وزير الإسكان يتابع موقف مشروعات مياه الشرب والصرف الصحي ضمن المبادرة الرئاسية "حياة كريمة" بمحافظتي الفيوم والمنيا    «الإنجيلية» تبحث مع شركائها الدوليين والمحليين سبل تعزيز التعاون التنموي    إعلام عبري: تل أبيب أبلغت واشنطن بخطة الهجوم الإسرائيلي على غزة    منتخب الناشئين يهزم المغرب ويواجه إسبانيا في نصف نهائي مونديال اليد    الكشف عن حكام مباريات الجولة ال 11 بدوري المحترفين المصري    ثروت سويلم: ما يحدث مع المنتخب الثاني يؤكد أننا لم نكن نجامل الأهلي أو الزمالك في السنوات الماضية    ضبط أطنان من اللحوم المفرومة مجهولة المصدر بالخانكة    شاب يعتدي على والدته المسنه بسكين في الفيوم لعدم اعطائه مبلغ مالى لشرء مواد مخدرة    تجديد حبس المتهم بقتل أطفال اللبيني ووالدتهم    اليوم.. المحكمة تحسم مصير «أوتاكا» بتهمة غسل أموال ونشر محتوى خادش    في الشغل محبوبين ودمهم خفيف.. 3 أبراج عندهم ذكاء اجتماعي    موعد حفل افتتاح المتحف المصري الكبير والقنوات الناقلة    أسعار الفراخ البيضاء والساسو وكرتونة البيض الأبيض والأحمر الأربعاء 29-10-2025    الدوري الإيطالي، ميلان يسقط في فخ التعادل 1-1 أمام مضيفه أتالانتا (صور)    نجم الزمالك السابق: بيراميدز المرشح الأول للفوز بالسوبر    أبرزها الترسانة ضد بلدية المحلة.. مباريات الجولة ال 11 بدوري المحترفين المصري    ميلان ينجو من فخ أتالانتا بتعادل مثير في بيرجامو    وزير الاستثمار يشارك في النسخة التاسعة ل " منتدى مبادرة الاستثمار" بالمملكة العربية السعودية    رسميًا.. موعد امتحان 4474 وظيفة معلم مساعد رياض أطفال بالأزهر الشريف (الرابط المباشر)    نائب الرئيس الأمريكي: اتفاق وقف إطلاق النار في غزة صامد وسيستمر    الخارجية الفلسطينية ترحب بالتقرير الأممي لحالة حقوق الإنسان في الأرضى المحتلة    التحفظ على كاميرات طوارئ قصر العيني والتقرير الطبي لوالدة أطفال اللبيني بفيصل    إصابة شخصين في حريق شقة سكنية بمنشأة القناطر    اعترافات قاتل «أطفال اللبيني» تكشف كيف تحولت علاقة محرمة إلى مجزرة أسرية    بني سويف ترقبًا لقرار الفيدرالي: أسعار الذهب تتأرجح وسط حالة من الحذر اليوم الأربعاء 29-10-2025    رسميًا.. موعد صرف مرتبات شهر نوفمبر 2025 بعد قرار وزارة المالية (اعرف هتقبض كام؟)    جوهرة مكرسة لعرض حضارة واحدة، المتحف المصري الكبير يتصدر عناوين الصحف العالمية    تزيد حدة الألم.. 6 أطعمة ممنوعة لمرضى التهاب المفاصل    ميدو: الكرة المصرية تُدار بعشوائية.. وتصريحات حلمي طولان تعكس توتر المنظومة    انتشال جثث 18 مهاجرًا وإنقاذ أكثر من 90 شخصًا قبالة السواحل الليبية    افحص الأمان واستخدم «مفتاح مرور».. 5 خطوات لحماية حساب Gmail الخاص بك    جيسوس يدافع عن رونالدو بعد هزيمة النصر ضد الاتحاد    "أسوشيتد برس": الاستخبارات الأمريكية حاولت تجنيد ربان طائرة مادورو    اتحاد الغرف التجارية يكشف خطته لمواجهة التخفيضات الوهمية في موسم البلاك فرايداي    الحظ المالي والمهني في صفك.. حظ برج القوس اليوم 29 أكتوبر    خبراء وأكاديميون: إعادة تحقيق التراث ضرورة علمية في ظل التطور الرقمي والمعرفي    الفيلم التسجيلي «هي» يشارك في المهرجان المصري الأمريكي للسينما والفنون