باكستان تعلن استهداف الهند ل3 قواعد جوية بصواريخ    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه اليوم بعد انخفاضه في البنوك    المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يعلن اليوم معدل التضخم لشهر أبريل    د. حسين خالد يكتب: جودة التعليم العالى (2)    ذهب وشقة فاخرة وسيارة مصفحة، كيف تتحول حياة البابا ليو بعد تنصيبه؟    جوجل توافق على دفع أكبر غرامة في تاريخ أمريكا بسبب جمع بيانات المستخدمين دون إذن    الرئيس السيسي يعود إلى أرض الوطن بعد مشاركته في احتفالات عيد النصر في موسكو    بعد 8 ساعات.. السيطرة على حريق شونة الكتان بشبرا ملس    نشرة التوك شو| البترول تعلق على أزمة البنزين المغشوش.. وتفاصيل جديدة في أزمة بوسي شلبي    طحالب خضراء تسد الفجوة بنسبة 15%| «الكلوريلا».. مستقبل إنتاج الأعلاف    الشعب الجمهوري بالمنيا ينظم احتفالية كبرى لتكريم الأمهات المثاليات.. صور    شعبة الأجهزة الكهربائية: المعلومات أحد التحديات التي تواجه صغار المصنعين    مدير مدرسة السلام في واقعة الاعتداء: «الخناقة حصلت بين الناس اللي شغالين عندي وأولياء الأمور»    برلمانية: 100 ألف ريال غرامة الذهاب للحج بدون تأشيرة    جيش الاحتلال يصيب فلسطينيين بالرصاص الحي بالضفة الغربية    طريقة عمل الخبيزة، أكلة شعبية لذيذة وسهلة التحضير    عقب الفوز على بيراميدز.. رئيس البنك الأهلي: نريد تأمين المركز الرابع    سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن بعد آخر تراجع بمستهل تعاملات السبت 10 مايو 2025    الشقة ب5 جنيهات في الشهر| جراحة دقيقة بالبرلمان لتعديل قانون الإيجار القديم    استشهاد قائد كتيبة جنين في نابلس واقتحامات تطال رام الله    العثور على جثة متفحمة داخل أرض زراعية بمنشأة القناطر    زعيم كوريا الشمالية: مشاركتنا في الحرب الروسية الأوكرانية مبررة    هل تجوز صلاة الرجل ب"الفانلة" بسبب ارتفاع الحرارة؟.. الإفتاء توضح    الهند تستهدف 3 قواعد جوية باكستانية بصواريخ دقيقة    الترسانة يواجه «وي» في افتتاح مباريات الجولة ال 35 بدوري المحترفين    ملك أحمد زاهر تشارك الجمهور صورًا مع عائلتها.. وتوجه رسالة لشقيقتها ليلى    «زي النهارده».. وفاة الأديب والمفكر مصطفى صادق الرافعي 10 مايو 1937    تكريم منى زكي كأفضل ممثلة بمهرجان المركز الكاثوليكي للسينما    «ليه منكبرش النحاس».. تعليق مثير من سيد عبدالحفيظ على أنباء اتفاق الأهلي مع جوميز    «غرفة السياحة» تجمع بيانات المعتمرين المتخلفين عن العودة    «زي النهارده».. وفاة الفنانة هالة فؤاد 10 مايو 1993    «صحة القاهرة» تكثف الاستعدادات لاعتماد وحداتها الطبية من «GAHAR»    حريق ضخم يلتهم مخزن عبوات بلاستيكية بالمنوفية    عباسى يقود "فتاة الآرل" على أنغام السيمفونى بالأوبرا    ستاندرد آند بورز تُبقي على التصنيف الائتماني لإسرائيل مع نظرة مستقبلية سلبية    حدث في منتصف الليل| ننشر تفاصيل لقاء الرئيس السيسي ونظيره الروسي.. والعمل تعلن عن وظائف جديدة    تعرف على منافس منتخب مصر في ربع نهائي كأس أمم أفريقيا للشباب    رايو فاليكانو يحقق فوزا ثمينا أمام لاس بالماس بالدوري الإسباني    الأعراض المبكرة للاكتئاب وكيف يمكن أن يتطور إلى حاد؟    البترول: تلقينا 681 شكوى ليست جميعها مرتبطة بالبنزين.. وسنعلن النتائج بشفافية    متابعة للأداء وتوجيهات تطويرية جديدة.. النائب العام يلتقي أعضاء وموظفي نيابة استئناف المنصورة    عمرو أديب بعد هزيمة بيراميدز: البنك الأهلي أحسن بنك في مصر.. والزمالك ظالم وليس مظلومًا    «بُص في ورقتك».. سيد عبدالحفيظ يعلق على هزيمة بيراميدز بالدوري    يسرا عن أزمة بوسي شلبي: «لحد آخر يوم في عمره كانت زوجته على سُنة الله ورسوله»    انطلاق مهرجان المسرح العالمي «دورة الأساتذة» بمعهد الفنون المسرحية| فيديو    أسخن 48 ساعة في مايو.. بيان مهم بشأن حالة الطقس: هجمة صيفية مبكرة    أمين الفتوى: طواف الوداع سنة.. والحج صحيح دون فدية لمن تركه لعذر (فيديو)    بسبب عقب سيجارة.. نفوق 110 رأس أغنام في حريق حظيرة ومزرعة بالمنيا    النائب العام يلتقي أعضاء النيابة العامة وموظفيها بدائرة نيابة استئناف المنصورة    هيثم فاروق يكشف عيب خطير في نجم الزمالك.. ويؤكد: «الأهداف الأخيرة بسببه»    جامعة القاهرة تكرّم رئيس المحكمة الدستورية العليا تقديرًا لمسيرته القضائية    «لماذا الجبن مع البطيخ؟».. «العلم» يكشف سر هذا الثنائي المدهش لعشاقه    ما حكم من ترك طواف الوداع في الحج؟.. أمين الفتوى يوضح (فيديو)    خطيب الجامع الأزهر: الحديث بغير علم في أمور الدين تجرُؤ واستخفاف يقود للفتنة    ضبط تشكيل عصابي انتحلوا صفة لسرقة المواطنين بعين شمس    البابا لاون الرابع عشر في قداس احتفالي: "رنموا للرب ترنيمة جديدة لأنه صنع العجائب"    هل يجوز الحج عن الوالدين؟ الإفتاء تُجيب    رئيس الوزراء يؤكد حِرصه على المتابعة المستمرة لأداء منظومة الشكاوى الحكومية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.سعيد المصرى: الفوز بجائزة الشيخ زايد لحظة فارقة فى حياتى
يرى أن حياته بعد الجائزة ستختلف عما كانت قبلها
