سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن بعد آخر تراجع الأربعاء 18 يونيو 2025    نزوح آلاف الإيرانيين من طهران بعد تصريحات ترامب (صور)    البرنامج النووي الإيراني يٌشعل خلافًا بين ترامب ومديرة الاستخبارات    كم فوائد 100 ألف جنيه في البنك شهريًا 2025 ؟ قائمة أعلى شهادات الادخار الآن    روسيا: هجمات إسرائيل على إيران تدفع العالم لكارثة نووية    تشكيل الوداد المغربي المتوقع أمام مانشستر سيتي في كأس العالم للأندية 2025    قبل اللغة العربية.. جدول امتحانات الثانوية العامة 2025 علمي وأدبي «pdf» كامل    تليفزيون اليوم السابع يرصد عمليات إنقاذ ضحايا عقار السيدة زينب المنهار (فيديو)    تمكين الشباب في عصر التكنولوجيا والثقافة الرقمية على طاولة الأعلى للثقافة، اليوم    حين تتحول إلى فن داخلى .. الصوفية وفن القيادة المؤسسية فى «رحلة مع النفس»    طريقة عمل الحجازية، أسهل تحلية إسكندرانية وبأقل التكاليف    الإيجار القديم.. خالد أبو بكر: طرد المستأجرين بعد 7 سنوات ظلم كبير    هل يعتزم ترامب تمديد الموعد النهائي لبيع "تيك توك" للمرة الثالثة؟    تياجو سيلفا: فلومينينسي استحق أكثر من التعادل ضد دورتموند.. وفخور بما قدمناه    وكيل لاعبين يفجر مفاجآت حول أسباب فشل انتقال زيزو لنادي نيوم السعودي    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأربعاء 18 يونيو 2025    "أدوبي" تطلق تطبيقًا للهواتف لأدوات إنشاء الصور بالذكاء الاصطناعي    أخيرا على "آيفون": "أبل" تحقق حلم المستخدمين بميزة طال انتظارها    مؤتمر إنزاجي: حاولنا التأقلم مع الطقس قبل مواجهة ريال مدريد.. ولاعبو الهلال فاقوا توقعاتي    «رغم إني مبحبش شوبير الكبير».. عصام الحضري: مصطفى عنده شخصية وقريب لقلبي    الرئيس الإماراتي يُعرب لنظيره الإيراني عن تضامن بلاده مع طهران    إمام عاشور يوجه رسالة لجمهور الأهلي بالفيديو    نائب محافظ شمال سيناء يتفقد قرية الطويل بمركز العريش    7 مصابين جراء حريق هائل بشقة سكنية في الإسماعيلية    الجيش الإسرائيلى يحذر سكان مربع 18 وسط العاصمة الإيرانية طهران    «طلع يصلي ويذاكر البيت وقع عليه».. أب ينهار باكيًا بعد فقدان نجله طالب الثانوية تحت أنقاض عقار السيدة زينب    التفاصيل الكاملة لاختبارات القدرات لطلاب الثانوية، الأعلى للجامعات يستحدث إجراءات جديدة، 6 كليات تشترط اجتياز الاختبارات، خطوات التسجيل وموعد التقديم    المستشار محمود فوزي نافيا شائعات وسط البلد: قانون الإيجار القديم يعالج مشكلة مزمنة ولن يُترك أحد بلا مأوى    مينا مسعود: السقا نمبر وان في الأكشن بالنسبة لي مش توم كروز (فيديو)    أطفال الغربية تتوافد لقصر ثقافة الطفل بطنطا للمشاركة في الأنشطة الصيفية    نجوم الزمالك يشعلون حفل زفاف ناصر منسي بالشرقية ورقص الأسطورة يخطف الأنظار (فيديو)    إعلام إسرائيلى: صفارات الإنذار تدوى فى منطقة البحر الميت    إسرائيل تهاجم مصافي النفط في العاصمة الإيرانية طهران    معدن أساسي للوظائف الحيوية.. 7 أطعمة غنية بالماغنسيوم    الكشف المبكر ضروري لتفادي التليف.. ما علامات الكبد الدهني؟    