توقيع اتفاقيات وتفقد مشروعات وتوسعات جامعية.. الحصاد الأسبوعي لوزارة التعليم العالي    المتحف المصرى بالتحرير يحتفل بمرور 123 عاما على افتتاحه    محاضرة بجامعة القاهرة حول "خطورة الرشوة على المجتمع"    انطلاق الأسبوع التدريبي ال 15 بقطاع التدريب وبمركز سقارة غدًا    السيسى يوجه بتوفير حوافز و تيسيرات لمستثمرى قطاعات البترول والغاز والتعدين    قناة السويس تشهد عبور 38 سفينة بحمولات 1.7 مليون طن    تصعيد قاسٍ في أوكرانيا... مسيّرات وصواريخ "كينجال" ومعارك برّية متواصلة    عاجل- الأمم المتحدة: 16 ألفًا و500 مريض بحاجة لرعاية طبية عاجلة خارج قطاع غزة    ضبط 15 شخصًا لقيامهم باستغلال الأطفال الأحداث في أعمال التسول    موجة برد قوية تضرب مصر الأسبوع الحالي وتحذر الأرصاد المواطنين    إنقاذ 3 مصريين فى منطقة محظورة بين تركيا واليونان    أسماء مرشحي القائمة الوطنية لانتخابات النواب عن قطاع القاهرة وجنوب ووسط الدلتا    أحمد مالك: لم أعد متعطشا للسينما العالمية    عروض فنية وإبداعية للأطفال في ختام مشروع أهل مصر بالإسماعيلية    قافلة تنموية شاملة من جامعة القاهرة لقرية أم خنان بالحوامدية    مؤتمر جماهيري حاشد ل«حماة الوطن» بالدقهلية لدعم مرشحه في النواب 2025 | فيديو    محافظ أسوان يتابع الحالة الصحية لمصابى حادث إنقلاب أتوبيس الطلاب    الموسيقار هاني مهنا يتعرض لأزمة صحية    كاف يخطر بيراميدز بموعد وحكام مباراة ريفرز النيجيري فى دوري الأبطال    المدير التنفيذي للهيئة: التأمين الصحي الشامل يغطي أكثر من 5 ملايين مواطن    فرص عمل جديدة بالأردن برواتب تصل إلى 500 دينار عبر وزارة العمل    محافظ الجيزة يُطلق المهرجان الرياضي الأول للكيانات الشبابية    الصحة العالمية: 900 وفاة في غزة بسبب تأخر الإجلاء الطبي    بتكوين تمحو معظم مكاسب 2025 وتهبط دون 95 ألف دولار    مواجهات حاسمة في جدول مباريات اليوم السبت 15 نوفمبر 2025    وزيرة التنمية المحلية تفتتح أول مجزر متنقل في مصر بطاقة 100 رأس يوميا    «الزراعة»: إصدار 429 ترخيص تشغيل لمشروعات الإنتاج الحيواني والداجني    انخفاض ملحوظ فى أسعار الطماطم بأسواق الأقصر اليوم السبت 15 نوفمبر 2025    الأعلى للثقافة: اعتماد الحجز الإلكتروني الحصري للمتحف المصري الكبير بدءًا من 1 ديسمبر    «التخطيط» تطبق التصويت الإلكتروني في انتخابات مجلس إدارة نادي هليوبوليس    توقيع إتفاق تعاون بين «مينا فارم» و«باير» لتوطين صناعة الدواء    لو مريض سكر.. كيف تنظم مواعيد دواءك ووجباتك؟    تجديد الاعتماد للمركز الدولي للتدريب بتمريض أسيوط من الجمعية الأمريكية للقلب (AHA)    في ذكرى وفاته| محمود عبدالعزيز.. ملك الجواسيس    تحاليل اختبار الجلوكوز.. ما هو معدل السكر الطبيعي في الدم؟    أطلقت عليه وابل رصاص وضربته بظهر الطبنجة (فيديو)    كولومبيا تعلن شراء 17 مقاتلة سويدية لتعزيز قدرتها الدفاعية    ترامب يلغي الرسوم الجمركية على اللحم البقري والقهوة والفواكه الاستوائية    عمرو حسام: الشناوي وإمام عاشور الأفضل حاليا.. و"آزارو" كان مرعبا    حارس لايبزيج: محمد صلاح أبرز لاعبي ليفربول في تاريخه الحديث.. والجماهير تعشقه لهذا السبب    نشرة مرور "الفجر".. انتظام مروري بمحاور وميادين القاهرة والجيزة    درجات