مي السيد على الرغم من الإجراءات المشددة والاستعداد الأمني والاستخباراتي في فرنسا من أجل استقبال وفود العالم القادمة للمشاركة في أولمبياد باريس 2024، والتي من أجلها طُرد المئات ومنعت أعداد هائلة من الدخول، إلا أنه لا تكاد تنطلق شعلتها بعد، حتى صُدم الفرنسيون وتجسدت أبرز مخاوفهم على أرض الواقع. تأتي تلك الأولمبياد وسط أحداث سياسية وأمنية غير مسبوقة تمر بها أوروبا عامة وفرنسا خاصة، حيث تعتبر الحرب الروسية الأوكرانية وما يتبعها من مخاوف تتعلق بأعمال الأمن السيبراني والتجسس والتخريب، كما يعد اليمين المتطرف الذي يريد إشعال الوضع في فرنسا أحد تلك التحديات. ثم في القائمة، تعتبر المنظمات الإرهابية على رادار المخاوف المتعلقة بسلامة وأمن الأولمبياد والحاضرين إليها، وحادث هجمات باريس الذي خلف مئات القتلى شاهد على ذلك، كما أن الشائعات على السوشيال ميديا من قبل اللجان الإلكترونية جانب مهم تسعى السلطات الفرنسية لمجابهتها خلال الحدث، وتوقعات هطول الأمطار التي أثرت أيضا على الحالة المزاجية للجميع. وبينما كانت سلطات باريس تستعد لعرض مذهل على طول نهر السين وامتداده، ابلغ عن ثلاثة حرائق قبل الفجر بالقرب من خطوط السكك الحديدية عالية السرعة في المحيط الأطلسي والشمال والشرق، مما تسبب في اضطرابات أثرت على مئات الآلاف من المسافرين. تبين أن من وصفته وسائل الإعلام الفرنسية ب مشعلي الحرائق، قد هاجموا شبكة السكك الحديدية عالية الجهد، وأدى ذلك الأمر إلى شل حركة السفر إلى باريس من بقية فرنسا وأوروبا لنحو 800 ألف شخص، بما في ذلك الرياضيين الأولمبيين المتوجهين إلى حفل الافتتاح الكبير للألعاب في المساء، وهو الأمر الذي وصفته السلطات الفرنسية بأنه أعمال إجرامية. وحاول المسؤولون الفرنسيون مواجهة ذلك الأمر الذي انتشرت صوره كالنار في الهشيم على السوشيال ميديا، والتي تضمنت مئات الركاب المكتظة في عدة محطات للقطارات، منها محطة مونبارناس و محطة الشمال، التي تعتبر إحدى أكثر المحطات ازدحامًا في أوروبا، كما ألغيت حركة القطارات بين فرنسا وألمانيا. وأكد رئيس الوزراء الفرنسي جابرييل أتال أنه تم تعبئة أجهزة المخابرات الفرنسية للعثور على مرتكبي الأعمال التخريبية التي وصفها بأنها مُعدة ومنسقة، ولها هدف واضح هو قطع شبكة القطارات فائقة السرعة، ولفت إلى أن المخربين استهدفوا بشكل استراتيجي الطرق الشمالية والشرقية والغربية المؤدية إلى باريس قبل ساعات من حفل افتتاح الأولمبياد. وحول تفاصيل الحادث أكد الرئيس التنفيذي للشركة الوطنية للسكك الحديدية جان بيير لوسائل الإعلام؛ أن الحادث يعد هجومًا متعمدًا ومحسوبًا ومنسقًا ويظهر الرغبة في إلحاق ضرر جسيم بالشعب الفرنسي، حيث تم اختيار المواقع خصيصا ليكون لها الأثر الأشد خطورة، حيث أن كل حريق قطع خطين. وكشف أن المتهمين غادروا بسرعة كبيرة، وأحبطت محاولة تخريبية واحدة فقط على القضبان المتجهة جنوب شرق باريس، بعد أن نجح عمال صيانة السكك الحديدية في اكتشاف المتسللين، ولكنه لم يتم القبض عليهم، لافتا إلى أن الحرائق اندلعت بشكل رئيسي في الأنابيب التي تحتوي على كابلات الإشارة الأساسية. وتسبب