45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الثلاثاء 30 ديسمبر    في مرسوم رسمي، منح جورج كلوني وزوجته أمل علم الدين وتوأميهما الجنسية الفرنسية    أحمد شوبير يعلن وفاة حمدى جمعة نجم الأهلى الأسبق    زيلينسكي: لا يمكننا تحقيق النصر في الحرب بدون الدعم الأمريكي    كروان مشاكل: فرحي باظ وبيتي اتخرب والعروسة مشيت، والأمن يقبض عليه (فيديو)    الداخلية تكشف حقيقة فيديو تحذير المواطنين من المرور بأحد الطرق ببدر    هدى رمزي: الفن دلوقتي مبقاش زي زمان وبيفتقد العلاقات الأسرية والمبادئ    "فوربس" تعلن انضمام المغنية الأمريكية بيونسيه إلى نادي المليارديرات    حسين المناوي: «الفرص فين؟» تستشرف التغيرات المتوقعة على سوق ريادة الأعمال    بيان ناري من جون إدوارد: وعود الإدارة لا تنفذ.. والزمالك سينهار في أيام قليلة إذا لم نجد الحلول    الإمارات تدين بشدة محاولة استهداف مقر إقامة الرئيس الروسي    محافظة القدس: الاحتلال يثبت إخلاء 13 شقة لصالح المستوطنين    وزارة الداخلية تكشف تفاصيل واقعة خطف طفل كفر الشيخ    النيابة تأمر بنقل جثة مالك مقهى عين شمس للمشرحة لإعداد تقرير الصفة التشريحية    مندوب مصر بمجلس الأمن: أمن الصومال امتداد لأمننا القومي.. وسيادته غير قابلة للعبث    إسرائيل على خطى توسع في الشرق الأوسط.. لديها مصالح في الاعتراف ب«أرض الصومال»    بعد نصف قرن من استخدامه اكتشفوا كارثة، أدلة علمية تكشف خطورة مسكن شائع للألم    أستاذ أمراض صدرية: استخدام «حقنة البرد» يعتبر جريمة طبية    القباني: دعم حسام حسن لتجربة البدلاء خطوة صحيحة ومنحتهم الثقة    سموم وسلاح أبيض.. المؤبد لعامل بتهمة الاتجار في الحشيش    انهيار منزل من طابقين بالمنيا    عرض قطرى يهدد بقاء عدى الدباغ فى الزمالك    حوافز وشراكات وكيانات جديدة | انطلاقة السيارات    ناقدة فنية تشيد بأداء محمود حميدة في «الملحد»: من أجمل أدواره    الناقدة مها متبولي: الفن شهد تأثيرًا حقيقيًا خلال 2025    صندوق التنمية الحضارية: حديقة الفسطاط كانت جبال قمامة.. واليوم هي الأجمل في الشرق الأوسط    حسام عاشور: كان من الأفضل تجهيز إمام عاشور فى مباراة أنجولا    نيس يهدد عبدالمنعم بقائد ريال مدريد السابق    تحتوي على الكالسيوم والمعادن الضرورية للجسم.. فوائد تناول بذور الشيا    الكنيست الإسرائيلي يصادق نهائيًا على قانون قطع الكهرباء والمياه عن مكاتب «الأونروا»    ترامب يحذر إيران من إعادة ترميم برنامجها النووي مرة أخرى    الزراعة: نطرح العديد من السلع لتوفير المنتجات وإحداث توازن في السوق    في ختام مؤتمر أدباء مصر بالعريش.. وزير الثقافة يعلن إطلاق "بيت السرد" والمنصة الرقمية لأندية الأدب    أمم إفريقيا – خالد صبحي: التواجد في البطولة شرف كبير لي    أحمد موسى: 2026 سنة المواطن.. ونصف ديون مصر الخارجية مش على الحكومة علشان محدش يضحك عليك    مجلس الوزراء: نراجع التحديات التي تواجه الهيئات الاقتصادية كجزء من الإصلاح الشامل    هيفاء وهبي تطرح أغنيتها الجديدة 'أزمة نفسية'    التعاون الدولي: انعقاد 5 لجان مشتركة بين مصر و5 دول عربية خلال 