بقلم : عبدالله البقالى لم تكن جائحة كورونا اللعينة وباء على الجميع على قدم المساواة، إذ بقدر ما تسببت فى أضرار بليغة جدا لشرائح واسعة من الأشخاص والجماعات، وألحقت خسائر بليغة بالاقتصاد تسببت فى موجات من الخوف والقلق من المستقبل المنظور والبعيد، فإنها فى نفس الوقت كشفت عن أشخاص استفادوا من الأزمة الطارئة الصعبة بشكل يدعو إلى الاستغراب والدهشة من الكيفية التى حصل فيها ما حصل. فالمعطيات المتوافرة تؤكد أن أثرياء العالم زادوا ثراء فى سنة صعبة لم تكن ظروفها القاسية تسمح بمراكمة الثروات والأرباح. فقد كشفت قائمة أثرياء العالم التى نشرتها مجلة (فوربس) قبل أيام قليلة من اليوم عن حقائق مذهلة فى هذا الصد، حيث أكدت أن لائحة أكثر الأشخاص ثراء فى العالم زادت عن العدد الإجمالى لهؤلاء مقارنة مع نفس الفترة من السنة الفارطة، حيث انتقل مجموعهم من 215 إلى 241 بقيمة ثروة إجمالية تجاوزت 1،4 تريليون دولار أمريكى، بما يمثل 16 بالمائة من إجمالى القيمة الصافية لثروات جميع أصحاب المليارات البالغ عددهم 2095 ثريا فى قائمة أثرياء العالم هذه السنة. ومهم أن نتوقف عند معطى له أكثر من دلالة ويتمثل فى أن أثرياء العالم المستثمرين فى المجالات التقنية نالوا حصة الأسد فى هذه الغنيمة الكبيرة، حيث احتلوا مراكز ومواقع متقدمة جدا فى لائحة أثرياء العالم، وبذلك يتضح أن الاستعمالات التقنية فى زمن انتشار مهول لوباء خطير مثلت فترة استثمار حقيقية للمآسى التى تسبب فيها انتشار هذه الجائحة.إذ رغم تسجيل انخفاضات مهولة فى قيمة الأسهم فى الأسواق المالية العالمية، وتأكيد حصول تراجعات كبيرة فى الحجم المالى للرواج الاقتصادى فى العالم، فإن مجموعة من كبار الأثرياء فى العالم نجحوا فى الإفلات من كماشة المعطيات المالية والاقتصادية السلبية والسيئة التى قبضت بأنفاس الاقتصاد العالم، فى ظروف أزمة صحية عالمية طارئة عصفت بجميع المؤشرات الماكرو اقتصادية الميكرو اقتصادية فى الكون. تفسير هذا المعطى اللافت للانتباه لا يبتعد كثيرا عن الإقرار بأن أجواء العزل والحجر الصحى التى أجبرت الشعوب على الاختفاء فى المنازل فى محاولة تجنب الإصابة بفيروس خطير كان ولايزال يتجول بكل حرية، وبقوة نشاط غير مفهومة حيرت العلماء قبل البسطاء، فى تفاصيل الحياة اليومية للأفراد والجماعات، وأن هذه الظروف الاستثنائية التى كان يصعب على أكثر الخبراء مهارة وخبرة وحنكة التوقع بحدوثها، فرضت تغييرا عميقا وجذريا فى أنماط العيش اليومية للبشر استفادت منها مختلف أعمال الصناعات التقنية خصوصا فى مجالات التواصل. أرقام وأحجام الثراء المتراكم خلال هذه السنة مذهلة جدا، ويمكن القول إن ثروة ثرى واحد من أكثر الأشخاص ثراء فى العالم قد تتجاوز قيمة موازنات دول نامية أو متخلفة. فقد بلغت ثروة «جيف بيزوس» صاحب شركة أمازون ما قيمته 113 مليار دولار أمريكي، وإن بدت أنها تراجعت مقارنة مع ما كانت عليه قبل سنة، إلا أنها فى الحقيقة زادت عنها، وتفسير ذلك يكمن فى أن طلاقه من زوجته السابقة كلفه استفادتها من 36،8 مليار دولار، وهى قيمة جزء من حصته فى أسهم الشركة، وهو الطلاق السعيد الذى قد تتمناه نساء كثيرات فى العالم. بيد أن رفيقه مالك إحدى أهم الشركات العاملة فى قطاع الاتصالات، بيل غيتس ارتفعت ثروته من 96،5 مليار دولار إلى 98 مليار دولار، وهى الثروة التى غنمت من ارتفاع سعر أسهم شركة مايكروسوفت.أما الثرى «لارى إليسون» فقد أحسن استثمار انتشار الوباء بذكاء خارق، بأن انتقل إلى مرتبة خامس ثرى فى العالم، بثروة بلغت قيمتها 59 مليار دولار، بعدما أنشأ قاعدة بيانات لحالات الإصابات بالفيروس فى الولاياتالمتحدة بالتعاون مع إدارة البيت الأبيض وإدارة الدواء والغذاء الأمريكية والمعاهد الوطنية للصحة فى الولاياتالمتحدةالأمريكية. أما الرجل المتحكم فى شبكة الفيس بوك مارك زوكربيرج فقد ارتفعت قيمة ثروته إلى 54 مليار دولار، وتفرد مارك بأن أعلن عن خطط تحفيزية بدفع مكافآت مالية بقيمة ألف دولار لجميع العاملين فى الشركة، فى حين قفزت ثروة ستيف بالمر من 41٫3 مليار دولار إلى 52٫7 مليار دولار، كما أن لارى بيج الذى احتفظ بعضويته فى إدارة ألفابيت، وهى الشركة الأم لشركة جوجل الرائدة فى مجال الاتصالات بعد تنحيه من منصب الرئيس التنفيذى زادت ثروته ب 100 مليون دولار لتصل إلى حوالى 51 مليار دولار. و دون الاستفاضة فى استعراض نماذج وأسماء الأثرياء الذين كانت الجائحة الخطيرة التى تعيشها البشرية منذ حوالى سنة بردا وسلاما على ودائعهم ومدخراتهم المالية، لأن ذلك سيزيد من ضغط الدم لدى القارئ، فإن الظاهرة تكشف عما يمكن أن نسميه ب(عدالة تكلفة كورونا)، إذ فى الوقت الذى وجد فيه ملايين الأشخاص أنفسهم بدون مصدر عيش، بعدما عصفت الجائحة بمناصب الشغل التى كانوا يتعيشون منها، وبعدما تشرد من تشرد، وجاع من جاع، ومات من مات، فى نفس الوقت غنم أشخاص قليلون أرباحا مالية طائلة فى ظروف وأجواء انتشار الوباء، بما يكشف عن غياب عدالة الكلفة فى زمن الأزمة، وما بعده. وهذه مرآة كاشفة عاكسة لطبيعة النظام الاقتصادى العالمى الموحل فى الليبرالية المتوحشة التى تصل حد استثمار المآسى البشرية من أجل المال ولا شيء غير المال.