من أول يوم ظل موقف رئيس مصر من أحداث غزة، شريفًا وثابتًا وقويًا وهادئًا وحاسمًا وحكيمًا.. ولو استمعوا إلى ما يقوله بفهم ووعى، لكانت المنطقة أكثر هدوءًا واستقرارًا. كنت حاضرًا فى الاتحادية أول مؤتمر صحفى بعد اندلاع الأحداث بأيام قليلة، للرئيس السيسى والمستشار الألمانى شولتر، وكانت رسائل الرئيس للعالم كله شديدة الوضوح كما يلى: 1- التصعيد العسكرى فى قطاع غزة ينذر بمخاطر جسيمة على المدنيين وعلى شعوب المنطقة. 2- الوضع الإنسانى فى غزة آخذ فى التدهور بصورة مؤسفة وغير مسبوقة ومصر ملتزمة باستقبال المساعدات ونقلها لغزة. 3- ضرورة العودة إلى مسار التهدئة وفتح آفاق جديدة للتسوية من أجل تجنب انزلاق المنطقة إلى حلقة مفرغة من العنف. 4- ضرورة التعامل مع القضية الفلسطينية بمنظور شامل ومتكامل يضمن حقوق الفلسطينيين بإقامة دولتهم المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدسالشرقية. 5- مصر ترفض تصفية القضية الفلسطينية بالأدوات العسكرية، أو أية محاولات لتهجير الفلسطينيين قسريًا من أرضهم. 6- مصر لم تقم بإغلاق معبر رفح منذ اندلاع الأزمة، إلا أن التطورات على الأرض وتكرار القصف الإسرائيلى للجانب الفلسطينى من المعبر، يحول دون عمله. وبعد مرور عشرة شهور تتصاعد الأحداث وتتعقد المواقف، ويستمر موقف الرئيس المصرى، باعثًا على الأمل فى انفراج الأزمة، وتجنيب المنطقة ويلات حرب إقليمية لا تنطفئ نيرانها. من أول يوم لاندلاع الأحداث يدعو الرئيس السيسى إلى تفعيل أفق سياسى لاحتواء الأعمال العسكرية، والعودة إلى مسار التفاوض برؤى وأفكار جديدة، غير المسارات القديمة التى وصلت بالقضية الفلسطينية إلى طريق مسدود. وتحملت مصر سخافات الأكاذيب الإسرائيلية، بسبب فشلها العسكرى فى غزة، وإدانة الرأى العام العالمى للمجازر وسقوط آلاف الضحايا من النساء والأطفال، ونقص المساعدات الغذائية وانتشار الأوبئة والأمراض. وفى المؤتمر الصحفى بعد الأحداث بعشرة أيام، كنت أراقب بشدة التعبيرات الغاضبة على وجه المستشار الألمانى، وهو يستمع من الرئيس عبارات حاسمة حول رفض مصر لتهجير الشعب الفلسطينى، وعدم السماح بتصفية القضية وإخلاء غزة من سكانها. كانت أحلام إسرائيل والغرب فى بداية الأزمة هى تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، واصطدمت رغبتهم بصخرة الموقف المصرى المشدد، وغاب عنهم أن التهجير علاوة على تصفية القضية يهدد أمن واستقرار المنطقة، ويوسع دوائر الصراع. الموقف المصرى يسعى إلى كبح جماح رغبة نتنياهو المجنونة فى تحويل المنطقة إلى «أوكرانيا جديدة»، والشرق الأوسط ملىء بكل عناصر التوتر والقلق، وقابل للانفجار فى أى لحظة. غدًا.. هل تدفع مصر ثمن موقفها من غزة ؟