يختتم اليوم الأحد 13 نوفمبر معرض الشارقة الدولى للكتاب أنشطته التى انطلقت فى الثانى من هذا الشهر وزاره خلالها أكبر عدد فى تاريخ المعرض، حيث احتفت دورته ال41 بتربعه على عرش معارض العالم كأفضل معرض فى تبادل وبيع حقوق النشر والترجمة على مستوى العالم، كما أكدت الشارقة جدارتها فى عالم النشر باحتضانها لأنشطة وفعاليات المؤتمر السادس للناشرين الدوليين، وحققت دور النشر المشاركة. وعلى رأسها دور النشر المصرية مبيعات قياسية واستفادت من المنحة الأميرية، حيث أمر الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمى بتخصيص 4,5 مليون درهم إماراتى تتخصص للجهات الرسمية والحكومية لكى تقتنى ما يناسبها من كتب دور النشر المشاركة.. أهم ما يميز معرض الشارقة النشاط الثقافى والندوات التى تُعقد على هامشه والتى تُدعى إليها رموز فكرية وثقافية من شتى أنحاء العالم، وفى السطور التالية سوف نستعرض بعضا من أهم تلك الندوات. «بين المحرر والمؤلف» كان عنوانا لجلسة على هامش المعرض تحدث المشاركون فيها عن الأهمية البالغة التى أصبح يلعبها (المحرر) فى تطوير المجال الأدبى وسوق النشر، ولكن بصورة لا تتعارض مع عمل الكتاب والمؤلفين، وقالوا إن هناك فروقاً فى مهام المحررين، بالمقارنة مع عمل الكاتب، والعلاقة بينهما فى دور النشر العربية، وقرينتها من المؤسسات فى الولاياتالمتحدةالأمريكية. وأشار جهاد ناعم الكاتب التونسى الحائز على جائزة الكومار الذهبى للرواية العربية 2017 عن روايته الأولى، إلى غياب العلاقة الوثيقة بين الكاتب العربى والمحرر، فى مقابل علاقة تقليدية قائمة بصورة أكبر بينه وبين الناشر، رغم الأهمية البالغة التى تتطلب وجود المحرر للارتقاء بصناعة الكتاب وإخراجه بأحسن صورة. وأكد الكاتب الأمريكى نيل ستراوس، أهمية العلاقة بين الكُتاب والمحررين الأدبيين فى أمريكا، مستنداً فيما يقوله على إنه من أكثر الكتاب مبيعاً فى الولاياتالمتحدة، بجانب عمله كمحرر فى صحيفة النيويورك تايمز، ومجلة رولينج ستونز، مشدداً على أن تعامله مع محرريه كمعلمين أكسبه منهم خبرة أكبر أتاحت له أن يصبح كاتباً أفضل، بصورة تفوق المعرفة التى اكتسبها من مقاعد الدراسة. وأضاف ستراوس: «إن السبب الوحيد لكونى كاتبًا لائقًا هو أنه كان لدىَّ محررون جيدون وأعتقد أن هذا ينطبق على أى شىء تفعله فى الحياة، إذا أنتجت شيئًا ما فى فراغ دون أن يخبرك أحد بكيفية تحسينه، فلن تتمكن من التحسن». من جانبها، شاركت كارى ثورنتون، نائبة الرئيس فى دار دى ستريت بوكس، الحاضرين تجربتها الطويلة كمحررة أدبية، ساهمت فى وصول أكثر من خمسين عنواناً لقائمة النيويورك تايمز للكتب الأكثر مبيعاً، مشيرة إلى الأهمية التى يكتسبها اطلاع المحرر على المسودات الأولى للنصوص بوصفه القارئ الأول لأى كتاب، ما يجعله عين دار النشر التى تنظر للكتاب من منظور القارئ، واصفة مدى الحميمية التى يوفرها لها عملها مع الكتَّاب. والتحدث باسمهم لإنجاح الكتاب. ووصفت ثورنتون علاقتها بالكتَّاب بأنها متعددة الجوانب، فهى صديقة لكتابها، ومرشدة ومستشارة لهم، بل تلعب دور المعالجة النفسية معهم فى بعض الأحيان، والأمر الذى يكتسب ضرورة أكبر عند عملها على السير الذاتية، إذ تجبرها