بعد تنازل مرشح «مطروح».. «الوطنية للانتخابات»: اسمه في بطاقة الترشيح ولن نتعامل معه كمرشح    البورصة المصرية تربح 50.6 مليار جنيه بختام تعاملات الأحد 9 نوفمبر 2025    وزير السياحة يشارك في فعاليات الدورة 26 للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة للسياحة بالسعودية    "يديعوت أحرنوت": إلغاء جلسة محاكمة نتنياهو غدا بناء على طلبه    زيلينسكي يفرض عقوبات ضد مسئولين روس بينهم رئيس صندوق الإستثمار المباشر    قمة الاتحاد تشتعل.. السيتي ينهي الشوط الأول متفوقًا بثنائية على ليفربول    حزن يخيم على كفر جنزور خلال تشييع جنازة ضحايا جريمة تلا    غدًا.. انطلاق 10 ورش عمل ضمن أيام القاهرة لصناعة السينما في نسختها السابعة    عمرو سعد وعصام السقا يقدمان واجب العزاء في والد محمد رمضان    نائب وزير الصحة يتفقد مستشفى شبرا العام ويوجه بإصلاح الأجهزة خلال أسبوعين    وزير النقل: المخاطر الجيوسياسية في المنطقة تسببت في تعقيد حركة النقل والتجارة    افتتاح قمة الاتحاد الأوروبي وأمريكا اللاتينية وسط قلق بسبب التحركات العسكرية الأمريكية    حزب السادات: مشهد المصريين بالخارج في الانتخابات ملحمة وطنية تؤكد وحدة الصف    شريف عامر: لا بد من التطور والتكيف ولكن بطريقه احترافية    ننشر أسماء ضحايا حادث تصادم القناطر.. سيارة تشتعل وأخرى تسقط بالمصرف| صور    غريق مجهول الهوية بمسطرد.. تفاصيل حادث صادم بجوار معدية البترول| صور    استعدادات أمنية مكثفة لتأمين انتخابات مجلس النواب 2025    رئيس الوزراء يتابع مستجدات الموقف التنفيذي لمشروع مدينة «رأس الحكمة»    رسميًا.. بدء إجراء المقابلات الشخصية للمتقدمين للعمل بمساجد النذور ل«أوقاف الإسكندرية»    رئيس قطاع الأخبار بالمتحدة: مهمتنا تلبية احتياجات الجمهور وتقديم أفضل محتوى    بيحبوا يثيروا الجدل.. 4 أبراج جريئة بطبعها    موفدو الأوقاف بالخارج يبادرون لأداء واجبهم الوطني في انتخابات مجلس النواب    «عبدالغفار» يبحث مع ممثلي منظمة الصحة العالمية تعزيز جهود مواجهة الكوارث    الخزانة الأمريكية ترفع العقوبات عن الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب    الشروط الجديدة لحذف غير المستحقين من بطاقات التموين 2025 وتحديث البيانات    راحة 4 أيام للاعبي الاتحاد السعودي بعد خسارة ديربي جدة    ماذا قال ياسر جلال بعد كلمته بمهرجان وهران في الجزائر؟    الشيخ خالد الجندي: ربنا بيوريك نتيجة استخارتك في تيسير الطريق أو توقفه    أخبار السعودية اليوم.. إعدام مواطنين لانضمامهما إلى جماعة إرهابية    توقيع مذكرة تفاهم لدمج مستشفى «شفاء الأورمان» بالأقصر ضمن منظومة المستشفيات الجامعية    المستشارة أمل عمار تدعو سيدات مصر للمشاركة بقوة في انتخابات مجلس النواب 2025    سمير عمر رئيس قطاع الأخبار بالشركة المتحدة يشارك في ندوات منتدى مصر للإعلام    من يحضر تنفيذ العقوبة؟.. بعد حكم إعدام قاتلة زوجها وأبنائه ال6.. إنفوجراف    زلزال قوي يضرب الساحل الشمالي لليابان وتحذير من تسونامي    المشاط: ألمانيا من أبرز شركاء التنمية الدوليين لمصر.. وتربط البلدين علاقات تعاون ثنائي تمتد لعقود    علاج مجانى ل1382 مواطنا من أبناء مدينة