جدول امتحانات الفصل الدراسي الثاني للمرحلة الابتدائية بقنا    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 10 مايو 2025    ارتفاع معدل التضخم في المدن المصرية إلى 13.9% خلال أبريل    أسعار الفاكهة اليوم السبت في أسواق قنا    باكستان تمدد إغلاق مجالها الجوي 24 ساعة    قيادي بحزب مستقبل وطن: لقاء الرئيس السيسي وبوتين يعزز العلاقات الاستراتيجية بالقضايا الدولية    استشهاد 7 فلسطينيين بينهم عائلة كاملة في قصف إسرائيلي على مدينتي غزة ورفح    مكتب الأمم المتحدة للشئون الإنسانية: غزة تحت حصار تام للشهر الثالث على التوالي    تدريبات فنية وخططية لبدلاء ومستبعدي الزمالك من مواجهة سيراميكا    مدير الترميم بالمتحف الكبير: أكثر من 5 آلاف قطعة من مقتنيات الملك توت عنخ آمون ستُعرض بالمتحف    معرض يوثق الهوية البصرية للإسكندرية بأسبوع القاهرة للصورة    جامعة القاهرة: ترقية 1160 موظفا ومحاميا بالجامعة وتعيين 188 طبيبا مقيما بالمستشفيات    باكستان: واشنطن الوحيدة القادرة على تهدئة التصعيد مع الهند    إعلام عبري: إسرائيل تعتزم توسيع هجماتها باليمن وضرب أهداف بإيران    باكستان: واشنطن الوحيدة القادرة على تهدئة التصعيد مع الهند    التضامن الاجتماعي: نستهدف حوكمة إجراءات الأسر البديلة الكافلة بالتنسيق مع الجهات المعنية    مواعيد مباريات اليوم السبت 10 مايو والقنوات الناقلة    هل أصدرت الرابطة قرارا بتأجيل مباراة القمة 48 ساعة؟.. ناقد رياضي يكشف مفاجأة (فيديو)    جوارديولا يعترف: هذا أصعب موسم في مسيرتي    تفاصيل مفاوضات الأهلي مع جارسيا بيمنتا    للهروب من الهبوط.. مصطفى محمد في مهمة صعبة مع نانت ضد أوكسير    درجات الحرارة تتخطى ال40.. استمرار الموجة الحارة في البلاد والأرصاد تعلن موعد انكسارها    قوات الدفاع الشعبى والعسكرى تواصل تنفيذ الأنشطة والفعاليات لدعم المجتمع المدنى    التعليم العالي: مكتب التنسيق الإلكتروني للقبول بالجامعات والمعاهد لجميع الشهادات يباشر أعماله هذا العام من جامعة القاهرة    شعبة مستأجري عقارات الإيجار القديم: نرفض بند الإخلاء بعد 5 سنوات    دعوة لتأهيل الشركات المصرية والعالمية لمشروع إدارة وتشغيل وصيانة حدائق "تلال الفسطاط"    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 10-5-2025 في محافظة قنا    حاجة الأمة إلى رجل الدولة    كيف تؤثر موجة الحر على صحة العين؟.. نصائح للوقاية    لأصحاب الخمسينات.. 