نشأت الديهي للمحافظين: كنتم فين والتعديات على النيل تحدث.. يجب إزالتها سواء عشة أو قصر    الري: أراضي طرح النهر تُمنح للأفراد بحق انتفاع وليس بعقود إيجار دائمة    متحدث اللجنة المصرية لإغاثة غزة: اكتبوا في التاريخ أن السيسي أكثر عربي وقف بجانبنا وكسر المجاعة وناصر قضيتننا    محمود مسلم: السيسي لم يتواصل مع قيادات إسرائيل منذ بدء حرب غزة.. ووصفهم ب«العدو» تطور خطير فى العلاقات    تتبقى فرصتان.. المغرب يتسبب في ضياع أولى هدايا تأهل مصر في كأس العالم للشباب    صادر له قرار هدم منذ 53 عامًا.. انهيار جزئي لعقار في جمرك الإسكندرية دون خسائر بشرية    مصرع 3 عناصر إجرامية شديدة الخطورة خلال مداهمة وكرهم ببني سويف    القائمة الأولية لمرشحي الأحزاب على المقاعد الفردية بمجلس النواب بالدقهلية    تواجد سام مرسي ومحمد شريف.. حلمي طولان يُعلن قائمة منتخب كأس العرب في معسكر أكتوبر    وزير السياحة: تحقيق طفرة في القطاع يتطلب توفير الطاقة الاستيعابية وتعزيز الربط مع الأسواق المستهدفة    نتنياهو: نسقت مع ترامب خطة قلبت الأوضاع في غزة    بعد غياب طويل.. صبري عبد المنعم يعود للظهور في مهرجان نقابة المهن التمثيلية    المحافظات ترفع الطوارئ لمواجهة ارتفاع منسوب مياه النيل: «الوضع مطمئن»    «الهيئة الوطنية» تُعلن موعد انتخابات النواب 2025 (الخريطة كاملة)    «الأوقاف» تُطلق البرنامج التثقيفى للطفل    إعلام عبرى: إسرائيل تبلغ أمريكا نيتها الإبقاء على وجودها داخل المنطقة العازلة    ترتيب الدوري الإنجليزي بعد فوز تشيلسي ضد ليفربول.. أرسنال يخطف الصدارة    باختصار.. أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. مظاهرات حاشدة تطالب برحيل بنيامين نتنياهو.. ترامب: لن أتهاون مع أى تأخير من جانب حماس وسأعامل الجميع بإنصاف.. الفنان فضل شاكر يسلم نفسه للجيش اللبنانى    مصر تشيد بالدعم الفرنسي للمرشح المصري في «اليونسكو»    لأول مرة فى تاريخها.. اليابان تختار سيدة رئيسة للحكومة    بداية فصل جديد.. كيف تساعدك البنوك في إدارة حياتك بعد الستين؟    سعر الطماطم والخيار والخضار بالأسواق اليوم الأحد 5 أكتوبر 2025    دوري أبطال أفريقيا.. قائمة بيراميدز في مواجهة الجيش الرواندي    بشير التابعى: مجلس الزمالك ليس صاحب قرار تعيين إدوارد ..و10 لاعبين لا يصلحون للفريق    غياب لامين يامال ورافينيا.. فليك يعلن قائمة برشلونة ضد إشبيلية في الدوري الإسباني    ثنائي المنتخب السعودي جاهز لمواجهة إندونيسيا    شريف فتحي يشارك في اجتماع غرفة المنشآت الفندقية بالأقصر    ضحايا فيضان المنوفية: ندفع 10 آلاف جنيه إيجارًا للفدان.. ولسنا مخالفين    قافلة عاجلة من «الهلال الأحمر» لإغاثة المتضررين من ارتفاع منسوب مياه النيل في المنوفية    أمطار واضطراب الملاحة.. تحذير شديد بشأن حالة الطقس اليوم الأحد    سطو مسلح على محل فوري في كرداسة.. المتهمون ارتدوا أقنعة واستخدموا بندقيتين خرطوش (تفاصيل التحقيقات)    وزارة الداخلية تكشف حقيقة محاولة خطف طفلة في القليوبية    تغيرات مفاجئة ونشاط للرياح.. تفاصيل حالة الطقس حتى يوم الجمعة المقبل    أخبار × 24 ساعة.. قافلة إغاثية لمتضرري ارتفاع منسوب نهر النيل في المنوفية    تعرف على برجك اليوم 2025/10/5.. «الأسد»: تبدأ اليوم بطاقة عاطفية.. و«الحمل»: روح المغامرة داخلك مشتعلة    بعد الانتهاء من أعمال الترميم.. افتتاح تاريخي لمقبرة أمنحتب الثالث بالأقصر    رئيس قطاع الآثار: افتتاح مقبرة الملك أمنحتب الثالث فخر لمصر بعد 20 عامًا من الترميم    اللواء الدويرى: الجهاد الإسلامي حركة وطنية