ارتفاع أسعار النفط مدعومًا بتفاؤل بإعادة فتح الحكومة الأمريكية    عمليات إلغاء الرحلات الجوية اليومية لشركات الطيران الأمريكية تتجاوز 2000 رحلة    خبير أمريكي يتوقع التخلص من زيلينسكي قبل عيد الميلاد    أمريكا: اختبارات تكشف الجرثومة المسببة لتسمم حليب باي هارت    وزير الاستثمار: 16 مليار دولار حجم التجارة مع الصين.. ولدينا 46 شركة تعمل في مصر    لجنة المرأة بنقابة الصحفيين تصدر دليلًا إرشاديًا لتغطية الانتخابات البرلمانية    فقدان 200 شخص في غرق قارب مهاجرين قبالة السواحل الماليزية    واشنطن تضغط على إسرائيل لبدء المرحلة الثانية من خطة ترامب    الرئيس اللبنانى يؤكد ضرورة الضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها المستمرة على البلاد    هاني رمزي: تجاهل زيزو لمصافحة نائب رئيس نادي الزمالك «لقطة ملهاش لازمة»    ارتفاع أسعار الذهب اليوم 10 نوفمبر في بداية تعاملات البورصة العالمية    «طلعوا الشتوى».. تحذير شديد بشأن حالة الطقس: استعدوا ل منخفض جوى بارد    نقل محمد صبحي للعناية المركزة بعد إغماء مفاجئ.. والفنان يستعيد وعيه تدريجيًا    وزير المالية: بعثة صندوق النقد تصل قريبًا ومؤشراتنا مطمئنة    الزراعة: تحصينات الحمي القلاعية تحقق نجاحًا بنسبة 100%    «محدش كان يعرفك وعملنالك سعر».. قناة الزمالك تفتح النار على زيزو بعد تصرفه مع هشام نصر    السوبرانو فاطمة سعيد: حفل افتتاح المتحف الكبير حدث تاريخي لن يتكرر.. وردود الفعل كانت إيجابية جدًا    «لاعب مهمل».. حازم إمام يشن هجومًا ناريًا على نجم الزمالك    حدث ليلا.. مواجهات وملفات ساخنة حول العالم (فيديو)    شيري عادل: «بتكسف لما بتفرج على نفسي في أي مسلسل»    الأهلى بطلا لكأس السوبر المصرى للمرة ال16.. فى كاريكاتير اليوم السابع    عدسة نانوية ثورية ابتكار روسي بديل للأشعة السينية في الطب    اليوم.. العرض الخاص لفيلم «السلم والثعبان 2» بحضور أبطال العمل    اليوم..1283 مرشحًا فرديًا يتنافسون على 142 مقعدًا فى «ماراثون النواب»    السقا والرداد وأيتن عامر.. نجوم الفن في عزاء والد محمد رمضان | صور    «الكهرباء»: تركيب 2 مليون عداد كودي لمواجهة سرقة التيار وتحسين جودة الخدمة    مواجهات بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلى شمال القدس المحتلة    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الاثنين 10 نوفمبر    مساعد وزير الصحة: نستهدف توفير 3 أسرة لكل 1000 نسمة وفق المعايير العالمية    طوابير بالتنقيط وصور بالذكاء الاصطناعي.. المشهد الأبرز في تصويت المصريين بالخارج يكشف هزلية "انتخابات" النواب    ترامب يتهم "بي بي سي" بالتلاعب بخطابه ومحاولة التأثير على الانتخابات الأمريكية    رئيس لجنة كورونا يوضح أعراض الفيروس الجديد ويحذر الفئات الأكثر عرضة    الطالبان المتهمان في حادث دهس الشيخ زايد: «والدنا خبط الضحايا بالعربية وجرى»    وفاة العقيد عمرو حسن من قوات تأمين الانتخابات شمال المنيا    «مش بيلعب وبينضم».. شيكابالا ينتقد تواجد مصطفى شوبير مع منتخب مصر    معسكر منتخب مصر المشارك في كأس العرب ينطلق اليوم استعدادا لمواجهتي الجزائر    مي عمر أمام أحمد السقا في فيلم «هيروشيما»    باريس سان جيرمان يسترجع صدارة الدوري بفوز على ليون في ال +90    «لا تقاوم».. طريقة عمل الملوخية خطوة بخطوة    مساعد وزير الصحة لنظم المعلومات: التحول