3 طرق للتخلص من المشاكل المعوية    ثنائيات سينمائية تشعل شباك التذاكر في 2025    كريم أبو زيد: أعمالي تعبر عن مسيرتي.. ولن أعيد تراث والدي| حوار    منة وهنا وأسماء وتارا.. نجمات يسيطرن على شاشة السينما المصرية    اليوم.. محاكمة 9 متهمين بخلية "ولاية داعش الدلتا"    حبس لص المساكن بالخليفة    روبيو يحث قائد الجيش الباكستاني على وقف التصعيد مع الهند    مشجع أهلاوي يمنح ثنائي البنك مكافأة خاصة بعد الفوز على بيراميدز    45 دقيقة تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. السبت 10 مايو 2025    أسعار الخضروات والأسماك اليوم السبت 10 مايو بسوق العبور للجملة    "جميعها حالات اختناق".. إصابة 11 جراء حريق قويسنا بالمنوفية (صور)    الصحة تكشف 7 فوائد للاهتمام بالحالة النفسية للأطفال    نشرة التوك شو| البترول تعلق على أزمة البنزين المغشوش.. وتفاصيل جديدة في أزمة بوسي شلبي    بعد 8 ساعات.. السيطرة على حريق شونة الكتان بشبرا ملس    شعبة الأجهزة الكهربائية: المعلومات أحد التحديات التي تواجه صغار المصنعين    مدير مدرسة السلام في واقعة الاعتداء: «الخناقة حصلت بين الناس اللي شغالين عندي وأولياء الأمور»    الشعب الجمهوري بالمنيا ينظم احتفالية كبرى لتكريم الأمهات المثاليات.. صور    هل تجوز صلاة الرجل ب"الفانلة" بسبب ارتفاع الحرارة؟.. الإفتاء توضح    «صحة القاهرة» تكثف الاستعدادات لاعتماد وحداتها الطبية من «GAHAR»    رايو فاليكانو يحقق فوزا ثمينا أمام لاس بالماس بالدوري الإسباني    متابعة للأداء وتوجيهات تطويرية جديدة.. النائب العام يلتقي أعضاء وموظفي نيابة استئناف المنصورة    بسبب عقب سيجارة.. نفوق 110 رأس أغنام في حريق حظيرة ومزرعة بالمنيا    أمين الفتوى: طواف الوداع سنة.. والحج صحيح دون فدية لمن تركه لعذر (فيديو)    النائب العام يلتقي أعضاء النيابة العامة وموظفيها بدائرة نيابة استئناف المنصورة    البترول: تلقينا 681 شكوى ليست جميعها مرتبطة بالبنزين.. وسنعلن النتائج بشفافية    فخري الفقي: تسهيلات ضريبية تخلق نظامًا متكاملًا يدعم الاقتصاد الرسمي ويحفز الاستثمار    جامعة القاهرة تكرّم رئيس المحكمة الدستورية العليا تقديرًا لمسيرته القضائية    «لماذا الجبن مع البطيخ؟».. «العلم» يكشف سر هذا الثنائي المدهش لعشاقه    هل يجوز الحج عن الوالدين؟ الإفتاء تُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رق الحبيب: مجموعة قصصية من داخل غابة النفس الإنسانية
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 02 - 08 - 2021


كتب :محمد ‬سليم ‬شوشة
كيف ‬يمكننا ‬إذا ‬استطعنا ‬مقاربة ‬هذا ‬السرد ‬أن ‬نكوّن ‬مدراس ‬سردية ‬تنمى ‬مواهب ‬المبدعين ‬مستثمرين ‬ما ‬ينتج ‬من ‬قوانين ‬وقواعد ‬للكتابة، ‬ذلك ‬لأن ‬لهذا ‬السرد ‬قواعده ‬البنائية ‬أو ‬القواعد ‬النحوية ‬السردية ‬إذا ‬جاز ‬التعبير ‬أو ‬ما ‬يعرف ‬لدى ‬النقاد ‬الغربيين ‬بمورفولوجيا ‬القص، ‬ويمكن ‬الكشف ‬عنها ‬أو ‬استخلاصها ‬فى ‬مسار ‬قرائى ‬يعمد ‬إلى ‬هذا ‬بنوع ‬من ‬الوعى ‬النقدي؛ ‬ذلك ‬لأنها ‬فى ‬ترسيماتها ‬وحدودها ‬السردية ‬تجمع ‬بين ‬الوضوح ‬البنائى ‬وتمفصل ‬الوحدات ‬والمنعطفات ‬وبين ‬العفوية ‬والتدفق ‬الذى ‬هو ‬سر ‬جمالها. ‬