متوافقة مع الموقف المصري في المصالحة    هل التسامح يعني التفريط في الحقوق؟.. الدكتور يسري جبر يوضح    كيف نصل إلى الخشوع في الصلاة؟.. الدكتور يسري جبر يوضح    ياسمين الخطيب تهاجم الساخرين من فارق العمر في زواج رانيا يوسف: الدين لم يحرّم ذلك    لمتابعة الأداء ومستوى الخدمات.. حملات مرور ميدانية على الوحدات الصحية في إهناسيا ببني سويف    «الصحة» تطلق النسخة الخامسة من مؤتمر «قلب زايد» بمشاركة نخبة من خبراء أمراض القلب في مصر    «مدبولي»: أراضي طرح النهر لا يجوز التعدي عليها بالزراعة أو البناء (تفاصيل)    غدًا .. عرض 4 أفلام نادرة مرمَّمة توثّق لنصر أكتوبر المجيد    شريف العماري: الزواج السري يجعل الزوجة تعيش في حالة خوف واختباء من أبنائها ومعارفها    محافظ سوهاج يعتمد المرحلة الثالثة لقبول الطلاب بالصف الأول الثانوي للعام الدراسي الجديد    محافظ شمال سيناء يدعو المواطنين للاحتفال بذكرى انتصارات السادس من أكتوبر    المدير الرياضى للأهلى ل «الأخبار»: احتراف الشحات مرفوض وعبدالقادر يرحب بالتجديد    محافظ المنيا: الدولة تولي اهتماماً كبيراً بصحة المرأة ضمن المبادرات الرئاسية    حزب السادات يدعو لإحياء ذكرى نصر أكتوبر أمام ضريح بطل الحرب والسلام بالمنصة    ضبط عدد من قضايا الاتجار غير المشروع بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    "بداية أسطورية ل Kuruluş Osman 7" موعد عرض الحلقة 195 من مسلسل المؤسس عثمان على قناة الفجر الجزائرية    استقبل تردد قناة صدى البلد دراما 2025 الجديد على نايل سات    مواقيت الصلاه اليوم السبت 4 أكتوبر 2025 في المنيا    وكيل صحة سوهاج يتابع أعمال لجنة الكشف الطبي للمرشحين المحتملين لمجلس النواب    المتحف المصري بالتحرير يبرز دور الكهنة في العصر الفرعوني    اليوم.. مستقبل وطن يستقبل الأحزاب المشاركة بالقائمة الوطنية استعدادا للانتخابات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. مأمون وجيه يكتب : «المعجم التاريخى».. قصة الميلاد والتطور
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 12 - 12 - 2021

فى النصف الأول من القرن العشرين لاحت بشارةُ الأمل لعمل معجم تاريخى للغة العربية بصدور مرسوم ملكى من ملكِ مصر الملكِ فؤادٍ الأول فى 14 شعبان 1351ه 13 ديسمبر 1932م يقضى بإنشاء مَجْمَعِ اللغة العربية بالقاهرة، وينص فى مادته الثانية على أن من مهام هذا المَجْمَعِ «أن يقوم بوضع معجم تاريخى للغة العربية، وأن ينشر أبحاثًا فى تاريخ بعض الكلمات، وتغير مدلولاتها»
تأخر ظهور المعجم ورحلة إنجازه التاريخية
على الرغم من تاريخ العرب المشرق فى الصنعة المعجمية، فقد تأخروا كثيرا فى إنجاز المعجم التاريخيّ للغة العربية، وسبقتنا الأممُ الأخرى فى صناعة معاجمها التاريخية، فأخرج الفرنسيون معجمَهم فى النصف الثانى من القرن السابعَ عشرَ، سنة 1694
وأخرج الإنجليز معجمهم التاريخيَّ فى النصف الأول من القرن العشرينَ سنة 1928، ونمنا وأدلج الناس، ونحن فرسان الميدان فى العمل المعجمي، وشاء الله أن تظهر باكورة طبعته الأولى فى سبعة عشر جزءا عام 2021، بعد عدة محاولات نوجزها فيما يأتي:
التطلعات والآمال
فى النصف الأول من القرن العشرين لاحت بشارةُ الأمل لعمل معجم تاريخى للغة العربية بصدور مرسوم ملكى من ملكِ مصر الملكِ فؤادٍ الأول فى 14 شعبان 1351ه 13 ديسمبر 1932م يقضى بإنشاء مَجْمَعِ اللغة العربية بالقاهرة
وينص فى مادته الثانية على أن من مهام هذا المَجْمَعِ «أن يقوم بوضع معجم تاريخى للغة العربية، وأن ينشر أبحاثًا فى تاريخ بعض الكلمات، وتغير مدلولاتها».
