بالتأكيد.. فإن طرفى الصراع الدائر على أرض أوكرانيا الآن قد وضعا حساباتهما للحرب واستعدا لكل السيناريوهات المحتملة. روسيا من جانبها.. حشدت وحددت مطالبها، ثم حركت قواتها. وقبل ذلك كانت- على مدى سنوات- تستعد لمواجهة رد الفعل الغربى وللصمود فى وجه ما كانت تتوقعه من عقوبات اقتصادية قاسية. وأمريكا ودول الغرب - من الناحية الأخرى- كانت لها حساباتها وموقفها المعلن منذ البداية بأنها لن تدخل صداما عسكريا مباشرا فى أوكرانيا، لكنها ستقاوم الغزو حتى النهاية، وستمنح أوكرانيا كل المساعدة، وستفرض من العقوبات الاقتصادية ما يؤدى إلى انهيار الاقتصاد الروسى إذا لم تتراجع روسيا وتوقف اجتياحها لأوكرانيا. بالطبع.. قد يخطئ كل فريق فى حساباته «كلها أو بعضها»، وقد حدث ذلك بالفعل، لكن ما نشير إليه هنا هو أن كل فريق كان يدرك- من البداية- أن للصراع تكلفته الباهظة، وأن الحرب لن تكون نزهة، وأن حماية مصالحه الوطنية - كما يراها-، تستحق ما تفرضه الحروب من خسائر أو تضحيات. حتى الآن.. هناك حرص على ألا تتحول الحرب فى أوكرانيا إلى حرب شاملة وهذا يجعل الخسائر البشرية محصورة فى ضحايا القتال المباشر من الأوكرانيين والروس. أما الخسائر الاقتصادية فهى فادحة وسوف تزداد قسوتها مع زيادة تأثير العقوبات الاقتصادية التى يدفعها الطرفان المتصارعان، والتى يؤكد كل فريق- حتى الآن- أنها كانت فى حساباته وأنه قادر على تحملها رغم فداحتها. لكن السؤال الحقيقى الذى يفرض نفسه هو: ماذا عن باقى دول العالم التى لم تقرر الحرب ولا تريدها، ومع ذلك يطلب منها أن تدفع فواتيرها الباهظة؟! أطراف الصراع الرئيسيون «روسيا والغرب»، قادرون - بشكل أو آخر- لتحمل العبء عن حرب هم المسئولون عنها. لكن ماذا عن شعوب العالم التى أصبح عليها أن تتحمل نتائج مضاعفة سعر البترول والغاز وباقى السلع الأساسية- والتى عليها أن تتحمل - فوق ذلك- كارثة نقص السلع الغذائية الرئيسية «كالقمح والذرة»، وليس فقط ارتفاع سعرها؟ الأممالمتحدة تقول إن ما قد يصل إلى 13 مليون إنسان فى افريقيا وآسيا والشرق الأوسط سيضافون إلى ضحايا المجاعة بسبب هذه الحرب.. فهل يتحرك العالم لوقف هذه المأساة التى لا يتحدث عنها الكبار المشغولون بصراعهم؟ وهل نرى حديثا جادا عن العالم الذى لم يشعل الحرب ولم يسع لها.. لكنه يتحمل نتائجها؟ وهل نرى تحركا جادا لدورة استثنائية للأمم المتحدة تطرح فيها القضية، ويطلب فيها من القوى الكبرى أن تتحمل مسئوليتها، وأن تتحمل أيضا ثمن صراعاتها بدلا من مطالبة العالم بأن يدفع فواتير صراع الكبار، وحساباتهم الخاطئة؟!