الرقمي محور المؤتمر العالمي الثالث للسكان والصحة    ON SPORT تعرض ملخص لمسات زيزو فى السوبر المحلى أمام الزمالك    «لاعيبة لا تستحق قميص الزمالك».. ميدو يفتح النار على مسؤولي القلعة البيضاء    نشأت أبو الخير يكتب: القديس مارمرقس كاروز الديار المصرية    البابا تواضروس ومحافظ الجيزة يفتتحان عددًا من المشروعات الخدمية والاجتماعية ب6 أكتوبر    محافظ قنا يشارك في احتفالات موسم الشهيد مارجرجس بدير المحروسة    3 أبراج «مستحيل يقولوا بحبك في الأول».. يخافون من الرفض ولا يعترفون بمشاعرهم بسهولة    ميشيل مساك لصاحبة السعادة: أغنية الحلوة تصدرت الترند مرتين    أمواج تسونامي خفيفة تصل شمال شرق اليابان بعد زلزال بقوة 6.9 درجة    3 سيارات إطفاء تسيطر على حريق مخبز بالبدرشين    تطورات الحالة الصحية للمطرب إسماعيل الليثى بعد تعرضه لحادث أليم    كشف ملابسات فيديو صفع سيدة بالشرقية بسبب خلافات على تهوية الخبز    أداة «غير مضمونة» للتخلص من الشيب.. موضة حقن الشعر الرمادي تثير جدلا    نجل عبد الناصر يرد على ياسر جلال بعد تصريح إنزال قوات صاعقة جزائرية بميدان التحرير    هل يجوز الحلف ب«وحياتك» أو «ورحمة أمك»؟.. أمين الفتوى يُجيب    هل يجوز أن تكتب الأم ذهبها كله لابنتها؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    هل يذهب من مسه السحر للمعالجين بالقرآن؟.. أمين الفتوى يجيب    خالد الجندي: الاستخارة ليست منامًا ولا 3 أيام فقط بل تيسير أو صرف من الله    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكايات مبكية من داخل دار إيواء .. بنات عم مسعد تركنه فى دار للمسنين وبعد وفاته رفضن استلام جثته


محمود ‬صالح ‬
بالأمس كانوا وحيدين.. يشعرون بالعزلة.. يعصف بهم الخوف والمرض وعدم الأمان.. تنتابهم الأزمات النفسية، الشارع كان ملاذهم الآمن قبل أن يجدوا دارًا تأويهم وسقفًا يحميهم وأيادي تحنو عليهم من غدر أقرب الناس إليهم، أولئك الذين افترشوا الرصيف بالأمس، كان لكل واحد منهم حياة قاسية، لكن في لحظة هذه الحياة التعيسة التي وجدوا انفسهم مرغمين عليها، انتهت إلى غير رجعة، بعدما انتقلوا إلى دور الرعاية المخصصة لكبار السن، ليعيشوا فيها ما بقي من أعمارهم، بأسلوب آدمي ورحيم، ينامون في مكان نظيف، ويأكلون طعامًا أُعد على أيدي طباخين مهرة، ويرتدون ثيابًا جديدة لائقة.
هذه الحياة، ندخل إلى بعض تفاصيلها، بداية من التشرد وحتى الوصول إلى دور الرعاية، تفاصيل أكثر في السطور التالية.
وجدوا أنفسهم يقيمون في الشارع الذي تحول الى ملاذهم الوحيد، يعيشون في انتظار لقمة تسد جوعهم ويحلمون بنومة هادئة حتى لو كانت على الرصيف أو في حديقة عامة، ولما لا وبعضهم وهبوا أعمارهم لأبنائهم وفي النهاية حصدوا مرارة الجحود، والبعض الآخر اكتفى بالصمت، فكان صمتهم أبلغ من أي كلام.
هذه المشاعر تقرأها بوضوح في أعين كبار السن بعدما التقيتهم داخل أكثر من دور للمسنين، وما بين دموع تتقاطر وأخرى تسيل تعرفنا على قصصهم الحزينة.
للمشردين حياة، لا تشبه أي حياة، ومن الخطأ أن نسميها حياة من الأساس، هي بالعامية "عيشة"، تسمع البعض منهم يردد "عيشة وعايشنها"، هنا لو تأملت معاناتهم ستعرف أن ثمة أناس دخلوا الدنيا ليخرجوا منها، حاملين على أعناقهم ندبات، ندبة من جحود الابناء، وندبات أخرى لأسباب مختلفة، تراهم وهم في أواخر أعمارهم ممزقين، وينتظرون الموت ليرحمهم ممن غدروا بهم.