أبو سمبل السياحية    أحمد سعد يتألق على مسرح "يايلا أرينا" في ألمانيا.. صور    رئيس الجامعة الفيوم يستقبل فريق الهيئة القومية لضمان جودة التعليم    صينية القرنبيط بالفرن مع الجبن والبهارات، أكلة اقتصادية ومغذية    محافظ أسوان يتابع جاهزية مقار اللجان الانتخابية لمجلس النواب 2025    إبراهيم حسن: خروج أي لاعب عن النص سيكون مصيره الاستبعاد.. واختيارات المنتخب وجهة نظر فنية فقط    ضبط تشكيل عصابي لتهريب المخدرات بقيمة 105 مليون جنيه بأسوان    استلام 790 شجرة تمهيداً لزراعتها بمختلف مراكز ومدن الشرقية    امتحانات الشهادة الإعدادية للترم الأول وموعد تسجيل استمارة البيانات    «زي كولر».. شوبير يعلق على أسلوب توروب مع الأهلي قبل قمة الزمالك    الأوقاف توضح ديانة المصريين القدماء: فيهم أنبياء ومؤمنون وليسوا عبدة أوثان    مئات المستوطنين يقتحمون باحات المسجد الأقصى والاحتلال يواصل الاعتقالات في الضفة الغربية    تشييع جنازة مصطفى نصر عصر اليوم من مسجد السلطان بالإسكندرية    قافلة «زاد العزة» ال 68 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة    انتخابات مجلس النواب 2025.. اعرف لجنتك الانتخابية بالرقم القومي من هنا (رابط)    أمين الفتوى: الصلاة بملابس البيت صحيحة بشرط ستر الجسد وعدم الشفافية    على خطى النبي.. رحلة روحانية تمتد من مكة إلى المدينة لإحياء معاني الهجرة    الزمالك كعبه عالي على بيراميدز وعبدالرؤوف نجح في دعم لاعبيه نفسيًا    مواعيد مباريات الأحد 9 نوفمبر - نهائي السوبر المصري.. ومانشستر سيتي ضد ليفربول    هل يفاجئ توروب الزمالك؟.. تشكيل الأهلي المتوقع في نهائي السوبر المصري    «لعبت 3 مباريات».. شوبير يوجه رسالة لناصر ماهر بعد استبعاده من منتخب مصر    معلومات الوزراء : 70.8% من المصريين تابعوا افتتاح المتحف الكبير عبر التليفزيون    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. محمد صافي المستغانمي يكتب: المعجم التاريخي مشروع يُؤرّخ لكل العصور
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 12 - 12 - 2021

المُعجم هو ديوانُ ألفاظ الأمّة، وخزّانُ تعابيرها والأنساق اللغوية التى يستعملها أبناؤها، وسِجِلُّ تاريخها؛ إذ من خلال النّظر فى معجم أيّ عصر من العصور، يتبيّنُ للباحث الكلمات التى كانت رائجة ذائعة فى ذلك العصر، والعبارات التى ألِف أهلُهُ استعمالَها وتوظيفها فى كلامهم اليومي، وفى كتاباتهم الوظيفيّة وإبداعاتهم الأدبيّة.
والتأليف المعجميّ المتجدّد دليلُ على حياة اللغة التى يتناولها، وكلّما ظهرت فى أسواق الثقافة معاجمُ جديدةٌ وقواميسُ متنوّعة متخصّصة، دلّ ذلك على حياة تلك اللغة ونموّها وتطوّرها.
ولا يخفى على كل مثقّف أنّ اللّغويين العرب قد قطعوا أشواطا مُهمّة فى التأليف المعجمى فى العصور القديمة ابتداء من عصر الخليل بن أحمد الفراهيدى مرورا بابن دريد وابن فارس وابن منظور والفيروزابادى والزّبيدى وصولا إلى التأليف المعجمى المعاصر.
والمعاجم العربيّة القديمة يجمعها، على تفرّقها وتنّوع أغراض إنشائها، أنّها كانت خاضعةً لمقاييس الفصاحة وسُلطة المعياريّة العربيّة التى وضعها جامعو اللغة فى تلك الآونة الزاهرة من حياة العربيّة.
