تحتفى «الأخبار» بواحدٍ من أهم نجومها من خلال صفحة « كنوز» بإضاءة 100 شمعة احتفالاً بمئوية الكاتب الكبير أنيس منصور الذى أطل على الدنيا فى 18 أغسطس 1924، وبدأ مشوار نجوميته فى بلاط صاحبة الجلالة الصحافة من مؤسسة «أخبار اليوم» وتولى بها رئاسة تحرير «الجيل» و«هى» ومجلة «آخر ساعة»، وقد وصفه د. طه حسين بأنه أكبر قارئ فى العالم العربي، الأكثر انتشاراً عند القراء من بين كل الكتاب العرب، الملقب بفيلسوف بلاط صاحبة الجلالة الصحافة، صاحب العبارات القصيرة الرشيقة التى تشبه رشاقة راقصات الباليه. ومن أكثر الكتاب غزارة فى الإنتاج المتنوع فى مجال المقال والقصة والمسرحية والتأملات وأدب الرحلات وما وراء الطبيعة، ومُختلف عليه سياسياً وأيديولوجياً، الذين يحبون الزعيم جمال عبد الناصر على عداءٍ معه، والذين يحبون الرئيس السادات يناصرون كتاباته ويؤيدون كتاباته المؤيدة لعملية السلام التى قام بها الرئيس السادات، وخاض من أجلها معارك ضارية مع منتقديه فى هذا المسار! يجب ألا تُنسينا تلك المعارك أن كاتبنا الكبير خدعنا وكذب علينا عندما ادعى عداوته للمرأة، وللأسف صدقناه من كثرة ما كتب فى هذا الموضوع، فهو من قال على سبيل المثال: «ثلاثة أصناف من البشر لا يستطيعون فهم المرأة، الأطفال والشبان والشيوخ - لا تجادل امرأة غاضبة فأنت بذلك تضيع وقتك.. ولا تجادل امرأة راضية فأنت بذلك تضيع وقتها - كل شيء مطبوع على الجبين إلا الزواج ملطوع على القفا - كيف تصدق من ينادى بالحرية ثم يتزوج - المرأة العاملة أنثى أحياناً ورجل معظم الوقت - هناك طريقتان لمناقشة المرأة كلتاهما بلا نتيجة - إذا أحببت فأطبق عيناً وأطبق أذناً .. وإذا تزوجت فانسى أن لك عيناً أو إذناً - لا تصدق نصيحة رجل متزوج فقد كان أولى بهذه النصيحة - يظلم المرأة من يقول إنها تكذب ويظلمها أكثر من يقول إنها لا تكذب - يسعد المرأة من يقول لها انتِ قمر مع أن للقمر وجهين - آخر ما يموت فى المرأة لسانها - .. إلى آخر هذه العبارات التى نحتها أنيس فى كراهيته للمرأة والسخرية منها والتقليل من شأنها»، فهل كان أنيس عدواً للمرأة وكارهاً للزواج لسنوات طويلة من عمره ؟ الحقيقة عكس ما كان يكتبه الكاتب الأشهر فى عالمنا العربى الذى نجح فى خداع القراء ليحقق الشهرة التى يريدها مثلما فعل أستاذه توفيق الحكيم، أنيس فعل عكس ما كان يكتبه عندما وسط الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل ليُقنع السيدة رجاء حجاج التى أحبها بجنون لتقبل الزواج منه، وهى الحبيبة التى وصفها بأنها ابنته وزوجته وحبيبته التى أهدتها له السماء، ولم يحب عليها أو يتزوج بغيرها واستمر زواجهما لنصف القرن حتى رحيله فى أكتوبر 2011. ومن شدة حبه لها وهيامه بها وتقديره لشخصيتها خصص لها إهداء كتاب «فى صالون العقاد كانت لنا أيام» الذى قال فيه «إلى التى لولا