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 11 - 05 - 2021


حوار:‬ ‬عائشة ‬المراغى
‮«‬يمتاز ‬الكتاب ‬بالمنهجية ‬والدقة ‬العلمية ‬والتناول ‬المستقصى ‬للظاهرة ‬المدروسة‮»‬. ‬هكذا ‬وصفت ‬جائزة ‬الشيخ ‬زايد ‬كتاب ‬‮«‬تراث ‬الاستعلاء ‬بين ‬الفولكلور ‬والمجال ‬الدينى‮»‬ ‬للدكتور ‬سعيد ‬المصرى؛ ‬الذى ‬حصدها ‬فى ‬فرع ‬التنمية ‬وبناء ‬الدولة، ‬ويتوقف ‬فيه ‬عند ‬مسألة ‬الاستعلاء، ‬كاشفًا ‬عن ‬جذورها ‬فى ‬الموروث ‬الشعبى ‬وفى ‬حركات ‬الإسلام ‬السياسى ‬التى ‬غذّت ‬مبدأ ‬التعالى ‬مما ‬أدى ‬إلى ‬تفاقم ‬روح ‬التعصب ‬وشيوع ‬ثقافة ‬الكراهية ‬وانتشار ‬المذهبية ‬والطائفية.‬‮ ‬
د.‬سعيد ‬المصرى ‬أستاذ ‬علم ‬الاجتماع ‬بكلية ‬الآداب ‬فى ‬جامعة ‬القاهرة، ‬متخصص ‬فى ‬الأنثروبولوجيا ‬الثقافية، ‬عمل ‬أستاذًا ‬زائرًا ‬بجامعة ‬الإمارات ‬العربية ‬المتحدة ‬عام ‬2003 ‬وجامعة ‬البحرين ‬عام ‬2004. ‬كما ‬عمل ‬مستشارًا ‬لرئيس ‬مجلس ‬الوزراء ‬للدراسات ‬الاجتماعية ‬خلال ‬الفترة ‬من ‬2006 ‬إلى ‬2012، ‬وتولى ‬منصب ‬مساعد ‬وزير ‬الثقافة ‬لتطوير ‬المنظومة ‬الثقافية ‬فى ‬مصر ‬من ‬2014 ‬إلى ‬2015، ‬وعمل ‬عضوًا ‬فى ‬اللجنة ‬العليا ‬لصياغة ‬رؤية ‬مصر ‬فى ‬التنمية ‬المستدامة ‬2030، ‬وأشرف ‬على ‬صياغة ‬محور ‬الثقافة ‬فى ‬رؤية ‬مصر ‬2030.‬
فاز ‬المصرى ‬من ‬قبل ‬بجائزة ‬الأمم ‬المتحدة ‬للتميّز ‬فى ‬التنمية ‬البشرية ‬عام ‬2013، ‬والجائزة ‬العربية ‬الكبرى ‬للتراث ‬عن ‬كتاب ‬‮«‬إعادة ‬إنتاج ‬التراث ‬الشعبى؛ ‬كيف ‬يتشبث ‬الفقراء ‬بالحياة ‬فى ‬ظل ‬الندرة‮»‬ ‬عام ‬2014. ‬وصدرت ‬له ‬العديد ‬من ‬المؤلفات ‬العلمية، ‬كان ‬أحدثها ‬‮«‬الطفرة ‬الشبابية ‬والتحولات ‬الديموجرافية ‬فى ‬العالم ‬العربى‮»‬، ‬‮«‬أزمة ‬المجال ‬الدينى ‬فى ‬مصر‮»‬، ‬‮«‬ملحمة ‬المواطنة ‬بين ‬صكوك ‬الوطنية ‬وعولمة ‬الحقوق ‬الإنسانية‮»‬، ‬‮«‬مأزق ‬العدالة ‬الثقافية ‬فى ‬مصر»؛ ‬و«تراث ‬الاستعلاء ‬بين ‬الفولكلور ‬والمجال ‬الدينى‮»‬ ‬الذى ‬يدور ‬حوله ‬لقاؤنا ‬التالى ‬معه.‬
‬لنبدأ ‬من ‬فوزك ‬بجائزة ‬الشيخ ‬زايد، ‬وهى ‬الجائزة ‬الثالثة ‬لك ‬خلال ‬8 ‬سنوات، ‬ما ‬المختلف ‬هذه ‬المرة ‬فى ‬شعورك ‬تجاه ‬الفوز؟ ‬خاصة ‬وأنك ‬سبق ‬لك ‬الوصول ‬للقائمة ‬القصيرة ‬وهو ‬أمر ‬لا ‬يتكرر ‬كثيرًا ‬فى ‬جائزة ‬الشيخ ‬زايد.‬
لاشك ‬أننى ‬أشعر ‬بسعادة ‬غامرة ‬بهذه ‬الجائزة ‬تحديدا ‬لثلاثة ‬أسباب؛ ‬أولًا ‬لأنها ‬تعَّد ‬أرفع ‬الجوائز ‬العربية ‬لما ‬تتمتع ‬به ‬من ‬نزاهة ‬وجدية ‬ومصداقية ‬كبيرة ‬فى ‬كافة ‬إجراءات ‬التحكيم ‬وفقًا ‬للمعايير ‬الدولية ‬الصارمة ‬فى ‬منح ‬الجوائز ‬العلمية ‬والأدبية ‬والفكرية. ‬وإذا ‬كان ‬الفوز ‬بالجوائز ‬مصدر ‬كبير ‬للدعم ‬والتشجيع ‬للباحثين ‬والكتَّاب ‬فى ‬عالمنا ‬العربى، ‬فإن ‬النزاهة ‬فى ‬منح ‬الجوائز ‬تضيف ‬إلى ‬قيمتها ‬المادية ‬مكانة ‬رمزية ‬كبرى ‬يتطلع ‬إليها ‬كل ‬من ‬يعمل ‬فى ‬محراب ‬العلم ‬والفكر ‬والإبداع. ‬وهذا ‬ما ‬ترسخه ‬جائزة ‬زايد ‬فى ‬عملها ‬منذ ‬انطلاقها ‬عام ‬‮2006‬ ‬بكل ‬جدية ‬ودأب. ‬ولهذا ‬يعد ‬الفوز ‬بها ‬شرف ‬كبير ‬لى ‬ولكل ‬باحث ‬وكاتب ‬ومبدع.‬
ثانيًا، ‬سبق ‬لى ‬أن ‬تقدمت ‬لجائزة ‬زايد ‬للكتاب ‬عام ‬‮2013‬ ‬بكتابى ‬‮«‬إعادة ‬إنتاج ‬التراث ‬الشعبى: ‬كيف ‬يتشبث ‬الفقراء ‬بالحياة ‬فى ‬ظل ‬الندرة‮»‬ ‬الصادر ‬عن ‬المجلس ‬الأعلى ‬للثقافة ‬عام ‬‮2012‬، ‬وكان ‬لى ‬الحظ ‬أن ‬يرشح ‬الكتاب ‬ضمن ‬القائمة ‬الطويلة، ‬ثم ‬صعد ‬إلى ‬القائمة ‬القصيرة ‬فى ‬مارس ‬‮2014‬ ‬مع ‬كتابين ‬آخرين؛ ‬الأول ‬للدكتور ‬عبد ‬الله ‬الصويان ‬من ‬السعودية ‬بعنوان ‬ملحمة ‬التطور ‬البشرى، ‬والثانى ‬للدكتور ‬محمد ‬شوقى ‬الزين ‬من ‬الجزائر ‬عن ‬فلسفة ‬الثقافة ‬فى ‬الغرب ‬وعند ‬العرب، ‬وذهبت ‬الجائزة ‬إلى ‬الدكتور ‬عبد ‬الله ‬الصويان ‬وهو ‬باحث ‬أنثروبولوجى ‬متميز. ‬وبكل ‬صراحة ‬كنت ‬أتمنى ‬الفوز ‬بالجائزة ‬فى ‬ذلك ‬الوقت، ‬وهذه ‬مشاعر ‬إنسانية ‬طبيعية ‬فى ‬ظل ‬منافسة ‬شريفة ‬وعادلة، ‬ولكن ‬لم ‬يساورنى ‬أدنى ‬شك ‬فى ‬أن ‬العمل ‬الفائز ‬حينها ‬يستحق ‬نيل ‬الجائزة ‬عن ‬جدارة ‬واستحقاق. ‬ويشاركنى ‬فى ‬هذا ‬الرأى ‬كثير ‬من ‬الأساتذة ‬والزملاء ‬فى ‬العلوم ‬الاجتماعية ‬والإنسانية ‬فى ‬عالمنا ‬العربى، ‬وهذا ‬يؤكد ‬مصداقية ‬الجائزة ‬فى ‬نظر ‬كل ‬الباحثين ‬والمفكرين ‬والمبدعين ‬على ‬المستوى ‬الدولى. ‬ومن ‬ثم ‬فإن ‬الصعود ‬إلى ‬القائمة ‬القصيرة ‬مرتين ‬فى ‬جائزة ‬كبيرة ‬ومرموقة ‬بهذا ‬الحجم ‬ثم ‬الفوز ‬بها ‬يشكل ‬بالنسبة ‬لى ‬حدث ‬استثنائى ‬اعتز ‬به ‬وافتخر.‬
ثالثًا: ‬يأتى ‬الفوز ‬بهذه ‬الجائزة ‬فى ‬وقت ‬صعب ‬تمر ‬فيه ‬الإنسانية ‬بجائحة ‬كورونا ‬التى ‬تكبل ‬حياتنا ‬بالخوف ‬من ‬العدوى ‬ومخاطر ‬المرض ‬وشبح ‬الموت ‬الذى ‬بات ‬يداهمنا ‬فى ‬كل ‬مكان ‬ويخطف ‬أرواحًا ‬حولنا، ‬وخلال ‬الجائحة، ‬فقدتُ ‬والدتى ‬رحمها ‬الله، ‬وفقدنا ‬أيضًا ‬زملاء ‬وأصدقاء ‬نحبهم ‬نسأل ‬الله ‬أن ‬يتغمدهم ‬برحمته. ‬أقول ‬ذلك ‬لكى ‬أوضح ‬بأن ‬الجائزة ‬بكل ‬مشاعر ‬السعادة ‬والفرح ‬المصاحبة ‬لها ‬تمثل ‬طاقة ‬إيجابية ‬وشعور ‬بالأمل ‬ورسالة ‬واضحة ‬لنا ‬جميعًا ‬بأن ‬قوة ‬الحياة ‬لا ‬بد ‬أن ‬تنتصر، ‬وكما ‬قال ‬الشاعر ‬التونسى ‬العظيم ‬أبى ‬القاسم ‬الشابى: ‬َ ‬لا ‬بُدَّ ‬لِلَّيْلِ ‬أنْ ‬يَنْجَلِى.. ‬وَلا ‬بُدَّ ‬للقَيْدِ ‬أَنْ ‬يَنْكَسِر، ‬ومَنْ ‬لَمْ ‬يُعَانِقْهُ ‬شَوْقُ ‬الْحَيَاةِ.. ‬تَبَخَّرَ ‬فى ‬جَوِّهَا ‬وَانْدَثَر، ‬وإِذَا ‬طَمَحَتْ ‬لِلْحَيَاةِ ‬النُّفُوسُ.. ‬فَلا ‬بُدَّ ‬أَنْ ‬يَسْتَجِيبَ ‬الْقَدَرْ.‬‮ ‬