2025    وزير الخارجية يجتمع بأعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي من الدرجات الحديثة والمتوسطة |صور    سقوط موظف عرض سلاحا ناريا عبر فيسبوك بأبو النمرس    ما أهم موانع الشقاء في حياة الإنسان؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    نائب رئيس جامعة بنها يتفقد امتحانات الفصل الدراسي الأول بكلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي    الصحة: ارتفاع الإصابات بالفيروسات التنفسية متوقع.. وشدة الأعراض تعود لأسباب بشرية    الاستراتيجية الوطنية للأشخاص ذوي الإعاقة تؤكد: دمج حقيقي وتمكين ل11 مليون معاق    توصيات «تطوير الإعلام» |صياغة التقرير النهائى قبل إحالته إلى رئيس الوزراء    الإفتاء توضح مدة المسح على الشراب وكيفية التصرف عند انتهائها    معدل البطالة للسعوديين وغير السعوديين يتراجع إلى 3.4%    نقابة المهن التمثيلية تنعى والدة الفنان هاني رمزي    نيافة الأنبا مينا سيّم القس مارك كاهنًا في مسيساجا كندا    «طفولة آمنة».. مجمع إعلام الفيوم ينظم لقاء توعوي لمناهضة التحرش ضد الأطفال    وزير الصحة: تعاون مصري تركي لدعم الاستثمارات الصحية وتوطين الصناعات الدوائية    هل تجوز الصلاة خلف موقد النار أو المدفأة الكهربائية؟.. الأزهر للفتوى يجيب    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : وزارة العدالة الاجتماعية !?    السيمفونى بين مصر واليونان ورومانيا فى استقبال 2026 بالأوبرا    تاجيل محاكمه 49 متهم ب " اللجان التخريبيه للاخوان " لحضور المتهمين من محبسهم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29-12-2025 في محافظة الأقصر    «الوطنية للانتخابات» توضح إجراءات التعامل مع الشكاوى خلال جولة الإعادة    أسود الأطلس أمام اختبار التأهل الأخير ضد زامبيا في أمم إفريقيا 2025.. بث مباشر والقنوات الناقلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى يومها العالمى l موسيقى العالم خرجت من قلب مصر
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 26 - 06 - 2022


إيثار حمدى
إذا كان العالم يحتفل باليوم العالمى للموسيقى فى 21 يونيو كل عام، فإن قدماء المصريين عرفوا طريقهم إلى آلاتها وألحانها وكلمات أغانيها قبل 4000 سنة، وفى حين اعتمد القرآن الكريم على المقامات الموسيقية، والمقرئ يجهر بالتلاوة والتجويد فى جنبات المسجد، كانت الترانيم تصدح بالكنيسة المصرية، وتتغلغل فى فن الإنشاد الصوفى.
فى هذا التحقيق نسافر عبر الزمن لنشاهد تفوق فن النغم لدى أجدادنا القدماء، ونعود سريعا للوقت الحاضر فى محاولة لفهم الحالة المتردية التى وصل إليها الذوق العام، فرغم وجود أسماء براقة فى عالم الموسيقى مثل الفنان عمر خيرت الذى وصلت أصداء مؤلفاته الموسيقية إلى العالمية، اختفت اغرفة المزيكاب من معظم مدارسنا.
ولأن الموسيقى فن يرتقى بأذواق الشعوب وأحاسيسها، وهى جزء أصيل من المكون الحضاري، فإننا نحاول إيجاد حلول لدى الخبراء لعودة الريادة الموسيقية لمصر، خاصة فى ظل وجود قصور الثقافة المنتشرة بالمحافظات والتى يمكنها أن تكون منصة البداية للنهضة الموسيقية.