وقد تحولت الدعوة لإنشاء المعجم التاريخى إلى واقع عملى فى مرحلة باكرة من القرن العشرين، إذ شرع مجمع القاهرة سنة 1936م فى إعداد هذا المعجم؛ وقام بتشكيل لجنة علمية بإشراف المستعرب الألمانيّ فيشر، عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة آنذاك، وبعد انطلاق التحرير، وإعداد إضبارة من بطاقات حرف الهمزة، حالت الظروف دون مواصلة العمل وإتمامه؛ وقام مجمع اللغة العربية بالقاهرة بجمع بطاقات فيشر ونشرها؛ تكريما له عام 1967م بعنوان: «المعجم اللغوى التاريخى للأستاذ فيشر، القسم الأول من أول حرف الهمزة إلى أبد».
التنظير والتصورات
تبنى اتحاد المجامع إحياء المشروع مرة أخرى عام 1990، وتقرر إنشاء هيئة مستقلة بتونس لإنجاز المعجم التاريخي، وعندئذ انطلقت النشاطات وعُقدت مجموعة من الندوات والحوارات والمناقشات النظرية حول المعجم، وطال النقاش وظهرت المعوقات وتعقدت الأمور فذبلت المحاولة وذهبت أدراج الرياح دون إنجاز، ودخل المشروع مرة أخرى فى سبات عميق.
محاولة الإثمار والحصاد
على الرغم من توقف العمل فى مشروع المعجم التاريخى للغة العربية إِبَّانَ الحرب العالمية الثانية، ولأسباب عديدة فى المحاولة الثانية أهمها عدم توفر الدعم المالي، والتخطيط اللغوى السديد، فقد ظل مسُّه ورسيسه ينكآن فى وجدان سَدَنَة العربية ومحبيها حتى سنحت بفضل الله وتوفيقه لاتحاد المجامع اللغوية العربية فرصةٌ أخرى فى العَقْد الثانى من القرن الحادى والعشرين فنهضت محاولتُه الأخيرة تحت مظلة اتحاد المجامع العربية بالقاهرة، وهو هيئة علمية تابعة لجامعة الدول العربية تنضوى تحتها مجامع اللغة العربية فى الوطن العربي. وقد بدأت بشائر هذه المحاولة ببناء مقر لاتحاد المجامع العربية بمدينة السادس من أكتوبر شرقيَّ القاهرةِ على قطعة أرض مساحتها 6000 متر خصصتها الحكومة المصرية للاتحاد عام 2008، وتكفل الشيخ سلطان القاسمى ببناء مقر الاتحاد، وافتتاحه عام 2015، وتكفل أيضا برعايته تمهيدًا لانطلاق أعمال المعجم التاريخى حُلْم العرب وأملهم المرتقَب، وقد مرت هذه المحاولة الناجحة بعدة مراحل هي..الإعداد والتخطيط
فى غرة عام 2017 بدأت رحلة النجاح بمرحلة التخطيط والإعداد التى استغرقت أكثر َمن عامين، جرى فيها التخطيطُ للمعجم تخطيطا علميا سديدًا وفق الأصول المرجعية لبناء المعاجم اللغوية التاريخية؛ ووفق تخطيط لغوى سديد بدأ بدراسة نقاط القوة وأهمها: ثراء الموروث العربى المدوَّن نصيًّا فى مختلف الفنون والعلوم والمعارف الإنسانية المتنوعة.