استثناء على الفطرة
يقولون أن البنات أكثر رحمة وعطفًا على آبائهن، وهي في أغلب الأحيان حقيقة لكن أحيانا نجد شواذا لهذه القاعدة، ولعل قصة عم مسعد، كانت من ضمن هذه الاستثناءات.
عم مسعد، الرجل الذي كان على حافة الموت، دخلت به فتاتان لإحدى دور الرعاية في مدينة المحلة الكبرى، وقالتا للمشرفين عن الدار أنهما وجدتاه ملقى على الرصيف، وأخذتهما به الرحمة، فقررا أن يدخلاه الدار ليعيش فيها بدلا من "عيشة" الرصيف.
السؤال الذي ألقي عليهما حينها، هل تعرفانه؟، إجابة الفتاتين كانت قاطعة، لا نعرفه، ولم نره من قبل، اللهم إلا الآن، حينما وجدناه على الرصيف وأتينا به اليكم. وتمت إجراءات الدخول بكل سهولة ويسر.
دخل الرجل مرهقًا، وآثار التراب على ملابسه ووجهه، يريد أن ينام، وبالفعل بمجرد ما أن اصطحبه أحد المشرفين إلى سرير موجود في إحدى الغرف، نام الرجل نومًا عميقًا.
بعد أن استيقظ حاول مشرفو الدار التحدث معه، ليعرفوا قصته، وليساعدوه، لكن كانت الصدمة عندما أخبرهم أن الفتاتين اللتين أحضرتاه إلى الدار بناته، من صلبه، وأنهما أتيتا به إلى الدار ليتخلصا منه، بعد أن ضاقتا ذرعًا من خدمته في أيامه الأخيرة.
كان الرجل حينها في حالة صحية سيئة، يعاني من أمراض مزمنة، حالته الصحية غير مستقرة، ويحتاج عناية طبية متخصصة، وكانت هذه العناية بشكل أو بآخر غير متوفرة في الدار التي دخلها، وعليه نقل إلى دار أخرى في الجيزة، وهي دار "معانا لإنقاذ إنسان".
بعد أن دخل الدار، وتم متابعته طبيًا بشكل مناسب، استقرت حالة عم مسعد، لم يكن هذا الاستقرار يشير إلى التحسن في حالته النفسية بعدما وجد الجحود في انتظاره، لكن هذا الاستقرار كان يضمن ألا يتعرض عم مسعد لانتكاسة طبية، تعود به إلى حالته الصحية الأولى التي جاء عليها من المحلة الكبرى.
في الدار، قضى عم مسعد قرابة العام ونصف العام، عاش آمنا وهذا هو بيت القصيد وسط زملائه من النزلاء من كبار السن، يقضي معهم أغلب اليوم، يتحدث معهم ويسمع منهم، وكثيرا ما تطرق في كلامه سواء مع النزلاء أو المشرفين في الدار عن قصته، وكيف كان يعاني ، وحجم القسوة التي كان يتعرض لها يوميًا من ابنتيه، وأنهما كانتا تمنعان عنه الطعام كنوع من أنواع العقاب.
المسؤولون عن الدار، استطاعوا أن يصلوا إلى أحد جيرانه، والذي أكد الرواية التي كان يقولها عم مسعد، وأضاف فصولا أخرى أكثر مأساوية، منها أن ابنتيه يوم أن ذهبتا به إلى الدار؛ تعمدتا أن تنكرا أنه والدهما، حتى لا يسأل مسؤول الدار عن سبب ما أقدمتا عليه، وحتى لا يعود إليهما مرة أخرى إن حاولت الدار ذلك.
قرابة العام ونصف العام، التي قضاها عم مسعد داخل الدار، حاولت المؤسسة التواصل مع ابنتيه، ورفضتا كالمتوقع أن تأتيا لزيارته، وكأنهما كتبتا بأيديهما شهادة وفاته، وهو ما زال بعد على قيد الحياة.
عم مسعد، وبعد أيام من تركنا الدار ونحن نستعد لنشر قصته مع حالات أخرى التقيناها علمنا من أحد المسؤولين بالدار أنه توفاه الله وهو على فراش المرض، بعدما اشتد عليه في أيامه الأخيرة، حاولوا إسعافه وعلاجه طبيًا، لكن أمر الله قد حان، وأمر الله نافذ، ولا راد لقضاء الله، وحتى بعد أن انتهت قصته، لم تحاول ابنتاه أن تعرفا أين دفن والدهما، وكل ما وصل إليهما أنه مات، ودفن في مقابر الصدقة.