التضامن الاجتماعي: إجراء 2491 عملية قلب مجانية للأولى بالرعاية بالغربية    ضربة موجعة للهلال قبل مواجهة ريال مدريد في كأس العالم للأندية    جاكلين عازر تهنئ الأنبا إيلاريون بمناسبة تجليسه أسقفا لإيبارشية البحيرة    توقف عن تضييع الوقت.. برج الجدي اليوم 18 يونيو    الشيخ أحمد البهى يحذر من شر التريند: قسّم الناس بسبب حب الظهور (فيديو)    ألونسو: مواجهة الهلال صعبة.. وريال مدريد مرشح للتتويج باللقب    سعر الفراخ البلدي والبيضاء وكرتونة البيض بالأسواق اليوم الأربعاء 18 يونيو 2025    نجم سموحة: الأهلي شرف مصر في كأس العالم للأندية وكان قادرًا على الفوز أمام إنتر ميامي    مسؤول إسرائيلي: ننتظر قرار أمريكا بشأن مساعدتنا فى ضرب إيران    الجبنة والبطيخ.. استشاري يكشف أسوأ العادات الغذائية للمصريين في الصيف    رسميًا.. فتح باب التقديم الإلكتروني للصف الأول الابتدائي الأزهري (رابط التقديم وQR Code)    الأبيدى: الإمامان الشافعى والجوزى بكيا من ذنوبهما.. فماذا نقول نحن؟    الغرفة التجارية تعرض فرص الاستثمار ببورسعيد على الاتحاد الأوروبى و11 دولة    «الربيع يُخالف جميع التوقعات» .. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم الأربعاء    النفط يقفز 4% عند إغلاق تعاملات الثلاثاء بدعم من مخاوف ضربة أمريكية لإيران    العدل يترأس لجنة لاختبار المتقدمين للالتحاق بدورات تدريبية بمركز سقارة    علي الحجار يؤجل طرح ألبومه الجديد.. اعرف السبب    اللواء نصر سالم: الحرب الحديثة تغيرت أدواتها لكن يبقى العقل هو السيد    فضل صيام رأس السنة الهجرية 2025.. الإفتاء توضح الحكم والدعاء المستحب لبداية العام الجديد    جامعة دمياط تتقدم في تصنيف US News العالمي للعام الثاني على التوالي    الشيخ خالد الجندي يروي قصة بليغة عن مصير من ينسى الدين: "الموت لا ينتظر أحدًا"    محافظ الأقصر يوجه بصيانة صالة الألعاب المغطاة بإسنا (صور)    أمين الفتوى يكشف عن شروط صحة وقبول الصلاة: بدونها تكون باطلة (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد سليم شوشة يكتب: بلاد الطاخ طاخ.. ذاكرة المهاجرين المثقلة بالمرارة والألم
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 03 - 09 - 2022

فى كل قصة من قصص هذه المجموعة نجد أن ثمة فكرة جوهرية تكاد تكون هى المحور الأساسى أو العمود الفقرى الذى ينسج الخيال له بقية الأجزاء من اللحم والدم ويبث فيها روحا ويصنع له نبضا وحياة تتسم بالحيوية، وإن كان بعضها فى سبيل تحقيق وإنجاز الفكرة لم يكن أمام التخييل من سبيل غير الفنتازيا أو الغرائبية وهو ما يتحقق فى أكثر من قصة.
فى المجموعة القصصية «بلاد الطاخ طاخ» للكاتبة العراقية إنعام كجه جى والصادرة 2022 عن المصرية اللبنانية بالقاهرة تقدم الكاتبة تجربة سردية حافلة بالثراء والجمال الأدبى والمتعة، وتمارس هوايتها المعروفة عنها فى ألعاب السرد، وتشكل وحدة أو لبنة إضافية فى مشروعها الأدبى الخاص بها والدال على قناعاتها والمعبر عن فكرها ومنطقها الجمالى فى السرد.
لا تنفصل قصص هذه المجموعة عن الشواغل والاهتمامات المعهودة عند إنعام كجه جي، فهى تأتى فى إطار مقاربة الحالة ذاتها التى تتجسد فى المهاجر العربى الذى يحاول استعادة ذكرياته وتفاصيل حياته السابقة فى الوطن ما بين الحنين والحسرة ومشاعر الخيبة والعجز، وهى حتما على هامش مقاربة هذه الحال تمارس عبر العقل النقدى الطبيعى لشخصياتها نقدا سياسيا للأنظمة العربية سواء الملكية أو الجمهورية، ولا تنفصل كثيرا شخصيات هذه المجموعة ونماذجها الإنسانية عما هو سائد فى رواياتها السابقة سواقى القلوب والحفيدة الأمريكية وطشارى والنبيذة، ولا يعنى هذا الجمود أو الثبات أو أنها تكرر نفسها، بقدر ما يصبح دالا على الأنساق الذهنية والفكرية التى حكمت عقلها ومنابع إنتاجها للسرد الروائى والقصصي، ودالا على شواغلها المستمرة أو الممتدة وهكذا يمكن مقاربة دوافع إنتاج السرد لديها ومحركات الإبداع وهى أمور ترتبط بتشريح عقل المبدع والكشف عن أبرز ما يحكمه من التصورات والمفاهيم أو حتى العواطف والمشاعر التى تقوده أو تحركه فى أثناء الكتابة.