الحرارة على المدن والعواصم بمحافظات الجمهورية اليوم السبت    الصين تحذّر رعاياها من السفر إلى اليابان وسط توتر بشأن تايوان    جامعة القناة تقدم ندوة حول التوازن النفسي ومهارات التكيف مع المتغيرات بمدرسة الزهور الثانوية    الشرطة السويدية: مصرع ثلاثة أشخاص إثر صدمهم من قبل حافلة وسط استوكهولم    الحماية المدنية تسيطر على حريق بمحل عطارة في بولاق الدكرور    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    في غياب الدوليين.. الأهلي يستأنف تدريباته استعدادا لمواجهة شبيبة القبائل    حكم شراء سيارة بالتقسيط.. الإفتاء تُجيب    إقامة المتاحف ووضع التماثيل فيها جائز شرعًا    دعاء الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج وافتح لي أبواب رزقك    مقتل 7 أشخاص وإصابة 27 إثر انفجار مركز شرطة جامو وكشمير    اشتباكات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    باحث في شؤون الأسرة يكشف مخاطر الصداقات غير المنضبطة بين الولد والبنت    جوائز برنامج دولة التلاوة.. 3.5 مليون جنيه الإجمالي (إنفوجراف)    حسام حسن: هناك بعض الإيجابيات من الهزيمة أمام أوزبكستان    زعيم الثغر يحسم تأهله لنهائي دوري المرتبط لكرة السلة    سنن الاستماع لخطبة الجمعة وآداب المسجد – دليلك للخشوع والفائدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كبير مستشاري «الفاو»: الفلاح لا يعرف مصطلح «تغير المناخ».. لكنه يشعر بآثاره| حوار
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 22 - 06 - 2022

الحيازات الصغيرة لا تلائمها الزراعة الذكية.. وندعم أصحابها ب «الطموح المناخى»
«الأصول البرية» هى المخزون الاستراتيجى لمواجهة تغير المناخ.. والوقود الحيوى لا يمثل تهديدا للغذاء
لا توجد أعداد كافية لتقديم الإرشاد الزراعى ورسائل «الموبايل» تقدم البديل
تغير المناخ قضية اقتصادية..وحضور الزعماء مؤتمر شرم الشيخ يعكس أهميتها
ليس سهلا الحصول على موعد مع الدكتور محمد عبد المنعم، كبير مستشارى المكتب الإقليمى لمنظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة «الفاو»، فجدول يومه مثقل بالمهام المكتبية والحقلية..
حاولت كثيرا استقطاع ساعة من وقته للحوار وجها لوجه فى مقر المكتب الإقليمى للمنظمة بحى الدقى، ولكن حالت ظروف عمله دون ذلك، فكان الحل الذى أتاحته لنا التكنولوجيا، هو الالتقاء عبر منصة «زووم» بعد يوم عمل طويل، كانت كل تفاصيله تدور حول القضية التى نذر حياته المهنية لها مؤخرا، وهى التغيرات المناخية وتأثيرها على الزراعة..
وخلال الحوار الذى يتم إجراؤه فى إطار سلسلة حوارات «تأثيرات التغيرات المناخية» التى بدأتها الأخبار قبل شهور، اختار الدكتور عبد المنعم سياسة وسطية لا تميل إلى التهويل ولا التهوين، وقال إن التغيرات المناخية صارت واقعا، ولكنه لا يتفق مع من يذهب إلى أن هناك قصورا فى مواجهة تداعياتها على قطاع الزراعة، وقال إن هناك جهودا ملموسة فى هذا الاتجاه، مبديا إعجابه بالمزارع المصرى، والذى يتصرف بفطرته وخبرته فى التعامل مع المشكلة.
وكان الدكتور عبد المنعم متسلحا بذخيرة من التجارب والقصص التى عايشها مع الفلاح المصرى خلال جولاته بمحافظات الجمهورية، والتى استخدمها فى مواضع كثيرة ليدلل بها على آرائه.. وإلى نص الحوار .
