الرواية الأكثر مبيعًا حول العالم.. كتبها صاحبها ب«رمش عينه اليسرى» «بدون حواس».. يتحدى إعاقته ويكتب الرواية الأكثر مبيعًا في العالم ب«رمش عينه» الأمل والاجتهاد والكفاح وتحدى الظروف كلها مصطلحات استطاع أن يقدمها الكاتب الشهير جون دومينيك بوبي كما يجب أن تكون، فقد قدم تجربة نجاح بإمكانك أن تتأملها وتتعلم منها المعنى الحقيقى لتحدى المستحيل ومواجهته مهما كان. قبل اللحظة التي استفاق فيها جون دومينيك بوبي على فراش المستشفى الفرنسي، كانت حياته لا تخلو من المتعة، رجل ناجح في أوائل الأربعين من عمره، جمع بين الوسامة والصحة والثراء والشهرة، عمل محررًا في أشهر مجلات الأزياء في باريس، وتمكن رغم صغر سنه من أن يصبح رئيس تحرير مجلة «Elle» الشهيرة. تستطيع أن تتخيل حياته بين عارضات الأزياء ومناقشات «أحدث صيحات الموضة» في العروض، رجل يحب الحياة ويعشق السفر، وقد مكنه عمله من أن يخزن على مر السنين «ما يكفي من الصور والنفحات والأحاسيس»، ذاكرة كانت هي المعين بالنسبة إليه لتحمل تبعات فقدان القدرة على الحركة والتنفس والبلع. تعرض جون دومينيك بوبي في منتصف شبابه إلى سكتة دماغية مفاجئة، عانى بعدها من نوع نادر جدًا من الشلل التام، أطلقوا عليه «متلازمة المنحبس»، وفيه ينفصل الدماغ عن «النخاع الشوكي» ويفقد المريض قدرته الكاملة على الحركة؛ إلا أنه رغم ذلك يحتفظ بوعيه وإدراكه العقلي، ليعيش ما تبقى له من الحياة حبيس جسده المريض . ومن الخيال والذاكرة قرر جون بوبي، أن يكتب كتاب السيرة الذاتية الخاص به، على فراش المستشفى، بلا حاجة ليدين أو صوت، فقط من خلال «رمش العين اليسرى»، لتصبح روايته الذاتية المنشورة عام 1997 «بذلة الغوص والفراشة» واحدة من أكثر الكتب مبيعًا حول العالم. إصابته ب«متلازمة المنحبس» في الفصل الأخير من الرواية، يستحضر جون بوبي، ذكرى اليوم الذي سبق الكارثة، الثامن من ديسمبر 1995؛ إذ يسرد لحظاته الأخيرة في الريف، تلك اللحظات التي سبقت فقدان قدرته على الحركة، يقول: «كل شيء كان رماديًا، مُذعنًا، بليدًا: السماء والناس، والمدينة المرهقة من إضراب للنقل العمومي». كانت شركة سيارات ألمانية قد وضعت تحت تصرفه طرازًا جديدًا من سيارات «BMW» لتجربتها لمدة نهار كامل بعد الظهيرة، يقود بوبي 40 كيلومترًا خارج باريس لاصطحاب ابنه من منزل زوجته من أجل قضاء أمسية معه في المدينة، وفي رحلة العودة تنتابه حالة شبهها الكاتب الفرنسي بتأثير عقار «LSD» وما يتبعه من هلوسات وتعرق، ومضات من أحداث آنية لوصول الممرضة أخت زوجته، لرحلة الطريق إلى المستشفى، أشخاص يجرون في كل الاتجاهات، وكرسي متحرك يجلس عليه، ومن ثم ظلام، كانت الغيبوبة التي استيقظ منها جون دومينيك بعد ثلاثة أسابيع بعقل يعمل مثل ماكينة، وجسد لا يقوى حتى على التنفس أو البلع دون مساعدة. يصف