تشجيعها ما كان السطر الأول فى هذا الكتاب، ولولا تقديرها ما اكتملت هذه الصفحات، امتناناً عميقاً وحباً أعمق: إلى زوجتى»، وقد اعترف فى حوار تليفزيونى بأنه يحب المرأة التى استطاعت بذكائها وتسامحها ورقتها، وقوة شخصيتها واحتوائها، أن تجذبه بخيوطٍ حريرية من حياة العزلة ليصبح مخلوقاً اجتماعياً ينعم بالزواج. وعن كثرة كتاباته التى كانت ضد المرأة والزواج .. تقول أرملته السيدة رجاء حجاج فى حديث لها مع مجلة «عين» إن أنيس بطبعه ساخر، ويسخر من كل شىء، وعندما كنت أقول له إن الناس سيظنون أنك تعيس فى حياتك بما تكتبه عن المرأة والحب والزواج كان يقول: «الواقع شىء والسخرية شىء آخر» وكنت أتفهم ما يكتبه، فقد كنت أعرف طباعه التى تجعله يسخر من الزواج والحب رغم ما بيننا من قصة حب طويلة وصفها بقصة الحب الأبدية، وعندما كنت أطالبه بالتخفيف من السخرية من المرأة كان يقول لى ضاحكاً «الناس فى حاجة إلى الابتسامة، وهناك المئات من الأزواج التعساء الذين ينتظرون من يخفف عنهم»، وأنيس كان الحياة كلها بالنسبة لى، وكنت الحياة بالنسبة له وبدونى كان يعجزعن فعل أشياء كثيرة». اقرأ أيضا| خبير مناخ يحذر من حالة واحدة تؤدي لحدوث تسونامي وغرق مدن على البحر المتوسط وتقول أيضاً: «أنيس لم يكن اجتماعياً بطبعه، كنت أقيم عزومات كثيرة فى منزلنا لكى يكون اجتماعياً، لكنه لم يكن يحب السهر وينام مبكراً ليستيقظ فى الفجر ليكتب حتى التاسعة صباحاً، ويكتب وهو حافى القدمين، وعدوه الأول نزلات البرد متأثراً فى ذلك بصديقه الموسيقار محمد عبد الوهاب الذى قال له: إن الغناء خسره وكسبه الأدب لأنه صاحب صوت جميل ومتقن فى الغناء، وكان يتقن تدبير المقالب الفكاهية مع كبار المشاهير فى الفن والصحافة والسياسة، وكان نباتياً يحب الشركسية والقلقاس والكشك، وأمر الأطباء عندما اشتد عليه المرض بأن يتناول اللحوم لكنه رفض بشدة، ولم يكن من هواة الأكل بالشوكة والسكين، لكننى أصريت أنه يأكل بهما». لم يكن إذن أنيس منصور عدواً للمرأة كما كان يكتب، ويبدو أنه سار على درب شيخ الأدباء توفيق الحكيم الذى أشاع عن نفسه صفة «البخل» وعداوته للمرأة، ولم يكن الحكيم لا هذا ولا ذاك، لكنه صنع لنفسه بذكاء شخصية تميزه بهذا وذاك، ونجح أيضاً أنيس منصور فى ذلك! مداعباته مع «العميد» وتوفيق الحكيم يعتبر كتاب «الكبار يضحكون أيضاً» من أمتع الكتب التى تثبت أن الكاتب الكبير أنيس منصور من كبار الحكائين، ففى هذا الكتاب يروى لنا عشرات الحكايات التى تتضمن مواقف فكاهية يتسم بها العديد من الشخصيات التى لها أسماء رنانة، وثقل اجتماعى وثقافى وفكرى وسياسي، فيروى لنا فى واحدة من الحكايات التى يتضمنها الكتاب موقفاً جمعه بعميد الأدب العربى الدكتور طه حسين عندما كان أنيس طالباً، فيقول: «كنا ونحن طلبة نقلد أساتذتنا فى المحاضرات وكنت أقلد صوت أستاذنا د. طه