دعنا نبدأ مما شهدناه هذا العام فى مصر من شتاء طويل امتد حتى نهاية مارس، أعقبه ارتفاع مفاجئ فى درجات الحرارة، ثم انخفاض مره أخرى.. هل هذه التقلبات غير المعتادة لها علاقة بتغير المناخ ؟
لم ينتظر استكمال السؤال، وقال بدون تردد: قطعا لها علاقة، ولكن دعنا نفرق بين أمرين، وهما تغيرات الطقس وتغيرات المناخ، فما يحدث من تغيرات فى الطقس مثل التى أشرت إليها، تكون انعكاسا لما حدث من تغير فى المناخ، أنتج ظواهر مثل الاحتباس الحرارى، على المدى الطويل جدا.
وتأثير تغيرات المناخ على تغيرات الطقس، أشمل من الحرارة والبرودة، فقد أدى أيضا إلى جفاف فى بعض المناطق مثل ما حدث فى شرق أفريقيا وفى المغرب وفيضانات كالتى حدثت فى السعودية وسلطنة عمان، وحرائق غابات، كالتى شهدتها لبنان والجزائر.
قضية علمية
رغم ما أشرت إليه، ما زلنا نقرأ على مواقع التواصل الاجتماعى تعليقات يميل أصحابها إلى التهوين من خطورة المشكلة، فهل الأفضل فى مواجهة هؤلاء اتباع سياسة التخويف والتهويل؟
يضحك قبل أن يقول: التحدث فى القضية لا يكون بالتهوين أو التهويل، لكن بالعلم، فنحن أمام قضية علمية بحتة، وليست اجتماعية حتى تتحمل أن يكون هناك آراء ومذاهب مختلفة، والعلم الذى استقيناه من أبحاثنا وما جاء فى تقرير ال IPCC الدورى الذى يصدره أكثر من 100 باحث حول العالم عن التغيرات المناخية، أننا أمام واقع له انعكاساته على الزراعة والأمن الغذائى والمائى والطقس والصحه، فهذا التقرير الشامل لا يترك أى جزئية لها علاقة بتغير المناخ إلا ويتناولها بالدراسة.
وكيف نستطيع توعية المزارع البسيط بهذه المشكلة وخطورتها؟
يبتسم ابتسامة ساخرة قبل أن يقول متسائلا: ولماذا تفترض أن المزارع لا يعلم بالمشكلة وخطورتها؟، فقد قمت بجولة مؤخرا فى محافظات الجمهورية من جنوبها إلى شمالها، وما أستطيع قوله هو أن المزارع يدرك تماما أن هناك مشكلة، ويتعامل معها بفطرته وخبرته المتراكمه ، فقد يكون مصطلح تغير المناخ غير معتاد بالنسبة له، وإذا سألت الكثير منهم عن هذا المصطلح قد لا يعرفونه، ولكنهم يعرفون أنه فى السنوات الخمس الأخيرة ظهرت آثاره و حدث تغير واضح فى درجات الحرارة، كما حدث من ارتفاع غير معتاد لدرجات الحرارة فى شهر فبراير، تسبب فى التأثير مثلا على ظهور بعض الآفات فى محصول مثل المانجو، وقام مزارعوا القمح بتبكير حصاده ليتم فى شهر إبريل، بدلا من مايو، وأقدم بعضهم على زراعة أصناف القمح الأكثر تحملا للحرارة بديلا عن الأصناف التى اعتادوا على زراعتها.
انطباع خاطئ
ولماذا إذن يسود الانطباع بأن الفلاح لا يدرك هذه المشكلة؟
يصمت لوهلة قبل أن يقول متعجبا: ربما تكون مشكلة من وصله هذا الانطباع فى التواصل الخطأ مع الفلاح، فلو سأله السؤال الصحيح، سيجيب الإجابة الصحيحة، وليس شرطا أن يكون السؤال متضمنا مصطلح «تغير المناخ».