وقد ‬أحسنت ‬إدارة ‬جائزة ‬زايد ‬فى ‬تكريس ‬هذه ‬المعانى ‬بكل ‬وضوح ‬بما ‬يعزز ‬فى ‬نفوسنا ‬الأمل ‬فى ‬المضى ‬قدمًا ‬نحو ‬البحث ‬والكتابة ‬والإبداع ‬بعزيمة ‬وإصرار ‬مهما ‬كانت ‬التحديات، ‬وهذا ‬تأكيد ‬لتعميق ‬قيمة ‬الحياة ‬والأمل ‬فى ‬المستقبل. ‬ولهذا ‬ينتابنى ‬شعور، ‬بعد ‬أن ‬هدأت ‬عواطف ‬الفرح ‬والسعادة ‬الغامرة؛ ‬أن ‬هذه ‬لحظة ‬فارقة ‬فى ‬حياتى ‬تجعلنى ‬أدرك ‬بأن ‬الحياة ‬بعد ‬الجائزة ‬تختلف ‬عما ‬كانت ‬قبلها، ‬وأن ‬مكانة ‬الجائزة ‬تحمِّلنى ‬مسئولية ‬أكبر ‬نحو ‬مزيد ‬من ‬العمل ‬بجدية ‬واجتهاد ‬وتميز، ‬وأتمنى ‬من ‬الله ‬ألا ‬تخذلنى ‬الصحة ‬عن ‬الوفاء ‬بتلك ‬المسئولية ‬الكبيرة.‬‮ ‬
‬استغرقت ‬سنوات ‬طويلة ‬فى ‬العمل ‬على ‬الكتاب ‬تزيد ‬على ‬15 ‬عامًا. ‬هل ‬كنت ‬تخطط ‬له ‬من ‬البداية ‬أن ‬يخرج ‬كدراسة ‬مكتملة ‬هكذا ‬أم ‬أن ‬فكرته ‬تبلورت ‬بعد ‬إجراء ‬عدد ‬من ‬الدراسات ‬المتتالية ‬والمتداخلة ‬كما ‬يتبين ‬داخله؟
فى ‬البداية ‬لم ‬يكن ‬موضوع ‬الاستعلاء ‬يشغلنى، ‬بالصورة ‬التى ‬وضحتها ‬فى ‬الكتاب، ‬وإنما ‬كان ‬اهتمامى ‬منصبًا ‬حول ‬جدوى ‬الاستمرار ‬فى ‬جمع ‬عناصر ‬التراث ‬الشعبى. ‬ولكى ‬أوضح ‬ذلك ‬بالتفصيل ‬ينبغى ‬أن ‬أتحدث ‬عن ‬تجربتى ‬السابقة ‬فى ‬كتاب ‬‮«‬إعادة ‬إنتاج ‬التراث ‬الشعبى‮»‬، ‬وكان ‬السؤال ‬الذى ‬يشغلنى ‬فى ‬هذا ‬الكتاب ‬كيف ‬يعيش ‬التراث ‬بنفس ‬ملامحه ‬الأساسية ‬عبر ‬الزمن ‬وخلال ‬انتقاله ‬عبر ‬الأجيال ‬وعبر ‬التواصل ‬الاجتماعى ‬الرأسى ‬والأفقى؟ ‬وانتهيتُ ‬إلى ‬إجابة ‬فى ‬شكل ‬أطروحة ‬نظرية ‬مستندة ‬إلى ‬بيانات ‬ميدانية ‬مكثفة ‬تشير ‬إلى ‬وجود ‬أربع ‬عمليات ‬يستمر ‬بموجبها ‬التراث ‬الشعبى ‬على ‬نحو ‬متجدد ‬فيما ‬أطلقت ‬عليه ‬عمليات ‬إعادة ‬إنتاج ‬التراث ‬وهى: ‬التواتر ‬والتكرار، ‬والاستعادة ‬عبر ‬الزمن، ‬وتبادل ‬الاستعارة ‬بفعل ‬التواصل ‬الاجتماعى ‬والثقافى، ‬والإبداع. ‬بعد ‬ذلك ‬شعرتُ ‬بأننى ‬لم ‬أعد ‬قادرًا ‬على ‬احتمال ‬التخصص ‬التقليدى ‬فى ‬دراسة ‬التراث ‬الشعبى ‬بأن ‬أتناول ‬موضوعات ‬من ‬قبيل ‬عادات ‬الطعام ‬فى ‬حى ‬حضرى ‬مثلًا، ‬وعادات ‬الزواج ‬فى ‬قرية ‬مصرية، ‬ومعتقدات ‬الحسد ‬لدى ‬عينة ‬من ‬النساء، ‬الأمثال ‬الشعبية ‬فى ‬قبيلة ‬ما، ‬وحكايات ‬الأطفال ‬فى ‬قرية ‬مصرية....‬إلخ. ‬مثل ‬هذه ‬الموضوعات ‬مهمة ‬ولا ‬أقلل ‬من ‬شأن ‬دراستها ‬ولكن ‬كنتُ ‬بحاجة ‬إلى ‬تأمل ‬جدوى ‬جمع ‬التراث ‬الشعبى ‬دون ‬أى ‬هدف ‬واضح، ‬وللأسف ‬لم ‬يكن ‬لدينا ‬سياسة ‬ثقافية ‬محددة ‬تتعلق ‬بحماية ‬التراث ‬الشعبى ‬يمكن ‬أن ‬نعمل ‬فى ‬ضوئها. ‬وكنتُ ‬أتساءل ‬ما ‬جدوى ‬أن ‬أكون ‬متخصصًا ‬فى ‬دراسة ‬التراث ‬الشعبى ‬وأنا ‬لا ‬استطيع ‬التفرقة ‬بين ‬ما ‬هو ‬إيجابى ‬وما ‬هو ‬سلبى ‬فى ‬التراث ‬الثقافى، ‬وكانت ‬تشغلنى ‬أيضًا ‬إشكالية ‬علاقة ‬التراث ‬الشعبى ‬بالتراث ‬الدينى ‬التى ‬ظلت ‬محجوبة ‬عن ‬الأنظار ‬لسنوات ‬طوال.‬‮ ‬
وفى ‬عام ‬‮2003‬ ‬بدأتُ ‬فى ‬دراسة ‬لإيدولويجيا ‬الحركات ‬الإسلامية ‬ولاحظتُ ‬أن ‬الإسلاميين ‬لديهم ‬مشروعًا ‬فى ‬التغير ‬الاجتماعى ‬والثقافى ‬ينهض ‬على ‬أطروحة ‬المجتمع ‬الإسلامى ‬المتخيل، ‬ومن ‬خلالها ‬يسعون ‬إلى ‬أسلمة ‬المجتمع ‬بتغيير ‬عاداته ‬وتقاليده ‬ومفرداته ‬اللغوية ‬وثقافته ‬المادية ‬ومعتقداته ‬الشعبية ‬فى ‬اتجاه ‬إسلامى. ‬ثم ‬اتجهتُ ‬إلى ‬دراسة ‬أخرى ‬عام ‬‮2006‬ ‬حول ‬عمليات ‬تطبيق ‬مشروع ‬الأسلمة ‬فى ‬المناطق ‬البدوية، ‬وخلال ‬أحداث ‬‮25‬ ‬يناير ‬وصعود ‬الإخوان ‬إلى ‬السلطة ‬كنتُ ‬شاهدًا ‬على ‬الصراعات ‬الاجتماعية ‬والسياسية ‬التى ‬ارتبطت ‬بسعى ‬حركات ‬الإسلام ‬السياسى ‬للسيطرة ‬الاجتماعية ‬والسياسية ‬على ‬المجتمع ‬المصرى ‬وفى ‬دول ‬عربية ‬أخرى ‬أيضًا. ‬وهنا ‬تبلورت ‬لدى ‬فكرة ‬الاستعلاء ‬الدينى ‬وكيف ‬أنها ‬تحرك ‬كل ‬تلك ‬الصراعات ‬وتمنح ‬الإسلاميين ‬الزهو ‬الكبير ‬بقدرتهم ‬وبأسهم ‬الشديد ‬فى ‬الهيمنة ‬والوصاية ‬على ‬الناس. ‬خلال ‬الحقبة ‬التالية ‬حاولتُ ‬التعمق ‬فى ‬مفهوم ‬الاستعلاء ‬الدينى، ‬ولاحظتُ ‬تقاطعات ‬بين ‬الاستعلاء ‬الدينى ‬والطبقى ‬والبدائى ‬والذى ‬يتجلى ‬فى ‬بعض ‬مظاهر ‬الاستعلاء ‬الأخرى ‬القائمة ‬فى ‬التراث ‬الشعبى، ‬ولهذا ‬أكملتُ ‬كتاباتى ‬حول ‬صور ‬التمييز ‬فى ‬التراث ‬الشعبى ‬المصرى، ‬وبعد ‬أن ‬أنهيتُ ‬أكثر ‬من ‬‮90‬٪ ‬من ‬الكتاب ‬توقفتُ ‬أمام ‬سؤال ‬محورى: ‬كيف ‬نواجه ‬الاستعلاء ‬فى ‬التراث ‬الشعبى ‬وكانت ‬الإجابة ‬فى ‬الفصل ‬الثالث ‬من ‬خلال ‬إدماج ‬التراث ‬فى ‬التعليم ‬على ‬أسس ‬مرتبطة ‬بنقد ‬التراث ‬والبحث ‬داخله ‬عما ‬هو ‬إيجابى، ‬وفيما ‬يتعلق ‬بالاستعلاء ‬الدينى ‬كانت ‬الإجابة ‬فى ‬الفصلين ‬الخامس ‬والسادس ‬للتأكيد ‬على ‬قصور ‬المؤسسات ‬الدينية ‬الرسمية ‬عن ‬القيام ‬بهذه ‬المهمة ‬من ‬ناحية، ‬والدعوة ‬إلى ‬عودة ‬الدين ‬إلى ‬المجتمع ‬وهو ‬ما ‬يعنى ‬التجديد، ‬ولكن ‬ليس ‬تجديد ‬الخطاب ‬الدينى ‬أو ‬الفكر ‬الدينى ‬منعزلًا ‬عن ‬الواقع ‬وإنما ‬إعادة ‬النظر ‬فى ‬العلاقة ‬بين ‬الدين ‬والمجتمع.‬‮ ‬