حسين وقد طلب منى أن أردد ما كنت أفعله فيما مضى وخجلت ولكنه أصر فقلدته وكان د. طه حسين يكرر الكلمات والمعانى فى الجملة الواحدة وكان صوته غنائيا». قلت: «إذا كنت راكباً حماراً فأنا راكب والحمار مركوب ولما كان المركوب هو ما نلبسه فى القدم، فلا أنا راكب ولا الحمار مركوب !».. وضحك د. طه حسين وأشرق وجهه وتراجع إلى الوراء فى لطف وحنان وطلب أن أعيد ذلك فأعدت وزدت على ذلك كثيراً وطويلاً ولم أنسِ حلاوة ابتسامة طه حسين.. وفى فصل بعنوان «البخلاء» يكتب أنيس حكاية أخرى مع شيخ الأدباء توفيق الحكيم الذى اتهمه أنيس بالبخل فسأله الحكيم : «هل تغديت عند العقاد؟ قال أنيس: «لا»، فقال الحكيم : «ولا اتعشيت ؟»، فقال أنيس: «لا»، وواصل الحكيم سؤاله: «ولا أتغديت أو اتعشيت عند طه حسين؟»، فرد أنيس: «لا»! فقال الحكيم: «الله.. امال يعنى محدش قال عنهم إنهم بخلاء ليه ؟ طيب إيه رأيك فى أن فيه ناس كتير اتغدوا عندي.. ومنهم أنور أحمد وكامل الشناوى ومحمد عبد الوهاب». ويقول أنيس منصور: إنه سأل الثلاثة، فقالوا: إن توفيق الحكيم وعدهم ولم يف بوعده ! فعاد أنيس إلى الحكيم ليقول له: «انت وعدتهم بالغداء ولكن لم يدخل بيتك أحد؟ فأجابه الحكيم متسائلا: «طب هل وعدك العقاد بالغداء أو العشاء، وهل وعدك طه حسين؟» فقال أنيس: «لا»، فقال الحكيم فى زهو وانتصار: «أنا وعدت وهذه مرحلة، والمرحلة القادمة سيكون الغداء».. ولم تأتِ بعد هذه المرحلة! ودعانا فى الخمسينيات كامل الشناوى إلى عشاء فى مكتبه على حساب توفيق الحكيم، وكان عبارة عن سمان وبسبوسة وأرز وسلطات، وجاء الحكيم وتلقى الشكر وحاولنا أن نعرف الأسباب التى ورطته فى هذه الوليمة الفخمة، فقال ضاحكاً: «قلة عقل ولن أعود إليها أبداً مهما كانت تشنيعات كامل الشناوى»، وشكرنا الحكيم على هذه المأدبة، ثم عرفنا بعد ذلك أن الفاعل الحقيقى هو الأستاذ محمد التابعى نيابة عن توفيق الحكيم، وعندما قلت لتوفيق الحكيم: «انصحنى يا أستاذنا»، قال: «أن تكون بخيلاً أفضل من أن تمد يدك إلى البخلاء»، وأضاف: «شوف يا أنيس.. النوم أرخص حاجة فى الدنيا، وأنت نائم لا تأكل ولا تشرب ولا تعزم أحداً على الأكل ولا يعزمك أحد!». من: «الكبار يضحكون أيضاً». «كوكب الشرق» أخرست ألسنة الرجال! كلما استمعت إلى أم كلثوم أدركت أن الدولة عندما ألغت الأوراق المالية فى فئة المائة جنيه قد احتفظت بهذه الأوراق الكبيرة.. فى صوت أم كلثوم وعبد الوهاب وأقلام العقاد وطه حسين والحكيم، فهذه الأوراق المالية التى لا يمكن إلغاؤها، أما الباقون فهم الفكة.. هم الأوراق الصغيرة.! لقد استطاعت أم كلثوم بذكائها وشخصيتها وصوتها الجميل أن تفرض احترامها على الناس.. أن ترفع مستوى الغناء الشرقي، وترفع مستوى المطربة التى كانوا يسمونها «العالمة» إنها الآن فنانة، إنها كوكب الشرق، وأفلحت أم كلثوم فى أن تخرس ألسنة