واليوم العالمى للموسيقى تم اختياره بعد المبادرة الفرنسية التى أطلقت عام 1982 تحت شعار ااعزفوا الموسيقى فى عيد الموسيقىب، ولكن المشاركة المصرية فى هذا العام ستكون هزيلة إذ تقتصر على حفلين غنائيين فقط فى أوبرا القاهرة والإسكندرية.
ويؤكد المؤرخ بسّام الشماع أن المصرى القديم عرف طريقه إلى الموسيقى قبل 4000 عام، وكان لديه اهتمام كبير بابتكار آلاتها التى تصدِّر أنغاما راقية، والدليل هو الجداريات التى تصوِّر ما يقوم به من عزف وغناء.
وأشار إلى لوحة فى المتحف المصرى بالتحرير منحوتة تظهر مجموعة من الرجال جالسين ومنهم من ايطرقعب بإصبعيه الإبهام والسبّابة وهو يرفع يديه للأعلى كأنه يقول شيئا لمَنْ يجلس أمامه فى الفرقة الموسيقية، وتُفسَّر هذه الحركة بأنه يطلب منه الاستمرار فى تنفيذ اللحن، وهى حركة تخرج من مايسترو، وفى اللوحة نشاهد الناى بنفس تفاصيله الحالية لدرجة أن إدارة المتحف أحضرت نايا حديثا ووضعته بجوار المنحوتة لتوضح مدى التطابق بينهما.
ويتابع: اخترع المصرى القديم آلة موسيقية عبقرية، عبارة عن ناى مزدوج منفصل عن بعضه يخرج من فم العازف على شكل رقم 8، بحيث يتمكن من العزف على 2 ناى فى الوقت نفسه بفم واحد، كما اخترع الدف ويُعتقد أنه تم أخذه من أفريقيا، والطبول منحوتة على جدران معبد الأقصر حيث توجد الطبلة الأفريقية الطويلة.
ويشير بعض الجداريات إلى أن الدُف أصبح أداة معبدية مرتبط بالديانة، فعندما ندخل معبد دندرة بقنا، نجد جدارا طويلا منحوتا عليه بالكامل منظرٌ مكرر للإلهة احوتحرب أو حتحور معبودة الغناء والموسيقى والإنشاد فى صورة امرأة تعزف على الدف والشخشيخة، فيما أصبحت الشخشيخة الخاصة باحوتحرب طقسية مرتبطة بالطقس، ووجدنا مناظر ضخمة للشخشيخة أكبر من الدف.
وبدراسة معبد دندرة لوحظ أن وجود الموسيقى فيه مرتفع جدا، وعند البحث عن أصل كلمة دندرة فى الهيروغليفية وُجد أنها اطا ان طايرةب أو اأرض المعبودة طايرةب، فالكلمة نفسها موسيقية. مشيرا إلى وجود علاقة قوية بين الموسيقى والغناء والحب لدى المصرى القديم، لأن احوتحرب كانت معبودة الحب وفى الوقت نفسه إلهة الغناء والموسيقى.
ومن دندرة إلى بنى حسن بالمنيا يأخذنا الشمّاع إلى منظر ملوَّن على مقابر منحوتة لفرقة موسيقية تلعب االهاربب فى العصور الوسطى أى قبل3000 عام، وكل أعضاء الفرقة نساء، وهو ما بدأ فى الظهور حاليا، ولفت انتباهه إحدى العازفات التى تلعب على الهارب فهى تعزف وفى نفس الوقت تقوم بإرضاع طفلها وحالة من الفرحة والراحة تعم الجميع.
ويؤكد أن آلة الهارب اختراع مصرى وليس يونانيا، وتم تصغيرها إلى هارب صغير أو جيتار صغير (قيثارة)، وكل هذا مرتبط بمصر القديمة وليس اليونان، وكان قبل وجود أثينا.