إن المعجم التاريخى للغة العربية هو ذاكرة الأمّة العربية، وديوانُ ألفاظها وسِجِلُّ أشعارها وأخبارها، وحامل مخرجات ومنتجات أبنائها وبناتها، وهو ضرورة لغويّة وحضاريّة وتاريخية. ضرورة لغويّة لأنّه يؤرّخ لألفاظ العربيّة المستعملة
منذ نشأتها الأولى إلى الوقت الحاضر، يُعرّفُ القارئ عن زمن ميلاد الكلمة: متى استعملها العرب، وفى أى بيئة، ومن هو المستعمل الأوّل؟ وفى أيّ سياق جاء استعمالها؟
وضرورة حضاريّة لأنّ التأريخ للكلمة يرصدُ خطَّ سيرها من نشأتها الأولى مُرورا بالعصور التى مرّت بها، والتطوّرات التى صاحبت استعمالها، ومرحلة نشأة المصطلحات، وغير ذلك من الألفاظ التى جادت بها القرائح، وكيّفها المستعملون مع مفرزات الواقع الذى يعيشونه.
وهو ضرورة تاريخية؛ لأنّه يؤرّخ لأحداث الأمّة العربيّة فى عصورها الغابرة، ويؤرّخ للمحافل التى أقيمت للشعر، ويُسلّط الأضواء على منتديات العرب ومجامعها، وتجاراتها، وحروبها وغاراتها وأيّامها، والدول التى تحدّثت بها، والعلوم التى دُوّنت بها إلى أن نصل إلى عصر الصحافة والإعلام وقنوات التواصل الاجتماعى الحديثة.
الفريق السعودى كان له نصيبه فى إنجاز الهدف
قد لا أكون مبالغا إذا قرّرت فى هذه الأسطر أنه لا يوجد مشروع استقطب اهتمام اللغويين، ولفتَ انتباهَ عشّاق لغة الضاد كما لفتهم مشروع المعجم التاريخى للغة العربية؛ ذلك لأنّ عددا من اللغات العالمية قد أنجزت معجمها التاريخى خصوصا ما يتعلق باللغات المتفرّعة عن اللاتينية الأمّ مثل الفرنسية والإنجليزية ومثيلاتها، وظلّ المشروع العربى يترنّح بين عوائق ضبابية التّخطيط، ومزالق ضخامة المشروع، وعوائق فداحة التّكاليف المادّيّة. ولا يخفى أنّ الذين أرّخوا للغاتهم مثل الإنجليز والفرنسيّين والألمان والسويديين وغيرهم، فى الحقيقة أرّخوا للغاتهم التى هى حديثة المولد بالنسبة للغة العربيّة التى هى ضاربة الجذور فى أعماق التّاريخ من لدن العرب العدنانيين الذين ينحدرون من أرومة إسماعيل عليه السلام إلى عصرنا الحاضر.
إنّ ضخامة الموروث اللغوى لدى العرب شِعرا ونثرا وعلوما وفنونا هى العقبة الأولى التى تعثّر من أجلها المشروع عقودا من الزمن ابتداء من أيام المستشرق الألمانى فيشر، وأهمّية المشروع تأتى من كونه يُؤرّخ لكل كلمة من كلمات اللغة العربيّة ابتداء من عصر النّقوش القديمة التى خلّدها التاريخ على جدران الكهوف والجبال والمغارات فى مواضع مختلفة من جزيرة العرب وما حولها، مرورا بالعصر الجاهلى الذى أصبح للشعر فيه محافل وأسواق، وكانت القبيلة تُعنى بشاعرها وتُكنّ له كل توقير وتبجيل لأنّه هو الناطق الرّسمى باسمها، والمدافع عنها فى المحافل، والمنافح عن شرفها، والذّائدُ عن حماها، والواصف لأمجادها عند تلاقى الأقران.
وحين يتتبّع القارئ العربى هذا الشأن يجد أنّ الشعر العربيّ فى الجاهلية ممتدّ عبر الصحراء الواسعة ابتداء من تخوم تركيا فى
بلاد الشّام إلى جنوب بلاد اليمن، والباحث يتساءل كيف يستطيع البحث العلميّ والتّحرير المعجمى أن يستقصى كل كلام العرب الذى نطقوا به فى جاهليتهم؟
ولمّا جاء عصر التدوين، وكثرت العلوم والفنون اللّغوية والأدبيّة والشرعيّة التى تأثّرت بلغة الوحى وروح الإسلام، غصّت المكتبات بالكتب، وانتشرت المؤلفات فى العلوم الإسلامية المختلفة كالتفسير وعلوم القرآن والحديث وعلومه والفقه وأصوله والتاريخ الإسلامى وأنواع العلوم الفلسفيّة والعلمية البحتة، والمكتبةُ العربيةُ اليوم فى مشارق الأرض ومغاربها حافلةٌ بملايين العناوين فى شتى العلوم والفنون.