بنيويورك    أسامة كمال: معنديش جهد أرد على الدعم السريع.. اللي حضّر العفريت مش عارف يصرفه    تدريب طلاب إعلام المنصورة داخل مبنى ماسبيرو لمدة شهر كامل    بمكونات منزلية.. طرق فعالة للتخلص من الروائح الكريهة في الحمام    الدكتور خالد أبو بكر: مصر دولة قوية تحترم وتملك رصيدا سياسيا كبيرا لدى شركائها الأوروبيين    قنديل: الصراع في غزة يعكس تعقيدات المشهد الدولي وتراجع النفوذ الأمريكي    أمين الحزب الاتحادي السوداني: ما يرتكبه الدعم السريع بالفاشر جرائم ممنهجة لتفتيت السودان    رسميًا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 29 أكتوبر 2025    لمسة كلب أعادت لها الحياة.. معجزة إيقاظ امرأة من غيبوبة بعد 3 سكتات قلبية    قافلة طبية بالدقهلية تقدم الرعاية الصحية ل 1736 شخصًا في ميت غمر    دعاية مبكرة.. جولات على دواوين القبائل والعائلات لكسب التأييد    أمين الفتوى: زكاة الذهب واجبة فى هذه الحالة    "فتح": الإجماع على تنفيذ اتفاق شرم الشيخ خطوة استراتيجية    اتخاذ إجراءات ضد استخدام الهاتف المحمول.. وكيل تعليمية قنا يتفقد مدارس نقادة بقنا    ما هو سيد الأحاديث؟.. الشيخ خالد الجندي يوضح أعظم حديث يعرّف العبد بربه    خالد الجندي: «الله يدبر الكون بالعدل المطلق.. لا ظلم عنده أبداً»    أذكار المساء: أدعية تمحو الذنوب وتغفر لك (اغتنمها الآن)    قبل الشتاء.. 7 عادات بسيطة تقوّي مناعتك وتحميك من نزلات البرد والإنفلونزا    افتتاح المبنى الإداري الجديد لكلية الهندسة جامعة الأزهر في قنا    الطائفة الإنجيلية: التعاون بين المؤسسات الدينية والمدنية يعكس حضارة مصر    ضمن «صحح مفاهيمك».. واعظات «الأوقاف» يقدمن لقاءات توعوية لمكافحة العنف ضد الأطفال بشمال سيناء    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 2026 ومكانته العظيمة في الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الألعاب الملهمة للأطفال الحمقى
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 26 - 08 - 2024


أنا ماريا ماتوته
ترجمة : مها عبد الرؤوف
الطفلة القبيحة
كانت الطفلة ذات وجه داكن وعينين كالتوت الأسود. كانت الطفلة تمشط شعرها وتقسمه إلى جديلتين على جانبى وجهها. كانت تذهب كل يوم إلى المدرسة، حاملة دفترها المملوء بالحروف وتفاحتها اللامعة لتناولها فى فترة الراحة.
لكن الفتيات فى المدرسة كن يصحن بها: «أيتها الفتاة القبيحة». كن لا يمسكن بيدها، ولا يرغبن فى الجلوس بجانبها، لا فى اللعبة الدوارة ولا فى نط الحبل... «اذهبى بعيدًا، أيتها الفتاة القبيحة».
كانت الفتاة القبيحة تأكل تفاحتها، وتراقبهن من بعيد، من تحت أشجار الأكاسيا، بجانب الورود البرية، والنحل الذهبي، والنمل المؤذي، والأرض الدافئة تحت الشمس.. هناك لم يكن أحد يقول لها: «اذهبي».. فى أحد الأيام، قالت لها الأرض: «أنت لونك كلوني».
لقد وضعوا تاجا من الزهور ذات الاشواك على رأس الفتاة، والزهور من القماش والورق المجعد فى فمها، وأشرطة زرقاء وأرجوانية على معصميها.. كان الوقت متأخرًا، وقال الجميع: «ما أجملها». لكنها عادت إلى لونها الدافئ، إلى ذلك العطر الخفي، إلى ذلك المخبأ حيث كانت تلعب مع ظلال الأشجار الممتدة، والزهور التى لم تُولد بعد، وبذور عباد الشمس.