‬هل ‬‮«‬تراث ‬الاستعلاء‮»‬ ‬مشروع ‬مستقل ‬أم ‬أنه ‬جزء ‬من ‬مشروع ‬سبقته ‬أو ‬ستليه ‬أجزاء ‬أخرى؟ ‬خاصة ‬وأن ‬بعض ‬الفصول ‬تبدو ‬أحيانًا ‬مرتكزة ‬عند ‬حقبة ‬زمنية ‬قديمة ‬نسبيًا ‬وفى ‬حاجة ‬للاستكمال ‬فى ‬ضوء ‬المستجدات.‬
الاستعلاء ‬مشروع ‬بحثى ‬مستقل ‬تبلور ‬عقب ‬أطروحة ‬‮«‬إعادة ‬إنتاج ‬التراث‮»‬ ‬عام ‬‮2012‬، ‬ولكن ‬يحتاج ‬بلا ‬شك ‬إلى ‬استكمال، ‬خاصة ‬فيما ‬يتعلق ‬بصور ‬التمييز ‬فى ‬التراث ‬الشعبى ‬والتى ‬تحتاج ‬فى ‬رصدها ‬إلى ‬عدة ‬دراسات ‬أخرى ‬أكثر ‬تفصيلًا ‬حول ‬العادات ‬والتقاليد ‬والمعتقدات ‬والأدب ‬الشعبى ‬والفنون ‬الشعبية ‬والثقافة ‬المادية. ‬كما ‬أن ‬الاستعلاء ‬الدينى ‬بحاجة ‬إلى ‬مزيد ‬من ‬التأصيل ‬داخل ‬التراث ‬الدينى ‬خاصة ‬فى ‬تيارات ‬إسلامية ‬أخرى، ‬ولدى ‬كوادر ‬المؤسسات ‬الدينية ‬الرسمية، ‬ولدى ‬المذاهب ‬الإسلامية ‬المختلفة، ‬إضافة ‬الى ‬دراسة ‬الاستعلاء ‬الدينى ‬القبطى ‬واليهودى ‬بصفة ‬عامة. ‬ولدىّ ‬رغبة ‬حقيقية ‬فى ‬استكمال ‬دراسة ‬‮«‬الشرع ‬يحكم ‬فى ‬البادية‮»‬ ‬بدراسات ‬متعمقة ‬أخرى ‬فى ‬سيناء ‬وحلايب ‬وشلاتين ‬داخل ‬مصر. ‬ولا ‬أزعم ‬أننى ‬سوف ‬أتناول ‬كل ‬ذلك ‬فيما ‬بعد ‬لأن ‬مثل ‬هذه ‬البحوث ‬بحاجة ‬إلى ‬إمكانيات ‬مادية ‬وبشرية ‬وظروف ‬مواتية ‬قد ‬لا ‬أستطيع ‬الوفاء ‬بها ‬وحدى، ‬وإنما ‬المجال ‬مفتوح ‬للزملاء ‬الآخرين ‬فى ‬علم ‬الاجتماع ‬ولأنثروبولوجيا ‬وعلم ‬السياسة ‬لاستكمال ‬هذه ‬الفجوات ‬بموجب ‬قاعدة ‬التراكم ‬العلمى ‬التى ‬نعمل ‬فى ‬ظلها.‬‮ ‬
‬ينبنى ‬الاستعلاء ‬فى ‬المقام ‬الأول ‬على ‬التمييز؛ ‬وتلك ‬سمة ‬عالمية ‬نجدها ‬فى ‬كل ‬المجتمعات ‬ومختلف ‬الطبقات ‬والأديان. ‬هل ‬يمكن ‬أن ‬نعتبرها ‬سمات ‬فردية ‬تتحول ‬مع ‬تعدد ‬حامليها ‬لظاهرة ‬مجتمعية؟
دعينى ‬أصحح ‬بأنها ‬سمة ‬مكتسبة ‬وليست ‬موروثة ‬فى ‬الشفرة ‬الجينية ‬للبشر، ‬نحن ‬كبشر ‬لا ‬نولد ‬بمشاعر ‬التمييز ‬ضد ‬الآخرين؛ ‬بل ‬نولد ‬كصفحة ‬بيضاء ‬ثم ‬نكتسب ‬مع ‬التفاعل ‬الاجتماعى ‬سمات ‬إما ‬إيجابية ‬أو ‬سلبية ‬بفعل ‬تنشئتنا ‬الاجتماعية. ‬ومع ‬ذلك ‬فإن ‬بحوث ‬علم ‬النفس ‬تعلّمنا ‬أن ‬عمليات ‬الإدراك ‬تنمو ‬مرتبطة ‬بالتصنيف ‬الذى ‬يبدأ ‬بسيطًا ‬ثم ‬يتعقد ‬مع ‬الزمن ‬بفعل ‬النمو ‬العقلى ‬والارتقائى، ‬ومع ‬وجود ‬البشر ‬فى ‬بيئات ‬اجتماعية ‬مغلقة ‬تتكون ‬مشاعر ‬التنافر ‬لديهم ‬نحو ‬المختلف، ‬وعلى ‬ضوء ‬ذلك ‬تنمو ‬مشاعر ‬التفوق ‬والاستعلاء ‬بين ‬البشر ‬بموجب ‬الصراعات ‬التى ‬نعيشها ‬نتيجة ‬تضافر ‬الشعور ‬بالتنافر ‬من ‬الاختلاف ‬مع ‬تعارض ‬المصالح ‬الاقتصادية ‬والاجتماعية ‬والسياسية.‬‮ ‬
‬إذا ‬كان ‬الاستعلاء ‬سمة ‬مكتسبة؛ ‬لماذا ‬يبدو ‬وكأنه ‬سمة ‬كامنة ‬فى ‬تكوين ‬الخلق، ‬فمنذ ‬تواجد ‬الإنسان ‬واجهه ‬إبليس ‬بالاستعلاء، ‬ومنذ ‬بدء ‬الحياة ‬البشرية ‬على ‬الأرض ‬شهد ‬التاريخ ‬كثيرًا ‬من ‬الوقائع ‬والحوادث ‬التى ‬تعود ‬فى ‬أساسها ‬إلى ‬الاستعلاء؟
لا ‬أتفق ‬مع ‬هذه ‬النظرة ‬الأسطورية ‬والتى ‬لا ‬تخلو ‬من ‬الحتمية ‬البيولوجية ‬التى ‬تقول ‬بأن ‬الانسان ‬فى ‬أصله ‬شرير ‬وأن ‬الشر ‬يتوارث ‬بيولوجيا، ‬ومع ‬ذلك ‬فإننى ‬أتفق ‬مع ‬جانب ‬محدد ‬من ‬نظرية ‬العقد ‬الاجتماعى ‬فى ‬تفسير ‬مفهوم ‬الاستعلاء، ‬خاصة ‬لدى ‬توماس ‬هوبز، ‬إذ ‬أكدت ‬نظريته ‬على ‬الفكرة ‬التى ‬تقول ‬أن ‬الشر ‬الأعظم ‬يكمن ‬فى ‬جوهر ‬الإنسان، ‬ومن ‬ثم ‬دعا ‬هوبز ‬إلى ‬ميل ‬الإنسان ‬إلى ‬التنازل ‬عن ‬جانب ‬من ‬حريته ‬مقابل ‬تفادى ‬الشر ‬داخله ‬بموجب ‬عقد ‬اجتماعى ‬يمنح ‬سلطة ‬ما ‬القدرة ‬والقوة ‬على ‬ضبط ‬الحقوق ‬والواجبات ‬بين ‬الناس ‬للعيش ‬فى ‬سلام. ‬وإذا ‬لم ‬تكن ‬هذه ‬السلطة ‬قائمة، ‬بحسب ‬رأى ‬هوبز، ‬فإن ‬طبيعة ‬البشر ‬الهمجية ‬والأنانية ‬وفى ‬ظل ‬الموارد ‬الشحيحية ‬تدفع ‬البشر ‬إلى ‬أن ‬يقتلوا ‬بعضهم ‬بعضًا ‬للاستحواذ ‬على ‬الموارد ‬أو ‬حتى ‬لمجرد ‬الشعور ‬بشرف ‬التفوق ‬والتميز ‬والاستعلاء ‬على ‬الآخرين. ‬وأنا ‬لا ‬أتفق ‬مع ‬فكرة ‬الشر ‬الأعظم ‬لدى ‬البشر ‬ولكنى ‬أتفق ‬مع ‬نظرية ‬هوبز ‬فقط ‬فى ‬كونها ‬ترى ‬أن ‬الصراع ‬على ‬الندرة ‬مصدر ‬رئيسى ‬للشعور ‬بالاستعلاء ‬بين ‬البشر ‬بصفة ‬عامة. ‬وفى ‬ظل ‬تفاقم ‬الظلم ‬وانعدام ‬العدالة ‬الاجتماعية ‬تستمر ‬مشاعر ‬الاستعلاء ‬بقوة ‬وتأجج ‬الكراهية.‬
‬تقول ‬إن ‬الفرد ‬يميل ‬للتماثل ‬أو ‬الاقتران ‬بمن ‬يشبهه ‬وما ‬غير ‬ذلك ‬يقابله ‬بنوع ‬من ‬الاستعلاء. ‬لماذا ‬غالبية ‬هؤلاء ‬الأفراد ‬المستعلون ‬يشعرون ‬بالانسحاق ‬أو ‬الانبهار ‬أمام ‬المختلف ‬القادم ‬من ‬الخارج؛ ‬يتقبلون ‬الآخر ‬الأجنبى ‬ولا ‬يتقبلون ‬المجاور ‬لهم ‬فى ‬الوطن ‬رغم ‬أن ‬الآخر ‬فى ‬الحالتين ‬متشابه؟
