■ كتب: حسن حافظ فى أجواء روحانية يصوم المسيحيون في مصر على مدار 15 يوما فى شهر أغسطس، احتفالا بصيام العذراء مريم، الذي ينتهي بذكرى وفاتها وتكريما لذكراها، وهو أحد أحب الأصوام للمسيحيين المصريين، لارتباطه بالأم العذراء المبجلة عند المصريين جميعا، وعلى حد تعبير الدكتور كمال زاخر، فصيام العذراء «خفيف على القلب»، لأنه يشهد ممارسات روحانية مكثفة وطقوسا روحانية محببة، وبعض الأكلات المحببة، لتتحول أيام صوم العذراء أعياد ولحظات من البهجة، إذ يمتزج الكثير من التفاصيل لصناعة لوحة محبة تهدى إلى السيدة العذراء. ◄ ينطلق 7 أغسطس في الكنيسة الأرثوذكسية.. والكاثوليك يبدأونه أول الشهر ◄ البابا تواضروس يبدأ عظات صوم العذراء من مدينة الإسكندرية يرتبط صوم العذراء بمناسبة وفاة السيدة مريم، إذ تقول بعض المصادر الكنيسة إنها عاشت نحو 11 عاما بعد صلب السيد المسيح بحسب المعتقد المسيحى، إذ يصوم المسيحيون لخمسة عشر يوما تسبق عيد إعلان إصعاد جسد والدة المسيح، وهو يعد أحد المناسبات المكرسة للاحتفاء بالسيدة العذراء، بجوار شهر كيهك المخصص بالكامل لذكرى السيدة مريم، الذى يسبق عادة ذكرى ميلاد السيد المسيح، لذا يعرف عادة ب«الشهر المريمى»، لكن ما يميز الاحتفال الحالى أنه يتم من خلال الصوم لمدة 15 يومًا تسبق عيد إصعاد العذراء. ويفتتح البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، عظات صوم العذراء من مدينة الإسكندرية الأربعاء (7 أغسطس)، إذ سيفتتح سلسلة من العظات فى كنيسة العذراء مريم بمنطقة محرم بك، وتستمر الفعاليات الروحية حتى عيد العذراء فى 22 من الشهر ذاته، بينما تختتم الكنيستان الكاثوليكية والروم الأرثوذكس بمصر صوم العذراء فى 15 أغسطس، إذ يبدأ الصوم فى الكنيستين من أول الشهر بمناسبة صعود جسد السيدة العذراء. ◄ نهضات روحية ويأتى صوم العذراء في شهر مسرى بالتقويم القبطي، وفيه يتم الامتناع عن أكل المأكولات إلا بالزيت فقط، كما يمتنع الصائمون عن تناول اللحوم مع استثناء الأسماك، إلا أن البعض رغبة فى الزهد يمتنع عن تناول السمك أيضا، رغم أنه ليس شرطا فى صوم العذراء، أما الكنائس التى تحمل اسم السيدة مريم، فيتم فيها تنظيم نهضات روحية تكرس بالكامل لأداء صلوات للسيدة العذراء، وتشمل النهضات تنظيم تماجيد وترانيم ومدائح للسيدة العذراء، إذ يتم تنظيم قداس صباح كل يوم، ثم فى المساء تقام صلاة رفع بخور العشية، ويعقبها فى الختام عظة يلقيها أحد آباء الكهنة فى الكنيسة، وتكون عادة فى موضوعات ذات صلة بالسيدة العذراء بهدف شحن النفوس بفضائل السيدة مريم. وعند ليلة عيد إصعاد السيدة العذراء، يتم تنظيم زفة روحية تشهد خروج الشمامسة حاملين أيقونة كبيرة للسيدة العذراء، ويسبقهم الأطفال يرتدون الملابس البيضاء، ويعد صوم العذراء من أقدم أنواع الصيام فى الكنيسة الأرثوذكسية إذ بدأ فى عصر الرسل أنفسهم، فقد بدأ مع عودة توما الرسول من التبشير فى الهند، فسأل بقية الرسل عن السيدة العذراء، فقالوا له إنها ماتت، فذهب إلى مكان دفنها فوجد القبر فارغا، فحكى لبقية الرسل أنه رأى الجسد صاعدا، فصاموا احتفالا بهذا التكريم للسيدة العذراء، وهو تقليد أقرته الكنائس المسيحية المختلفة. ◄ اقرأ أيضًا | تعرف على مواعيد الصوم التي يتناول فيها الأقباط الأسماك ◄ احتفالات درنكة وعادة ما تشهد الكنائس التى تحمل اسم السيدة العذراء احتشادا من المصلين خلال أيام هذا الصوم، لكن أعظم هذه الاحتفالات وأكثرها مهابة تلك التى يستضيفها دير العذراء بدرنكة بمحافظة أسيوط، خصوصا أن الدير بُنى على آخر نقطة وصلت لها السيدة مريم بصحبة رضيعها السيد المسيح ويوسف النجار فى جنوب مصر، خلال رحلة هروب العائلة المقدسة لمصر. المفكر القبطى كمال زاخر، قال ل«آخر ساعة»، إن الاحتفال بمولد السيدة مريم فى دير العذراء بأسيوط، يعد واحدا من أكبر الاحتفالات المسيحية فى مصر، إذ يحرص العديد من الأسر على المشاركة فيه، عبر الإقامة حول الدير فى فترة الصوم وصولا إلى عيد إصعاد السيدة مريم، وتابع: «فى الاحتفال المصرى بالسيدة مريم استمرار للعديد من الأفكار التى انتقلت من المصريين القدماء واستمرت مع المسيحيين ثم المسلمين، فالآلهة المحلية تحولت وظيفتها إلى القديسين فى المسيحية ثم الأولياء فى الإسلام، لذا تأخذ هذه الاحتفالات طابع التشابه فى البيوت المصرية سواء كانت مسلمة أو مسيحية، فنحن أمام ظاهرة شعبية قبل أن تكون دينية، لذا فالكثير من شكل احتفالات مولد السيدة العذراء فى درنكة يشبه فى تفاصيله مولد السيدة زينب، وهو ما يؤكد أن المصرى متمسك بتراثه وموروثة الشعبى من غير عقد، فباعة حلوى المولد تجدهم بأنفسهم فى موالد المسلمين والمسيحيين». ◄ رمز لوحدة المصريين وتابع زاخر: «الاحتفال بمولد العذراء يشارك فيه المسلمون والمسيحيون على حد سواء، فى كل بيت أو عائلة ستجد فتاة اسمها مريم، فالسيدة العذراء رمز محبة ووحدة المصريين، لأنها مرتبطة بالمصريين بأشكال مختلفة، منها زيارتها لمصر خلال رحلة العائلة المقدسة لمصر، وكذلك التراث المصرى قبل المسيحية كان يقدس المرأة فى صورة إيزيس، كما أن السيدة مريم مكانتها محفوظة ومقدرة فى المسيحية والإسلام على حد سواء، وهى كلها عوامل ساعدت فى المكانة المرموقة للعذراء ويفسر سبب محبة المصريين لها، ولذا يقبل المسيحيون على صيام العذراء بنوع من الرضا والمحبة لأنه صيام مكرس لها، وهو فى العرف المسيحى صوم خفيف على القلب، لأن مدته قصيرة ويأتى فى فترة بلا صيام، فيعتبره البعض نزهة إيمانية، بل وهناك إصرار شعبى على التمسك بهذا الصوم الذى يأتى فى أجواء حارة من مختلف الأسر بسبب شدة التعلق بالسيدة مريم ومكانتها فى القلوب».