تأملات فى مسألة المخالفات..!

ورقة وقلم

من الآن فصاعداً، لن يُسمح بالبناء على قيراط واحد جديد من الأرض الزراعية.. ولن يقبل نظام 30 يونيو أن يخسر سباقه مع الزمن
نعيش أجواء ضجيج وصخب، حيث تتوارى أصوات المنطق، وتتعالى دعاوى الباطل، وحيث تصعب التفرقة بين صيحات الإعجاب وصياح الاستياء..!
هذه أمارات المراحل الانتقالية فى حياة الشعوب، لاسيما بعد أيام الغضب والانتفاض والثورة والتحولات السياسية.
تلك الأجواء الملبدة بغيوم كثيفة، تخيم على الوعى الفردى والجمعى، تكبل الفعل بقيود التلكؤ وتكبح حركته بلجام التردد، وفى ذات الوقت تطلق العنان لردود الأفعال لتجمح دون روية وتنطلق بمبالغة تخرق قانون المساواة فى المقدار والتضاد فى الاتجاه..!
هذا هو الطقس السياسى الاجتماعى الذى نعيشه، ويزيد من ضراوته وجود جماعات معادية للدولة والشعب والنظام، تركت فى رعونة ترعى حيث شاءت فى أمن وأمان واستقرار البلد، وهى تتدثر بغطاء من غفلة الآخرين وتنفث سمومها بين الناس فى الشارع وفى المصلحة الحكومية وفى الفضاء الإلكترونى..!

ليس غريباً إذن تلك الضجة الكبرى التى صاحبت قرارات الدولة الخاصة بالتصدى لمخالفات البناء على أراضى الدولة والأرض الزراعية خصوصاً وعلى غيرهما.
أصحاب المال من المخالفين فى المدن الجديدة والمنتجعات، ظنوا أنهم فى مأمن من الإزالات فالدولة فى حالة بناء، وظنوا أنهم فى مأمن من الغرامات بسبب أصواتهم العالية وقدرتهم على النفاذ بمطالبهم إلى السلطة وأن نفوذهم هو جدار حماية لهم من أن تطالهم أى إجراءات، وراهنوا على أن الضغط على الحكم من شأنه أن يؤدى إلى ليونة فى المواقف وتراجع عن القرارات.
أبناء الطبقة الوسطى وما دونها الذين يحوزون وحدات سكنية أقيمت بالمخالفة لشروط الترخيص والبناء، تصوروا أن الدولة التى تنشىء وحدات لسكان العشوائيات الخطرة المهددة لحياة قاطنيها وتسلمها لهم مجانا بالأثاث والأجهزة والمفروشات، لن تطالبهم برسوم أو غرامات، وأنها ستغض الطرف عن هذه المخالفات، ونسوا أن أحد أغراض إزالة تلك العشوائيات بجانب توفير حياة كريمة لأبنائها هو إزالة القبح والأدران من أحياء العاصمة والمدن الكبرى.
أما أصحاب الأوهام من تجار الدين والسياسة، قيادات وكوادر جماعة الإخوان، فقد تلقفوا تلك الإجراءات، مستغلين النزعة الطبيعية عند قطاعات واسعة من المواطنين لعدم سداد الغرامات والرسوم الحكومية، ومستثمرين عدم التمهيد الإعلامى لتلك القرارات، وأخذوا يحاولون تأليب المواطنين سواء المخالفون أو غير المخالفين على الحكومة وعلى النظام فى مجمله عبر حملة ممنهجة منسقة تنطوى على الشائعات المروجة عن طريق الاتصال المباشر والفيديوهات المزورة التى يتم بثها عبر الفضائيات الممولة قطرياً والمستضافة إردوغانياً، وكذلك عبر شبكات التواصل الاجتماعى التى يقوم عليها عقائديون مدربون على أعمال الدعاية السوداء والحرب النفسية.