فى ‬دراسة ‬سابقة ‬لى ‬فى ‬مجموعة ‬اصياد ‬النسيم ‬الصادرة ‬2018 ‬كنت ‬قد ‬أشرت ‬بشيء ‬من ‬الإجمال ‬إلى ‬التوظيفات ‬الجمالية ‬للقيم ‬المعرفية ‬والمعلوماتية ‬فى ‬سرد ‬المخزنجى ‬وقصصه، ‬وكيف ‬يمكن ‬أن ‬تمثل ‬الوحدات ‬المعرفية ‬أو ‬المعلومة ‬بؤرة ‬ومرتكزا ‬للسرد، ‬بؤرة ‬نكتشف ‬أنها ‬تتحكم ‬بشكل ‬خفى ‬فى ‬السلوك ‬الإنسانى ‬الغامض ‬أو ‬ربما ‬السلوك ‬الحيوانى ‬أحيانا، ‬والحقيقة ‬أن ‬هذا ‬الأمر ‬بحاجة ‬إلى ‬دراسات ‬مطولة ‬وليس ‬مقالات، ‬فهو ‬مشروع ‬كبير ‬وجزء ‬من ‬طبيعة ‬الحياة ‬التى ‬يكتب ‬عنها، ‬ويجعل ‬السرد ‬القصصى ‬يتجاوز ‬فكرة ‬الذكريات ‬الحرة ‬أو ‬البوح ‬الإنسانى ‬إلى ‬خلق ‬وتكوين ‬وإنشاء ‬أدبى ‬فيه ‬مزيج ‬من ‬الوعى ‬والعلمية ‬والقصدية ‬وكذلك ‬اللاوعى ‬والارتجال. ‬
وتمتد ‬هذه ‬الظاهرة ‬فى ‬قصص ‬المجموعة ‬الجديدة ‬ارق ‬الحبيبب ‬كذلك، ‬بما ‬يجعل ‬من ‬القيم ‬العلمية ‬والمعرفية ‬ما ‬يشبه ‬العمود ‬الفقرى ‬أو ‬السلسلة ‬العظمية ‬الرابطة ‬لبنية ‬القصة، ‬ويضاعف ‬بالتأكيد ‬من ‬قيمتها ‬الجمالية ‬ذلك ‬لأن ‬القيمة ‬المضافة ‬للسرد ‬فى ‬جزء ‬منها ‬تنبع ‬من ‬هذه ‬العلمية ‬ومن ‬لذة ‬المعرفة ‬والإضاءة ‬التنويرة ‬أو ‬تقديم ‬مصطلح ‬أو ‬معلومة ‬طبية ‬أو ‬ربما ‬بيئية ‬بشكل ‬إنسانى ‬وفى ‬تلافيف ‬تكوين ‬فنى ‬وسردى ‬أساسه ‬الجمال ‬ويختلف ‬تماما ‬عن ‬المقالات ‬أو ‬النشرات ‬أو ‬الكتب ‬العلمية، ‬هنا ‬فى ‬مثل ‬هذا ‬الخطاب ‬القصصى ‬الثرى ‬يبدو ‬العلم ‬مُصِرًّا ‬على ‬التسلل ‬لعقول ‬الناس، ‬وهنا ‬يتجسد ‬المعنى ‬الشامل ‬والكامل ‬لمفهوم ‬الثقافة ‬بوصفها ‬حالا ‬من ‬التنوير ‬والاستفزاز ‬العقلى ‬والفكرى ‬ومحاولة ‬تنظيم ‬عقول ‬المستهدفين ‬بهذا ‬الخطاب ‬الأدبى ‬وصياغة ‬وعيهم ‬أو ‬تحريكهم ‬فى ‬اتجاهات ‬بعينها. ‬
يبدو ‬سرد ‬هذه ‬المجموعة ‬فى ‬المسار ‬الإبداعى ‬ذاته ‬للمخزنجى ‬الكثيف ‬إلى ‬أقصى ‬درجة ‬بالقيم ‬والمعانى
‬والقضايا ‬والأسئلة، ‬كثيف ‬حد ‬الثقل ‬والضخامة ‬إن ‬جازت ‬هذه ‬التعبيرات، ‬كثيف ‬وثقيل ‬بأنماطه ‬الإنسانية
‬ومقدار ‬تحقق ‬أحداثه ‬وتكاملها، ‬بحيث ‬لا ‬يمكن ‬أن ‬يشك ‬متلق ‬بأن ‬هذا ‬تخييل ‬أو ‬يستشعر ‬شيئا ‬من ‬الافتعال ‬التخييلى ‬أو ‬الإقحام، ‬بل ‬يؤمن ‬بحقيقية ‬هذه ‬الأحداث ‬وثقل ‬هذه ‬الأنماط ‬الإنسانية ‬التى ‬يطرحها ‬السرد ‬مثل ‬شخصية ‬امسعد ‬سِمِلَّاتب ‬وطبيبه ‬النفسى ‬أو ‬شخصية ‬الأب ‬فى ‬قصة ‬نهود ‬الرمل، ‬وهى ‬حالات ‬إنسانية ‬تظل ‬مرشحة ‬للبقاء ‬طويلا ‬فى ‬أذهان ‬المتلقين ‬وربما ‬لا ‬تفارقهم ‬أبدا. ‬إن ‬هذه ‬الكثافة ‬هى ‬بالأساس ‬كثافة ‬انعكاس ‬الحياة ‬فى ‬السرد ‬بطابعها ‬وسمتها ‬المركب ‬والمعقد ‬والغامض، ‬وسرد ‬المخزنجى ‬إنما ‬يتمثلها ‬ويحس ‬بها ‬فى ‬إطار ‬هذه ‬الطبيعة ‬من ‬التراكب ‬والتعقيد ‬والغموض، ‬لكن ‬ليس ‬كل ‬الإبداع ‬فى ‬هذا ‬التكوين ‬أو ‬خلق ‬ملامح ‬هذا ‬العالم ‬المطروح ‬عبر ‬السرد ‬أو ‬ينتجه ‬الخطاب ‬ويقدمه ‬للمتلقي، ‬بل ‬إن ‬الأهم ‬فى ‬تقديرنا ‬هو ‬توزيع ‬المادة ‬السردية ‬فى ‬فضاء ‬القصة ‬أو ‬اعتماد ‬استراتيجية ‬معينة ‬لتنظيم ‬المادة ‬الحكائية ‬بحيث ‬يبدأ ‬من ‬نقطة ‬راهنة ‬ويستمر ‬الراهن ‬إطارا ‬ثابتا ‬يتم ‬تقطيعه ‬بالاسترجاعات ‬والذكريات ‬باختلاف ‬مداها ‬الزمنى ‬ومساحتها ‬أو ‬حجمها، ‬ولا ‬تكون ‬هذه ‬الوحدات ‬عشوائية ‬أو ‬مرتجلة ‬بقدر ‬ما ‬هى ‬مرتبطة ‬بنسق ‬من ‬التداعى ‬أو ‬الارتباط ‬بمستوى ‬الأحداث ‬الراهنة ‬أو ‬الأحداث ‬الإطارية.‬
فى ‬مشروع ‬المخزنجى ‬القصصى ‬يتضح ‬مع ‬بعض ‬التأمل ‬أنه ‬ليس ‬من ‬الكتاب ‬الذين ‬يسردون ‬أحداثا ‬وقعت ‬لمجرد ‬أنها ‬ذكريات ‬شخصية ‬أو ‬لمجرد ‬أن ‬هناك ‬رغبة ‬ملحة ‬فى ‬الكتابة ‬لذاتها ‬أو ‬بأى ‬شكل، ‬بل ‬هناك ‬مسارات ‬تكوينية ‬وبنائية ‬وقصدية ‬وأهداف ‬دلالية ‬ورسائلية ‬كامنة ‬وراء ‬هذا ‬الخطاب ‬السردي، ‬لا ‬ينفك ‬عنها ‬بكل ‬تأكيد ‬العنصر ‬الجمالى ‬القائم ‬على ‬التشويق ‬والسخرية ‬والشعرية ‬وطرافة ‬السلوك ‬الإنسانى ‬والبحث ‬عن ‬الغامض ‬فى ‬غابة ‬تكوينه ‬النفسي، ‬والبحث ‬عن ‬العميق ‬فى ‬سلوكه ‬اليومى ‬أو ‬المعتاد، ‬ويكشف ‬عن ‬مقدار ‬إصراره ‬أو ‬بالأحرى ‬استماتته ‬على ‬الحياة ‬وكيف ‬يمكن ‬أن ‬يغير ‬فى ‬الطبيعة ‬من ‬حوله ‬دون ‬وعي، ‬وكيف ‬يكون ‬فى ‬بعض ‬الأحيان ‬غاية ‬فى ‬الخيرية ‬والغيرية، ‬وفى ‬أخرى ‬فى ‬منتهى ‬القسوة ‬والغدر ‬والحيوانية ‬والأنانية ‬بما ‬يصلح ‬معه ‬أى ‬تفسير ‬أو ‬تبرير. ‬فى ‬هذه ‬القصص ‬يتكشف ‬مقدار ‬امتزاج ‬الخير ‬بالشر، ‬الذكاء ‬بالغباء ‬والرحمة ‬بالقسوة ‬ويتشكل ‬الزمن ‬محركا ‬قويا ‬ومحايدا ‬وجبارا ‬ينسحق ‬أمامه ‬البشر. ‬
ما ‬يستهوينى ‬بقوة ‬هو ‬أن ‬أفرد ‬مساحة ‬كبيرة ‬أو ‬وافية ‬للبحث ‬عن ‬بلاغة ‬الاستراتيجيات ‬السردية ‬التى ‬يتبعها ‬قصّ ‬المخزنجي، ‬من ‬أين ‬تبدأ ‬القصة ‬وكيف ‬تكون ‬حركتها ‬وتقدمها ‬فى ‬الزمن، ‬وكيف ‬تربط ‬بين ‬العناصر ‬والوحدات ‬السردية ‬ويستدعى ‬بعضها ‬بعضا ‬وفق ‬أنساق ‬بنائية ‬وتكوينية ‬تصنع ‬الشكل ‬الجمالى ‬أو ‬مقاييسه ‬الحتمية، ‬ويتبدى ‬منها ‬كيف ‬يصبح ‬النص ‬آلة ‬أو ‬جهازا ‬محكم ‬الصناعة ‬بحيث ‬ينتج ‬فى ‬النهاية ‬كافة ‬ما ‬يخطط ‬له ‬منشئه. ‬على ‬سبيل ‬التمثيل ‬فى ‬قصة ‬نهود ‬الرمل ‬وهى ‬واحدة ‬من ‬أجمل ‬ما ‬أبدع ‬فى ‬القص ‬العربى ‬وفى ‬تقديرنا ‬أنها ‬تصلح ‬لتكون ‬فيلما ‬سينمائيا ‬قصيرا ‬فى ‬منتهى ‬الأهمية ‬والجمال، ‬فيها ‬تتبدى ‬الأنساق ‬البنائية ‬أو ‬قواعد ‬التشكيل ‬السردى ‬بشكل ‬أدق ‬وأوضح، ‬وربما ‬من ‬المفيد ‬تتبعها، ‬فنجد ‬مثلا ‬أن ‬القصة ‬تبدأ ‬من ‬عبارة ‬الرحلة ‬الآنية ‬إلى ‬قرية ‬قلبوش ‬لتشكل ‬هذه ‬الرحلة ‬مغامرة ‬تؤطر ‬الوحدات ‬الأخرى، ‬يتحرك ‬فيها ‬الأشخاص ‬لاستكشاف ‬الواقع ‬بانهياره ‬وقبحه ‬وجور ‬الإنسان ‬على ‬جمال ‬البيئة ‬والطبيعة ‬وكيف ‬يقتل ‬نفسه ‬يوما ‬بعد ‬آخر، ‬رحلة ‬كشفية ‬أقرب ‬لأشعة ‬تضعنا ‬أمام ‬كارثة ‬سرطانات ‬الطبيعة ‬أو ‬أمراض ‬البيئة ‬التى ‬تجرى ‬فيها ‬عمليات ‬الاستئصال ‬أو ‬هو ‬بالأحرى ‬استئصال ‬مجنون ‬بلا ‬مبرر، ‬توازى ‬هذه ‬الرحلة ‬رحلة ‬أخرى ‬ذاتية ‬أو ‬فردية ‬أقرب ‬للحكاية ‬الظل، ‬وهى ‬قصة ‬الزوجة ‬المصابة ‬بالسرطان ‬وتخفى ‬على ‬زوجها ‬مرضها. ‬وما ‬يبدو ‬فى ‬غاية ‬الأهمية ‬بنائيا ‬أو ‬من ‬قواعد ‬البناء ‬السردى ‬والحكائى ‬هو ‬التناظرات ‬أو ‬العلاقة ‬الرابطة ‬بين ‬مرض ‬الزوجة ‬ونهود ‬الرمل ‬أو ‬ظاهرة ‬الكثبان ‬الرملية ‬التى ‬تنغرس ‬فيها ‬أفضل ‬أنواع ‬النخيل ‬فى ‬واحدة ‬من ‬أجمل ‬ظواهر ‬الطبيعة ‬وأكثرها ‬ندرة. ‬الرحلة ‬الإنسانية ‬المسبوكة ‬والمحبوكة ‬بالتفاصيل ‬الحركية ‬البسيطة ‬أو ‬الهيّنة ‬مثل ‬تفاصيل ‬الطعام ‬والشراب ‬والطرق ‬والجى ‬بى ‬أس ‬والتجديدات ‬أو ‬التغيرات ‬أو ‬الذكريات ‬القديمة ‬هى ‬ما ‬يمنح ‬السمار ‬السردى ‬سمته ‬الإنسانى ‬والطبيعى ‬ويجعل ‬المتلقى ‬مشدودا ‬ومعايشا ‬لهم، ‬وتتوارى ‬الصدمات ‬والمفاجآت ‬أو ‬تتراجع ‬أو ‬بالأدق ‬تتأجل، ‬فى ‬حين ‬يكون ‬السرد ‬قد ‬قدم ‬منها ‬لغزا ‬أو ‬طرح ‬حولها ‬سؤالا. ‬مثل ‬أن ‬الزوجة ‬هى ‬التى ‬تطلب ‬الرحلة ‬وتنطق ‬الاسم ‬بكيفية ‬معينة ‬فيكون ‬ذلك ‬محركا ‬من ‬بداية ‬القصة ‬لذهنية ‬المتلقى ‬أو ‬مخيلته ‬فى ‬اتجاهات ‬واحتمالات ‬عدة، ‬مثل ‬الكلابش، ‬ثم ‬يبدو ‬لغز ‬الرغبة ‬فى ‬هذه ‬الواحة ‬أو ‬القرية ‬الصحراوية ‬غامضا ‬وخفيا ‬أو ‬غير ‬معلوم، ‬وتدريجيا ‬تتوالد ‬أجزاء ‬ووحدات ‬أخرى ‬ذات ‬ارتباط ‬شجرى ‬أو ‬تفرع ‬طبيعي، ‬مثل ‬اقتران ‬البطل ‬بانتقاء ‬البطيخ ‬وأن ‬يصبح ‬مندوبا ‬دائما ‬للأسرة ‬فى ‬انتقائه، ‬وهو ‬ما ‬يتسبب ‬فى ‬انفتاح ‬كوة ‬وعيه ‬على ‬هذه ‬القرية ‬الصحراوية ‬فتكون ‬لدينا ‬رحلة ‬صغيرة ‬فى ‬الماضى ‬لهذا ‬الطفل ‬المستكشف ‬بصورته ‬الهزلية ‬أو ‬الطريفة ‬التى ‬شكلها ‬له ‬السرد ‬وتجعله ‬مصدرا ‬للضحك، ‬كما ‬أن ‬اللقب ‬ذاته ‬الذى ‬أطلقته ‬عليه ‬أسرته ‬من ‬العلامات ‬التى ‬تجعل ‬المتخيل ‬السردى ‬حقيقة ‬واقعة، ‬فهو ‬لم ‬يكن ‬مجرد ‬شخص ‬متقن ‬لانتقاء ‬البطيخ ‬بل ‬إن ‬تواتر ‬هذا ‬الحدث ‬جعلهم ‬يطلقون ‬عليه ‬لقبا ‬أو ‬يطلقه ‬هو ‬وهم ‬يصدقونه، ‬وهذا ‬اللقب ‬باق ‬برغم ‬العقود ‬البعيدة، ‬وهو ‬ما ‬يجعله ‬أكثر ‬تحققا ‬كما ‬ذكرت. ‬فكل ‬شيء ‬له ‬وظيفته ‬البنائية ‬ودوره ‬فى ‬التكوين ‬أو ‬الإنشاء ‬لنكون ‬أمام ‬نص ‬سردى ‬أقرب ‬لمنظومة ‬من ‬التروس ‬والقطع ‬والآلات ‬التى ‬لكل ‬منها ‬دور ‬محسوب ‬بدقة. ‬والحقيقة ‬أنها ‬حسبة ‬ربما ‬تكون ‬لا ‬واعية، ‬حسبة ‬الموهبة، ‬ولا ‬يعنى ‬كونها ‬دقيقة ‬احتمال ‬أنها ‬تجرى ‬على ‬الأوراق ‬أو ‬يتم ‬التعرض ‬لها ‬بشكل ‬منفصل ‬عن ‬الفعل ‬الكتابي، ‬بل ‬هى ‬جزء ‬طبيعى ‬من ‬حركية ‬النص ‬ومن ‬حركية ‬الذهن ‬المبدع ‬وإجراءاته ‬المضمرة ‬أو ‬الكامنة. ‬تصبح ‬لدينا ‬رحلة ‬فى ‬الماضى ‬يقوم ‬بها ‬الشاب ‬المستكشف ‬أو ‬الذى ‬يتخيل ‬نفسه ‬مستكشفا ‬فينتهى ‬به ‬الحال ‬أسيرا ‬عند ‬أهل ‬القرية، ‬وتوازى ‬هذه ‬الرحلة ‬القديمة ‬رحلته ‬مع ‬زوجته ‬فى ‬الراهن ‬أو ‬القصة ‬الإطار، ‬وتتم ‬مراجعة ‬أو ‬مطابقة ‬إحداهما ‬بالقياس ‬على ‬الأخرى، ‬فتكون ‬الرحلة ‬القديمة ‬مرجعا ‬للحديثة، ‬ولكن ‬من ‬هذه ‬المراجعة ‬تتشكل ‬الصدمة، ‬إذ ‬تتبدل ‬الملامح ‬تماما، ‬ومن ‬مفارقات ‬التحول ‬والتلاشى ‬تتشكل ‬شعرية ‬السرد ‬ويتبدى ‬ويتجلى ‬بقوة ‬أثر ‬الزمن ‬فى ‬الطبيعة ‬وفى ‬الإنسان. ‬لا ‬يمكن ‬تجاهل ‬الأدوار ‬الوظيفية ‬للتفاصيل ‬الصغيرة ‬لكلا ‬الرحلتين ‬مثل ‬اكتراء ‬حمارين ‬فى ‬حال ‬الرغبة ‬فى ‬بلوغها ‬فى ‬الماضى ‬بشكل ‬طبيعى ‬ومريح، ‬وهو ‬ما ‬عزف ‬عنه ‬الشاب ‬وجعله ‬يقع ‬فى ‬شباك ‬اختيارات ‬أخرى ‬تكون ‬السبب ‬ليكون ‬حوله ‬هذا ‬الشك ‬من ‬أهل ‬القرية ‬وجعل ‬الرحلة ‬أكثر ‬خطرا ‬وصعوبا ‬وبخاصة ‬فى ‬إطار ‬دور ‬الذئب ‬أو ‬حضوره، ‬ولا ‬يمكن ‬تجاهل ‬الدور ‬الوظيفى ‬كذلك ‬لأسطورة ‬العجوز ‬الذى ‬قرر ‬مجابهة ‬الذئاب ‬وجعلها ‬تبتعد ‬عن ‬حقول ‬البطيخ ‬وترتدع، ‬وفق ‬ورايات ‬مختلفة، ‬تأتى ‬الأولى ‬بصورة ‬وفق ‬وعى ‬الفكهانى ‬وتصوره ‬وخياله، ‬والثانية ‬وفق ‬وعى ‬الطفل ‬صاحب ‬العنزة ‬الذى ‬يلتقيه ‬الشاب ‬ويقرر ‬أنه ‬يخبره ‬بالحقيقة، ‬ويوازى ‬هذا ‬الطفل ‬فى ‬رحلة ‬الماضى ‬الشاب ‬الذى ‬أسر ‬له ‬بالوثائق ‬والأوراق ‬وكومة ‬من ‬الدراسات ‬عن ‬ماضى ‬القرية ‬وسر ‬تحولاتها ‬فى ‬قصة ‬الراهن. ‬من ‬هذا ‬التناظرات ‬تتشكل ‬سملات ‬قواعد ‬وأعمدة ‬القصة ‬إذا ‬جاز ‬التشبيه ‬ويكتسب ‬هيكلها ‬تشكله ‬المعمارى ‬الذى ‬يقوم ‬على ‬التكامل ‬فى ‬المقاييس ‬الجمالية ‬والتكامل ‬فى ‬الأدوار ‬الإقناعية ‬ويجعل ‬القصة ‬نسيجا ‬مترابطا.‬

وبالمثل ‬فإن ‬نهد ‬الزوجة ‬المصاب ‬بالسرطان ‬والمعرض ‬للاستئصال ‬هو ‬الآخر ‬يتناظر ‬مع ‬نهود ‬الرمال ‬التى ‬سبق ‬انهيارها ‬واستئصالها ‬من ‬الطبيعة، ‬وكأن ‬انهيار ‬الطبيعة ‬هو ‬نذير ‬بانهيار ‬الإنسان ‬وتلفها ‬نذير ‬بتلفه، ‬رأت ‬الزوجة ‬فى ‬نهود ‬الرمل ‬نفسها، ‬أو ‬رأت ‬نفسها ‬فى ‬مرآة ‬الطبيعة، ‬وهى ‬لمحة ‬عبقرية ‬لأنها ‬أزالت ‬سطحية ‬القصة ‬وجعلت ‬فى ‬القصة ‬بنائين ‬أحدهما ‬ظاهر ‬وآخر ‬خفى ‬أو ‬تلميحي، ‬والعلاقة ‬بينهما ‬أو ‬إحالة ‬أحدهما ‬على ‬الآخر ‬هى ‬مركز ‬شعرية ‬النص ‬القصصى ‬وترابطه ‬وتماسك ‬أجزائه، ‬وأنه ‬لا ‬يأتى ‬فيه ‬شيء ‬بشكل ‬مجاني. ‬وفيما ‬يخص ‬الزوجة ‬فهى ‬فى ‬أدوارها ‬التعليقية ‬أو ‬سمتها ‬المراقب ‬توازى ‬المتلقي، ‬فى ‬حين ‬يمثل ‬زوجها ‬منبع ‬الحكاية ‬أو ‬القاص ‬الأسطورى ‬أو ‬المتجذر ‬فى ‬التاريخ ‬بما ‬يعرف ‬فى ‬الماضى ‬والحاضر ‬عن ‬القرية ‬الغامضة ‬وبما ‬لديه ‬من ‬خبرات ‬الرحلة ‬إليها، ‬أو ‬بما ‬تقدمه ‬له ‬لفة ‬الأوراق ‬التى ‬يستكشفها ‬هو ‬وينقلها ‬إلى ‬زوجته ‬بتلخيص. ‬هنا ‬موقع ‬الزوجة ‬أقرب ‬إلى ‬موقع ‬المتلقى ‬وهو ‬سيتماهى ‬معها، ‬وسيرى ‬نفسه ‬فيها، ‬ويكون ‬أقرب ‬شعوريا ‬إلى ‬عواطفها ‬وحالتها ‬النفسية، ‬حيث ‬التهديد ‬والخوف ‬من ‬المرض ‬والسرطان ‬القاتل. ‬إن ‬هذه ‬القصة ‬وفق ‬النقد ‬البيئى ‬أو ‬البيئوى ‬الجديد ‬نسبيا ‬فى ‬الغرب ‬نموذج ‬فريد ‬فى ‬هذا ‬النوع ‬من ‬الأدب ‬الذى ‬يحمل ‬سائل ‬تحذيرية ‬من ‬الجور ‬على ‬الطبيعة ‬أو ‬إتلافها، ‬ذلك ‬لأن ‬المتلقى ‬سيشعر ‬بالتهديد ‬وسيستوعب ‬بدقة ‬الارتباط ‬بين ‬موت ‬الطبيعة ‬وإتلافها ‬وبين ‬المخاطر ‬الصحية ‬التى ‬تحاصر ‬الإنسان ‬وتجعل ‬وجوده ‬مهددا. ‬
تتجلى ‬الجوانب ‬العلمية ‬بشكلها ‬الجمالى ‬عبر ‬السمت ‬الإنسانى ‬المائل ‬دائما ‬إلى ‬العقل ‬والحيل، ‬فنجد ‬هذا ‬حاضرا ‬مثلا ‬فى ‬القصص ‬التى ‬فيها ‬الشكل ‬الوبائى ‬أو ‬ما ‬يمكن ‬تسميته ‬بأصداء ‬الوباء ‬أو ‬الجائحة ‬وانعكاسها، ‬فنجد ‬أن ‬الأب ‬بسمته ‬الإنسانى ‬الشفيف ‬وشديد ‬الحساسية ‬يصبح ‬مخترعا ‬للعبة ‬جديدة ‬يتحايل ‬بها ‬البشر ‬على ‬الوباء ‬ويكملون ‬بها ‬احتياجاتهم ‬النفسية ‬ويروون ‬أشواقهم ‬ومشاعرهم ‬دون ‬كسر ‬للإجراءات ‬الاحترازية، ‬وليس ‬هذا ‬الاختراع ‬الظريف ‬هو ‬فقط ‬كل ‬الجميل ‬فى ‬القصة، ‬بل ‬إن ‬الأساس ‬العاطفى ‬القديم ‬والعميق ‬بين ‬الأب ‬وابنه ‬العائد ‬من ‬الغربة ‬وذكريات ‬الطفولة ‬هذه ‬بحسب ‬سريانها ‬ذاكرة ‬الأب ‬هى ‬المبرر ‬المنطقى ‬والشعرى ‬لاختراع ‬هذه ‬اللعبة، ‬فتكون ‬مفاجأة ‬ليس ‬للابن ‬أو ‬الأم ‬أو ‬الابن ‬العائد ‬بل ‬ربما ‬للناس ‬من ‬حولهم ‬الذين ‬التقطوا ‬اللعبة ‬وفهموها ‬وأصبحوا ‬بها ‬معجبين ‬أو ‬مقلدين. ‬وهى ‬قصة ‬من ‬أطرف ‬وأجمل ‬القصص ‬القصيرة ‬التى ‬تكشف ‬عن ‬أنماط ‬عميقة ‬من ‬العاطفة ‬الإنسانية ‬وتكشف ‬عن ‬غريزة ‬المقاومة ‬لدى ‬الإنسان ‬ورغبته ‬الدائمة ‬فى ‬التحدى ‬والانتصار، ‬كما ‬فيها ‬وحدات ‬معلوماتية ‬ومعرفية ‬فى ‬غاية ‬الطرافة ‬والجمال ‬عن ‬عادات ‬بعض ‬الشعوب ‬الآسيوية ‬يستدعيها ‬سياق ‬الوباء ‬وذهنية ‬الأب ‬القارئ ‬المثقف ‬أو ‬العالم ‬الباحث ‬دائما ‬عن ‬حلول. ‬هى ‬قصة ‬تصل ‬إلى ‬نقطة ‬الذروة ‬وفيها ‬التأجيل ‬والاستباق ‬والتساؤل ‬ولحظات ‬العجز، ‬ثم ‬تصل ‬فى ‬النهاية ‬بعد ‬نضج ‬واكتمال ‬فى ‬المسار ‬المتصاعد ‬إلى ‬نقطة ‬القمة ‬بتركزها ‬أو ‬شكلها ‬الانفجاري، ‬وقد ‬كان ‬السرد ‬موفقا ‬إلى ‬أقصى ‬درجة ‬حين ‬جعل ‬من ‬هذه ‬اللعبة ‬فى ‬الحفاظ ‬على ‬التنفس ‬الآمن ‬أشبه ‬بلحظة ‬مسرحية ‬عززها ‬الأداء ‬الصوتى ‬للأب ‬الذى ‬يمرن ‬ابنيه ‬وزوجته، ‬ليشاهدهم ‬الناس ‬ويتحلقوا ‬حولهم، ‬وهنا ‬يسدل ‬الستار ‬وتنتهى ‬القصة ‬بشكل ‬أقرب ‬إلى ‬نهاية ‬تقود ‬إلى ‬نفسها ‬مكتملة ‬بشكل ‬لا ‬يجعل ‬المتلقى ‬إلا ‬شاعرا ‬بالتطهر ‬والارتواء ‬العاطفى ‬وممتلئا ‬بالانفعال ‬الإنسانى ‬الشفيف ‬الملفوف ‬فى ‬غلالة ‬من ‬الإيمان ‬بقدرته ‬على ‬الانتصار ‬والبقاء.‬