حكاية عم محمد
مشرد الإسكندرية كانت حكايته غريبة، وغرابتها ليست في تفاصيلها، بل إن أغرب ما فيها كانت نهايتها.
مشرد الإسكندرية لم يكن يعرف له اسم، هو قال أن اسمه "محمد" لكن بعدها تراجع وقال اسم آخر، ومن كثرة الأسماء التي قالها، كان الناس، المحيطين به في المكان الذي تواجد فيه، بسموحة، في الإسكندرية، ينادونه ب "يابا".
هذا الرجل، حكى ذات مرة لشاب أراد أن يسمع قصته؛ أن شهر رمضان الماضي، كان أول رمضان يمر عليه وهو يفترش الطريق، وقتها حكى أنه تعرض فيه لألم نفسي رهيب، بسبب حياته التي يعيشها في الشارع.
قبل رمضان الحالي، وردت استغاثة من هذا الشاب لإحدى دور الرعاية الموجودة بالقاهرة، وشرح لهم حالة المسن، وسوء ما يتعرض له، وأنه مضى عامًا على افتراش الشارع، ومكوثه فيه، وأنه أصبح مريضًا لا يقوى على الحركة.
وبالفعل، لبت الدار الاستغاثة، ونقل إلى مقر الدار في القاهرة، لتلقي الرعاية الصحية، وفور وصوله إلى الدار، وبعد أن أجريت له كافة سبل النظافة الشخصية، نقل للمستشفى.
بعد الفحص الطبي والتحاليل، تبين أنه يعانى من التهاب رئوي حاد، ونقص في الأكسجين، وارتشاح بالرئة، وآثار لوجود جلطة بالمخ، وارتفاع حاد في وظائف الكلى.
بالإضافة إلى وجود جروح غائرة في أنحاء متفرقة من جسده، بلغ التلوث منها كل مبلغ، إلى جانب ضعف عام في وظائف الجسم، وأشارت التقارير الطبية أن حالة الرجل الصحية متدهورة جدا.
وفي سبيل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، حجز المسن داخل الرعاية المركزة بأحد المستشفيات، مكث فيها قرابة ال 10 أيام، ثم توفاه الله، قبل يومين من الشهر الكريم، وكأن الله استجاب له يوم أن قال بأنه يتمنى أن لا يمر عليه رمضان وهو طريح الرصيف.
بلا مأوى
المشرد، في الغالب يقضي ما بقي من عمره في الشارع، حينما يتقدم في العمر، لكن في حالة عم رفعت، كان الوضع مختلفًا، الرجل الذي تجاوز عمره ال 65 عامًا، قضى نحو 45 عامًا مشردًا.
تخيل، 45 عامًا من عمر الرجل قضاها يفترش الرصيف، وينتقل من رصيف إلى رصيف، تارة ينام هنا، واخرى ينام هناك، تحت الكباري، في الشوارع، في الحواري، وفي كل مكان تقريبًا وطأت قدماه فيه اتخذه مخدعًا، وغلبه النوم.
المدة كانت كبيرة إلى درجة وضعت آثارها على جسده، قد لا يتكلم وقد لا يحكي عن حجم ما تعرض له من مأساة، لكن ما أن تقع عيناك عليه، تعرف أن ثمة سنوات كثيرة، وكثيرة جدًا، عاشها الرجل مشردًا في الشارع.
قصته كانت مختلفة بعض الشيء، عم رفعت كان الأخ الأوسط لأسرة مكونة من 5 أشقاء، وكان هو أبعدهم عن قلب والده، كان كثيرًا ما يعنفه، ويضربه، هذه التصرفات تركت في نفسه حسرة وألم كبيرين، لا يفارقانه حتى اللحظة، وعليه، تربى إخوته هم أيضًا على معاملته معاملة سيئة.
الحكاية كانت بدايتها أسلوب تربية، لكن هذا الأسلوب العنيف أورث عم رفعت العند، وأصبح يناطح إخوته، هذا الأمر جعله أمامهم مصدر إزعاج، ينتظرون الفرصة التي يتخلصون فيها منه، وبالفعل، بعد أن مات والده، وهو في عمر ال 20 عامًا، أخذوا ميراثه، وتركوه يعيش وحيدًا في شقة صغيرة في بناية متهالكة، وفعلا سقطت البناية، وأصبح عم رفعت مشردًا وهو في هذا العمر.