تقارب بعض القصص ظلال جائحة كورونا بشكل عفوى أو بعيدا عن الافتعال، وهو ما يجعل المتلقى مستشعرا لصلة المجموعة بالحياة الواقعية ومدركا راهنيتها بعيدا عن تشكيلها الذهنى وهو إضافة مهمة أو مكون يمثل إضافة جمالية للقصص، ومثلها توظيف الأغانى وبعض التفاصيل الصغيرة مثل الأشياء والأطعمة والملابس؛ ذلك لأن الأساس الذهنى الذى انطلقت منه كثير من قصص المجموعة وطابعها الرمزى لم يحل دون أن تكون نابضة وتتسم بالحيوية وتطرح نماذج إنسانية حقيقية يصدقها المتلقى ويتفاعل معها
وهكذا يبدو العقل الإبداعى المنشئ لقصص هذه المجموعة يعمل فى المسار ذاته المشتغل على حالات الحنين والتمزق والذاكرة المضغوطة بآلام تسببها على نحو خاص أنظمة كانت تحكم المنطقة العربية فى الخمسينات والستينات وربما ما بعد ذلك، تنشغل بشكل خاص بالنظام العراقى وبصدام حسين على نحو أكثر خصوصية ومن الطريف أنها لا تصرح به.
وهو أمر يحتاج إلى مساءلة أو بحث ترتبط باختيارات الخطاب ونوازعه أو ممارساته اللاواعية، فهل كان عدم الذكر شكلا من أشكال التبرؤ من النزعة السياسية الواضحة وهو ما يمكن عده ترفعا للأدب عن السياسة أو يمكن أن يكون محاولة من الخطاب الأدبى لأن يكون متجاوزا بدرجة ما للمكون السياسى.
والنأى عن جعله مركزيا، وكأن الخطاب يرغب فى أن يتفادى التحول لمجرد صدى مباشر للسياسة وآلامها أو جراحها الممتدة داخل البشر، ويكون الخطاب الأدبى راغبا فى أن يجعل السياسة على الهامش ويركز على القيمة الجمالية أو الأثر الجمالى نفسه.
ولهذا فإن المأخذ الأساسى على هذه المجموعة من ناحية القيم الدلالية التى تنتجها أو رسالة الخطاب القصصى وما يتضمن من إيحاءات وأفكار ومعان هو أنها لا تقارب أخطاء الثقافة العربية وإشكالاتها بشكل شمولى أو بما يفترض أن يكون من الشمولية.
بل يكون الاقتصار على التلميح إلى أخطاء السياسة وبخاصة فى فترة الخمسينات والستينات فقط، دون تطرق لإشكالات أخرى ترتبط بالرجعية الدينية التى وردت عنها جملة واحدة فقط فى المجموعة وبنزعة مباشرة أو تقريرية، دون رصد لمظاهر الرجعية الدينية أو الرجعية العلمية وأشكال التنابذ والفرقة وإشكالات العقل العربي.
وفى تقديرنا أن انحسار النقد واقتصاره على المكون السياسى غالبا ما يجعل العمل أقرب لحالة من النضال الذى يمكن أن يكون أقرب لحالة كلامية، وهو كذلك مُكَرّر وغالبا ما يكون على قدر من السطحية أو المباشرة.
بعيدا عن معانى هذا الخطاب القصصى وقريبا من جمالياته وتكنيك السرد فيه والأثر الجمالى لما لكل قصة من استراتيجيات سردية فإننا سنجد هناك حالا من المتعة والتشويق الكبيرة، ربما يكون أولها فى النزعة الساخرة أو القدرة على جعل الأشياء العابرة والتفاصيل الصغيرة تأخذ وضعا مركزيا وكأنها تحولت إلى أمر وجودى وعلى قدر كبير من الخطورة والأهمية. ففى قصة مرآة كرداسة يستطيع السرد فى هذه القصة أن يجعل من مرآة الحائط هذه محورا لحياة الصديقتين فى الإطار الزمنى للقصة.