عشرات الألوف من الرجال، فى كل لحظة تصعد فيها على المسرح وهو أول ما تتمناه كل زوجة وكل حماة ! إنها المرأة الوحيدة التى يدين لها الرجال بالدموع والآهات، والذين يحسبون لياليها من ليالى العمر، ويجدون شيئاً يحمدون الله عليه وهم مخلصون.! وأنت مع أم كلثوم لا تعرف ما الذى تفعله هذه السيدة، فهى السيدة الوحيدة فى العالم، والمطربة الوحيدة فى العالم التى تغنى الأغنية الواحدة فى ساعة وساعتين، إن الأوبرا التى يشترك فى غنائها العشرات من المطربين، المختلفى الأصوات والأشكال والأزياء، ووراهم مناظر وديكور وستار يعلو ويهبط.. لا تزيد هذه الأوبرا على ساعة ونصف الساعة وأحياناً ساعتين تتخللها استراحات قصيرة وطويلة، لكن أم كلثوم بفستان واحد، ومنديل واحد، وأوركسترا واحد، ومنظر واحد، ولحن واحد، لملحن واحد، وشاعر واحد، وفى ليلة واحدة، تستطيع أن تذيب الناس فى عرق ودموع، وأن تحرقهم بدموعها هى، وأن تبخرهم على شكل آهات، وأن تُميتهم وتبعثهم الى العالم الآخر فى أثواب الملائكة، وكل ذلك يحدث فى ليلة حتى مطلع الفجر! أنيس منصور «الكواكب» - 6 نوفمبر 1962 الشمعة 106 ل «شحات الغرام» وأول «علقة» نالها فى المولد! احتفت الإذاعة وبعض الفضائيات بالذكرى 106 لمجيء الموسيقار محمد فوزى إلى الدنيا فى 15 سبتمبر 1918، المطرب صاحب الصوت الرشيق أبو دم خفيف الذى ملأ حياتنا بهجة بأفلامه وأغانيه، وبهذه المناسبه تعيد صفحة «كنوز» نشر مقالٍ كتبه لمجلة الكواكب عن بداياته وأول علقة نالها فى مولد بشبين الكوم، ويقول فيه: اكتشفت بالصدفة أن صوتى جميل ! كنت أحفظ كل أغانى أم كلثوم وعبد الوهاب، وكنت عضواً بفريق كرة القدم بمدرسة طنطا الابتدائية، ولهذا كنا نسافر كثيراً لنتبارى مع المدارس الأخرى، فكنت أغنى فى القطار ويتجمع حولى الزملاء والأساتذة الذين بهرهم صوتي، وكانوا يصفقون لى وصفقوا وينضم إليهم ركاب عربة القطار لسماعي! ومن هذا اليوم استقر فى رأسى أنني أصبحت مطرباً، وعندما عدنا إلى طنطا وضع أساتذتى نظاماً يقضى بأن ألعب مع الفريق وأغنى فى «الهاف تايم» للمدعوين وكان هذا ظلما جائرا، ومع صفارة الحكم يطلبون منى الغناء، وتحملت العناء لتحقيق الشهرة وأصبح اسمى فى طنطا على كل لسان، ولم أعد مطرب المدرسة وحدها، فقد كانت المدارس تستعيرنى وتغرينى بالمال، لأغنى باسمها كواحد من تلاميذها، فأصبحت أغنى فى المدارس الابتدائية والثانوية والصناعية والزراعية، وملأنى ذلك بالغرور! وجاء لمنزلنا أناس يعرضون على السفر للغناء فى الموالد الشعبية، فقبلت عرضا للغناء فى مولد بجوار مدينة شبين الكوم، وسافرت لأجد المتعهد قد بنى شادرا تعلوه لافتة كتب عليها بخط اليد «محمد فوزى الصغير»، وكان حول الشادر عشرات من الشوادر التى يغنى فيها مطربون وراقصات من «سنباط»، وأغرانى المتعهد بمزيد من المال إذا جذب صوتى الجمهور إلى شادره، وحققت فى الليلة الأولى نجاحا كبيرا، وفى اليوم التالى أحسست بإرهاق من السفر والغناء لبعد منتصف الليل، وزاد الأمور تعقيدا أن خفيرا اقتحم الشادر وقال لى بعجرفة «انت يا واد ياللي اسمك فوزي.. تعالى كلم البيه الظابط»، فقلت «ظابط مين؟»