من وقتها وعم رفعت في الشارع، الشارع الذي وجد فيه راحته، حاملا في قلبه قسوة إخوته، وجبروتهم، وكيف أنهم نهبوا ميراثه، وتركوه في الشارع دون أن يسألوا عنه.
في الشارع ساءت حالته الصحية، وتدهورت، وبات لزامًا نقله إلى دار رعاية، ليعيش فيها في المقام الأول، ولتتكفل بعلاجه، وفعلا دخل عم رفعت الدار، وبداخلها استقرت حالته، وعادت إليه البسمة، والتي فارقته 45 سنة، بسبب جشع الأخوة وقسوة الأب.
المهندس الصامت
خرج السبعيني بملامح يعلوها التراب صوب مجهول لا يدركه، أقدامه على هرمه ثابتة، تخطو خطوات واضحة، يسير بين الناس حاملا في جعبته سرا من أسرار حياته، لا يعرفه إلا هو، ولا يريد أن يفصح عنه.
في مدينة الصف، بمحافظة الجيزة، كانت نشأته.. هذا هو الأمر الوحيد الذي صرح به، والذي أراد أن يهرب من أسئلة الناس المتكررة له بهذه الإجابة، لكن هيئة الرجل، وملامحه، وملابسه الرثة، يوضحون أن العجوز يخبئ سرًا من أسرار حياته.
هذا هو حال أهالي التبين فور أن لمحوا هذا الرجل السبعيني يخطو بقدميه شوارع المدينة، ينام على الأرصفة، ويأكل من الطعام الذي يعطيه له الناس، ولا يتفوه بأى كلمة، وحتى إن حاوطته أسئلة الأهالي من أين جاء وأين كان يعيش وهل له أسرة؟ يدير ظهره لمن يسأله ويقول بأنه من الصف، وكأن إجابته هذه هروب من أن يحكي ما لا يريد أن يحكيه.
على هذا الحال تعامل معه الأهالي في التبين، حتى قدم شهر رمضان، وأصبح الناس ينظرون له بعين الشفقة، وهم يذهبون إلى منازلهم مسرعين ليتناولوا الإفطار، وهو يجلس على الرصيف ينظر لهم، وأمامه بعض الطعام الذي ترك له، قبل أن ينقل إلى إحدى دور الرعاية التي وجد فيها الأمان والاستقرار، ولا احد يعلم ما هي حكايته، دائما وابدا الصمت يلازمه.
حكاية هذا المجهول لم تكن أكثر غموضًا من حكاية مسن بورسعيد، والذي منذ قرابة شهرين يتواجد في قرية محلة منوف التابعة لمركز طنطا بمحافظة الغربية.
الرجل - كما هو بدا عليه - يعاني من اضطراب نفسي، يجعله يتلعثم أثناء الكلام، ويتمتم بكلمات غير مفهومة، وغير واضحة اللهم أنه مرة قال لمن سأله أنه كان يعمل مهندسًا، وأنه يدعى رفعت عبد الحميد.
هذا الرجل، يبدو عليه فعلا أنه حديث العهد بالشارع، وأنه لم يعش فيه فترة طويلة، على عكس غيره من المشردين، لكن الرجل، كان على إصابته باضطراب نفسي، منمق الكلام حلو الحديث، لكنه كان لا يتحدث كثيرًا، اللهم إلا لمن اعتاد الحديث معه، يدرك تمام الإدراك أن الرجل تحصل العلم، بل وبلغ فيه مبلغًا عظيما.
لكن المهندس، رفعت عبد الحميد، من الممكن أن يتحدث في أي شيء، لكن لا يتحدث عن ماضيه، ولا يتفوه ببنت شفة عن المصير الذي تعرض له، والذي أوصله من أن يكون مهندسًا إلى مشرد، ومن السكنة في بيته إلى الإقامة في دار إيواء التي كانت له السكن والاستقرار.
معنا لغة العيون كانت تقول ما خجل الرجل ان يقوله لنا، على كلامه كان مهندسًا، ومن المفترض أنه كان ذو شأن، وبين طرفة عين وانتباهتها أصبح هذا مصيره، ترى أي مصير سيؤول إليه من يراه، وهو يركض إلى بيته ليتناول الإفطار وقت آذان المغرب، هو الآن يعيش حياة مستقرة وسط كبار آخرين في السن لاقوا نفس الجحود.
اقرأ أيضا : فضيحة «ساكني الأرصفة».. لندن تعاني من انتشار المشردين| فيديوجراف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.