من الواضح حماسك الشديد للفلاح المصرى؟
يومئ بالموافقة قبل أن يقول: وما المشكلة فى ذلك، فأنا أنزعج من الاتهام الباطل للفلاح المصرى، بأنه منعزل عن التحديات التى تواجه الزراعة، وسأحكى لك موقفا آخر يؤكد حقيقة ما أقوله، فقد رأينا فى إحدى الجولات مزارعين وضعوا «مراوح» فى أماكن تربية الماشية، وعندما سألناهم عن السبب فى ذلك، قالوا إن الطقس حار، والحيوانات لا تستطيع تحمل الطقس، وهذا تصرف غير سليم، ولكنه من ناحية أخرى يعكس حقيقة أن المشكلة وصلت للفلاح ويشعر بها وبدأ يبحث عن طريقة لمواجهتها.
بما أن الفلاح يشعر بالمشكلة، كيف يمكن استغلال ذلك فى الترويج لأصناف جديدة مقاومة للحرارة؟
يتساءل مستنكرا: وهل الفلاح يرفض مثل هذه الأصناف؟
وفقا لما وصلنى من باحثين أن الفلاح المصرى لا يحب تجربة أى صنف جديد؟
بلهجة حاسمة يرد: أنا باحث فى الأساس، وأصدقك القول عندما أؤكد لك، أن اتهام الفلاح برفض الجديد باطل أيضا، فالمشكلة ليست فى الفلاح، لأن الزراعة ببساطة مصدر رزقه، ومن مصلحته أن يقدم على أى جديد يسهم فى حماية مصدر رزقه أو زيادته، ولكن أحيانا ما تكون المشكلة فى الطريقه المستخدمة فى الإقناع.
كيف؟
بنبرة يغلفها الضيق يقول: ما أسهل أن تتهم الفلاح برفض الجديد، ولكن هل عرفت لماذا يرفضه، فقبل أن تتهم الفلاح يجب أن تتهم نفسك، فأنت عليك أن تستعمل الأدوات التى تجعلك قادرا على توصيل الرسالة له بطريقة مقنعة، وامتلاك الأدوات لن يأتى إلا بمعرفة لماذا يرفض الفلاح التجديد.
فقد تكون له أسبابه المقنعة، وأذكر فى هذا الإطار أن مزارعا فى إحدى الجولات بمنطقة تعتمد فى الزراعة على المياه الجوفية، اعترض بشدة على آلية الرى بالتنقيط، ولكن من خلال الحوار معه عرفنا أن مبرراته، كانت منطقية، فالرجل قال لنا إن المياه الجوفية بها نسبة من الحديد تتراكم على «النقاطات» فى خرطوم مياه الرى، فيؤدى ذلك إلى انسداد النقاطات، وما يتبع ذلك من خلل فى خرطوم المياه، فيضطر إلى تغييره كل فترة، إذن فالفلاح هنا كان لديه مشكلة، ولو ساعدناه فى حلها لتجاوب بكل أريحية مع التجديد.
الإرشاد الزراعى
قد تكون لغة الباحث ليست قريبة من الفلاح، ولكن هناك الإرشاد الزراعى، فما هو تقييمك لدوره فما يتعلق بمواجهة تداعيات تغير المناخ؟
لم ينتظر استكمال السؤال، وقال: مشكلة الإرشاد الزراعى الكل يعلمها، وهى تتعلق بقله أعدادهم، فلا يوجد العدد الكافى للقيام بمهمة الإرشاد بشكلها التقليدى، وأصبحت وزارة الزراعة المصرية تعتمد على طرق التواصل الحديثة عبر «الموبايل»وغيره فى توصيل المعلومة للفلاح، ويوجد مكتب للمعلومات بالوزارة يرسل رسائل يومية للمزارعين تتعلق بالظواهر المناخية، وما يتبعها من تأثيرات على الزراعة.
اللجوء للتكنولوجيا فى الإرشاد، يقود للسؤال حول مدى تجاوب المزارع مع ما تسمونه فى الفاو ب «الزراعة الذكية مناخيا»؟.
يشير بإصبعيه السبابة والوسطى، قبل أن يقول: دعنا نفرق بين مصطلحين، وهما الزراعة الذكية و الزراعة الذكية مناخيا، حيث يشير الأول إلى استخدام التكنولوجيا الحديثة فى الزراعة مثل الروبوت والطائرات بدون طيار، وطرق الحصاد الآلى وغيرها، وهذا بالطبع لا يلاءم الفلاحين المصريين، وأغلبهم من أصحاب الحيازات الصغيرة، لكنها أساليب قد تفيد أصحاب المزارع الكبيرة.