وفى سلاسة شديدة تنفذ عبر المرآة إلى حال من التطابق التام بين الشخصيتين اللتين تموت إحداهما وتستمر الأخرى وكأنها تحمل ملامح صديقتها وتعيش مسئولة عن مصير هذه المرآة فى مسكنها أو مكانها الصغير فى مدينة باريس.
وعبر قدر من الرهافة فى السرد ولغته وعبر جعل مشاعر الشخصية تجاه مرآتها بؤرة مركزية تبدو هذه المرآة بملامح أسطورية أو سحرية وكأن وجود الشخصية أو مصيرها أو طالعها يرتبط بها، وقد أفادت من استحضار ظلال مصرية معينة مثل خان الخليلى والدرج السحرى لرسائل الغرام فى هذه المرآة لتنمية هذه الأبعاد التى صنعت حالا من التشويق اللطيف القائم على استمداد عناصر يومية سلسة وعابرة.
ومثال ذلك أن تجعل من كل واحدة من الشخصيتين تحتضن مرآتها على الطائرة وكأنهما هاربتان بكنز أو تحمى كل منهما طفلها فى حضنها. ومن الجماليات فى هذه القصة تقنية التحول المفاجئ فى موقع الراوى الراصد والمصور لهذا العالم، وهو ما يمثل شكلا أقرب للتنويع فى كاميرات التصوير فى الأفلام أو الأعمال الدرامية.
ففى مشهد بعينه فى القصة تحول السرد إلى الراوى العليم الذى يرصد المسافرتين فى مطار القاهرة عبر عين محايدة أو راوٍ خارجى وكل منهما تحتضن لفافة فيها المرآة. وربما النقطة الجوهرية الأخرى فى التشكيل الجمالى لهذه القصة هى الازدواج الذى صنعته المرآتان بين الصديقتين، إذ جعل ذلك منهما طرفين متوازيين فى مسار الأحداث يلتقيان فى مشاعر بعينها ويختلفان فى تفاصيل أخرى كثيرة. وتقنية الازدواج أو الثنائية هى التى صنعت كثيرا من جمال القصة التالية على هذه القصة فى الترتيب، وهى قصة «صورة المرحوم».
فى هذه القصة مقاربة طريفة ومختلفة لعلاقة الإنسان العربى المهاجر مع بعض رموز تاريخه وشخصياته، ويوظف السرد فى هذه القصة الثقافة البصرية visual culture بشكل متميز والأمر لا يقتصر على توظيف الصورة أو البورتريه لإحدى الشخصيات السياسية أو التاريخية.
ولكن يمتد ذلك إلى تصوير الشخصية فى حركتها وتشنجاتها ومحاولات التخلص من احتباسها بشكل جيد وبتصوير سينمائى تمتزج فيه بالتعليق الساخر والفكاهي، وتمزج بين التاريخى المؤلّف والواقعى الظريف أو الهزلي، تعود بشكل عابر إلى لمحات من التاريخ وتقابل بين حالات من الإخلاص والتضحية وحالات من الاستغلال والابتزاز.
وتكشف عن بعض أسرار الصحافة العربية التى تتأسس فى أوربا لتكون منصات إعلامية تقع فى دائرة الاحتراب والشجار السياسى بين الأطراف المختلفة. وفى أثناء تعرض الخطاب القصصى لبعض القضايا البارزة أو المهمة نجد جنوحا إلى التهوين أو محاولة إظهار هذه المقاربة كما لو كانت عابرة.
ولذا فإنها تأتى فى إطار من الهزل ودمجه بالجد أو العكس. ويكاد يمثل هذا السمت من المزج بين الهزل والجد نسقا فنيا ثابتا فى قصص المجموعة كلها، فنجد مثلا فى قصتى مسدس من ذهب وعارية فى الوزيرية مقاربة لقضية مهمة وهى علاقة الإبداع والفن أو الشعر بالسلطة وما كان يتاح لهما فى نظام صدام من هامش للحرية.
وما تعرض له الفنانون والمثقفون تحت وطأة هذه الأنظمة، والحقيقة أن بعض القصص ربما تكشف بشكل غير مباشر عن محورها الأساسى أو ما يمكن أن يسمى بلقطتها الجوهرية التى تأسس عليها جمال الحكى بصرف النظر عن المضمون أو الرسالة أو القضية التى تقاربها لأن أغلب هذه القضايا والموضوعات مطروقة من قبل فى رواياتها وأعمالها الأخرى.