أما االجنكب فهو آلة موسيقية كان المصرى القديم يردد على إيقاعها الأشعار والأغاني، وفى البرديات القديمة وضعوا كلمات الأغانى ولم يضعوا نوتات الألحان التى لم تكن اكتشفت بعد.. كما اخترع المصرى القديم آلة يتم استخدامها حاليا فى الصين واليابان أثناء تشجيع مباريات كرة القدم، وهى عبارة عن منحوتات من العاج على هيئة ذراع وأصابع تأتى فى قطعتين تمسك فى اليد ويتم التصفيق بها.
حياة المصريين
فيما يقول الملحن حلمى بكر، إن الموسيقى هى حياة المصريين، وكما يعبّر المواطن عن الفرح والحزن بالدموع والضحك، فالموسيقى هى العامل المشترك لكل المشاعر، ولكن عندما نضل الطريق فللأسف تجذبنا الموسيقى إلى الهاوية بسبب اختياراتنا السيئة، وإذا كنا نضحك على بعض فالغلبة لمن يضحك أخيرا.
ويأسف بكر لأننا نسير فى طريق بعيد عن الارتقاء بالذوق، والدليل كثرة من يسمعون الرخيص من الكلمات والأصوات والألحان السيئة، معتبرا أن هذه الموسيقى الرديئة وقتية حتى إن طال أمدها.
ويرى أن حفلات الأوبرا دائما كاملة العدد لأن عدد المقاعد بالكاد يكفى المستمعين الحقيقيين الذين يبحثون عن الجودة، والحل يأتى من قصور الثقافة بالمحافظات والممتلئة بالإبداعات والفنون، فهى البداية الحقيقية لإظهار المواهب الدفينة، وقال إنه لفت نظر وزيرة الثقافة أكثر من مرة لهذا ولكن لم يحدث أى تغيير حتى الآن، كما طالب بتخفيف الضرائب على الحفلات التى تتبنى الشباب والمواهب الحقيقية.. مشيرا إلى أن الموسيقى تؤثر فى ثقافة الناس وتفكيرهم وأسلوب حياتهم، فهى اللغة الوحيدة فى العالم التى يُتفق عليها فى التخاطب.
تعبير عن التعايش
وترى الدكتورة هدى زكريا، أستاذة علم الاجتماع، أن الموسيقى نتاج فنى مارسته كل الشعوب والجماعات الإنسانية فقراءها وأغنياءها، متعلميها وأمييها، الجميع لديه رغبة وحالة فطرية نحو الغناء أو سماع الموسيقى، لأن الإنسان تكتمل إنسانيته بالموسيقى، فلا يمكن أن يصبح إنسانا كاملا إلا إذا مارس أو أحب أو استمع إلى الموسيقى، كما أن بعض الحيوانات والنباتات تعيش وتنمو سريعا بفضل الموسيقى، وهناك نوع من الزهور تتفتح بسماع الموسيقى، وحيوانات تسعد بسماع الموسيقى مثل الثعابين والخيول، فالموسيقى تشكل جزءا كبيرا من الإنسانية وترفع شأن بعض الكائنات الأخرى.
وتوضح: قبل التاريخ كان المصريون يعيشون فى الغابات المطيرة بالبحر الأحمر على الجمع والالتقاط حتى جفت الغابات، فنزحوا نحو الماء، وانتقلوا للعيش على ضفاف نهر النيل، ولم يكونوا منتظمين فى البداية ولم يكن هناك ضوابط، فبدأ من يزرع بشكل بدائى ومن لم يصل إلى مناطق زراعة، ومن لم يمتلك زراعة أصبح يهدد من يمتلك الزراعات، وهذا التهديد والارتباك أدى لنشأة صراعات طويلة جعلت الحياة غير مستقرة لكلا الطرفين، ولا نعلم المدة الزمنية لهذه الصراعات لأن التاريخ لم يسجلها.
