده من الحجرة لا يتغير، مما كان يشعرنى بالكآبة والرتابة لكن أحمد رجب هون علىّ ما قاسيت خلال فترة المرض، وفور عودتى للقاهرة كان من الطبيعى أن اعتذر لنبل شخصيته وأقول له «سامحنى يا أحمد.. أنت أحسن منى»، وعادت علاقتى به أفضل مما كانت عليه». «كنوز»