ولكن يبدو فى كل قصة من هذه القصص أن هناك شيئا طريفا أو جميلا هو الذى يمثل محركا مغريا باتجاه السرد وإنتاج القصة.
وعبر قراءة تفكيكية تبحث عن الأثر أو الباعث الأساسى فى العمل يمكن أن تكون هناك قراءة أكثر منهجية وأكثر تركيزا فى هذه القصص، وبخاصة وأن جمالها يأتى فى إطار حال من اللعب السردى اللطيف، فالمطابقة بين مرآتين طريفتين فى القصة الأولى تصنع مطابقة بين شخصيتين يكاد يكون مصيرهما متقاربا هو ما يمثل الأثر الأساسى والجوهرى فيها.
والأمر ذاته مع المطابقة بين الصورتين؛ صورة الهوارى بومدين الذى أصاب المهاجرة الجزائرية التى سميت على اسمه فى يوم وفاته بالاحتباس ثم فك هذا الاحتباس بصورة أخرى لمناضل سورى استغل أخوه اسمه هو ما يمثل جوهر القصة الثانية، ومغامرة الزوجة مع رماد زوجها الذى وضعته فى قارورة.
وذهبت به لتدفنه فى كليته أو تنثره فى نهر دجلة هى المحرك الأساسى لقصة عارية فى الوزيرية، وهذه المغامرة العبثية المحملة بالنقد واسترجاع تفاصيل الارتباط والانفكاك بين الزوجين بالزواج والموت هى هيكل القصة وأساسها وتمثل حالا طريفة من التشويق القائم على تمديد هذه الحال العبثية، وصنع مقارنة ضمنية بين أوضاع مجتمعات متباينة فى مواقفها من الفن والأدب.
وفى قصة بلاد الطاخ طاخ نجد أن تمثال الزعيم الديكتاتورى الهارب من المتحف ليؤدى دورا تمثيليا هى الأثر الأساسى والمحفز للحكى وبخاصة مع ما قد ينتج عنها من الطرافة والمفارقات التى تتمثل فى الهرب واستمرار التمثيل أو احتمالية قبوله العودة مرة أخرى ليكون مجرد تمثال.
وقد استثمرت القصة الحوار بين الحارس الليلى والتمثال على نحو جيد جعل القصة أوسع أفقا وفيها حال من الجدل أو النقاش الذى يقلب الأوضاع بين الطرفين، فيصبح الزعيم محبوسا داخل هذا التمثال، أو يجعل التمثال مستشعرا لروح الزعامة والاقتناع بالذات ويتسول الهرب أو الخروج أو أن يسمح له بأن يمثل نفسه أو يؤدى دوره فى الفيلم الذى ينجح نجاحا كبيرا.
وهكذا فى كل قصة من قصص هذه المجموعة نجد أن ثمة فكرة جوهرية تكاد تكون هى المحور الأساسى أو العمود الفقرى الذى ينسج الخيال له بقية الأجزاء من اللحم والدم ويبث فيها روحا ويصنع له نبضا وحياة تتسم بالحيوية، وإن كان بعضها فى سبيل تحقيق وإنجاز الفكرة لم يكن أمام التخييل من سبيل غير الفنتازيا أو الغرائبية وهو ما يتحقق فى أكثر من قصة.
فى كاميرا الأولمبس نجد مثلا اللمحة الفكاهية الملفوفة فى حال من الشجن الشفيف عن طالب الهندسة الذى كفله فى منحته الدراسية بالخارج أشخاص مختلفو الأديان، وعبارة زوج العمة فى رسالته بأن ضامنك السابق بهائى والحالى يهودى هى جوهر هذه القصة التى تؤشر بشكل غير مباشر نحو أزمان كان فيها النسيج الاجتماعى فى العراق قائما على التنوع.
والتسامح ويعيش حالا من الانصهار والحب، وفى كثير من هذه القصص استرجاعات وحركة حرة فى الزمن توسع من أفقه وتجعله عصورا متراكمة فوق بعضها كلها فى حال من التدافع ويؤثر بعضها فى بعض.
فى قصة نخلتى توظيف جيد لتداخل الأغنية مع السرد واستثمار الأغنية لإنتاج دلالة تلميح وإسقاط سياسى وفكري، تميل فيه إلى أغنية عبد الحليم حافظ الوطنية بالأحضان التى تتحول بين الزوج وزوجته فى أوربا إلى تكسير للضلوع وهى حال طريفة وفيها قدر من الظرف والفكاهة فى تصوير علاقة الرجل بزوجته فى مرحلة عمرية معينة.