الحادث في اختناقات مرورية على الطرق لأكثر من 600 كيلومتر، حيث قطع المخربون كابلات الألياف الضوئية التقنية، التي تضمن نقل معلومات السلامة للمواصلات في الأماكن الواقعة بالقرب من المسارات، حتى أنه في بلدة بادو كاليه تم قطع حوالي أربعين كابلا. وفتح المدعون العامون في باريس تحقيقا وطنيًا، على إثر ذلك الأمر وتشمل الاتهامات الموجهة للمجرمين الإضرار بالممتلكات التي تهدد المصالح الأساسية للبلاد، ويمكن أن تحمل أحكامًا تتراوح بين 10 إلى 20 عاما، كونها أعمال تخريب منسقة تمت على القضبان التي تشعل السكك الحديدية. وتم إرجاع 24% من التذاكر بسبب الخوف من الإرهاب وفقا لفرانس 24، كما أطلقت تحذيرات من السلطات الفرنسية والأمريكية، بما في ذلك وكالة المخابرات المركزية، للمسافرين من مخاطر الإرهاب، وُمنع ألف شخص يشتبه في تدخلهم لصالح قوى أجنبية مُنعوا من حضور الألعاب. وحشدت قوات إضافية بسبب الحادث، بعد انطلاق الأولمبياد رسميًا، بالإضافة إلى ال 45 ألفا المنتشرين أساسا في شوارع المدن الفرنسية، وأكد وزير الداخلية الفرنسي؛ أن من بين الذين تم حظرهم أشخاص يشتبه في أنهم متطرفون سياسيون يساريون أو يمينيون، أو لديهم سجلات إجرامية كبيرة. سلاح الشائعات لم تكن المنظمات الإرهابية والسياسية اليسارية وحدها ضمن مخاوف اتمام الأولمبياد بكل سلاسة، بل كانت الشائعات والمعلومات المضللة سلاح آخر لضرب الألعاب الأولمبية في باريس، كان من أشهرها ما تعرض له بطل أولمبي أسترالي في رياضية البي إم إكس الذي كان ضحية عملية سطو خلال رحلته إلى باريس. وكان البطل الأولمبي لوجان مارتن في طريقه إلى باريس للمنافسة في دورة الألعاب الأوليمبية، وخلال توقفه أثناء الليل تعرضت شاحنته للاقتحام في بروكسل ببلجيكا، واكتشف الحائز على الميدالية الذهبية في طوكيو كسر في نافذة الشاحنة وسرقة العديد من متعلقاته منها محفظته وحقيبة ظهره وبعض الأشياء الأخرى. وفي الفضاء الإلكتروني، كانت السرقة التي وقعت في بروكسيل قد روجت على أنها حدثت في باريس من خلال بوستات لمواقع مجهولة وتعليقات انتشرت بكثافة عن الواقعة، وزاد الأمر بانتشار شائعات أخرى عن تأجيل مباريات لكرة القدم بسبب الهجوم على الملاعب، ونفت السلطات أيضا ما انتشر حول سرقة محافظ وخواتم وساعات الرياضيين. كما كشف أيضا عن تفاصيل إلقاء السلطات الفرنسية بحسب لوموند، القبض على نجم تليفزيون الواقع سابقا ويدعى كيريل جريازنوف، البالغ من العمر 40 عامًا، يعيش في فرنسا، واتهامه على أنه جاسوس لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي وأراد زعزعة استقرار الألعاب الأوليمبية. وقضى المتهم بعض الوقت في برنامج تلفزيوني واقعي روسي، وهو نوع من «الطهاة الكبار» الذي سمح له باكتساب القليل من السمعة في وطنه في روسيا، ونشر العديد من الصور وبعض مقاطع الفيديو على إنستجرام، حيث يتابعه ما يزيد قليلا عن عشرة آلاف شخص. وتبين أنه ألقي القبض على الجاسوس المزعوم في 21 يوليو في شقته بباريس، بشارع سان دوني، وبحسب مكتب المدعي العام في باريس، فإن التفتيش سمح للمحققين بوضع أيديهم على «مواد دبلوماسية»، دون تحديد طبيعة