أضف إلى ذلك ما جادت به قرائح العلماء والأدباء فى العصور المتأخّرة إلى يومنا هذا فى مختلف الأجناس الأدبية والفروع المعرفية الحديثة التى كتبها أصحابها باللغة العربية والصحافة والإعلام وغيرها لأننا – وهذا هو الفرق بيننا وبين غيرنا – نُؤرّخ لجميع الأحقاب والفترات الزمنية من الجاهلية إلى العصر الحديث، أى لمدة تزيد عن سبعة عشر قرنا من حياة اللغة، ونرصدُ التّطور اللغوى للألفاظ فى الأعصر التى نؤرّخ للفظ فيها.
.... ولسائل أن يسأل: هل من السهولة التأريخ لجميع ألفاظ العربية فى الأزمنة الغابرة والأزمنة الحاضرة؟.
نقول: إنّه لعَمَلٌ ضخم تخرّ له الجبال هدًّا، ولكن ما لا يُدرَكُ كلّه لا يُترَكُ جُلُّه، وهذا ما شحذ الهمم لإنجاز هذا المشروع، وحين الانتهاء من المشروع بإذن الله وتوفيقه، سيكون المعجم التاريخى الذى يشارك فيه جمهور غفير من اللغويين الذين يعملون تحت مظلات المجامع اللغوية والعلمية فى الدول العربية أكبرَ معجم وأضخم قاموس يُنشئُهُ العرب للغتهم، لا يُؤرّخ للألفاظ العربيّة فقط، وإنّما يؤرخ للذاكرة العربيّة الجماعية، وأحداث تاريخها المجيد.
مصادر الببليوغرافيا
تتنوّع مصادر الببليوغرافيا التى يعتمدها المعجمُ فى بناء مدوَّنته وفق تنوُّع عناصرها:
القرآن الكريم: وهو نصٌّ مُسلَّمٌ به منقولٌ بالتواتُر. وقراءاته -مع اختلافها- كلُّها حُجَّة. وقد اقتصرنا على القراءات المُعتدّ بها عند أهل الفنِّ، وهى القراءات العشر المتواترة، علاوةً على القراءات الأربع الشوّاذّ التى لها سندٌ متّصل، دون غيرها مما لا سندَ له.
الحديث النبويّ الشريف: وهو مصدرٌ شفويُّ لم يُدوَّن أكثره إلّا فى مرحلة متأخّرة. وعلى الرغم من اختلاف النحويّين قديمًا فى أمر الاستشهاد به، فقد أُخِذَ برواياته الصحيحة السند؛ إذ إنّ الاختلاف فى روايته إنّما جاء لدى من يُحْتَجُّ بهم؛ لأنّها جميعًا واقعة فى حقبة زمنية غير متنائية. وقد اقتُصِر فيه على كتب الحديث العشرة المعروفة.
النّثر: ويضمّ المصنّفات النثريّة التى ثبتت نسبتها إلى أصحابها، والوثائق المستخلصة من الكتب والمُصنَّفات الَّتى تجمع الأدبيّات النثريّة (كالخطب والمُحاوَرات، والرسائل والتوقيعات، والوصايا، والأمثال). كما يضمّ ما رُوى من خُطب العرب، وما تواترَ من المحكيّات والحوارات فى كتب الأدب والتّأريخ، والرَّسائل المكتوبة والرُّدود عليها، والمعاهدات والمواثيق، وتوقيعات الخُلفاء والأمراء والوُلاة، والوصايا ومأثورات الحِكَم، والأمثال التى جرت على ألسنة العرب وانتشرَت بينهم خلالَ الحِقبة الزمنيّة التى يؤرِّخ لها المعجم.
الشعر: ويضمُّ دواوين الشعر المفردة وشروحها، ودواوين القبائل الحاوية لأشعار الهُذَليِّينَ والكلبيِّين والهَمدانيِّين وغيرِهم؛ فضلًا عن جوامع الشعر، والجمهرات، وكتب الحماسة، وكتب الأدب المعنيَّة بجمع الشعر العربيّ وروايته، ومعاجم الشعراء المُميِّزة لأشعارهم.