غبار الفحم
كانت الفتاة من دكان الفحم ملطخة بغبار الفحم على جبينها ويديها وحتى داخل فمها. وقفت أمام قطعة المرآة المعلقة على مقبض النافدة وراحت تخرج لسانها وتتأمل سقف فمها الذى بدا ككنيسة صغيرة مغطاة بالسخام. كانت الفتاة من دكان الفحم تفتح صنبور الماء الذى كان دائماً يقطر، حتى عندما يكون مغلقاً، بقطرات خفيفة. كان الماء يخرج بقوة، كأنه يتكسر إلى ألف قطعة زجاجية مرتطما بالحوض الحجري. كانت الفتاة من دكان الفحم تفتح صنبور الماء فى الأيام التى تدخل فيها الشمس، لكى يتلألأ الماء، ولكى يتضاعف الماء فى الحوض وفى قطعة المرآة.
ذات ليلة، استيقظت الفتاة من دكان الفحم لأنها سمعت القمر يلامس النافذة. قفزت بسرعة من الفراش وذهبت إلى الحوض، حيث كانت الوجوه السوداء لعُمَّال الفحم تنعكس غالباً. كانت السماء بأكملها والأرض كلها مليئين، ومغطَّين بغبار الفحم الذى يتسلل من تحت الأبواب، ومن شقوق النوافذ، ويقتل الطيور، ويدخل فى الأفواه المفتوحة كالكنائس الصغيرة المكسوة بالسخام.
نظرت الفتاة من دكان الفحم إلى القمر بحسد شديد»لو أستطيع أن أدخل يدى فى القمر — فكرت —. لو أستطيع أن أغسل وجهى بالقمر، وأسناني، وعيني». فتحت الفتاة الصنبور، ومع ارتفاع الماء، انخفض القمر، انخفض، حتى غطس داخله. عندئذ قلدته الفتاة. وفى حضن القمر، شاهد الفجر الفتاة فى قاع الحوض.
الولد الأسمر ذو العيون الزرقاء
ذات ليلة وُلد طفل.
عرفوا أنه غبى لأنه لم يبكِ وكان أسمر كالسّماء. تركوه فى سلة، وكان القط يلعق وجهه. لكن، فيما بعد شعر القط بالغيرة واقتلع عينيه. كانت العينان زرقاوين داكنتين، مع الكثير من الشرائط الحمراء. ولكن حتى حينها لم يبكِ الطفل، ونسيه الجميع.
كان الطفل ينمو ببطء داخل السلة، والقط الذى كان يكرهه كان يؤذيه. لكنه لم يدافع عن نفسه، لأنه كان أعمى.
فى أحد الايام..لفحته ريح لطيفة جدا.. نهض، ومع ذراعيه الممدودتين ويديه المفتوحتين كالمراوح، خرج من النافذة.
فى الخارج، كانت الشمس ملتهبة.. تقدم الطفل الغبى بين صف من الأشجار التى كانت رائحتها كالعشب الرطب وتلقى بظلٍ مظلم على الأرض.. عندما دخل فى الظل، وقف الطفل ثابتًا، كأنه يشرب موسيقى. وأدرك حينها كم كان يحتاج إلى عينيه الزرقاوين.
كانتا زرقاوين -قال الطفل الأسمر- زرقاوين، مثل صرير الجرار، وصفير القطار، والبرد. أين ستكون عيناى الزرقاوان؟ من سيعيد لى عينى الزرقاوين؟
لكنه لم يبكِ أيضًا، وجلس على الأرض. ينتظر، ينتظر
دوت أصوات الطبول والدُفوف، والأجراس، وحفيف التنورات الصفراء الخفيف وأثر الأقدام الحافية الناعمة. جاءت غجريتان، مع دب كبير. دب كبير مسكين، بجلد مثقوب. رأت الغجريتان الطفل الغبى والأسمر. رأتاه ثابتًا، يضع يديه على ركبتيه، محجرا عيناه حمراوان ونضران، ولم تصدق أنه حي. لكن الدب، عند رؤية وجهه الأسود، توقف عن الرقص. وبدأ ينتحب ويبكى من أجله.
لكزت الغجريتان الحيوان: ضربتاه، ولعنتاه بكلماتهما القاسية حتى شعرتا بنفحة الساحرات فى عمودهما الفقرى فابتعدتا بخطوات حية. ربطتا حبلًا حول عنق الدب وسحبتاه بعيدًا، مغطاتين بالغبار.
تساقطت جميع أوراق الأشجار، وبدلاً من الظل، غمر الطفل الغبى اللون الأحمر والذهبي. أصبحت جذوع الأشجار سوداء وجميلة جدًا.
كانت الشمس تغمر الطريق عندما ظهر من بعيد كلب بلون القرفة لم يكن له صاحب. شعر الطفل بخطواته قريبة واعتقد أنه سمع صوت ذيله يدور كالطاحونة فاعتقد أنه سعيد.
