كتب: هانئ مباشر قبل نحو ثلاثة أعوام، وخلال الاحتفالية الخاصة لتكريم المرأة المصرية حرص الرئيس عبدالفتاح السيسى على تكريم إحدى السيدات بشكل خاص ومميز وهو ما لفت انتباه الحضور وقتها خاصة أنها كانت ترتدى ملابس ناصعة البياض وتضع على رأسها طرحة بيضاء، كما قامت بإهداء الرئيس طوقاً أزرق ارتداه على الفور!.. هذه السيدة لم تكن سوى "الأم ماجي".. فمن هي؟!.. ولمَ يحبها الجميع هى وكل "السيرات" و"الراهبات"؟!.. هل لدورهن التنموى وعطائهن للآخرين؟!..أم لأنهن نجحن فى تجاوز طبيعة وظيفتهن الدينية إلى الوصول إلى مرحلة خدمة الجميع وبدون اى تمييز؟!..أم أنهن نجحن فعلا فى القيام بدور الأمهات والتعليم والتربية كما ينبغى لها أن تكون؟!.. ماجى جبران هى "الأم ماجي" أو "ماما ماجي" أو الأم تريز المصرية وأم أطفال العشوائيات كما يلقبونها، تعددت الألقاب لكن هى سيدة مصرية مسيحية، خرجت بمفهوم وقيم خدمة الآخرين والعطاء بعيداً عن أى تمييز وأعلت من شأن الإنسانية ولا شيء غير الإنسانية. فهى المؤسس ورئيس المكتب التنفيذى لجمعية "ستيفنز تشيلدرين" الخيرية فى القاهرة، وهى فى الأصل كانت حاصلة على الدكتوراه فى مجال علوم الحاسبات وعملت أستاذة فى الجامعة الأمريكية، ومتزوجة من رجل ثرى ولديها ابن وابنة، قبل أن تقرر فى عام 1989 إنهاء عملها الأكاديمى والتفرغ تماماً للعمل الخيري، ونذرت نفسها لخدمة أطفال العشوائيات الأكثر بؤساً وفقراً وحرماناً، ومن أجل ذلك الغرض أنشأت الجمعية، والتى تهدف إلى تحسين أحوال الأطفال المعيشية والأسر التى تعيش فى المناطق الأشد فقرا فى قرى صعيد مصر، وكانت ومازالت تقدم المساعدة ليس للأطفال المسيحيين فقط بل المسلمين أيضاً، منفقة كل ثروتها ولا تزال تنفق من أجل هؤلاء المحتاجين والمعوزين الذين ليس لهم أحد يذكرهم أو يهتم بهم. لقد استطاعت توفير الطعام، الملابس، والتعليم المجانى من خلال أكثر من 100 مركز تعليمي، إلى جانب تشجيعها للكثيرين على الانضمام إليها فى تلبية احتياجات الأسر الفقيرة، حتى تمكنت من مساعدة نحو 30 ألف أسرة مصرية، وهو نشاط لاقى قبولًا فى أوساط المجتمع المدنى حتى لُقبت ب"القديسة ماجي"، "الأم تيريزا" المصرية، بينما يسميها الأطفال وأولياء أمورهم الذين يعيشون فى الأحياء الفقيرة باسم "ماما ماجي، ولذلك تم ترشيحها 4 مرات لنيل جائزة نوبل فى مجال السلام، والغريب أنها ترفض الحديث عن عملها وعن هذا النشاط على اعتباره نشاطا خاصا بها، حيث تقول: "أنا بأحب ربنا وبأتعامل معاه بس، وهو اللى يفرق معايا ولا يهمنى أو يشغلنى أى شيء آخر، فضحكة طفل عندى أهم من كل شيء"!.. نموذج "الأم ماجي".. منتشر فى مصر وبأشكال مختلفة سواء عبر تقديم الخدمات المختلفة خاصة للسيدات وكبار السن ومساعدة الفتيات والفقراء والأطفال من خلال المؤسسات المختلفة مثل الملاجئ وأنشطة أخرى تتبع عددا من الكنائس والأديرة.. لكن النموذج الأكثر وضوحا ويتعامل معه قطاع من المواطنين هو إلحاق أبنائهم وبناتهم بمدارس الراهبات، ليس فقط بسبب التعليم الجيد الذى تقدمه تلك المدارس، وإنما للقيم التى تعتنى الراهبات بزرعها داخل نفوس الطلبة قبل تعليمهم مبادئ القراءة والكتابة، ولا يهم إن كان الطلبة مسلمين أو مسيحيين، المهم أن ينتظم الجميع فى صفوف الدراسة، ويستعدوا لما تلقنه لهم مدرساتهم، من القدرة على التفرقة بين الصح والخطأ، باتباع "الميرات" و"السيرات" – مديرات المدارس" والراهبات المعاونات لأساليب صارمة، لدرجة تعليمهم فنون الإتيكيت وكيفية التعامل مع الغير.. هنا أسأل "السير برناديت.. مديرة مدرسة سان جورج".. ما هو سر هذا الحب ليس للأم ماجى بل لكل الراهبات والأمهات والسيرات؟!.. تجيبنى وهى تضحك ليس فى الأمر سر، صحيح أن السيدة التى دخلت عالم الرهبة وهبت نفسها لخدمة الله والفقراء وكل من يحتاجها بكل ما لديها وما فى وسعها وأن لا تبخل على أحد بشيء، وخدمة الإنسان فى أى مكان وفى كل وقت؛ لكن هناك أمر مهم وهو "حب وافعل ما تشاء"، ولا توفر مجهودك أبدا فى عمل كل ما هو خير ومساعدة الاخرين، وهذا ما نعلمه ونربيه فى قلوب وعقول أبنائنا: "أعط وربنا سوف يعينك".. وأكرر السر يكمن فى المحبة، المحبة فى الكون كله، وهذا دور الأم الحقيقي، هى محبة متحركة وبمثابة "مدرسة" للأجيال المختلفة يتلقون منها كل المعارف ويتلقون فيها كل المعارف وتعدهم إعداداً أخلاقياً ودينياً وإنسانياً. الأم.. هى إشراقة السماء على الأرض وتضيء فيهم روح الأمل فى الحياة، ألم يقل أمير الشعراء أحمد شوقى ذات يوم "إذا رحمت فأنت أب أو أم" وألم يقل حافظ إبراهيم الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق.. "الأم".. كلمة صغيرة وحروفها قليلة لكنها تحتوى على أكبر معانى الحب والعطاء والحنان والتضحية وأى امرأة فى الدنيا هى "أم". وتقول "سير لوسى رمزى مديرة مدرسة نوتردام بمصر الجديدة": إن مدارس نوتردام العريقة مجهودها فى كافة أنحاء الجمهورية منذ أكثر من 100 عام، وهناك ما يقرب من 7 مدارس نوتردام كانت تتبع راهبات فرنسيات لذلك جاءت كلمة نوتردام الاسم الفرنساوى للمدرسة، والسر فى تربية مدارس الراهبات المتميزة هى التضحية وألا ندخر جهدا على المستوى التربوى والتعليمى والثقافى والاجتماعي، كما أن هناك حرصا شديدا على ترسيخ القيم وتفعيل قيمة العطاء وقبول الآخر.