تلك المواد، ووضع رهن الاحتجاز للمحاكمة ووجهت إليه تهمة «التخابر مع قوة أجنبية بهدف إثارة الأعمال العدائية في فرنسا»، وهي جريمة يعاقب عليها بالسجن لمدة ثلاثين عاما. عمليات تخريب كما أعلنت مجموعة من اليساريين المتطرفين، وفق وسائل الإعلام الفرنسية عن ضلوعهم في الحريق الذي شب في نقطة اتصال للإنترنت، وفي بيان لهم على الإنترنت وصفوا تلك النقطة التي أحرقوها بأنها بمثابة حلقة وصل بين الرأسمالية والحرب التكنولوجية المستمرة، معلنين أنه لا توجد هدنة أوليمبية ضد الخطاب الحكومي على المستويين الجيوسياسي والبرلماني. وألقت الأجهزة الأمنية الاستخباراتية في معرض متابعتها لتأمين فعاليات الأوليمبيات القبض على أربعة عشر ناشطا من حركة يطلق عليها حركة «تمرد الإنقراض» في منطقة «إيل دو لا سيتي» وفي «شاتليه» بباريس، يشتبه في قيامهم بالتخطيط «لأعمال تخريبية» على هامش مظاهرة تسمى «الألعاب المحرمة»، تهدف إلى الاحتجاج على دورة الألعاب الأولمبية في باريس 2024. كان الأشخاص الذين تم القبض عليهم يرتدون النظارات الشمسية الواقية والقفازات وأقنعة تغطية الوجه، وأكدت السلطات الفرنسية أنهم كانوا جزءًا من مجموعة أكبر اجتمعت معًا للفت الانتباه إلى الآثار السلبية للألعاب الأولمبية. وتعرض الافتتاح في حد ذاته للعديد من المواقف التي تم تداولها بكثرة منها قيام حارس العلم الشهير برفع العلم بشكل معكوس بحلقاته الأولمبية الخمس على عمود في ساحة تروكاديرو بالقرب من برج إيفل؛ حيث تم قلب الحلقتين السفليتين للرمز إلى الأعلى، والشكل المعتاد للعلم هو «ثلاث حلقات فوق حلقتين». كما تسببت محاكاة لعدد من الفنانين المتحولين جنسيا للوحة دافنشي الخاصة بحفل العشاء الأخير للسيد المسيح، لغطًا كبيرًا حول العالم وسخطًا بين الأوساط المسيحية بسبب ما اعتبروه إهانة كبيرة للمعتقدات الدينية؛ حيث أظهرت أحد المشاهد قيام هؤلاء بتجسيد شخصية السيد المسيح وكان يرقص ويطلق إيماءات جنسية، وصفها الكثيرون بأنها لا تمت للفن أو الموسيقى لصلة. سيناريوهات محتملة ويرى بعض المسؤولين الفرنسيين أن استضافة الألعاب الأولمبية كانت فرصة للأمة للشفاء من سنوات من الصدمة التي أعقبت الهجمات الإرهابية القاتلة على مدى العقد الماضي، وفسر المحللون عملية التخريب الواسعة في خطوط السكة الحديد، بعدة سيناريوهات محتملة كان على رأسها اليسار المتطرف، ولم يتم استبعاد روسيا. وارجعوا اتهامهم ذلك إلى عمليات التخريب أيضا في خطوط السكك الحديدية التي تمت في أغسطس 2023 للشبكة البولندية التي كانت هدفا لهجوم عبر الإتصالات اللاسلكية والتي أدت إلى إصابتها بالشلل وتم توجيه الإتهام للكرملين، مؤكدين أن هذا النوع من التخريب على الشبكة كان يحتاج إلى معلومات جيدة جدا وتنسيق مثاليا ذلك الأمر من وجهة نظرهم يتوافق تماما مع الأعمال التي يقوم بها محترفون والتي تسيطر عليها الأجهزة السرية الروسية بشكل كامل، خاصة بعد أن تم القبض على مواطن روسي يشتبه في قيامه بالتحضير لتحرك سيئ بهدف تعطيل النظام منذ فترة، والذي اتهم بالتجسس لصالح الكرملين. . اقرأ أيضا : السجن مدى الحياة للمتهم الأول في هجمات باريس 2015