لكن الزراعة الذكية المناخية، تتعلق بالمعاملات الجديدة التى يجريها المزارع للتجاوب مع تداعيات التغيرات المناخية، فمثلا عندما يجرى المزارعون فى الدلتا، إجراءات من شأنها التجاوب مع تأثيرات ارتفاع مستوى سطح البحر وما نتج عنه من ارتفاع نسبة الملوحة فى الأراضى، فهذه زراعة ذكية مناخيا.، وعندما بقوم بحصاد المياه ليواجه نقص الأمطار الموسمية فى مناطق الزراعة المطرية فى مطروح فهذه زراعه ذكية مناخيا.
وهؤلاء المزارعون من أصحاب الحيازات الصغيرة، نسعىى فى الفاو بالاشتراك مع وزارة الزراعه المصرية إلى تقديم الدعم لهم لمواجهة آثار تغير المناخ على الإنتاج الزراعى، مثال ذلك هو عبر برنامج توسيع نطاق الطموح المناخى بشأن استخدام الأراضى والزراعة (سكالا)، فهذا البرنامج يدعم 12 دولة فى إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية لبناء قدراتها على التكيف مع التغير المناخى، ويضع البرنامج صغار المزارعين على رأس أولوياته، إن لم يكن فى صميمها، وهؤلاء ينتجون أكثر من 70 فى المائة من غذاء العالم، ولا يتلقون سوى أقل من 2 فى المائة من التمويل المخصص للتكيف مع المناخ.
أسعار الغذاء
وإلى أى مدى يمكن أن يساعد التكيف مع تغيرات المناخ، أو ما تسمونه ب «الزراعة الذكية مناخيا» فى تقليل تداعياتها السلبية على أسعار الغذاء؟
ترتفع نبرة صوته وهو يقول بلهجه حاسمة: الأمر لم يعد ترفا، لا بديل عن توفير حلول عبر الزراعة الذكية مناخيا، لأن تأثير التغيرات المناخية واضح حاليا وسيزداد مستقبلا.
أفهم من ذلك أنه لا توجد فرصة للحفاظ على نفس المستويات الحالية من الإنتاجية وأن أقصى ما نحلم به هو تقليل التأثير؟
يومئ بالموافقة قبل أن يقول: بالضبط، فالتأثير الكبير لتغير المناخ تراكمى ويظهر مع الوقت، ولكنه أصبح محسوسا الآن، وتسبب فى انخفاض إنتاجية بعض المحاصيل، ولكن ليس إلى الدرجة التى تجعلنا نحملها مسئولية ارتفاع أسعار الغذاء عالميا.
ولكن تغيرات المناخ توضع فى كثير من التقارير الدولية مع الحرب الروسية الأوكرانية، كأحد أسباب ارتفاع أسعار الغذاء؟
يرد على الفور قائلا: تغيرات المناخ لها تأثير قبل الحرب، وأثناء الحرب وبعدها، ولكن كما قلت لك تأثيراتها تراكمية، فلن نشعر بتأثيرها الكارثى إلا بعد وقت طويل، ولكن تأثيرات الحرب فورية وكارثية.
ولكن هناك تقارير وأبحاثا تشير إلى تأثيرات أصبحت واضحة لتغير المناخ على بعض المحاصيل؟
لا أنكر حدوث تأثير واضح لها على بعض المحاصيل، فكما قلت لك فى البداية، فإن محصول المانجو فى مصر تأثر بها كثيرا، وانخفضت إنتاجيته العام الماضى حوالى 80%، وتراجعت إنتاجية الزيتون بين 60 و80 %، ولكن تأثيراتها الكبيرة على المحاصيل الاستراتجية مثل محاصيل الحبوب نشعر بها الآن فى شكل ظهور أمراض وحشرات جديدة ويزداد تأثيرها مع الزمن ، وستمثل حينها تأثيرا كارثيا على الأمن الغذائى العالمى، إذ قد يؤدىى تغير المناخ إلى خفض إنتاجية هذه المحاصيل بنسبة 15 فى المائة على مستوى العالم بحلول عام 2050، مما سيؤدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بأكثر من 50 فى المائة، حتى فى حال زيادة مساحة الأراضى المزروعة، وهو ما يقتضى كما أشرنا سابقا ضرورة البدء فى تطبيق أساليب الزراعة الذكية مناخيا.