المصادر الشفويّة
أكثرُ نصوص العربيّة الشعريّة قبل عصور التدوين منقولٌ عن طريق الرواية الشفويّة. وقد كانت للدارسين العرب المحدَثين ثلاثةُ مواقفَ مُتباينةٌ من هذه النصوص:
الموقف الأوّل: موقفٌ مُتطرِّف يذْهب إلى رفض جُلِّ الشعر الجاهليّ، ويراه من اختلاق الرُّواة وابتداعِهم لأسبابٍ قبليّة وسياسيّة، أو لغايات قَصصيَّة؛ فهو إذن لا يمثِّل لغة الجاهليّين، بل يمثّل لغةَ الذين اختلقوه بعد ظهور الإسلام.
الموقف الثاني: موقفٌ مُتطرّف أيضًا يذهب إلى قبولِ جُلّ ما وصل إلينا من الشعر الجاهليّ بوصفه وثيقةً مكتوبةً لا تقبل الإسقاط أو الإهمال، وأصحابُ هذا الموقفِ لا تعنيهم تاريخيَّةُ الشعراء أو تاريخيَّة الأشعار التى تُنسب إليهم، بل تعنيهم النصوصُ ذاتُها بوصفها نصوصًا أدبيّة قائمةَ الذّات رغمَ أنّهم قد يتشكَّكون فى نسبتها إلى أصحابها.
الموقف الثالث: موقفٌ وسطٌ مُعتدلٌ يتبنّاه معجم الدّوحة التاريخيّ للُّغة العربيّة، وهو يرى فى الشعر الجاهليّ حقيقةً تاريخيّة لا شكّ فى وجودها، لكنْ ينبغى للباحث، وخاصَّةً لجامعِ ديوانِ شاعرٍ مّا أو ديوانِ قبيلةٍ من القبائل، أو لمؤلّفِ معجم يقومُ على التّأريخ للألفاظ ومعانيها،ألاّ يُسلّمَ تسليمًا تامًّا بصحّة رصيدٍ غيرِ قليلٍ ممّا وصل إلينا.
كانت قضيّة النحْل من أبرز مصاعب مدوَّنة القرون الأولى. وظاهرةُ نحْلِ الشِّعر قديمةٌ معروفةٌ فى العربيّة. ومن الأدلّة على وجودها تقْويلُ القدماءِ آدمَ شعرًا بالعربيّة فى رثاء ابنِه هابيل. وقد نبّه القدماءُ إليها وانتقدوها واحترزوا منها فى حديثهم عن الشعراء وشعرهم. ومن أشهر مَن تحدّث عنها من القدماء ابنُ سلّام الجُمَحيّ منذ بداية القرن الثّالث الهجريّ/التاسع الميلاديّ. ومن أهمّ أسباب النحل: تقوُّل الرواة وتزيُّدُهم، وقد خَصّ ابنُ سلّام بالذّكر من الرواة «المتَزَيِّدين» اثنيْن هما: حمّاد الرّاوية (156ه/772م)، وقدْ كان شاعرًا مُجيدًا قادرًا على قول الشِّعر على مذاهب الشُّعراء ونسبتِه إليْهم؛ ومحمّد بن إسحاقَ بن سيّار (151ه/768م). ولم يكتف ابنُ إسحاق بالتزيّد على شعراء معروفين، بل نسب أشعارًا إلى أناس -رجالًا ونساءً- لم يقولوا شعرًا قطّ. ومن الأدلّة الطريفة على هذا النحل أنّ عددًا من علماء العربيّة ومنهم ابنُ الشَّجَريّ (542ه/1147م) فى أماليه، و ابنُ الأثير (637ه/1239 م) فى كتابه «المثَل السائر»... عَدّوا بِشْرَ بن عوانة من بين الشعراء الجاهليّين، وهو شخصيّةٌ مبتدَعة فى مقامات بديع الزمان الهمذانيّ (398ه/1008م) ليس لها أيُّ وجودٍ فى التاريخ.
ولذلك قُمنا ابتداءً باستبعاد كلّ مصدر يتطرّق إليه الشكّ، أو تحتمل نسبته أو تأريخه قدْرًا من الارتياب.