ووجود عدد من المجامع والمؤسسات اللغوية فى العالم العربى تهتم بأمر اللغة العربية وتحرص على صناعة معاجمها، وتعريب علومها، ورصد ما استُحدِث من ألفاظها وأساليبها ومصطلحاتها فضلا عما يزخر به العالم العربى من طاقات بشرية علمية مبدعة من الباحثين والمحررين والعلماء المتقنين، وتوافر الرؤى التنظيرية والتجارب الفردية والمؤسسية التى تمهِّد لصناعة معجم تاريخى للغة العربية، ووجود نماذج للمعاجم التاريخية لعدد من اللغات يمكن الاسترشاد بها فى التخطيط لصناعة المعجم التاريخى للغة العربية.
رؤساء المجامع العربية فى صورة تذكارية مع حاكم الشارقة احتفالاً بالإنجاز
وقد تتبعنا أيضا نقاط الضعف والتحديات- للبحث عن حلول لها - وأهمها: الافتقار إلى مدونة تاريخية محوسبة ممثلة للغة العربية فى العصور المختلفة تكون أساسًا لصناعة المعجم التاريخى للغة العربية، وعدم التعود على العمل الجماعى الأمر الذى يؤدى إلى تشتت الجهود المبذولة وعدم توحيدها لإنجاز مشروع قومى موحَّد لصناعة المعجم التاريخي، والحاجة إلى منهج علمى دقيق يراعى الطبيعة الاشتقاقية للغة العربية ويجمع بين النظر والتطبيق، فضلا عن حاجة الكفاءات اللغوية إلى التدريب على صناعة المعاجم التاريخية القائمة على المدونات اللغوية الحاسوبية.
وبناءً على معطيات هذا التخطيطِ اللغويِ اتُخذ القرار ببدء العمل، ووَضْعِ الخطة التنفيذية التى نهضت على عدد من الأسسِ والدعائم أهمها:
إسنادُ إنجازِ المعجم إلى هيئة علمية متخصصة وهى اتحاد المجامع العربية التى تنضوى تحتها المجامع والمجالس والمراكز اللغوية فى العالم العربى فكان العمل أكاديميا جماعيا مؤسسيا. تحديدُ الهيكلَ التنظيمى للمعجم إداريا وعلميا وتنفيذيا ضبطا للحوكمة وانتظامِ العملِ وعدمِ تداخل المهام. تحديدُ تخومِ المعجم وخريطتِه الزمنية. إعدادُ المنهجِ العلمى لبناء المعجم وتحريرِه ليكون معيارا وخريطةً واضحةَ المعالم تعصم السالكين من المحررين من الخروج عن جادة الصواب، وتضمن سيرَ العمل على نهج واحد مستقيم. تحديدُ المجامعِ المشاركة فى المعجم وتشكيلُ اللجانِ العلميةِ بها وفق مواصفاتٍ ومعاييرَ علميةٍ محددة. تحديدُ مصادر ِالمعجم وجمعُها موزعةً على الجغرافيا اللغوية فى كل العصور شاملةً مصادرَ كلِّ الفنون والعلوم؛ حرصا على تمثيلها للغة تمثيلا محيطا شاملا متجاوزةً عصورَ الاستشهادِ المعجمية الموروثة إلى الاستشهاد بالنصوص العربية الصحيحة الواردة فى مدونات جميع العصور.
صناعةُ مدونةٍ رقمية خاصةٍ بالمعجم وهى عمليةٌ تقنية شاقة وشائكة، وقد تكفل بها مجمعُ الشارقةِ من الألف إلى الياء. تدريب المحررين فى كل البلدان العربية المشاركة على قواعدِ المنهج والنموذجِ التطبيقيِ وآلياتِ التحرير، وطرائقِ استخدامِ المدونة الرقمية والاستفادِة منها. المتابعة العلمية المستمرة للمحررين والإجابُة عن تساؤلاتِهم وعملُ نشراتٍ دورية بالتحديثات والتوجيهات ومتابعة أعمال التحرير بمراجعات توجيهية وتصحيحية ضبطا لمسار العمل على نهج قويم.