البنوك الوراثية
وهل تأثيرات تغير المناخ تختلف من دولة إلى أخرى؟
يصمت لوهلة يلتقط خلالها الأنفاس، قبل أن يقول: كل الدول تشعر بتأثيرات تغير المناخ، ولكن يختلف حجم التأثير ودرجته من دولة لأخرى، فنسبة مصر من المياه إلى حد ما ثابتة، حيث تعتمد بشكل أساسى على مياه النيل، وبالتالى سيكون تأثرها مرتبطا بقلة كمية الأمطار التى تسقط فى منابع النيل، ولكن هناك دول تعتمد زراعتها بشكل أساسى على مياه الأمطار، وهذه الدول ستكون أكثر تأثرا بالجفاف المرتبط بتغير المناخ.
ولكن قد يكون تأثير تغير المناخ، مرتبطا فى مصر بفقد كميات من المياه بالمجارى المائية عن طريق البخر بسبب ارتفاع درجة الحرارة، وارتفاع حاجة المحاصيل للمياه بسبب ارتفاع درجة الحرارة، ولكن فى كل الأحول هذا أقل ضررا من قلة سقوط الأمطار أو انعدامها، بالنسبة للدول التى تعتمد على الأمطار.
ويجب أن تكون كل دولة كما أشرت سابقا جاهزة للتعامل مع سيناريوهات تغير المناخ، فمثلا إذا تراجع منسوب الأمطار فى إحدى الدول من 200 مليمتر إلى 150 مليمترا ، يكون الأفضل حينها زراعة محاصيل أكثر تحملا للجفاف مثل الشعير بدلا من القمح، وهذا الحل هو أحد تطبيقات الزراعة الذكية مناخيا.
وهل من تطبيقات الزراعة الذكية مناخيا، البحث فى الأصول الوراثية للنبات عن الجينات القادرة على تحمل تداعيات تغير المناخ من ملوحة حرارة وغيرها؟
بالطبع.. فهذه من أساسيات العمل البحثى، فالبنوك الوراثية فى بعض الدول يوجد بها الأصول البرية للنبات، والتى يمكن أن توفر مثل هذا الحلول، كما يمكن البحث عن الجينات التى تتحمل الحرارة والملوحة فى نباتات أخرى برية ونقلها إلى الأصناف الغذائية، وإنتاج أصناف أكثر قدرة على تحمل الحرارة أو الملوحة.
إلى أى مدى يوجد إدراك عربى لأهمية هذه الحلول القادمة من الأصناف البرية؟
يبتسم قبل أن يقول: يوجد إدراك، ولكن المشكلة فى الإمكانيات، فمسألة حفظ الأصول البرية بالبنوك الوراثية ليست بالمسألة السهلة، وكل دولة تقوم بهذا العمل على قدر إمكانياتها، ولكن المطمئن فى هذا الأمر أن بعض الأصناف البرية محفوظة فى بيئتها الطبيعية منذ آلاف السنين، ولا يوجد خطر يهدد انقراضها، كما توجد بعض البنوك الوراثية، كما فى مصر.
الوقود الحيوى
فى الحديث عن مواجهة تداعيات تغير المناخ، يطرح الوقود الحيوى كأحد الحلول لتقليل الحاجة إلى الوقود الأحفورى التقليدى، الذى يعد أحد أسباب الاحترار العالمى، ولكن هناك تخوفا من تأثير ذلك على الأمن الغذائى من ناحية أخرى، لاستخدام محاصيل غذائية فى إنتاج هذا النوع من الوقود ؟
هذا التخوف ليس واردا عندنا بدرجة كبيرة، لأن اعتمادنا فى البحث عن مصادر أخرى للطاقة، يركز على الطاقة المتجددة، المتمثلة فى الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهناك استثمارات كبيرة ضخت فى هذا المجال، ومشروع بانبان فى أسوان خير مثال على ما قامت به مصر فى هذا المجال.