جون بوبي مرضه بأنه «تحوير» لعقوبة الموت؛ قائلًا: «تطور تقنيات الإنعاش حوَّر العقوبة، صرنا نتملص من الموت مقذوفين فيما يسميه الطب الأنجلوسكسوني: «متلازمة المنحبس»، إذ يُسجن المريض داخل جسده المادي، مشلولًا من الرأس حتى أخمص القدمين بروحٍ سليمة ورمش أيسر صالح لجميع أنواع الاتصال. رأى بوبي نفسه حبيسًا ل«بذلة غوص» عملاقة تقيد الجسم كله، يصارع داخلها من أجل الحركة بلا نتيجة، «كابوس لا ينتهي»، إلا أن عقله كان مثل فراشة، تتنقل بخفة بين أحلام اليقظة وذكريات حياته القديمة، سجن وجد فيه نافذة من الخيال والذاكرة، فعاش داخل دماغه. الكتابة برمش العين «رمشة واحدة: نعم، رمشتان تعني: لا». يقولون عنها الأبجدية الصامتة، وهي التي استخدمها بوبي ليكتب سيرته الذاتية بلا قلم، فقط 200 ألف رمشة من عينه اليسرى على حروف الأبجدية، مهمة شاقة أنهاها وتوفي بعد نشر الرواية بأيام، عن عمر يناهز 44 عامًا. في فصل «الأبجدية»، يشير جون دومينيك بوبي إلى أن الحروف رتبت بطريقة معينة، وفقًا لشائعية استخدامها في محادثات اللغة الفرنسية، فيما أطلقوا عليه نظام «ESA»؛ إذ كانت مدربة النطق تجلس إلى طرف فراشه، تتلو عليه الحروف الأبجدية كلها ببطء، وما عليه سوى أن يرمش عند الحرف المطلوب، فيقول: «ثم نكرر الأمر نفسه لتحصيل الأحرف الموالية، وإذا لم تكن هنالك أخطاء، نتحصل سريعًا على كلمة تامة، ومن ثم مقاطع جمل واضحة». في البدء كان تعلم هذا النظام يهدف إلى تسهيل عملية التواصل المباشر معه، سواء من أجل الأطباء أو الأهل والأصدقاء؛ إلا أن بوبي سيستخدم الطريقة ذاتها في تأليف كتابه، في الليل يختار الكلمات وينمق الجمل، يحفظ النص عن ظهر قلب، وفي الصباح تأتي المندوبة الخاصة بدار النشر تتلى عليه الحروف الأبجدية، ليرمش بالعين اليسرى عند الحرف المطلوب، وتبدأ اللعبة الذهنية في تكوين الكلمات والجمل وتحريرها من خلال ومضات العين. أراد بوبي أن ينقل حالة جسده ومشاعره من خلال النص، «غواص في أعماق البحر، مكبل داخل بذلة غوص ثقيلة وعملاقة تأبى أن ترفعه» وفي الوقت ذاته حالته العقلية شديدة الوعي والإدراك، وذلك من خلال التنقل ما بين أحداث حياته الآنية، والذكريات البعيدة التي اختلطت مع أحلام اليقظة والهلوسات، تفاصيل لتجربة حياتية شديدة الثراء، عبر عنها من خلال جمل مقتضبة شديدة الذكاء، تتناسب مع حالته الجسدية، لينهي كتابه في 100 صفحة فقط. أعجب المخرج الأمريكي جوليان شنابل، بالرواية التي تعد من أكثر الكتب مبيعا حول العالم، وحولها إلى فيلم «بذلة الغوص والفراشة» وهو نفس إسم الرواية، إنتاج عام 2007، وتم ترشيح الفيلم لأربعة جوائز أوسكار وفاز ب 67 جائزة دولية، وقد نجح شنابل في الفيلم من أن يرسم العالم من وجهة نظر الحبيس، على الشاشة نرى كمشاهدين من زاوية الرؤية الضيقة لعيونه .