قل لي، أيها الكلب الذى لا صاحب له ، هل رأيت عينى الزرقاوين؟
وضع الكلب كفيه على كتفيه ولعق رأسه ذو العنب الأسود. ثم بكى طويلًا، طويلًا جدًا .. اختفى نباحه خلف الشمس، المتوارية بالفعل فى بلد الجبال.
عندما عاد النهار، توقف الطفل عن التنفس. أطلق الكلب، الممدد عند قدميه طوال الليل، دمعتين رنتا كجرس صغير. معتادًا على المشى على الأرض، حفر بمخالبه حفرة عميقة تفوح منها رائحة المطر والدود المقطع، والخنافس الحمراء المرقطة بالسواد. أخفى الطفل بداخلها.
أخفاه جيدًا، حتى لا يجده أحد، لا الأنهار الخفية، ولا الأقزام، ولا النمل الوحشي.
جاء وقت الأمطار والروائح الدافئة، وتفتحت زهرتان توأم فى الأرض الحمراء للطفل الغبى والأسمر.
الحريق
أمسك الطفل أقلام الرصاص البرتقالية، والقلم الأصفر الطويل، وذلك القلم الذى كان أحد طرفيه أزرق والطرف الآخر أحمر. ذهب بها إلى الزاوية، وتمدد على الأرض. كانت الزاوية بيضاء، وأحيانًا نصفها أسود، والنصف الآخر أخضر.
كانت زاوية البيت، وكانوا يطلونها بالجير كل يوم سبت. كانت عينا الطفل متهيجتين من كثرة البياض، من كثرة الشمس التى تقطع نظره كأنها شفرات السكين.
كانت أقلام الطفل برتقالية، حمراء، صفراء وزرقاء. أشعل الطفل النار فى الزاوية بألوانه. أقلامه - خاصة ذلك القلم الأصفر الطويل - اشتعلت فى المصاريع والنوافذ الخضراء، وكل شيء كان يطقطق، يلمع، يتشابك. وثمة مطر جميل من الرماد تناثر فوق رأسه..ذلك الذى أحرقه.
ابن الغسالة
كان أبناء المدير يرمون ابن الغسالة بالحجارة لأنه كان دائمًا يسير خلف أمه السمينة حاملا دلوًا مليئًا بالملابس، فى طريقهما إلى المغسلة. كان أبناء المدير يصفرون عندما يمر، ويضحكون كثيرًا وهم يرون ساقيه اللتين كانتا تبدوان كعودين جافين من تلك التى تتكسر وتصدر أصوات طقطقة مع الحرارة.
كان ابن الغسالة يريد أن يشج رأسه الأصلع بالحجارة، مثل بطيخة- فرشاة، ذلك الرأس الطويل والرمادي، المليئ بالندوب، الرأس الغبى الذى كان يثير لديه الكثير من الغضب.
ذات يوم، قامت أمه السمينة بتحميمه فى الحوض، وضعت الصابون على رأسه المحلوق، رأس-بطيخة، رأس-حجر، رأس-كبير، الذى يجب أن يكسر مرة واحدة.
وقبلته الأم السمينة على رأسه الأصلع الكبير، وفى ذلك المكان الذى طبعت فيه القبلة سالت دماؤه من ضربة حجر القاه أبناء المدير الذين كانوا ينتظرونه مختبئين خلف أشجار العليق المزهر.
السنة التى لم تأت
كان من المفترض أن يبلغ الطفل عامًا. خرج إلى الباب ونظر إلى حافة الأشياء، حيث طغى لون مختلف عن كل شيء. قال: «سأبلغ عامًا، الليلة، فى العاشرة»، أصبح الضوء أكثرسطوعا وامتدادا يملأ قشرة السماء. مدّ الطفل ذراعيه وبدأ يمشى متعثرا.
كان يجر فى كل قدم كيسًا من الرمل الذهبي. سمع صرخة طيور الخطاف العالية. ارتفعت، مثل رشة الحبر، نحو ذلك الضوء الجميل. «سأبلغ عامًا، الليلة، فى العاشرة».
لكن صرخة الخطاف ثقبت قشرة الضوء، اللون الذى كان مختلفًا عن كل الأشياء، وهربت تلك السنة، الجديدة، الخضراء، المرتعشة. هربت عبر ذلك الثقب، ولم يتمكن من اتمامها.