هذه ‬مفارقة ‬نلحظها ‬فى ‬علاقتنا ‬بالآخر ‬سواء ‬كنا ‬أفرادًا ‬عاديين ‬أو ‬متدينين ‬أو ‬مثقفين، ‬وسواء ‬كان ‬هذا ‬الآخر ‬مصريًا ‬أو ‬عربيًا ‬أو ‬إسلاميًا. ‬وهنا ‬نتأرجح ‬بين ‬مشاعر ‬الانبهار ‬بالآخر، ‬والشعور ‬بالتفوق ‬الكبير ‬على ‬الآخر، ‬وتفسير ‬ذلك ‬يكمن ‬فى ‬مدى ‬التباين ‬بيننا ‬وبين ‬الآخر، ‬وعلى ‬قدر ‬اتساع ‬أو ‬ضيق ‬الفجوة ‬بيننا ‬وبينه ‬على ‬المستوى ‬الاجتماعى ‬والاقتصادى ‬والثقافى ‬يتحدد ‬الموقف ‬منه. ‬ففى ‬الداخل ‬يشعر ‬المختلفين ‬ثقافيًا ‬أو ‬دينيًا ‬أو ‬مذهبيًا ‬أو ‬عرقيًا ‬أو ‬مكانيًا ‬أو ‬اقتصاديًا ‬بالاستعلاء ‬على ‬بعضهم ‬البعض، ‬وتنمو ‬مشاعر ‬الاستعلاء ‬أكثر ‬فيما ‬بين ‬المختلفين ‬على ‬قدر ‬اتساع ‬التباين ‬الاقتصادى ‬فيما ‬بينهم. ‬وفيما ‬يتعلق ‬بالعلاقة ‬بالغرب ‬فإننا ‬كمصريين ‬وكعرب ‬بصفة ‬عامة ‬لدينا ‬شعور ‬عام ‬بالانبهار ‬الشديد ‬نحو ‬الغرب، ‬لأن ‬الفروق ‬فى ‬التقدم ‬بيننا ‬وبين ‬الغرب ‬واسعة ‬للغاية، ‬وهذا ‬يعكس ‬أمرين ‬متعارضين ‬فى ‬إدراكنا ‬لأنفسنا: ‬الرغبة ‬فى ‬أن ‬نمتلك ‬التقدم، ‬والعجز ‬فى ‬ذات ‬الوقت ‬عن ‬بلوغه. ‬وعلى ‬ضوء ‬ذلك ‬تنمو ‬مشاعر ‬الاستعلاء ‬على ‬الغرب ‬وهذا ‬ما ‬نلحظه ‬فى ‬موقف ‬النخب ‬الدينية ‬تحديدًا ‬والتى ‬تصف ‬الحضارة ‬الغربية ‬جملة ‬وتفصيلًا ‬على ‬أنها ‬حضارة ‬مادية ‬فاقدة ‬للرقى ‬الروحى ‬ومليئة ‬بالفساد ‬الأخلاقى، ‬وأننا ‬عرضة ‬للتهديد ‬المستمر ‬منها، ‬وأن ‬هذه ‬الحضارة ‬تستهدف ‬النيل ‬من ‬ديننا ‬وعقيدتنا، ‬هذا ‬ما ‬تمتلئ ‬به ‬كثير ‬من ‬الخُطب ‬الدينية ‬على ‬اختلاف ‬توجهاتها. ‬ومن ‬ثم ‬فإن ‬جوهر ‬الاستعلاء ‬الدينى ‬لدى ‬كل ‬الإسلاميين ‬ضد ‬كل ‬ما ‬هو ‬مختلف ‬دينيًا ‬يستهدف ‬الآخر ‬الغربى ‬تحديدًا ‬فى ‬محاولات ‬لا ‬تنقطع ‬أبدًا ‬عن ‬استعادة ‬الصراع ‬بين ‬الغرب ‬والإسلام. ‬وهذا ‬النوع ‬من ‬الخطاب ‬يعزز ‬ازدواجية ‬التعصب ‬لدى ‬كثير ‬من ‬الناس ‬الذين ‬يتفاعلون ‬يوميًا ‬مع ‬منتجات ‬الحضارة ‬الغربية ‬وفى ‬ذات ‬الوقت ‬يحملون ‬فى ‬نفوسهم ‬الشعور ‬بالتفوق ‬الأخلاقى ‬على ‬الغرب. ‬وأخلص ‬من ‬ذلك ‬أن ‬الاستعلاء ‬نحو ‬الآخر ‬يظل ‬ملتبسًا ‬بمشاعر ‬من ‬الدونية ‬يصعب ‬أحيانًا ‬إدراكها.‬‮ ‬
‬تغافل ‬الكتاب ‬فى ‬رؤيته ‬للاستعلاء ‬عن ‬التطرق ‬إلى ‬التأثير ‬الكبير ‬للتراث ‬العالمى ‬ثقافيًا ‬ودينيًا ‬فى ‬المجتمع ‬المصرى، ‬خاصة ‬وأن ‬العالم ‬أصبح ‬قرية ‬صغيرة ‬والمجتمعات ‬متداخلة ‬بثقافاتها ‬وموروثاتها، ‬لم ‬يعد ‬الأمر ‬متوقفًا ‬عند ‬حد ‬التراث ‬الأصيل ‬وإنما ‬صرنا ‬فى ‬مواجهة ‬التراث ‬المستورد. ‬كيف ‬يمكن ‬مواجهة ‬ذلك؟
ما ‬تقصدينه ‬ربما ‬يتعلق ‬بالتأثير ‬الثقافى ‬للعولمة ‬على ‬حياتنا ‬وهى ‬ظاهرة ‬واضحة ‬تمامًا ‬ومؤثرة ‬إلى ‬حد ‬كبير ‬على ‬تفاقم ‬حدة ‬الاستعلاء ‬الطبقى، ‬وقد ‬سبق ‬لى ‬أن ‬نشرتُ ‬كتيبًا ‬صغيرًا ‬عام ‬‮2006‬ ‬حول ‬ثقافة ‬الاستهلاك ‬فى ‬المجتمع ‬المصرى، ‬وأقصد ‬بذلك ‬الثقافة ‬التى ‬تتشكل ‬بفعل ‬عولمة ‬الحياة ‬اليومية ‬فى ‬مجتمعاتنا، ‬فنحن ‬نستهلك ‬أنواعًا ‬غير ‬تقليدية ‬من ‬الأطعمة ‬والملابس ‬والاكسسورات ‬وأدوات ‬التجميل ‬الحديثة، ‬وكذلك ‬أجهزة ‬المحمول ‬الذكية ‬وتجهيزات ‬البيوت ‬من ‬رفاهية ‬السلع ‬المعمرة ‬الحديثة ‬والفاخرة ‬تحت ‬وطأة ‬الإلحاح ‬الشديد ‬على ‬التميز ‬باقتناء ‬تلك ‬المظاهر ‬الاستهلاكية. ‬وهذا ‬ما ‬يغذى ‬حالة ‬الاستعلاء ‬الطبقى ‬ويضفى ‬عليها ‬قدرًا ‬كبيرًا ‬من ‬الرغبة ‬الجامحة ‬فى ‬التميز ‬الطبقى ‬بمتوالية ‬لا ‬تنتهى ‬من ‬الإغواء ‬الاستهلاكى ‬– ‬حسب ‬تعبير ‬بودريارد ‬– ‬والذى ‬تعانى ‬منه ‬فئات ‬من ‬الطبقة ‬الوسطى ‬وبعض ‬شرائح ‬من ‬محدودى ‬الدخل. ‬وهذا ‬الإغواء ‬ناجم ‬عن ‬المراوغة ‬فى ‬التلاعب ‬بالعين ‬والحواس ‬الأخرى ‬فى ‬تأثير ‬الثقافة ‬الاستهلاكية ‬على ‬المظاهر ‬الخارجية ‬والتأثير ‬فى ‬متعة ‬الجسد ‬والتلاعب ‬به. ‬وبذلك ‬يتجه ‬كثير ‬من ‬الناس ‬إلى ‬مزيد ‬من ‬الاستهلاك ‬المتضاعف ‬والذى ‬يفوق ‬قدراتهم ‬وإمكانياتهم ‬الحقيقية ‬بحثًا ‬عن ‬حالة ‬وقتية ‬وزائفة ‬من ‬التميز ‬المصاحب ‬للاستعراض ‬بالمظاهر ‬الاستهلاكية. ‬نحن ‬بكل ‬أسف ‬نشجع ‬على ‬هذه ‬الثقافة ‬عبر ‬وسائل ‬الإعلام ‬والإعلانات ‬والتى ‬تؤثر ‬سلبًا ‬على ‬تفاقم ‬الشعور ‬بالظلم ‬والعجز ‬والتهميش ‬لدى ‬غالبية ‬السكان ‬محدودى ‬الدخل.‬
‬‮«‬يتطور ‬الأمر ‬من ‬ازدراء ‬إلى ‬إقصاء ‬ثم ‬عداء ‬وإفناء؛ ‬وقد ‬يبدأ ‬بنكتة‮»‬. ‬هل ‬ما ‬نعيشه ‬اليوم ‬من ‬تفشى ‬ظاهرة ‬‮«‬الكوميكس‮»‬ ‬وتحويل ‬أى ‬قضية ‬أو ‬موقف ‬إلى ‬صور ‬مضحكة ‬على ‬مواقع ‬التواصل ‬الاجتماعى ‬مع ‬تعليل ‬ذلك ‬بأننا ‬شعب ‬يميل ‬للكوميديا؛ ‬ينذر ‬بخطر ‬ما؟
طريق ‬الكراهية ‬والحروب ‬الأهلية ‬فى ‬المجتمعات ‬الإنسانية ‬وعلى ‬مر ‬التاريخ ‬يبدأ ‬من ‬ثقافة ‬الازدراء ‬مرورًا ‬بثقافة ‬الإقصاء ‬وصولًا ‬إلى ‬ثقافة ‬الإفناء، ‬وأقصد ‬بثقافة ‬الازدراء ‬التصورات ‬والأفكار ‬والمفردات ‬والمعتقدات ‬التى ‬تقلل ‬من ‬شأن ‬الآخر ‬وتخلق ‬مسافة ‬اجتماعية ‬فى ‬التفاعل ‬بين ‬الناس ‬المختلفين ‬والسخرية ‬منهم، ‬وتخلق ‬حواجز ‬نفسية ‬ترسخ ‬عدم ‬الثقة ‬المجتمعية ‬فيما ‬بينهم. ‬هذه ‬الثقافة ‬يتم ‬تمريرها ‬بسهولة ‬عبر ‬صور ‬متداولة ‬من ‬الفكاهة ‬والسخرية. ‬وللأسف ‬كثير ‬منا ‬يتقبل ‬هذه ‬الثقافة ‬باعتبارها ‬من ‬قبيل ‬الدعابة. ‬وحين ‬تمتزج ‬بمفردات ‬وأمثال ‬شعبية ‬ساخرة ‬فهذا ‬يضفى ‬عليها ‬مشروعية ‬فى ‬التداول ‬بأنها ‬تراث ‬مشترك. ‬والمرحلة ‬الثانية ‬تتمثل ‬فى ‬ثقافة ‬الإقصاء ‬التى ‬تكرس ‬استبعاد ‬وحرمان ‬الآخرين ‬من ‬فرص ‬الحياة ‬فى ‬ظل ‬الحقوق ‬الاجتماعية ‬المشتركة. ‬والمرحلة ‬الثالثة ‬هى ‬ثقافة ‬الإفناء ‬والتى ‬تصاحبها ‬مظاهر ‬عدائية ‬وعنف ‬واعتداءات ‬جسدية ‬وتهديد ‬معنوى ‬ومادى ‬نحو ‬الآخرين ‬ضحايا ‬التمييز، ‬الذين ‬يعانون ‬من ‬عدم ‬القدرة ‬على ‬صد ‬الاعتداءات ‬الواقعة ‬عليهم.‬