العمل التجريبي
لما اكتمل الاستعداد وانطلق قطار العمل فى غرة يناير عام 2020، ونهض المحررون والباحثون فى هذه المرحلة برصد المادةِ العلمية وجمعِها من مصادرها اللغوية الحية، وقد مرت عملية الجمع والتحرير بمراحلَ متتابعةٍ من التدقيق المعجمى فى معالجة المادة اللغوية رغبةً فى الضبط والتصحيح والإتقان؛ إذ يمر عمل المحرر بعد انتهائه على خبير للمراجعة والضبط والتقويم، ثم يمر عملُ الخبير على مقرر اللجنة للمراجعة الثانية واستدراك ما فات سابقيه، ثم يمر العمل بعد ذلك على المقرر العام بكل قطر للتأكد من سلامة العمل وانضباطه. ورغم ذلك كله فقد خضعت الموادُّ اللغويةُ فى أثناء إنجازها أيضا لضروب منوعةٍ من المتابعة والمراجعة والتدقيق، فبدأنا بعد ثلاثة أشهر من العمل بمراجعة نماذج من أعمال المحررين مراجعة استكشافية توجيهية؛ للوقوف على مشكلات التحرير التى تواجههم، وحل هذه المشكلات وتزويدهم دوما بالتوجيهات والنشرات الإرشادية التى تجيب عن تساؤلاتهم واستفساراتهم، وشفعنا ذلك بمراجعات ثانية للفرز والتنقية والتصحيح واستبعاد المتعثرين؛ حرصا على الضبط والإتقان واستقامة أعمال التحرير على نهج صحيح.
وقد تمكنا فى نهاية الدورة المعجمية الأولى من إصدار نسخة تجريبية لثمانية الأجزاء الأولى من المعجم التاريخى للغة العربية والاحتفاء بإصدارها فى الخامس من نوفمبرعام 2020 بمدينة خور فكان بالشارقة.
الإنجاز وقطف الثمار
فى ختام الدورة المعجمية الأولى قمنا بمراجعة المنهج وتحديثه بناء على ما أظهرته التجربة العملية، وما عَنَّ من تساؤلات واستفسارات؛ وما ترتب على ذلك من اقتراحات وتقيدات وإضافات للسادة العلماء أعضاء المجلس العلمى للمعجم التاريخي. وقد أردفنا المنهج بشرح تفسيرى رغبة فى البيان وتذليل طرق التحرير المعجمي
وجمعنا ذلك كله فى كتاب عنوانه: «المعجم التاريخى للغة العربية: المنهجية وأصول التحرير» وقمنا بطباعته؛ ليبقى دليلا يُهتدى به على طريقة العمل فى هذا المعجم؛ حرصًا على انضباط العمل منهجيًّا، وسيره على نسق واحد، ونهج قويم.
وقمنا وفق ما يقتضيه المنهج العلمى السديد بعرض هذه الأجزاء التجريبية على أهل العلم والاختصاص فى جميع المجامع العربية فضلا عن العلماء أعضاء المجلس العلمى للنظر فيها نظرة نقدية توجيهية فاحصة رغبة فى الوقوف على ما يستوجب الاستدراك أو التصحيح أو الإضافة وعقدنا عددا من اللقاءات العلمية لمناقشة ما ورد فى تقارير العلماء وملاحظاتهم وتقاريرهم ومناقشة ما أفرزته التجربة الأولى وقمنا بناء على ذلك بعمل مراجعة شاملة للمنهج وأصول التحرير فى ضوء ملاحظات العلماء واقتراحاتهم وتوجيهاتهم.
وانطلقت الدورة المعجمية الثانية فى غرة يناير 2021 وجرى العمل فيها وفق ما استقر عليه المنهج بعد المراجعات والتحديثات النهائية، وفضلا عن أعمال التحرير الجديدة فقد قمنا فى هذه الدورة أيضا بعرض الأجزاء التجريبية على لجان المراجعة النهائية لمراجعتها وتصحيحها وضبطها وتنسيقها وفق ما استقر عليه المنهج بصورة نهائية.
وقد تمكنا فى نهاية الدورة الثانية من إنجاز بواكير الطبعة الأولى للمعجم التاريخى فى سبعة عشر جزءا خضعت علميا وفنيا لضروب متعاقبة من إعادة النظر والمراجعة والتمحيص والتدقيق وتوحيدِ التنسيقِ على سنن واحد.