ولكن الأهم هو ذلك النسق الدلالى المرتبط بمعنى نضالى أو كانت القضايا الوطنية فيه تحس على نحو جماعى أو اشتراكى تهدر الأغنية فيه محركة للجماهير أو يتم توظيفها بصورة ما فيها شيء من الاستغلال على نحو ما تلمح القصة فى آخرها عبر إسقاط علاقة الحب والزواج على علاقة الحاكم بشعبه.
وتلك النهاية التى تقارن بين سقوط النخلة لو كانت تحتها وكيف كانت ستسحق ضلوعها. ويتم استثمار النخلة فى هذه القصة من العقل السارد على أكثر من نحو بين أن تكون علامة على الثقافة العربية ومؤشرا للاغتراب وأن تكون رمزا موازيا للشخصية وبين كونها رمزا للوطن الذى يسقط ويسحق تحته ضحايا من المواطنين بعد أن تتقوض الأساسات والجذور بأكاذيب المحب أو أكاذيب القائد.
قصة الخوافات نموذج سردى رمزى ثرى بالدلالة يقارب أوضاع المرأة العربية تحت وطأة حالات عديدة من الخوف وحالات من الاستغلال والخضوع للتسلط أو طبقات من ركام السلطة التى تقيدها وتشلها.
والجميل فى القصة هو ما صنعت من حال ثورية متدرجة وناعمة لأولئك النسوة السبعة الاتى كنَّ فى نوع من الاتحاد والتعاون الغرائبى أو الذى جعله السرد يتحرك فى فضاء من الغرائبية المحتملة التى يمكن أن تشابه ثورة للمرأة العربية فى المستقبل.
والأهم كما ذكرت هو التدرج السردى وحالة التشويق الناعم الذى أنتجها السرد فى هذه القصة التى تجعل المتلقى مشدودا لمصير هؤلاء الخوافات ومعايشا لهنَّ فى كافة التفاصيل حتى اختيارهن حريتهم وقاتلهن من أجلها.
تقارب بعض القصص ظلال جائحة كورونا بشكل عفوى أو بعيدا عن الافتعال، وهو ما يجعل المتلقى مستشعرا لصلة المجموعة بالحياة الواقعية ومدركا راهنيتها بعيدا عن تشكيلها الذهنى وهو إضافة مهمة أو مكون يمثل إضافة جمالية للقصص.
ومثلها توظيف الأغانى وبعض التفاصيل الصغيرة مثل الأشياء والأطعمة والملابس؛ ذلك لأن الأساس الذهنى الذى انطلقت منه كثير من قصص المجموعة وطابعها الرمزى لم يحل دون أن تكون نابضة وتتسم بالحيوية وتطرح نماذج إنسانية حقيقية يصدقها المتلقى ويتفاعل معها.
وبخاصة فى القصة الأخيرة التى تمثل شكلا من الهجاء أو حالة الغضب والانفعال على الوطن الأصلى الذى يبدو المهاجر مشدودا إليه رغما عنه ومهما حاول أن يبتعد عنه بما يجلب من المشاكل أو يسبب من الأزمات فإنه يعجز عن تحقيق هذا الوعد بالابتعاد.
وكأن الرابط بينهما قدرى وغامض أو كأن مكان النشأة وجذور أقرب للعنة يحملها المهاجر وراءه رغما عنه أو تطارده فى كل مكان. ولكن تبقى نزعة الفكاهة فى سرد هذه المجموعة القصصية فى تقديرنا هى القيمة الجمالية الأبرز.
وبخاصة فى قصة المترجم رجب الذى يتقمص حالة الزعامة ويعيشها بشكل انفجارى عرضته القصة فى نوع من التدرج الذى يشبه العزف حيث البداية من نقطة هادئة أو نغمة منخفضة وانتهاء أو وصولا إلى حالة من الانفجار التى تكون معها قد اكتملت الفكرة الفكاهية وحالة تقمص المترجم لدور الزعيم، وسحبه بالقوة من أمام الجماهير التى حسب ضجيجها تصفيقا له. والحقيقة هى مجموعة ثرية وجديرة بالقراءة والتأمل من أكثر من جانب.
اقرأ ايضا | مناقشة «مولانا فى بلاط صاحبة الجلالة» بملتقى السرد العربى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.