وفى ‬قصة ‬احلاق ‬سيبرياب ‬تتشكل ‬حالة ‬استثنائية ‬من ‬الحب ‬والعاطفة ‬الفطرية ‬العميقة ‬بين ‬الأب ‬وابنه، ‬ولكن ‬من ‬البلاغة ‬السردية ‬ما ‬بدأت ‬به ‬القصة ‬من ‬امتزاج ‬الضحك ‬بالبكاء ‬عند ‬الابن ‬الطبيب ‬الذى ‬كان ‬مكلفا ‬بإيصال ‬أبيه ‬إلى ‬نهاية ‬مريحة ‬وحقه ‬فى ‬الموت ‬الطبيعي، ‬تقارب ‬القصة ‬حالا ‬إنسانية ‬أخرى ‬من ‬العناد ‬والإصرار ‬على ‬الحياة ‬والمقاومة، ‬وتشكل ‬أنماطا ‬ظريفة ‬وطريفة ‬وراسخة ‬أو ‬قديمة ‬وتتسم ‬بالتراكم ‬الزمنى ‬أو ‬العمق ‬التاريخي، ‬فالأب ‬وفق ‬هذه ‬الكيفية ‬فى ‬علاقته ‬بابنه ‬ليس ‬وليد ‬لحظة ‬ما ‬أو ‬شيء ‬غير ‬مبرر، ‬بل ‬إن ‬الاسترجاعات ‬القديمة ‬بينهما ‬هى ‬ما ‬يبرر ‬هذا ‬الشكل ‬من ‬الحب ‬وعمق ‬العلاقة، ‬وبخاصة ‬فيما ‬يتصل ‬بلعبة ‬القط ‬والفأر ‬التى ‬يلعبانها ‬مع ‬الأم ‬بسبب ‬الحلاقة ‬الذاتية ‬أو ‬حلاقة ‬الأب ‬لابنه، ‬ثم ‬عودة ‬هذا ‬الفعل ‬بعد ‬انقطاع ‬فى ‬اللحظة ‬الحاسمة، ‬ولو ‬لم ‬يكن ‬هذا ‬الفعل ‬منقطعا ‬أو ‬قديما ‬ربما ‬فقد ‬قيمته ‬أو ‬وظيفته ‬الشعرية ‬فى ‬السرد، ‬فالتباعد ‬الزمنى ‬هو ‬ما ‬جعله ‬بكل ‬هذا ‬الجموح ‬وجعله ‬فعلا ‬استثنائيا ‬من ‬الابن ‬تجاه ‬والده ‬الذى ‬هو ‬على ‬شفا ‬حفرة ‬الموت. ‬فضلا ‬عن ‬كثير ‬من ‬التفاصيل ‬البسيطة ‬الطريفة ‬التى ‬تعزز ‬المفارقات ‬مثل ‬ارتعاش ‬الأيدى ‬وشكل ‬الحلاقة ‬وتشوهها ‬واعتراف ‬الأب ‬والضحك ‬المتبادل ‬بينهما، ‬وغيرها ‬الكثير ‬من ‬التفاصيل ‬التى ‬هى ‬ابنة ‬الحال ‬السردية ‬كلها ‬ونابعة ‬من ‬سيرورتها ‬التخييلية ‬وجزء ‬من ‬أنساقها ‬أو ‬منظومتها ‬المتفاعلة ‬فيما ‬بينها.‬
أما ‬قصة ‬اسملات ‬فهى ‬واحدة ‬من ‬أعمق ‬وأطرف ‬القصص، ‬فيها ‬يقارب ‬السرد ‬نوعا ‬من ‬المرض ‬النفسى ‬الطريف ‬والجميل، ‬يبدو ‬مرضا ‬نفسيا ‬نبيلا
‬ويعلو ‬بصاحبه، ‬ولكن ‬كما ‬ذكرت ‬ليس ‬هذا ‬فقط ‬هو ‬كل ‬ما ‬فى ‬القصة، ‬بقدر ‬ما ‬يكون ‬ذلك ‬فى ‬حركية ‬السرد ‬وتدرجه ‬وصولا ‬إلى ‬النقطة ‬الأعمق ‬عن ‬شخصية ‬مسعد، ‬وحالات ‬طبيبه ‬فى ‬الفترة ‬الراهنة ‬أو ‬بعد ‬مرور ‬عقود، ‬وكيف ‬يتحول ‬الطبيب ‬إلى ‬ظل ‬لمريضه ‬فى ‬صورة ‬أقرب ‬إلى ‬عدوى ‬مرضية ‬نفسية. ‬وفيها ‬كذلك ‬جماليات ‬المعرفى ‬والمعلوماتية ‬الموثقة ‬التى ‬تشكل ‬حقائق ‬العالم ‬المسرود ‬عنه ‬وتشكل ‬الأنماط ‬والشخصيات ‬والأحداث.‬
المصدر : جريدة أخبار الادب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.