وبعد فترة لا نعلمها حدث نضج سياسى واتفقوا على التصالح فقاموا بعمل أول عقد اجتماعى فى التاريخ، واتفقوا على وقف الصراعات ووضعوا مبادئ أخلاقية، وتم تدوين هذا العقد على جدران المعابد فيما عُرف باقانون ماعتب الذى يقول: لا أنظر لزوجة جارى ولا ألوث ماء النهر ولا أسبب أذى لإنسان أو حيوانب، ومن هنا بدأت الموسيقى التى كان يعزفها الفلاح المصرى قديما وكانت سببا فى الراحة النفسية والسعادة وإنتاج البهجة، ورُسمت أدوات الموسيقى على المعابد، وكل هذا جعل الشعوب والقبائل المتمدينة تمتلك موسيقى، بينما عدم وجودها يدل على أن هناك شعوبا وجماعات متوحشة تعيش على القتل.
وتضيف: بمرور الزمن والتطور التكنولوجى، ظهرت أدوات جديدة للموسيقى، ومع الموسيقى ظهرت الأناشيد التى تعتبر رموزا للدول مثل السلام الجمهورى أو الملكى الذى يقف له الناس احتراما وتقديرا، وفى العصور الحديثة ظهر كتاب االأغانىب للأصفهانى الذى يصف المغنين والمغنيات وقت الخلافة العباسية والأموية، وكانت هناك شهرة خاصة للموسيقيين ممن يعزفون ويغنون، وكل الشعوب عبَّرت عن شخصيتها وملامحها ومستواها العلمى والثقافى من خلال الألحان الموسيقية.
وفى العصور الحديثة انتعشت الموسيقى، وكان سيد درويش أحد علاماتها، وفى الوقت نفسه كانت الكلمات راقية ومعبرة عن الوطنية، وعن مكونات الشعب المصرى من مسلمين ومسيحيين ويهود، كما غنت الطرق الصوفية قديما للدير، وكتب الكلمات ابن الفارض مدّاح الرسول صلى الله عليه وسلم وسلطان العاشقين، الذى قال امحمد خير خلق اللهب، وهو نفسه من قال اهنيئا لأهل الدير فى حضرة القدسب.
وتابعت: كان تطور الموسيقى فى مصر أسبق من باقى الدول العربية بحكم النضج والتقدم، وظهر فى القرن العشرين موسيقيون عالميون، رغم وجود بيتهوفن وغيره إلا أن الموسيقى ظهرت فى أوروبا بعد عصر النهضة وإسقاط الكنيسة الكاثوليكية التى قيل إنها مارست سيطرة سياسية وإنسانية بالغة السوء على الشعوب.
وأشارت إلى الناس يستمعون للموسيقى وينسجمون معها، فهى تعبر الحدود، وبدأت تظهر معاهد لدراسة الموسيقى، والعزف على الآلات، ولدينا فى مصر عدد من الأغانى الوطنية والعاطفية يفوق الآلاف.. وفى قرى الصعيد ظهر مغنى السيرة وأبوزيد الهلالى على الربابة، وأحبه الناس وظلوا يرددون معه القصص والحكايات، وسير الشخصيات التاريخية، وهناك فترة حاول فيها البعض الاعتداء على هوية المصريين ووطنيتهم عن طريق منع الموسيقى والأغانى وتحريمها.
وتشرح: المرحلة الخطيرة كانت عندما ظهر أحد الشيوخ وهو الشيخ كشك، وهو يسخر من الفنانين وأغنياتهم وشخصياتهم وشكلهم، ليعبر عن فكر متطرف دفع بالموسيقى إلى الهامش الاجتماعى، ومع خروج الموسيقى والأغانى من الباب دخل التطرف من النافذة! وقالت: إذا أردنا تشويه الإنسانية نبدأ بضرب الفن، الذى يصنع قيمة اجتماعية وفنية.