على الاقتراب أكثر من حياة مؤلفيها، فى وظيفة أساسية لنجاح أى كتاب، تجمع بين التسويق والفن. وقال الكاتب محمد المؤدب : «هناك خلط بين دور المحرر الأدبى والمدقق اللغوى، وهذا خطأ»، موضحاً الفرق بين مسئولية المحرر فى إبراز القصور على المستوى البناء الأدبى للنص. وبين الوظيفة النهائية للمدقق المقتصرة على القواعد الإملائية والنحوية، فيما شدد على أن تطور الكتاب العربى مرهون بالتعامل مع القارئ بوصفه ذكياً وصعب الإقناع، الأمر الذى لا يمكن أن يستقيم دون وجود علاقة راسخة ومنظمة بين الكاتب والمحرر. سمات الأدب الجماهيرى ما هو مفهوم الأدب الجماهيرى؟ وما هى مميزات هذا النوع من الأدب؟ وهل يمكن للروايات تحقيق جماهيرية أكبر من الشعر والمسرح والقصة القصيرة؟ وما هى العوامل التى تقرر الجماهيرية؟ هل هى المبيعات؟ أم عدد القرّاء؟ أم التقييمات؟ كانت هذه الأسئلة موضوعا لإحدى الجلسات فى المعرض بعنوان «سمات الأدب الجماهيرى»، شهدت مشاركة الكاتبة الكندية نيتا بروز، والدكتور الباحث والروائى بومدين بلكبير من الجزائر، والصحفى والناشر الدكتور صالح البيضانى من اليمن، والروائى العمانى محمود الرحبى. وقال الباحث والروائى الجزائرى بومدين بلكبير إن الإجابة على هذه الأسئلة تتطلب إجراء مسوحات دقيقة وشاملة للمنطقة العربية، مؤكداً وجود عدة عوامل جعلت من الكتابات الجماهيرية فى صدارة الأعمال الأدبية، منها الترويج الواسع والتسويق الجيد للكتب من خلال قوة صورة الغلاف وألوانه وتصميماته وجمالياته، مشيراً إلى أن كثيراً من الناشرين يتعمدون كتابة عبارتى «الأكثر مبيعاً»، و«بيعت منه ملايين النسخ»، بالإضافة إلى كاريزما الكاتب وصورته، فضلاً عن أهمية الترجمة، والجوائز التى تلعب دوراً أساسياً فى إبراز الأعمال. وأضاف: «فى الولاياتالمتحدة وكندا توجد صناعة حقيقية للكتاب تسهم فى نجاحه، حيث إننا نتكلم عن إنتاج ونشر وتوزيع الكتاب بمعايير عالمية تسهل إبرام العقود والاتفاقات، وسهولة إجراءات توزيع الكتاب فى الأسواق الداخلية والخارجية. وعلى الصعيد الشخصى لاقت رواياتى بعض الرواج لكن وصول آخر رواياتى (زنقة الطليان) إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر العالمية أسهم فى إعادة طباعتها عدة مرات، وترجمتها إلى عدة لغات، فضلاً عن التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعى. ولا ننسى دور الإعلام التقليدى، لأن وصول الكتابات الأدبية إلى الجماهيرية لا يمر على طريق واحد، وإنما على عدة طرق عبر استراتيجية متكاملة لدار النشر فى الترويج للكتاب وتسويقه». من جانبها، نوهت الكاتبة الكندية نيتا بروز، مؤلفة رواية «الخادمة» التى تُرجمت لأكثر من 35 لغة عالمية، إلى أن الترجمة تصنع فارقاً جوهرياً فى تعزيز جماهيرية الكتاب، فإذا نجح الكاتب فى ترجمة عمله إلى لغات عالمية، سيضمن التغلب على عقبات الوصول إلى الثقافات المختلفة. والانتقال من الشخصى والمحلى إلى العالمى، وهو هدف يصعب تحقيقه، إذ ينبغى للكاتب ابتكار قصة وشخصيات لا تناسب ثقافته الشخصية فحسب، وإنما كافة الثقافات، والتواصل معها. وأضافت: «تمثل الترجمة بوابة إلى العالمية، وإذا لم يتوفر للكاتب فرصة ترجمة أعماله، ستُغلق هذه البوابة