تحقيق المصادر
دُوِّن أكثر النصوص الشفويّة فى القرن الثانى للهجرة، فى زَمَنٍ كانت العربيّة فى أصحابها سليقةً، وكان النظام الكتابيّ المستعمل فى التدوين غيرَ معجَمٍ ولا مشكول. وقد بَلغتْنا هذه النصوص منشورةً مع ما يحتمله ذلك من تعرُّضها للتحريف والتصحيف، واختلاط الهامش بالمتن، والتلفيق بين الروايات المختلفة، والوضع، ونحْل النصوص إلى غير أصحابها، فضلًا عن فساد كثير من النّصوص بسبب عبث النسّاخ قديمًا، والمحقّقين غير الأكْفَاء حديثًا.
وقد احتفى المعجمُ بالنصوص التى حقَّقها الأَثْباتُ، مع العلم بأنّ كثيرًا مما نُشِرَ موسومًا بأنّه مُحَقَّقٌ قد غلب عليه الخَطْفُ وتركُ التحقيق على شَرْطِه. ونحن نعلم أنّ روايات النصّ الواحد قد تتعدَّد بتعدُّد الرواة، وتتعدَّد باحتمالات القراءة التى تتراءى للمحقِّق بهدى ما وُضِعَ من القواعد بعد زمن. وقد يقع اختلاف القراءة فى ضبط الأبنية المفضى إلى اختلاف المعنى. ويزداد الأمرُ صعوبة حين تُعادُ طباعةُ الكتاب المطبوع لمعالجته؛ فقد يوقفُ على كثير ممّا فرَط من أيدى الطابعين عند تحويل النصوص وطباعتها على نحو قابل للمعالجة، فيقعُ فيها تصحيف وتحريف يشبه ما وقع للمحقّقين عندما نظروا فى النصوص الأصليّة وحقّقوها؛ فكيف إذا انضاف إلى خطأ المحقِّق خطأُ الطابِع أو الناسخ!
طباعة المصادر
من معضلات النصّ التراثيّ انتشار الطبعات التجاريّة التى تفتقد إلى أدنى قواعد التحقيق. وتلافيًا لتسرُّب مثل هذه الطبعات إلى مدوّنة المعجم، كان لا بدّ من تخيُّر أوثقِ النّشرات وأدقِّها، وهو أمر تطّلب الكثير من التأنّى والخبرة والمعرفة والاطّلاع. ولذلك رُصدت الطبعات المختلفة لمصادر الببليوغرافيا، وخضعت للدراسة والتمحيص للمفاضلة فيما بينها باعتماد معايير علميّة تسمح بالوصول إلى النّشرة الأفضل. وكان من أهمّ معايير المفاضلة:
كون المحقِّق من كبار المحقِّقين -عربًا ومستشرقين- أو من أولى العلم المشهود لهم بالدّراية والتّجويد والإتقان فى هذا الباب. صدور النشرة عن مؤسّسات علميّة مرموقة تخضع مطبوعاتها للتّحكيم العلميّ، كمجامع اللّغة العربيّة، أو دور نشر عُرِف عنها تحكيم نشراتها، والعناية بها.
الفريق المصرى يضم صفوة تصدوا لتحقيق الإنجاز
تنوُّع النُسَخ التى اعتمد التحقيقُ عليها، وقِدَمُها وتدقيق ناسخِها. تأخُّر النّشرة، واشتمالها على ما لم تحظَ به سابقاتها سعةً وتحقيقًا. كون النّشرة رسالة جامعية تطلّب إنجازها أناةً وإتقانًا، وتمّت إجازتها بدرجة عليا.