روح الإنشاد
فيما يقول المنشد جودة هيكل، مؤسس فرقة الحضرة، إن النبى (صلى الله عليه وسلم) كان يحب أن يستمع للقرآن من الأصوات الجميلة، وأضاف: إذا نظرنا للموسيقى فى الغرب سنجد أنهم يستخدمونها كعلاج، ونحن لدينا قاعدة فقهية تقول إن الشيء الذى لا يضر لا مشكلة فيه، وإذا قلنا اما كان كثيره مسكر فقليله حرامب، وإذا قام شخص واحد بشرب اللبن وهو ليس مشروبا محرما ولكن سيسكره هو فقط فهو حرام عليه، وفى نفس الوقت الموسيقى إذا أدت إلى فجور ومفسدة فهى حرام، ولكن إذا كان لها مفهوم ومعنى آخر فالكلام سيختلف.
ويشرح: هناك غذاء للروح، وغذاء للجسد، وغذاء للوجدان، وعندما نستمع للموسيقى نجد أنها تخاطب الروح والجسد والوجدان، ومثلا نستمع للناى الحزين فننسجم معه، وبالتأكيد لا يصل بنا إلى أى نوع من الفتنة، إذن فهو حلال حتى لو ظاهره حرام.
ويتابع: كان جلال الدين الرومى يسمى الناى انارب، وعندما يأتى العازف يقولب اله اعزف يا نارب، لأن العازف يخرج كل مواجيده فى صورة عزف على الناى الحزين، وهنا الفهم للمعنى يريح، ولكن هناك من يعترض لمجرد الاعتراض أو التشدد للتشدد.
وقال: عندما يدخل الشخص إلى عالم التلاوة والتجويد لابد أن يكون لديه علم بالمقامات الموسيقية، لأن المقامات لغة يشترك فيها العالم كله، وهى عبارة عن نغم ينتقل من مقام لمقام يؤدى لتحسين الأداء وتوصيله فى صورة مبسطة جميلة مريحة، ويأتى فى آيات العذاب يشعرك بمعناها وكلماتها، وآيات الجنة والبشرى نشعر بها عن طريق لحنها، إذن النغم قادر على إشعارنا بالحزن والفرح ويعبر عن الحالة.
وعندما هاجر النبى صلى الله عليه وسلم من مكة للمدينة تم استقباله بنشيد اطلع البدر علينا من ثنيات الوداعب، ما جعل بعض المؤرخين ينسبون بداية ظهور الإنشاد الدينى لهذا الحدث، ويظهر بعد ذلك شعراء ومداحون، وكان النبى يستمع لهم ويطلب منهم إلقاء الشعر ويستحسن الأصوات، واختار سيدنا بلال ليؤذن بسبب حلاوة صوته، ويطلب من عبدالله بن مسعود أن يقرأ له القرآن، ومن هنا بدأنا نعرف الإنشاد الصوفى الإسلامى.
ترانيم الكنيسة
ويذكرنا نجاح زكى، رئيس الشماسين بكنيسة سانت تريز للأقباط الكاثوليك بالمنيا، بأن المسيحية دخلت إلى مصر وكان الناس معتادين على الكهنة القدماء وطريقة الترانيم الفرعونية، وانتقلت هذه النغمة للغة القبطية خاصة فى الصلوات الجنائزية ومستمرة حتى الآن.
وقال: بدأت الكنيسة فى الترانيم بمزامير داود النبى، وبدأ هذا التطور فى أخذ أشكال أشعار يقومون بترنيمها، والقسيس فى مصر قديما كان يجب أن يكون يونانيا لأن الإنجيل مكتوب باللغة اليونانية فقط، وكان اليونانيون فى مصر من يتولون الدرجات الكهنوتية، والشعب يتحدث اللغة القبطية، ومن هنا جاء دور الشماس الذى يترجم ما يقوله القس اليونانى للقبطية، وبعد دخول الإسلام مصر وتعميم اللغة العربية أصبح الشماس يترجم اللغتين اليونانية والقبطية للعربية العامية.