أمامه، وسيخسر فرصة كبيرة». بدوره، أكد الصحفى والناشر الدكتور صالح البيضانى وجود تباينات كبيرة بين سمات الأدب الجماهيرى فى الغرب عموماً وفى العالم العربى، حيث يتميز الغرب بمنصات إعلامية وثقافية راسخة يمكنها رصد أهمية الكتّاب والكتب التى صدرت حديثاً، بالإضافة إلى قوائم شهرية وأسبوعية بأكثر الكتب مبيعاً، والمؤسسات التى تأخذ بيد الكاتب وتقدم له نقلة هائلة على صعيد الانتشار والترجمة إلى لغات أخرى. وأضاف: «سمات الأدب الجماهيرى فى العالم العربى مختلفة تماماً، وتعتمد إلى حد كبير على العشوائية، ولا توجد معايير ثابتة يمكن من خلالها تتبع هذا النمط من الكتابات التى تحظى بشهرة واسعة، بل تعتمد على بعض الانتشار الذى يحققه الكاتب إما بشكل فردى، وإما من خلال حصوله على جائزة مثل جائزة البوكر العربية أو جائزة الشيخ زايد. ومؤخراً استطاعت وسائل التواصل الاجتماعى أن تفرز جيلاً جديداً من الكتّاب الشباب الذين استطاعوا اختراق الحواجز التقليدية، والوصول إلى شريحة أكبر من القرّاء، وبشكل خاص الشعراء وكتاب القصة القصيرة». وأشار إلى أن مواقع التواصل الاجتماعى استطاعت أن تحرر الكتّاب من سطوة المحرر الثقافى فى الوسائل التقليدية، ومن سطوة الناقد، حيث أصبح الكاتب قادراً على الحصول على آراء القرّاء مباشرة، ولم يعد رهينة للناقد. من جهته، قال الروائى العمانى محمود الرحبى: «الكتابات الجماهيرية هى التى تبدأ من الجمهور، وفيها نوع من التنازل على المستوى الفنى، لكن هناك بعض الكتابات التى تمزج بين الفائدة والمتعة، فليس من الضرورى أن يكون الكاتب أديباً ليكون عمله جماهيرياً، فربما يكون شخصية مشهورة فى مجال ما، سياسياً أو صحفياً أو محاضراً. وحين يُصدِر كتاباً يتحول إلى كاتب مقروء، لأن الجمهور لديه فضول لمعرفة تفاصيل حياته، وهذا ما حدث فى كتاب جابرييل جارسيا ماركيز (عشت لأروى) الذى انتشر بشكل كبير قياساً ببعض رواياته، ولأنه شخص معروف، كان لدى الجمهور فضول لمعرفة حوافز كتاباته ورواياته». أول هندية تفوزر بالبوكر المعرض كالعادة يكون قبلة لحاصدى الجوائز الأدبية عالمياً، منهم الكاتبة جيتانجالى شرى، أول روائية هندية تفوز بجائزة البوكر الدولية هذا العام التى التقت جمهور المعرض وكان أغلب الذين امتلأت بهم القاعة عن آخرها شباباً من الجنسين. بدأت جيتانجالى شرى الجلسة بقراءة مقاطع من روايتها «ضريح الرمل». والتى وصُفت إثر نيلها لجائزة البوكر الدولية فى 2022 بكونها «مضحكة وممتعة بصورة غير عادية»، مشددة على رغبتها فى القراءة باللغة الهندية، التى رأت أنها أفضل فى نصها الأصلى. مؤكدة للحضور على أهمية الاعتزاز بثقافاتهم الغنية ولغاتهم الأصلية، منتقدة أن تصبح اللغات الأصلية مهمشة فى مجتمعاتها المحلية. وعلقت: «أشعر بالغرابة عندما يسألنى الناس لماذا لا أكتب بالإنجليزية، لا أحد يسأل فرنسياً أو ألمانياً هذا السؤال» وواصلت نصيحتها للطلاب بالقول: «تعلموا لغتكم الأصلية أولاً، ثم تعلموا ما شئتم من اللغات». وتابعت شرى: «لابد أن تكونوا مهتمين بالحياة حتى تصبحوا كتاباً، اقرأوا حياتكم وعالمكم كمكان للتأمل الصادق وفهم ما يحدث». اقرأ ايضا | أحدث إصدارات دار الكتب والوثائق في معرض الشارقة للكتاب |صور