والتجارب الخاصة بالوقود الحيوى فى المنطقة العربية، ومصر على وجه التحديد، لا تستخدم المحاصيل الغذائية، لكنها تعتمد بشكل أساسى على روث الحيوانات، وحتى هذا المصدر يخضع لتقييم الفلاح، إذ يفضل كثيرون قصر استخدام هذا المصدر على تسميد الأرض الزراعية بدلا من استخدامه فى توفير الطاقة.
«كوب 27»
يفصلنا شهور عن قمة المناخ «كوب 27» المزمع عقدها بشرم الشيخ فى نوفمبر المقبل، فإلى أى مدى تعول آمالا على هذه القمة للخروج بقرارات تخدم الدول العربية والأفريقية؟
بلهجة متحمسة يقول: من المؤكد ان تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيرها على إمدادات الطاقة بالنسبة لبعض الدول ستكون حاضرة ستلقى بظلالها على أجندة القمة، ولكن القضية الرئيسية التى ستحاول الدول الأفريقية والعربية طرحها هى الفاتورة التى يجب أن تدفعها الدول المسئولة عن تغيرات المناخ، فمسئولية الدول الأفريقية مجتمعة عن الانبعاثات المتسببة فى تغير المناخ لا تتجاوز ال4.5%، وبالتالى فإن الدول الصناعية الكبرى يجب أن تضطلع بمسئوليتها فى مساعدة الدول على التكيف مع التغيرات، وإصلاح ما أفسدته تلك التغيرات، التى تسببت فى شح المياه والتصحر، وما ترتب على ذلك من ضغوط اقتصادية على بعض الفئات، مثل صغار المزارعين، ونأمل أن تخرج القمة بقرارات مفيدة فى هذا الإطار.
هناك تخوفات من أن ما يقال فى هذه القمم لا يعدو أن يكون وعودا؟
تختفى لهجته المتحمسة ليقول بنبرة صوت معتدلة: لا يقلقنى ذلك، فحتى الوعود يمكن أن تؤتى بعض الثمار مع الوقت، ففى مؤتمرات سابقة وعدوا ب 100 مليار دولار لبرامج التكيف، وقدموا منها لاحقا 10 مليار دولار فقط، وهذا أفضل من لا شىء.
لا أتصور، أنه فى ظل الظروف الاقتصادية الحالية التى يمر بها العالم أن تحقق الدول العربية والأفريقية مبتغاها من المؤتمر؟
يرد على الفور: اختلف معك، فقضية تغيرات المناخ لم تعد ترفا، وأصبحت أهم قضية فى العالم، بدليل أن زعماء العالم سيجتمعون فى شرم الشيخ من أجل هذه القضية، فالتغيرات المناخية ليست قضية بيئية فقط، لكنها قضية اقتصادية واجتماعية فى الأساس.
كيف تصفها بأنها اقتصادية واجتماعية؟
أنت عندما تطلب من دولة تخفيض الانبعاثات، فهذا يعنى بشكل مباشر غلق المصانع، وما سيترتب على ذلك من تأثير اقتصادى متمثل فى ضعف صادرات، وتأثير اجتماعى متمثل فى زيادة معدلات البطالة، لذلك فإن دولة مثل روسيا خرجت من اتفاقية المناخ تفاديا لالتزامات تكلفها اقتصاديا واجتماعيا، وأمريكا خرجت ثم عادت، وألمانيا تحاول حاليا الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة لتقليل الانبعاثات، ومن ثم تخفيض التزاماتها الدولية تجاه الدول المتأثرة بتغيرات المناخ.
وكثير من الصناعات التى تلقى دعما ورواجا اقتصاديا هى فى الأساس للحد من انبعاثات ثانى أكسيدالكربون وصديقة للبيئة مثل صناعه السيارات الكهربائية، ولا أعتقد أنه بعد عام 2035 سيكون هناك سيارات فى أوروبا تعمل بالمازوت أو البنزبن.
وكما توجد تأثيرات اقتصادية واجتماعية فى الدول المسئولة عن الانبعاثات، فإن الدول المتأثرة بهذه الانبعاثات تعانى هى الأخرى من تداعيات اقتصادية واجتماعية، فهناك على سبيل المثال، دول جزرية، اختفت أجزاء منها بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر، وما ترتب على ذلك من تداعيات اقتصادية واجتماعية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.