الشجرة
كل يوم، عندما كان يعود من المدرسة، كان الطفل الذى يحلم ينظر إلى تلك النافذة الكبيرة للقصر. داخل النافذة كانت هناك شجرة. لم يكن الطفل يستطيع أن يفهم ذلك، وحتى فى أحلامه لم يستطع تفسيره. فى بعض الأحيان كان يقول لأمه: «فى ذلك القصر، داخل الغرفة، على الجانب الآخر من زجاج النافذة، لديهم شجرة».
كانت الأم تنظر إليه بعينين جديتين وثابتتين.. فجأة، كان يبدو عليها الخوف، وتضع يدها على رأسه قائلة: «لا يهم، يا صغيري». لكن ذكرى الشجرة كانت تطارد الطفل خارج أحلامه.
«رأيت الشجرة أمس فى الصباح وأمس فى المساء، داخل الغرفة.. لدى سكان ذلك القصر شجرة فى وسط القاعة. لقد رأيتها. إنها شجرة توأم للشجرة التى تعيش على الرصيف، داخل مربعها الصغير من الأرض، بين الأسمنت. نعم، أمي، إنها الشجرة التوأم، لقد رأيتهما يتبادلان الإشارات بالأغصان».
ولأنه لم يستطع التفكير فى أى شيء آخر، انصرفت عنه أحلامه. وعندما جاءت الأيام بلا صباح، بلا مساء، ولا ليل، عندما كانت يد الأم تبقى لفترة طويلة على جبهته، لوقف أفكاره، كان الطفل يبحث بجهد فى أرضية غرفته وتحت السرير: «ربما الشجرة تبحث عنى تحت الأرض، وتدفع الأرض حتى تجدني».
وصل خوف الأم إلى الطفل فى حلقه وبدأت أسنانه تصطك. «لا يهم، يا صغيري». أخيرًا، وفى أحد الايام حل الليل. دخل إلى الغرفة وأخذ كل شيء. «أمي، يا لها من شجرة كبيرة»، قال الطفل، وهو ضائع بين أغصانها. لكنه لم يعد حتى يسمع ذلك الصوت الذى كان يكرر: «لا يهم يا صغيري،لا يهم».
الولد الذى وجد كمانًا فى الحظيرة
كان بين أبناء الفلاح ولد ذو شعر طويل ذهبى مجعد مثل نشارة الخشب. لم يسمعه أحد يتحدث قط، لكن كان له صوت جميل لا ينطق بأية كلمة، ومع ذلك كان يتقوس مثل القصب، ويتوتر مثل وتر القوس، ويسقط كالحجر أحيانًا، وأحيانًا أخرى يشبه صوت الرياح عند حافة الجبل.
كان يُطلق على هذا الولد اسم «زوم-زوم».. لم يكن أحد يعرف لماذا، وربما لم تكن الفلاحة نفسها -التى تروح وتغدو من ناحية لأخرى دائمًا بيدين مشغولتين- تعرف متى جاء هذا الولد إلى العالم. لم يكن زوم-زوم يعبأ بأحد. وكان إذا ناداه الأطفال يبتعد، وكان الأطفال يظنون أنه كبر أكثر من اللازم للانضمام إلى ألعابهم. وإذا ناداه اخوته الأكبر سنًا، كان زوم-زوم أيضا يبتعد، وكان الجميع يظنون أنه لا يزال صغيرا جدا للعمل.
أحيانًا، وسط انشغالاتها، كانت الفلاحة ترفع رأسها وتراه يمر، مثل همسة ورقة. كانت تلاحظ قدميه العاريتين، وتقول لنفسها: «سأغطى هاتين القدمين الجريحتين.. يجب أن أغطيهما، كى لا يحطمهما الصقيع، ولا تبللهما الأمطار، ولا تلدغهما الحجارة». ولكن بعد ذلك كان زوم-زوم يبتعد، وتنسى هي، وسط كل هؤلاء الأولاد، لمن يجب أن تشترى النعال.
وإذا بدأت تحصيهم على أصابعها، كانت الحسابات تختلط عندما تصل إلى زوم-زوم: بين من وُلد؟ بين بيدرو وخوان؟ بين بابلو وخوسيه؟ وتبدأ الفلاحة حساباتها من جديد حتى تصلها الرائحة المنبعثة من الفرن فتجرى بسرعة إلى المطبخ.