وتابع: استمرت الترانيم عن طريق شخص يطلق عليه المعلم أو العريف، وهو من يرأس مجموعة المرنمين، وقامت الكنيسة الأرثوذكسية فى مصر بعمل مدرسة للمرنمين.
وعن الآلات الموسيقية فى الترانيم يقول نجاح: كان هناك االدربوكةب وبعد ذلك دخل الناقوس ثم الجيتار وكان حينها يشبه الربابة، وأصبح الناقوس شيئا أساسيا فى الكنيسة الأرثوذكسية، وهذه الآلات مستمرة حتى الآن، عدا بعض فرق الترانيم التى بدأت فى عدم استخدام الموسيقى مطلقا، أو بعض العازفين كونوا فرقة للإنشاد الدينى المسيحى.
أما فيما يخص الكنيسة الكاثوليكية فى مصر، فقد خاف الكاثوليكيون المصريون من إحداث أى نوع من التطور حتى لا يتم انتقادهم لأنهم يمتلكون بيانو أو أورج، لكن الوضع حاليا اختلف، وبدأوا يسمحون بدخول أى آلات يرغبون فيها وفقا للحالة المادية للكنيسة.
وقال: التطور الذى حدث هو انتشار القداسات بشكل كبير وتقديم كل موسيقى قداسا بصوت ثم صوتين ثم أربعة أصوات، وهذا ما يحدث حتى يومنا هذا فى كنيسة سان جوزيف بوسط البلد أو الكنائس اللاتينية مثل سانت فاتيما بمصر الجديدة، ولكن عام 1960 وقت مجمع الفاتيكان الثانى قالوا إنه على كل دولة أن تقدم القداس بلغتها حتى يستطيع الجميع المشاركة فيه.
ويشرح: فى الكنيسة اللاتينية كانوا يستخدمون الأورج القديم وكان صعبا للغاية، وصوته جهورى وكان بالمنفاخ فى البداية بعد ذلك أصبح إلكترونيا، ثم تم الاستغناء عنه نظرا لصعوبة التعامل معه وأدخلوا الأورج العادى ثم الجيتار والكمان والفلوت وآلات موسيقية عادية.
أما البروتستانت فقد اهتموا بالترانيم واستخدموا فيها البيانو أو الأورج.
وقال: الموسيقى فن إلهى فكلما وصل الإنسان لحالة النشوة من الصلاة والترنيم كان أقرب إلى الله.
نجوم الموسيقى المصرية
وقد عرفت مصر عبر تاريخها الحديث عدداً كبيراً من الأسماء اللامعة فى مجال التلحين والتأليف الموسيقى وارتقت بهذا الفن إلى فضاءات أكثر رحابة وتأثيراً فى الوجدان، لعل أبرزهم بليغ حمدى، ومحمد عبدالوهاب، ومحمد سلطان، ورياض السنباطى، ومحمد القصبجى، ومحمد فوزى، وزكريا أحمد، وياسر عبدالرحمن، وجمال سلامة إلى جانب القامة الفنية الكبيرة عمر خيرت الذى لا يزال يمتعنا بأعماله المتميزة وقد أوضح فى أحد البرامج التلفزيونية أن الموسيقى مهمة للبشر، فهى فن صعب بل من أصعب الفنون لأنه يتعامل مع الحس والوجدان دون أن يكون مرئيا أو ملموسا كالرسم، والموسيقى تخاطب الأحاسيس والروح، ومن حسن حظه أن منحه الله هذه الموهبة، وذكر فى كتاب له أن االعالم بدون موسيقى كأنه حياة بلا ماء أو هواءب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.