، فنظر لى باستنكار وقال «يا نهار زى الكوبية بقى مش عارف ظابط مين؟»، فقلت «والله ما أعرف.. انا تعبان وما اقدرش أروح لحد هناك»، فقال «انت حر» وانصرف، وعاد بعد ربع ساعة يقول «امشى قدامى وإلا استعمل معاك القوة.. أنا عندى أمر أجرك من سنانك»، تجمع حولنا ولاد الكار من الشوادر الأخرى لمعرفة سبب عصبية الخفير عندما جذبنى من يدى بقسوة وعندما صرخت من الألم أنقض زملائى عليه وأوسعوه ضربا وهربونى من الشادر الى شادر آخر!.. وسمعت بعدها أصوات عدد من الخفراء وهم يصيحون «شطب يا جدع انت وهو»، وأطفئت أنوار «الكلوبات» وعلا احتجاج المغنين والراقصات وصاحوا فى إجماع «فوزى الصغيرخلانا اعتدينا على الخفير وضيع علينا الليلة»، بلغت الساعة الثامنة مساء، الوقت الذى يبدأ فيه الغناء وتتدفق النقطة على الراقصات، وحرمانهن من رزق ليلة فيه إجحاف لأن المولد سبعة أيام فقط يتكلفون فيها السفر والإقامة، حز ذلك فى نفسى فخرجت من الشادر الذى اختبأت فيه لمقابلة الضابط وما كدت أظهر امام زملائى حتى صفعنى أحدهم وهو يقول «انت السبب»، وركلني آخر وأصبحت كالكرة التى تتقاذفها الأرجل والأيدي، فصرخت وتجمع الخفراء الذين خلصونى من أيدى المعتدين، وأقتادونى للضابط الذى تفرست فى وجهه وتذكرت أننى رأيته عشرات المرات فى طنطا، وأفقت على صوته عندما قال لى «اسمع يا فوزي.. انت أكيد عارفني.. انا من طنطا وعارف اهلك كويس وعيب قوى تغنى فى وسط بتوع «سمباط» دي مش شغلتك»، فقلت «انا اصلي باحب الغناء»، فقال «كفاية عليك تغنى فى طنطا، ولما تكبر تغنى فى مصر.. انت ها تخرج من هنا على طنطا على طول»، فقلت وانا اغالب دموعي: «طيب ماهم ضربوني»، فقال «أنا ها أخرب لك بيتهم بس لازم تسافر الأول»! خرجت من عند الضابط لأعود إلى طنطا ورأيت الخفراء الذين اعتدوا يدخلون على الضابط ليوقع عليهم العقوبات التى يطبقها فى مملكته التى يأمر فيها وينهى.. ويحرمنى من الغناء!. محمد فوزى «الكواكب» 26 فبراير1957 حوار واقعى جداً بقلم: أنيس منصور سألتنى الإذاعية اللامعة آمال العمدة عن تراجع تأثير الكلمة المطبوعة أمام طغيان سرعة انتشارالتليفزيون والسينما والإذاعة، فوافقتها على أن هذه الوسائل أوسع انتشاراً وأمتع وأيسر من الكتب، فى لحظة واحدة تنتقل الفكرة لملايين الآذان، لكن عيب هذه الوسائل التكنولوجية أنها خلقت عند الناس نوعاً من السلبية، عندما تسترخى فى بيتك وتتلقى المعلومات بسهولة، كلنا أصبحنا ضحايا للتكنولوجيا الحديثة التى يسرت الحصول على المعلومات، ووسعت مداركنا وأفقدتنا متعة القراءة التى نعتمد فيها على