وهكذا خرج المعجم التاريخى محققا مدققا وافيا كافيا شافيا وفضلا عن كونه أولَ معجم ٍتاريخى للغة العربية ففيه من المزايا والفوائدِ اللغوية ما لا يعد ولا يحصى ومن معالم ِفوائدِه:
رصدُ تاريخِ الكلمات العربية بتتبع تاريخِ ميلادِ الألفاظ فى أقدم النصوص التى وردت بالنقوش العربية القديمة الجنوبية المكتوبة بالخط المسند، والنقوش الشمالية الثمودية والصفوية،وتَتَبُّعُ استعمالاتها، وتطور ِدلالاتِها وتاريخِ ظهورِ الدلالات الجديدة وما طرأ عليها فى جميع العصور.
فقد تتطور دلالة الكلمة بمرور الزمن تخصيصًا أو تعميمًا وعلى سبيل المثال فكلمة مأتم استعملت قديما للدلالة على الحزن والفرح فكانت دلالتها عامة تشمل الأمرين، وبمرور الزمن خُصِّصَ استعمالها بالحزن، ولم تعد تستعمل للدلالة على الفرح، ومن قبيل ما تعددت دلالاته بمرور الزمن كلمة القهوة ومعناها فى استعمالها الأقدم الخمر؛ سميت بذلك لأنها تُقْهى شاربها عن الطعام أى تشعره بالشبع وتذهب بشهوته، وأينما وردت القهوة فى نصوص عصر ما قبل الإسلام فمعناها الخمر كقول الأعشى ميمون:
نازَعتُهُم قُضُبَ الرَّيحانِ مُتَّكِئًا وَقَهوَةً مُزَّةً راوُوقُها خَضِلُ
وتطورت الدلالة بمرور الزمن وصارت القهوة تطلق على اللبن الحامض لمزازته وحدته، وعلى الرائحة النفاذة؛ ثم اتسعت بمرور الأيام وأطلقت على شراب مغلى البُنِّ، وأصبحت فى العصر الحديث تطلق أيضا على المكان العام الذى تقدم فيه القهوة وغيرها من المشروبات نظير ثمن يُدْفَع، وهكذا تنمو اللغة وتتطور وتكتسب المفردات دلالات جديدة، وقد اهتم المعجم برصد هذه الدلالات وتتبعها عبر العصور.
رصد ما دخل العربية من الألفاظ الدخيلة والمُعَرَّبة والمحْدَثة، وتاريخِ دخولِها فى كل عصر.
تنمية اللغة وتوسيعها بالخروج على عصور الاحتجاج الموروثة والاستشهاد بكل نص عربى صحيح فى أى عصر من العصور ومن ثم تنوعت شواهد المعجم تنوعا واسعا فريدا فهو يستشهد بكلام القدماء والمولدين والمحدثين وتلقاك فى رحابه شواهد امرئ القيس والنابغة والأعشى وعبدة بن الطبيب والجاحظ وابن العميد وابن زيدون وشوقى وحافظ ونجيب محفوظ مثلما تلقاك فيه شواهد القرآن الكريم والحديث النبوى الشريف، وأقوال العلماء كمالك والشافعى وابن سينا والغزالى وابن رشد وغيرهم من العلماء والشعراء والكتاب والأدباء والمبدعين والفقهاء والفلاسفة والمؤرخين والجغرافيين ورجالات العلوم والفنون الخ عبر جميع العصور خلافا للمعاجم التقليدية الموروثة.
تحرير العلاقة بين العربية والساميات من أكدية وأوجاريتية، وآرامية، وعبرية، وسريانية، وحبشية جعزية وغير ذلك منتهيا إلى أن اللغاتِ الساميةَ لهجاتٌ تحدرت من اللغة العربية الأم واستقلت فى مواطنها محتفظةً بكثير من خصائص اللغة الأم فى البنية والدلالة والتركيب.
فتح آفاق جديدة فى الدراسات اللغوية إذ يشكل محتواه منهلا ثريا عذبا للأبحاث والدراسات اللغوية والمعجمية المتنوعة.
عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة
المدير العلمى للمعجم التاريخى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.