د. محمد شومان تضخيم المعلومات والأفكار والآراء داخل غرفة الصدي، يجرى بصورة أشبه بما يحدث فى غرفة مغلقة فقاعات التصفية من انتاج الخوازميات ، وغرف الصدى بيئة عبر الإنترنت أو خارجها، يلتقى فيها مجموعة من المستخدمين لديهم افكار ومواقف متماثلة يجرى تضخيمها. كثيرا ما نقرأ أو نسمع عن فقاعات التصفية Filter Bubble وغرف الصدى Echo Chamber، وكيف انهما يحبسان جمهور المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعى فى سجون فكرية، غير مرئية، تؤدى الى التطرف وتعزيز الاستقطاب الفكرى والسياسى فى المجتمع، وتسهل التحيز واطلاق الأحكام التأكيدية المطلقة، كما تزيد من تضخيم الثقة بالنفس، وتقلل من تبادل المعارف والآراء، والنقاش العام. وتتابع بحوث الإعلام الرقمى والسياسة وعلم النفس باهتمام سجون فقاعات التصفية وغرف الصدى، وترصد مخاطرها على ظاهرة زيادة الاستقطاب السياسى وتراجع تقاليد الحوار الديمقراطى فى الولاياتالمتحدة، وعديد من الدول الأوروبية بين الاتجاهات اليمينية والشعبوية، وبين التيارات الديمقراطية والليبرالية، وعلى الرغم من التقارب والتداخل بين أثار فقاعات التصفية وغرف الصدى إلا ان هناك فروقا بينهما، إذ تعنى الأولى الآليات المستخدمة عبر الإنترنت والتى تحد من تنوع المعلومات التى يستقبلها الشخص ، ويرجع ذلك إلى قيام خوارزميات منصات الوسائط الاجتماعية ومحركات البحث بتنظيم المحتوى بناءً على سلوك المستخدم وتفضيلاته، ونتيجة لذلك، يتعرض المستخدمون فى المقام الأول للمعلومات ووجهات النظر التى تتفق مع معتقداتهم واهتماماتهم الحالية، بينما تتم تصفية واستبعاد وجهات النظر الأخرى. مما يؤدى إلى بيئة معلومات غير متوازنة، تتلاعب الخوارزميات فيها بعواطف وأفكار ومواقف المستخدم، وتجعل منه مستهلكا سلبيا لكل مايقدم له بدون تفكير. أما غرف الصدى فإن المستخدم يبدو أقل سلبية وأكثر نشاطا ، فهو الذى يبادر بالانضمام أو تشكيل مجموعة من الأفراد الذين يتفقون مع أفكاره ومواقفه، ويتفاعلون حول هذه الأفكار دون مناقشة الأفكار الأخرى المختلفة معهم، إن غرفة الصدى هى مساحة إعلامية محدودة ومغلقة لديها القدرة على تكبير الرسائل التى يتم توصيلها داخلها وعزلها عن وجهات النظر الأخرى، بكلمات أوضح غرفة الصدى هى بيئة اجتماعية عبر الإنترنت أو خارجها، يلتقى فيها مجموعة أو مجموعات من المستخدمين لديهم أفكار ومواقف متشابهة أو متطابقة، وتكون الآراء المعارضة إما غائبة أو مرفوضة بقوة، وبالتالى يتكرر ويتضخم كثيرًا الرأى المقبول لمجموعة ما. ويمكن القول أن تضخيم المعلومات والأفكار والآراء داخل غرفة الصدي، يجرى بصورة أشبه بما يحدث فى غرفة مغلقة، حيث يرن صدى الصوت ويتضخم ، وبالمثل تتضخم آراء هذه المجموعة وتزداد الثقة فى نفسها واحيانا عنصريتها. ويصبح جميع أفراد المجموعة سجناء لفكرهم ومعتقداتهم رافضين لأى نقاش لأفكار مختلفة معهم، وفى ظل هذا المناخ تنتشر نظريات المؤامرة وعدم الثقة فى السرديات الرسمية ومؤسسات الدولة ونظمها، حيت تؤمن المجموعات داخل غرف الصدى انها تمتلك وحدها الحقيقة. ويرى بعض الباحثين أن فقاعات التصفية يمكن أن تقود بعض المستخدمين الى سجن غرف الصدى، فبعد تعرضهم لمحتوى يتفق مع معتقداتهم ومواقفهم، يبحثوا عن مستخدمين آخرين أو مجموعات تتفق مع أفكارهم ومواقفهم، ويتم ذلك من خلال تفاعلات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، او الواقع الحقيقى، والسؤال الذى يطرح نفسه كيف نتجنب قيود فقاعات التصفية وغرف الصدى ؟ من الصعب العثور على اجابة وافية أو حل نهائى، لأن ما يطرح عادة يتعلق بحزمة شاملة من السياسات والاجراءات، أهمها: أولا: وعى المستخدم وحرصه على تلقى أخبار ومعلومات وآراء متنوعة ، ومن مصادر مختلفة ومتعددة، والتفكير النقدى فيما يتلقاه من محتوى عبر وسائل التواصل الاجتماعى، لكن هذه المهارات قد لا تتوافر لأغلبية المستخدمين، خاصة وأن الأغلبية تميل عادة الى التعرض الانتقائى للمحتوى الإعلامى والذى يتوافق مع افكارها ومواقفها. ثانيا: ضرورة تدخل الحكومات عبر العالم ومن خلال جهود دولية مشتركة لسن قوانين تنظم عمل الشركات العملاقة، التى تمتلك وتدير محركات البحث ووسائل التواصل الاجتماعى، وهى مهمة عسيرة فى ظل حرص عمالقة الانترنت على عدم تدخل الحكومات فى انشطتها أو اخضاعه للمراقبة المجتمعية ، لكنى أرى ضرورة انجاز هذه المهمة وبسرعة، لان هذه الشركات تبحث عن الربح ولا تهتم باحترام خصوصية المستخدمين، ولا تبذل جهودا كافية لمحاربة ومنع الأفكار المتطرفة والمحتوى المزيف والشائعات التى تنتشر عبر منصاتها.