وفى ‬حقيقة ‬الأمر ‬أن ‬الشعوب ‬التى ‬قطعت ‬شوطًا ‬كبيرًا ‬فى ‬التقدم ‬الاقتصادى ‬والتقنى ‬كان ‬ذلك ‬مصحوبًا ‬بتقدم ‬اجتماعى ‬وحضارى ‬فيما ‬يتعلق ‬بضبط ‬آليات ‬التعايش ‬السلمى ‬واحترام ‬التنوع ‬وعدم ‬السماح ‬لتفشى ‬مظاهر ‬التعصب ‬والتطرف؛ ‬على ‬الأقل ‬فى ‬المجال ‬العام. ‬ومن ‬الأمور ‬المهمة، ‬التى ‬تؤخذ ‬بجدية ‬كبيرة ‬فى ‬تلك ‬المجتمعات، ‬وضع ‬آليات ‬جادة ‬وصارمة ‬للحد ‬من ‬السخرية ‬التى ‬تعزز ‬الازدراء ‬والكراهية ‬على ‬أسس ‬الاختلاف ‬النوعى ‬والعرقى ‬والطبقى ‬والدينى ‬والجغرافى ‬والجسدى. ‬لأن ‬السخرية ‬التى ‬تنم ‬عن ‬الكراهية ‬والتعصب ‬ضد ‬المختلف ‬هى ‬أشبه ‬بالأوبئة ‬سرعان ‬ما ‬يؤدى ‬تفشيها ‬على ‬نطاق ‬واسع ‬إلى ‬أن ‬تتحول ‬لما ‬يشبه ‬الجائحة. ‬ولهذا ‬لا ‬ينبغى ‬علينا ‬أن ‬نستهين ‬بالازدراء ‬والسخرية ‬التى ‬تعمق ‬الكراهية، ‬ومن ‬ثم ‬ينبغى ‬التدخل ‬لوقف ‬هذا ‬الوباء ‬بوسائل ‬مختلفة ‬ومتعددة ‬للرصد ‬والمحاسبة؛ ‬بعضها ‬توجيهى ‬وأخلاقى ‬وتعليمى، ‬ويلعب ‬الدين ‬تطورًا ‬بالغًا ‬فى ‬تفعيلها، ‬وفى ‬بعض ‬الأحيان ‬يكون ‬التدخل ‬القانونى ‬مهمًا، ‬مع ‬الأخذ ‬بعين ‬الاعتبار ‬عدم ‬الإفراط ‬فى ‬العقوبات ‬القانونية ‬التى ‬ثبت ‬عدم ‬جدواها ‬فى ‬مواضع ‬الخلل ‬القيمى ‬والأخلاقى.‬
‬‮«‬يصبح ‬الشعور ‬بالاستعلاء ‬للإيمان ‬لدى ‬المؤمنين ‬مقترنًا ‬بتضخيم ‬إدراكهم ‬لذواتهم ‬ويقينهم ‬من ‬أنفسهم‮»‬. ‬يقين ‬الشخص ‬بذاته ‬هو ‬أساس ‬الاستعلاء ‬على ‬مختلف ‬المستويات؛ ‬هل ‬تؤمن ‬أن ‬هناك ‬يقينًا ‬فى ‬الحياة؟
نعم ‬أؤمن ‬بوجود ‬اليقين ‬فى ‬الحياة، ‬وما ‬القيم ‬التى ‬نتبناها ‬فى ‬حياتنا ‬ونحقق ‬بمقتضاها ‬طموحاتنا ‬إلا ‬مبادئ ‬نؤمن ‬بها ‬على ‬وجه ‬اليقين. ‬ولا ‬يستطيع ‬الإنسان ‬أن ‬يحيا ‬إلا ‬بقدر ‬من ‬الايمان ‬بمبادئ ‬يقينية ‬حول ‬وجوده ‬الشخصى ‬والاجتماعى. ‬غير ‬أن ‬ما ‬يميز ‬العقل ‬المتطرف ‬عن ‬العقل ‬المنفتح ‬هو ‬درجة ‬الاستعداد ‬لإعادة ‬النظر ‬فى ‬أى ‬مبادئ ‬نؤمن ‬بها، ‬خاصة ‬حين ‬تصطدم ‬بواقع ‬متغير، ‬وحين ‬تكون ‬مكبلة ‬لقدرتنا ‬على ‬تطوير ‬حياتنا. ‬ولا ‬أعنى ‬بذلك ‬الدعوة ‬إلى ‬التشكيك ‬فى ‬كل ‬ما ‬نؤمن ‬به ‬لأننا ‬لن ‬نستطيع ‬تحمل ‬عبء ‬الحياة ‬دون ‬إيمان ‬بمبادئ ‬نحيا ‬بمقتضاها، ‬بل ‬أعنى ‬أن ‬تكون ‬لدينا ‬حرية ‬فى ‬التفكير ‬النقدى ‬تسمح ‬لنا ‬بالمراجعة ‬المستمرة ‬لنظرتنا ‬للحياة ‬ولموقفنا ‬من ‬العالم ‬الذى ‬نعيش ‬فيه ‬ولعلاقتنا ‬بالآخرين. ‬وهذا ‬يقتضى ‬أن ‬نتحرر ‬من ‬قيود ‬التفكير ‬المتطرف ‬التى ‬تكبل ‬عقولنا ‬وتصيبنا ‬بانعدام ‬الثقة ‬فى ‬عقولنا ‬وفى ‬أنفسنا ‬كبشر ‬وفى ‬الآخرين ‬حولنا.‬‮ ‬
ولهذا ‬النوع ‬من ‬التفكير ‬المتطرف ‬أو ‬المتعصب ‬تجليات ‬ينبغى ‬أن ‬نتحرر ‬منها ‬وأهمها: ‬اختزال ‬رؤية ‬العالم ‬فى ‬نظرة ‬مطلقة ‬تعتمد ‬على ‬ادعاء ‬بالحقيقة ‬المطلقة ‬واحتكارها، ‬وتبنى ‬الثنائيات (‬إما ‬مع ‬أو ‬ضد، ‬إما ‬أبيض ‬أو ‬أسود) ‬وتمجيد ‬مبدأ ‬الثبات ‬فى ‬التفكير، ‬وعدم ‬القدرة ‬على ‬المناقشة ‬والتفاوض ‬والتسوية ‬والبحث ‬عن ‬حلول ‬وسط، ‬وعدم ‬قبول ‬النقد ‬واعتباره ‬تهديدًا ‬وامتهانًا ‬يواجه ‬بالعنف، ‬إضافة ‬إلى ‬النفور ‬المعرفى ‬من ‬الاختلاف ‬ورفض ‬التعددية ‬واعتبار ‬الاختلاف ‬تهديدًا ‬لأى ‬ثوابت، ‬ومن ‬ثم ‬السعى ‬لتدمير ‬التنوع؛ ‬خاصة ‬الفكرى ‬والثقافى ‬والدينى. ‬تلك ‬هى ‬سمات ‬العقل ‬المتطرف ‬المقترن ‬بتضخم ‬إدراك ‬الذات، ‬والاستعلاء ‬على ‬الآخرين، ‬وهو ‬نموذج ‬من ‬التفكير ‬لا ‬يستريح ‬إلا ‬لمبادئ ‬ثابتة ‬يقينية ‬لا ‬تقبل ‬المناقشة، ‬ويشعر ‬بالقلق ‬الوجودى ‬العميق ‬من ‬عدم ‬اليقين، ‬وأقصد ‬بذلك ‬القلق ‬من ‬أى ‬أشياء ‬غامضة، ‬وغير ‬محددة ‬وغير ‬واضحة، ‬والقلق ‬من ‬الاختلاف ‬فى ‬الرأى. ‬وللأسف ‬هذه ‬الحالة ‬شائعة ‬فى ‬مجتمعنا ‬ولمسناها ‬بعمق ‬فى ‬أوقات ‬الأزمات، ‬ففى ‬أثناء ‬أحداث ‬‮25‬ ‬يناير ‬ساد ‬القلق ‬العميق ‬على ‬المستقبل ‬الشخصى ‬والاجتماعى ‬والقومى، ‬وفى ‬مثل ‬هذه ‬الأحوال ‬يصبح ‬كثير ‬من ‬الناس ‬أكثر ‬قابلية ‬للتعصب ‬وقبول ‬الشائعات ‬وتصديق ‬ما ‬يخفف ‬عنهم ‬القلق ‬الوجودى ‬حتى ‬ولو ‬كان ‬ذلك ‬بالأكاذيب ‬والتزييف ‬والدجل. ‬وبكل ‬أسف ‬تورط ‬الجميع ‬من ‬كافة ‬أطياف ‬النخبة ‬فى ‬تعزيز ‬هذه ‬الحالة ‬البائسة ‬لدى ‬غالبية ‬الفئات ‬الاجتماعية.‬
‬يتبين ‬فى ‬الآيات ‬المذكورة ‬من ‬القرآن ‬داخل ‬الكتاب ‬أن ‬المشكلة ‬الأساسية ‬التى ‬تؤدى ‬إلى ‬سوء ‬استخدامها ‬هى ‬التفسير ‬الحرفى. ‬ألا ‬يتطلب ‬الأمر ‬تدخلًا ‬من ‬الأزهر ‬لبيان ‬التفسيرات ‬الصحيحة ‬والمدققة ‬فى ‬إطار ‬تجديد ‬الخطاب ‬الدينى، ‬وحث ‬الأفراد ‬على ‬إعمال ‬عقولهم ‬بدلًا ‬من ‬الاستسهال ‬باللجوء ‬إلى ‬دار ‬الإفتاء ‬فى ‬صغائر ‬الأمور؟