التخيل وصنع عالم خاص بكل منا، ويتميز الكتاب بأنه أكثر جدية فى حين أن الإذاعة والتليفزيون أكثر تنوعاً. وقلت لها: إن شهيتى مفتوحة دائماً للقراءة، أقرأ كثيراً وأمتلك مكتبة بها 40 ألف كتاب فى مجالاتٍ متنوعة، يُضاف إليها الرصيد الكبير الذى حققته فى حياتى بالمقابلات الشخصية مع الزعماء والرؤساء والأمراء والمشاهير فى جميع أنحاء العالم، والمشاهدات الحية لغرائب وطرائف البلدان والشعوب التى دونتها فى كتاب «200 يوم حول العالم»، وسألتنى عما أضافته لى دراسة الفلسفة فقلت لها: إنها أضافت لى مثلما تضيف الصاغة للجواهرجى بحسن تقدير المعادن التى يستخدمها، وأمتلكت بها وضوح الفكرة ومنطقية المنهج والجوع المستمر لمزيدٍ من المعرفة، والكثير من القلق، ولا أعتقد أن المشتغلين بالفلسفة يستريحون إلى ما انتهوا إليه، والملل بالنسبة لى غول أخاف أن يأكلنى أو يسبقنى فيلتهم القراء، لهذا فأنا حريص على ألا أكون مملاً للقارئ وحريصاً على التنويع فيما أكتبه. وعندما سألتنى عن اختفاء الرومانسية أمام طغيان المادية قلت لها : إن الرومانسية لم تختفِ فى أى عصر، طالما هناك مشاعر وخيال وعلاقات اجتماعية تتفاعل بالفرح والحزن والحب الذى يوحد الجميع فى لحظات إنسانية تجعلنا نطمئن على الرومانسية الساكنة فى كل منا. وعن استخدامى لأسماء مستعارة كنت أوقع بها فى بداياتى أوضحت أننى كنت أوقع باسم «أحلام شريف» فى الحوار الذى نشرته بمجلة «الجيل» بين ألبرتو مورافيا وصوفيا لورين ولم تكن صوفيا سوى «أحلام شريف»، وكنت أكتب فى روزاليوسف باسم مستعار هو «سيلفانا ماريلي»، ولما انتقلت للعمل بجريدة «الأخبار» خشيت أن يقتبس أحد الاسم فكتبت مقالاً عن مصرع سيلفانا، أنا من أوجدتها على الورق، وأنا من أنهيت حياتها. وعن ارتباطى الشديد بعباس محمود العقاد.. أوضحت أنه من الشخصيات الباهرة فى تاريخ الفكر العربى الحديث، وأختلف عنه ومعه فى الكثير من أسلوبه فى التفكير أو الكتابة، لأنه ممن أثروا فى ثقافتى الشخصية، أما الدكتور طه حسين فهو فنان أكثر منه مفكراً، وقلت: إننى أتمنى أن أفعل فى الفلسفة ما فعله محمد عبد الوهاب فى الموسيقى، فهو من ابتكر العبارة السهلة الجميلة دون الدخول فى تعقيدات، وأكدت لها أننى لست امتداداً لأحد ولا أحد امتداد لى. وعندما سألتنى عن سمات المرأة التى تُعجبنى، قلت: «يعجبنى عقلها وشكلها ولا بد أن تكون ذكية ، لأن عقلى لا يحتمل الشخصية الغبية فى عالم الرجال والنساء، والمُلاحظ أن المرأة تستعير أساليب الوقاية لأنها تعيش فى مجتمع الرجل، فنجد مثلاً الفتاة التى تعمل تتحدث بصوت عالٍ وتحرك يديها كثيراً وتشرب السجائر، وهى تفعل ذلك استعارة بقصد الأمان، وعندما نجد المرأة العاملة قد استرجلت فى أسلوب تعاملها فهى بذلك تخطئ خطأ كبيراً، وتصبح مثل واحد يرتدى البالطو فى المطر وينام به» ! نقلاً عن «الشرق الأوسط»