بيد أنَّ هذه المعايير قد لا تكون حاسمة فى عدد غير قليل من منشورات المرحلة الأولى قبل القرن الثانى للهجرة، فيُحتاجُ فى بعض كتب تلك المرحلة إلى عدد من الطبعات -على سبيل الاحتياط- بغية الوصول إلى مدوَّنة جامعة لا تفرِّط فى أيِّ جزءٍ من التراث. يُضاف إلى ذلك أنَّ النصوص -برغم اصطفائها - لا تُؤخذُ مسلَّماتٍ، بل يخضع كلّ نصّ منها لتمحيص المحرِّر المعجميّ تحقيقًا، وتدقيقًا، وضبطًا، وتحرِّيًا لصحّة ما جاء فيه، ممّا يُقلّل من احتمالات الخطأ أو الزلل. ويعتمد المحرِّر فى استقراء النصوص، ولا سيَّما نصوص المرحلة الأولى، منهجًا يقوم على فحص النصّ بالمزاوجة بين الانسجام البنيويّ، والاتّساق مع السياق الخارجيّ اعتمادًا على ثلاثة معايير هي: معهود العرب فى كلامها. المعانى الأصول للمادة المعجميّة. معطيات السياق بوجهيه الداخليّ والخارجيّ، أى سياق الكلام، ومعطيات المقام، وظروف إنتاج الخطاب.
إعداد الببليوغرافيا والمكتبة المرجعيّة
تستدعى المُعالجةُ المُعجميَّة لمادَّة المدوّنة التأكُّد من صحَّة النصوص ونسبتِها، ولذلك وُضِعت «ببليوغرافيا مصادر المدوَّنة» لتكونَ قاعدةَ بياناتٍ تحوى المعلومات الببليوغرافيَّة الكاملة لمصادر المدوَّنة، وأُرفِقت بها «المكتبة المرجعيَّة» الَّتى تحوى مُتُونَ هذه المصادر فى صورتها الرقميَّة المُصوَّرة عن الأصول المطبوعة. وقامت منهجيَّة بناء الببليوغرافيا والمكتبة المرجعيَّة، بعد التخلّص ممّا يحوم الشكّ أو الغموض حوله، سواءٌ من حيثُ نسبتُها، أو من حيثُ انتماؤُها إلى الحِقبة الزمنيَّة، على الأسس الآتية:
تقسيم الببليوغرافيا إلى حقول بعدد حقول المدوَّنة اللغويَّة.
اشتملَ كُلُّ حقلٍ على المعلومات الآتية على الترتيب: (الرقم التسلسُليّ للوثيقة، وعُنوان الوثيقة، واسم صاحبها، ومصادر المادَّة النصِّيَّة، ومُلاحظات الوثيقة، والعبارة التاريخيَّة، ورمز التأريخ [للتَّمييز بين التواريخ المعلومة والتقريبيَّة]، وتاريخ الوثيقة).
اشتملَت المعلومات الببليوغرافيَّة للمصادر على: (اسم المصدر، واسم المُؤلِّف وتاريخ وفاته، وبيانات التَّحقيق أو الجمع، ومكان النشر، ورقم الطبعة، وعام النشر).
تمَّ الربطُ - آليًّا - بين بيانات مصادر المادَّة النصِّيَّة والأصول المطبوعة لهذه المصادر فى المكتبة المرجعيَّة لتيسير الوصول إليها والتوثيق منها.
أُخضِعَت ببليوغرافيا مصادر المدوَّنة للمُراجعة، وجرت المطابقةُ بين البيانات الواردة فيها والبيانات المصاحِبة للوثائق فى المدوَّنة اللغويَّة.
وحرصًا على التدقيق والتوثيق بُنيت مكتبة مرجعيّة يرجع إليها المعالجون المعجميّون لتوثيق النصوص وضبطها عند الحاجة، وقد أُلحقت بالوسائل المساعدة فى المنصّة الحاسوبيّة. واعتُمِد فى بناء هذه المكتبة التى اشتملت على آلاف الكتب المطبوعة والملفّات الرقميّة المُصوَّرة التى رُبطت آليًّا بالببليوغرافيا على الآتي:
الحُزَم [المجموعات] المكتبيَّة الرقميَّة. المواقع العربيَّة المعنيَّة بالنشر المكتَبيّ الرقميّ للتراث بعد تدقيقها وتصويب ما فيها من أخطاء. المكتبات الرقميَّة المفتوحة (بالعربيَّة، والإنكليزيَّة، والفارسيَّة). التحويل المباشر إلى الحواسيب عبرَ الماسحات الضوئيَّة وتقنيات OCR. رقمنة عدد من المصادر غير المتاحة.
الأمين العام لمجمع اللغة العربية بالشارقة
المدير التنفيذى للمعجم التاريخى
أقرا ايضا | د. مأمون وجيه يكتب : «المعجم التاريخى».. قصة الميلاد والتطور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.