الأزهر ‬ليس ‬كيانًا ‬واحدًا ‬متجانسًا ‬رغم ‬كل ‬محاولات ‬إضفاء ‬طابع ‬التماثل ‬والتجانس ‬فى ‬كل ‬ما ‬يصدر ‬عنه ‬من ‬تصريحات ‬أو ‬بيانات ‬أو ‬إصدارات ‬رسمية. ‬كما ‬أن ‬المؤسسات ‬الدينية ‬الرسمية ‬ككل ‬فى ‬مصر ‬ليست ‬متجانسة ‬فيما ‬بينها، ‬بل ‬يسودها ‬التناقض ‬والتعارض ‬فى ‬موقفها ‬من ‬التجديد. ‬وعلى ‬المستوى ‬الرسمى ‬فإن ‬كثير ‬من ‬تلك ‬المؤسسات ‬بذلت ‬جهدًا ‬كبيرًا ‬وقدمت ‬أطروحات ‬فى ‬التجديد ‬فى ‬إطار ‬ما ‬تسميه ‬‮«‬تصحيح ‬المفاهيم‮»‬ ‬وأصدرت ‬كتبًا ‬كثيرة ‬فى ‬هذا ‬الشأن. ‬ولكن ‬المشكلة ‬لا ‬تقف ‬عند ‬حدود ‬ما ‬يطلق ‬عليه ‬التجديد ‬بل ‬هى ‬أعمق ‬من ‬ذلك ‬بكثير. ‬ودعينى ‬أوضح ‬لكِ ‬أن ‬مصطلح ‬التجديد ‬أصبح ‬غامضًا ‬رغم ‬كثرة ‬الحديث ‬عنه ‬بسبب ‬عدم ‬وجود ‬تعريف ‬واضح ‬متفق ‬عليه ‬سواء ‬فيما ‬بين ‬الفرقاء ‬أو ‬حتى ‬فيما ‬بين ‬المؤسسات ‬الدينية ‬الرسمية ‬ذاتها. ‬وهذا ‬أمر ‬طبيعى ‬فى ‬ظل ‬ارتباط ‬دعاوى ‬التجديد ‬بالصراع ‬حول ‬أطراف ‬متعددة ‬جميعها ‬يسعى ‬إلى ‬احتكار ‬المجال ‬الدينى. ‬مما ‬يعنى ‬أننا ‬لسنا ‬بصدد ‬خطاب ‬دينى ‬واحد ‬وإنما ‬خطابات ‬متعددة ‬كل ‬منها ‬له ‬مرجعية ‬دينية ‬وسياسية ‬محددة. ‬وهذا ‬لا ‬ينفى، ‬بطبيعة ‬الحال، ‬اختلاف ‬حظ ‬تلك ‬الخطابات ‬من ‬القوة ‬والتأثير ‬فى ‬الجمهور، ‬فليست ‬كل ‬صور ‬الخطاب ‬الدينى ‬على ‬نفس ‬القدر ‬من ‬الشيوع ‬والانتشار ‬والتأثير ‬فى ‬الوعى. ‬وهذا ‬يقودنا ‬إلى ‬معنى ‬التجديد، ‬والذى ‬يتضمن ‬إدخال ‬تعديلات ‬على ‬مضامين ‬بعينها ‬فى ‬الخطابات ‬الدينية ‬السائدة؛ ‬فكل ‬دعوة ‬إلى ‬التجديد، ‬أيًا ‬كان ‬مصدرها ‬أو ‬الهدف ‬منها، ‬تسعى ‬فى ‬حقيقة ‬الأمر ‬إلى ‬إزاحة ‬مضامين ‬فكرية ‬ودينية ‬بعينها ‬عن ‬موقع ‬الصدارة ‬وإحلال ‬مضامين ‬أخرى ‬محلها. ‬ولهذا ‬فإن ‬الخلاف ‬والجدل ‬المحتدم ‬حول ‬تجديد ‬الخطاب ‬الدينى ‬يعد ‬بمثابة ‬المعادل ‬الفكرى ‬للصراع ‬الاجتماعى ‬والسياسى ‬بين ‬قوى ‬اجتماعية ‬وسياسية ‬مختلفة ‬للسيطرة ‬على ‬المجال ‬الدينى.‬‮ ‬
وما ‬أطرحه ‬ليس ‬تجديدًا ‬للخطاب ‬الدينى ‬منعزلًا ‬عن ‬هذا ‬الصراع ‬الاجتماعى ‬المحتدم ‬حول ‬المجال ‬الدينى، ‬وإنما ‬دعوة ‬للتجديد ‬من ‬منظور ‬سوسيولوجى ‬لجوهر ‬العلاقة ‬بين ‬الدين ‬والمجتمع ‬من ‬ناحية ‬وجوهر ‬العلاقة ‬بين ‬الدين ‬والدولة ‬من ‬ناحية ‬أخرى. ‬وطرحت ‬فى ‬هذا ‬الصدد ‬أربعة ‬أسس ‬جديدة ‬أسميتها ‬تاءات ‬التجديد ‬الأربعة: ‬التأويل ‬الحر ‬بأولوية ‬العقل ‬على ‬النقل، ‬والتوافق ‬مع ‬الهموم ‬الدنيوية ‬بأولوية ‬الدنيا ‬على ‬الموت، ‬والتفرد ‬فى ‬التجربة ‬الدينية ‬بأولوية ‬الجوهر ‬على ‬المظهر، ‬والتحرر ‬الإنسانى ‬بأولوية ‬الاختيار ‬على ‬الاجبار.‬‮ ‬
أما ‬فيما ‬يتعلق ‬بالتوسع ‬فى ‬الإفتاء ‬فهذا ‬يعبِّر ‬عن ‬قلق ‬عميق ‬لدى ‬المؤسسة ‬الدينية ‬الرسمية ‬بشأن ‬انسحاب ‬الدين ‬من ‬المجال ‬العام ‬بعد ‬‮2013‬، ‬والرغبة ‬الشديد ‬فى ‬ملء ‬الفراغ ‬الذى ‬تركته ‬حركات ‬الإسلام ‬السياسى ‬فى ‬السيطرة ‬على ‬عقل ‬ووجدان ‬الناس. ‬ويلاحظ ‬أن ‬الحضور ‬الدينى ‬فى ‬المجال ‬العام ‬يقترن ‬دائمًا ‬بالصراع ‬السياسى ‬مع ‬أى ‬قوى ‬أخرى ‬تخالف ‬الرؤية ‬الدينية ‬المفروضة. ‬وهذا ‬ينطبق ‬على ‬المؤسسات ‬الدينية ‬الرسمية ‬وغير ‬الرسمية ‬على ‬السواء، ‬فكلاهما، ‬يعمل ‬تحت ‬مبرر ‬نُصرة ‬الدين ‬والذود ‬عنه ‬ضد ‬كل ‬من ‬لا ‬يعترف ‬به ‬أو ‬يقلل ‬من ‬شأنه ‬فى ‬الحياة. ‬ولهذا ‬يخوض ‬كل ‬العاملين ‬بالشأن ‬الدينى ‬معركتهم ‬الأساسية ‬مع ‬النخب ‬والتيارات ‬العلمانية ‬فى ‬المجتمع ‬وإزاحتها ‬من ‬كل ‬منصات ‬الرأى ‬العام. ‬بل ‬يمكن ‬القول ‬أن ‬جوهر ‬الصراع ‬الكبير ‬ببن ‬المؤسسات ‬الدينية ‬الرسمية ‬وغير ‬الرسمية ‬يكمن ‬فى ‬عملية ‬احتكار ‬المجال ‬الدينى، ‬ومن ‬ثم ‬يدعى ‬كل ‬طرف ‬بأنه ‬الأقدر ‬على ‬حماية ‬الدين ‬من ‬مخالب ‬العلمانية، ‬والقضاء ‬على ‬كل ‬معاقلها ‬الفكرية ‬والاجتماعية ‬والسياسية ‬فى ‬المجتمع. ‬وهذا ‬يفسر ‬السبب ‬الحقيقى ‬وراء ‬سعى ‬المؤسسات ‬الدينية ‬الرسمية ‬إلى ‬التواجد ‬بعمق ‬فى ‬المجال ‬العام ‬والسعى ‬الحثيث ‬للانفراد ‬بتشكيل ‬الرأى ‬العام ‬باسم ‬العودة ‬إلى ‬الإسلام ‬الحق ‬أو ‬محاربة ‬الفكر ‬المتطرف. ‬وبذلك ‬يصبح ‬وجود ‬الدين ‬فى ‬المجال ‬العام ‬مرتبطًا ‬بحالة ‬من ‬عدم ‬الاستقرار ‬الاجتماعى ‬والسياسى ‬والاستقطاب ‬الفكرى ‬والاجتماعى ‬والسياسى ‬الشديد.‬
‬تدعو ‬إلى ‬دمج ‬التراث ‬الشعبى ‬فى ‬التعليم. ‬كيف ‬يمكن ‬أن ‬يحدث ‬ذلك ‬وتتوحد ‬فئات ‬المجتمع ‬تعليميًا ‬فى ‬ظل ‬اتجاه ‬الواقع ‬إلى ‬التفرقة ‬وتأصيل ‬سمة ‬الاستعلاء؟ ‬إذ ‬نملك ‬أكثر ‬من ‬نظام، ‬ما ‬بين ‬المدارس ‬الحكومية ‬والتجريبية ‬واللغات ‬والدولية، ‬والتى ‬تنتج ‬بدورها ‬أجيالًا ‬تتعدد ‬خلفياتها ‬الثقافية.‬
التفاوت ‬التعليمى ‬الصارخ ‬يعيد ‬إنتاج ‬التفاوت ‬الطبقى ‬الصارخ ‬فى ‬المجتمع ‬ويضفى ‬شرعية ‬على ‬هذا ‬الانقسام ‬الطبقى ‬باعتباره ‬تعبير ‬عن ‬الجدارة. ‬هذه ‬قضية ‬إشكالية ‬فى ‬عديد ‬من ‬المجتمعات ‬ومنها ‬المجتمعات ‬الغربية ‬المتقدمة. ‬وبحسب ‬آراء ‬بيير ‬بورديو ‬فإن ‬النظم ‬التعليمية ‬الغربية ‬تحتكر ‬معايير ‬ثقافية ‬لا ‬تتناسب ‬مع ‬أبناء ‬الطبقات ‬الأدنى ‬وإنما ‬تعمل ‬لصالح ‬أبناء ‬الطبقة ‬العليا. ‬ولهذا ‬يدخل ‬التلاميذ ‬من ‬خلفيات ‬طبقية ‬متنوعة ‬للالتحاق ‬بنظام ‬تعليمى ‬موحد، ‬ولكن ‬المحصلة ‬النهائية ‬للنظام ‬التعليمى ‬تفرز ‬متفوقين ‬من ‬أبناء ‬الطبقة ‬العليا ‬ولا ‬تتيح ‬الفرص ‬لتفوق ‬أبناء ‬الفقراء، ‬ومن ‬ثم ‬يعيد ‬النظام ‬التعليمى ‬إنتاج ‬نفس ‬الأوضاع ‬الطبقية ‬المتباينة ‬للتلاميذ ‬بعد ‬التخرج.‬‮ ‬