ذات مساء، صعد زوم-زوم إلى الحظيرة. كانت قد أمطرت فى الخارج لكن فى الداخل كانت الشمس تجول فى المكان. عند حافة النافذة رأى بضع قطرات من الماء، التى كانت تلمع وتسقط، بصوت رنين يملؤه بالحزن. كان هناك أيضًا قفص حديدي، وداخله غراب، احتجزه الأولاد الكبار. بدأ الغراب الأسود يقفز فى اضطراب كبير عندما رآه. وفى إحدى الزوايا كان الكلب نائمًا، ورفع إحدى أذنيه.
«ها هو هنا!» صرخ الغراب، يائسًا. «ها هو هنا، لينظر ويستمع «لقد وُلد فى مساءٍ مثل هذا»، قال الكلب، الذى كان على ظهره الكثير من الشعر الأبيض. نظر زوم-زوم حوله بعينيه الواسعتين العميقتين، ثم بدأ يبحث عن شيء ما.
كان يعلم أنه يجب أن يبحث عن شيء ما. كانت هناك أكواز الذرة وحبات التفاح، لكنه كان يبحث فى الزوايا المظلمة. فى النهاية وجده. وعلى الرغم من أن قلبه كان مليئًا بالحزن الشديد، أخذه بين يديه. كان كمانًا قديمًا، مغطًا بالغبار، بأوتار مقطوعة.
«لا فائدة من الكمان، إذا لم يكن له صوت»، قال الغراب، وهو يقفز ويضرب قضبان القفص، جلس زوم-زوم لربط الأوتار، التى كانت تلتف بخجل.»
«لا تؤذ نفسك، يا ولد»، قال الكلب. «الكمان فقد صوته منذ سنوات، وأنت ظهرت فى المزرعة، أيها الولد المسكين الغبي..أنا أتذكر، لأننى عجوز وظهرى مغطى بالشعر الأبيض».
كان الغراب غاضبًا جدًا: «ما الفائدة منه.. أنه كبير على اللعب صغير على العمل..إنه كشخص لا يصلح للكثير من الأشياء».
تثاءب الكلب، ولعق قدميه بحزن، ونظر إلى زوم-زوم، بعينين مليئتين بالاستسلام للقدر..
ربط زوم-زوم أوتار الكمان، ونزل السلم وتبعه الكلب.فى الأسفل، فى الفناء، كان جميع الأولاد والبنات فى المزرعة مجتمعين. وعندما رأوا زوم-زوم، قالت البنات «غن أيها الولد الغبي..غن نريد أن نسمعك». لكن زوم-زوم لم يفتح شفتيه، اللتين بقيتا مغلقتين، مثل صدفة وردية وصغيرة وصلبة. أعطى الكمان للأخ الأكبر، وانتظر.. نظر بعينين مثل الآبار العميقة الصافية.
قال الأخ الأكبر:
«لا تنظر إليّ هكذا أيها الولد الغبي. عيناك تؤلماني».
كان لديهم رغبة شديدة فى سماع الموسيقى لدرجة أن الأخ الأكبر صنع قوسًا من شعر ذيل الحصان..الحصان أيضا ثبت عينيه، السوداوتين الدائريتين عليه. وكانت هاتان العينان متوسلتين مثل عينى الولد والكلب. بدت كأنهما تقولان: «آه، لو لم تفعل ذلك! لكن من الضروري، إنه حتمي، أن تفعل».
ابتعد الأخ عن تلك العيون، وبدأ يعزف الكمان..خرجت موسيقى حادة، موسيقى مروعة. بدا للأخ الأكبر أن الكمان كان مفعما بالحياة، وأنه يغنى من تلقاء نفسه.
«إنه صوت زوم-زوم، الولد المسكين الغبي!» قالت الفتيات. نظر الجميع إلى الولد الغبي. كان فى وسط الفناء، بشفتيه الصغيرتين الصلبتين والورديتين، مغلقتين تمامًا. رفع الولد ذراعيه وكل إصبع من أصابعه كان يلمع تحت الشمس الشاحبة. ثم انحنى، وجثا على ركبتيه، وسقط على الأرض.
ركض الجميع نحوه، وأحاطوا به.. حملوه. لمسوا وجهه، شعره بلون القش، فمه المغلق، قدميه ويديه، الطريتين.
وفى نافذة الحظيرة، كان الغراب، داخل قفصه، يرفرف بغضب، لكن ثمة ضحكة خشنة كانت تهزه.
أوه!» قال الجميع، بخيبة أمل. «إنه لم يكن ولدًا! إنه كان فقط دمية»
وتركوها. أخذها الكلب بين أسنانه، وحملها بعيدًا عن الموسيقى والرقصة السخيفة فى المزرعة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.