إذا ‬كان ‬هذا ‬هو ‬الحال ‬فى ‬الغرب ‬فإن ‬حالنا ‬أكثر ‬تعقيدًا ‬من ‬ذلك، ‬حيث ‬يوجد ‬لدينا ‬نُظم ‬تعليمية ‬متعددة ‬بحسب ‬تفاوت ‬الخلفيات ‬الطبقية ‬لمن ‬يلتحقون ‬بها، ‬وهذا ‬يؤدى ‬إلى ‬وجود ‬نظم ‬تعليمية ‬لكل ‬طبقة ‬أو ‬فئة ‬اجتماعية ‬اقتصادية، ‬وهو ‬ما ‬يؤدى ‬بدوره ‬إلى ‬فقدان ‬التعليم ‬لوظيفته ‬فى ‬الحراك ‬الاجتماعى ‬والتى ‬كانت ‬سائدة ‬على ‬مدى ‬أكثر ‬من ‬نصف ‬قرن ‬مضي. ‬وبطبيعة ‬الحال ‬فإن ‬هذا ‬النظام ‬بصورته ‬الراهنة ‬يكرِّس ‬الطبقية ‬ويعيد ‬إنتاج ‬ثقافة ‬الاستعلاء ‬الطبقى ‬أيضًا. ‬ومع ‬ذلك ‬فإن ‬ما ‬يُبذل ‬حاليًا ‬من ‬تطويرات ‬فى ‬النظام ‬التعليمى ‬خاصة ‬فيما ‬أُنجِز ‬منها ‬على ‬مستوى ‬التعليم ‬الابتدائى ‬يبشر ‬بتحولات ‬جذرية ‬فى ‬اتجاه ‬مختلف، ‬ولكن ‬مازال ‬الوقت ‬مبكرًا ‬للحكم ‬على ‬مدى ‬كفاءة ‬هذه ‬التجربة ‬فى ‬تعزيز ‬العدالة ‬الاجتماعية.‬
‬فى ‬بعض ‬الأحيان ‬تتسبب ‬طرق ‬معالجة ‬التمييز ‬فى ‬تطرف ‬مضاد ‬أو ‬رد ‬فعل ‬معادى، ‬فمثلًا؛ ‬فى ‬الوقت ‬الذى ‬تتجه ‬فيه ‬الدولة ‬لتمكين ‬المرأة ‬والشباب ‬نلاحظ ‬زيادة ‬فى ‬نسبة ‬التعديات ‬ضد ‬المرأة ‬فى ‬الشارع ‬المصرى ‬وارتفاع ‬لمشاعر ‬الإحباط ‬بين ‬الشباب ‬التى ‬تدفع ‬بعضهم ‬للانتحار ‬أحيانًا. ‬كيف ‬يمكن ‬تفادى ‬ذلك ‬وتحقيق ‬التوازن؟
التمييز ‬ضد ‬النساء ‬متجذر ‬بعمق ‬فى ‬الثقافة ‬المجتمعية ‬السائدة، ‬والتراث ‬الشعبى ‬مليئ ‬بصور ‬سلبية ‬للنساء. ‬وبالتالى ‬فإن ‬جهود ‬الدولة ‬فى ‬تمكين ‬المرأة ‬ماتزال ‬بعيدة ‬عن ‬مكافحة ‬صور ‬التمييز ‬المجتمعى ‬ضدها. ‬فالتمكين ‬الفوقى ‬قد ‬يكون ‬مهم ‬فى ‬ظل ‬تفاقم ‬الفجوة ‬النوعية ‬فى ‬المجتمع، ‬ولكن ‬النجاح ‬الحقيقى ‬يكمن ‬فى ‬تغيير ‬القيم ‬والتصورات ‬والمعتقدات ‬التى ‬تعزز ‬الفجوة ‬النوعية ‬ضد ‬المرأة. ‬كما ‬أن ‬الفجوة ‬العمرية ‬قائمة ‬فى ‬المجتمع، ‬وتغذيها ‬تصورات ‬نمطية ‬عن ‬عدم ‬أهلية ‬الشباب ‬لتحمل ‬مسئوليات ‬تتجاوز ‬التعليم ‬والعمل، ‬وللأسف ‬هذه ‬القناعات ‬سائدة ‬أيضًا ‬لدى ‬الشباب ‬أنفسهم ‬مما ‬يفقدهم ‬ثقتهم ‬فى ‬أنفسهم ‬على ‬النجاح ‬والخروج ‬من ‬الحلقة ‬المفرغة ‬للتهميش، ‬وكل ‬ذلك ‬يتطلب ‬تدخلات ‬كثيرة ‬قائمة ‬على ‬الشراكة ‬المجتمعية. ‬وبالتالى ‬فإن ‬تغيير ‬الصور ‬النمطية ‬السلبية ‬سواء ‬كانت ‬النوعية ‬أو ‬العمرية ‬يتوقف ‬على ‬دور ‬مؤسسات ‬التنشئة ‬الاجتماعية ‬وبالأخص ‬المؤسسات ‬الثقافية ‬والإعلامية ‬والتعليمية، ‬ويتطلب ‬جهودًا ‬متعددة ‬ومتضافرة ‬ومنسجمة ‬معًا ‬ومستدامة.‬
‬يتناول ‬الكتاب ‬العديد ‬من ‬القضايا ‬المهمة ‬ويدرس ‬أسباب ‬الصراعات ‬الاجتماعية ‬والتطرف ‬والكراهية ‬فى ‬عالمنا ‬العربى، ‬ويطرح ‬أفكارًا. ‬يبقى ‬السؤال؛ ‬كيف ‬سيصل ‬هذا ‬الفكر ‬للمواطن ‬فى ‬الشارع؟ ‬كيف ‬يمكن ‬أن ‬تدخل ‬تلك ‬الأفكار ‬فى ‬حيز ‬التطبيق ‬فى ‬ظل ‬تفشى ‬الأمية ‬والجهل ‬وقِلة ‬القراءة؟
للعلوم ‬الاجتماعية ‬دور ‬مهم ‬فى ‬تشكيل ‬الرأى ‬العام، ‬وهذا ‬يتطلب ‬إعداد ‬جيد ‬من ‬جانب ‬المشتغلين ‬بعلم ‬الاجتماع ‬والعلوم ‬الاجتماعية ‬بصفة ‬عامة ‬للتصدى ‬لهذه ‬المهمة، ‬إذ ‬أن ‬كثير ‬من ‬الأكاديميين ‬لديهم ‬رصيد ‬متميز ‬من ‬المعرفة ‬ولكن ‬تأهيلهم ‬المحصور ‬فى ‬نطاق ‬المعايير ‬الأكاديمية ‬يحول ‬دون ‬قدرتهم ‬على ‬مخاطبة ‬الرأى ‬العام ‬بلغة ‬واضحة ‬يفهمها ‬ودون ‬تعالى ‬لغوى. ‬وللأسف ‬لدينا ‬قلة ‬قليلة ‬للغاية ‬ممن ‬يستطيعون ‬مخاطبة ‬الرأى ‬العام. ‬وأود ‬أن ‬ألفت ‬النظر ‬فى ‬هذا ‬الصدد ‬إلى ‬أن ‬كتاب ‬تراث ‬الاستعلاء ‬كان ‬محاولة ‬للمزج ‬بين ‬كونه ‬كتابًا ‬علميًا ‬استنادًا ‬إلى ‬المعايير ‬الأكاديمية، ‬وفى ‬الوقت ‬ذاته ‬مكتوب ‬بلغة ‬يفهمها ‬القارئ ‬العام. ‬وهذا ‬ما ‬جاء ‬فى ‬حيثيات ‬الفوز ‬بالجائزة، ‬وأتمنى ‬أن ‬أكون ‬وُفقت ‬فى ‬تحقيق ‬هذه ‬المعادلة ‬الصعبة.‬‮ ‬
‬لازال ‬سؤالى ‬حول ‬كيفية ‬الوصول ‬والتطبيق ‬قائمًا؛ ‬هل ‬يمكن ‬للوسائل ‬الإعلامية ‬المؤثرة ‬ذات ‬المشاهدات ‬العالية ‬كالسينما ‬والدراما ‬وبرامج ‬‮«‬التوك ‬شو‮»‬ ‬أن ‬تساهم ‬فى ‬ذلك؟
أتصور ‬أن ‬كتَّاب ‬السيناريو ‬يمكن ‬أن ‬يستلهموا ‬من ‬الكِتاب ‬موضوعات ‬تتعلق ‬بإشكاليات ‬التعصب ‬والتطرف، ‬ويمكن ‬أيضًا ‬عرض ‬حلقات ‬مصورة ‬كفيديوهات ‬حول ‬الكتاب ‬لتبسيطه ‬فكرته ‬لدى ‬القارئ، ‬وبإمكان ‬برامج ‬التوك ‬شو ‬أن ‬تعرض ‬نقاشًا ‬حول ‬الكتاب ‬أو ‬موضوعات ‬تفصيلية ‬وردت ‬فيه. ‬وهذه ‬الوسائل ‬الحديثة ‬مهمة ‬لتمكين ‬الشباب ‬من ‬الوصول ‬للمعرفة ‬من ‬خلال ‬الصورة.‬‮ ‬
‬هل ‬هناك ‬مشروع ‬جديد ‬تعمل ‬عليه ‬حاليًا؟
أهتم ‬الآن ‬بجوانب ‬من ‬التراث ‬الشعبى ‬الإيجابى ‬والتى ‬تعزز ‬التنوع ‬الثقافى ‬والتماسك ‬الاجتماعى ‬والتسامح ‬وقبول ‬الآخر، ‬بالإضافة ‬إلى ‬الاهتمام ‬بخريطة ‬البؤر ‬السوداء ‬داخل ‬تراثنا ‬الثقافى ‬العربى، ‬تمهيدا ‬لإعداد ‬تصور ‬نظرى ‬متكامل ‬حول ‬إشكالية ‬تطوير ‬التراث ‬وسبل ‬تنميته.‬‮ ‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.