هدف جماعة الإخوان من تلك الحملة هو استثارة المضارين من الإجراءات الخاصة بتطبيق القانون، للخروج أو النزول، فى احتجاجات يستتر خلفها أو من ورائها قطعان المخربين الإخوان، لإشعال حرائق هنا أو إطلاق النار على حشود أو رجال شرطة هناك، سعيا لإثارة اضطرابات أو فوضى تؤدى إلى إحداث شق أو شرخ فى جدار الكتلة الوطنية التى ألقت بنظام الإخوان فى مزبلة التاريخ وسلال قمامة السياسة.
وأطلقت قيادات جماعة الإخوان موعداً افتراضياً لذلك النزول المتوهم هو 20/9/2020.
فإذا استبقت الحكومة ذلك التاريخ وتراجعت عن تطبيق القانون، تخسر جماهيريا بين الشريحة الأوسع من الوطنيين، وتخسر سياسياً لو ظهر أنها رضخت لضغوط أصحاب نفوذ أو حظوة قبيل إجراء انتخابات مجلس النواب، وقبل كل ذلك تخسر تاريخياً فى هذه المرحلة بالغة الأهمية من إعلاء المشروع الوطنى المصرى الذى يؤسس لدولة الحق والقانون.
وإذا فشلت دعوة الخروج فى ذلك التاريخ، فلا بأس من تاريخ آخر أكثر جاذبية هو 10/10/2020 قبيل إجراء انتخابات مجلس النواب بنحو أسبوعين، فإذا فشلت هذه الدعوة فهناك تاريخ 11/11/2020، وهكذا..!
الفشل هو مكسب لجماعة الإخوان، من زاوية أنه فى تصورها ينهك أجهزة الأمن والنظام، حيث ستظل فى حالة استعداد متواصلة بين تلك التوقيتات المتقاربة.
لكن الحقيقة فى ظنى أن قيادات وكوادر جماعة الإخوان قد أدمنوا بهذه الحملة الممنهجة وهذه التصورات والدعوات الخائبة، تكرار الأخطاء السياسية والخطايا الأمنية.
وأحسب أن هناك من رجالات هذا البلد الذين يتحملون عبء الدفاع عن أمنه واستقراره وسلامة مواطنيه من يرقبون كل ما يجرى فى العلن وفى الخفاء.
ولست أشك أن ثمة ضربات موجعة استباقية آتية حتماً على أم رأس جماعة الإرهاب، والأخرى مقبلة لتقطيع أوصال وأطراف اتباعهم المفسدين فى الأرض تقطيعاًَ، وأظن الموعد أقرب مما يتصورون..!

لست أخاطب بكلماتى هذه فى الأساس أصحاب المخالفات كباراً كانوا أم صغاراً، لأنى أعلم أن «سلو بلدنا» هو بحث أبنائها عن مسالك ووساطات للقفز على القانون أو حتى اقتضاء الحقوق..!
لكنى أريد أن أحادث الضمير الجمعى لجموع المصريين علقوا ويعلقون آمالا عريضة على القيادة الوطنية المخلصة للرئيس السيسى، الذى وعدهم واستنهض هممهم ويقود مسيرتهم لبناء الدولة المصرية الحديثة الثالثة، التى ترتكز على أعمدة وركائز، أهمها وأشدها رسوخاً هو دولة القانون.
ووسط كل هذا الصخب الذى يصرف الآذان عن التمييز، ووسط كل هذه الأدخنة التى تحرم الناظرين من استبصار معالم الطرق ومواقع الأقدام، ثمة حقائق ينبغى لها ألا تغيب عن أذهاننا.
ولعل أهم تلك الحقائق أن الرئيس السيسى حين يعلن قراراً أو يكلف بشأن أو مهمة أو بإجراءات فى لقاءات علنية تبث عبر شاشات التليفزيون، فهو لا يتحدث عفو الخاطر، معبرا عن فكرة أتته فى التو واللحظة يحولها إلى قرار أو إجراء أو أمر رئاسى.
مبلغ علمى أن الرئيس يأخذ وقته فى تمحيص أى فكرة وتقليبها على كل وجوهها ودراسة نتائجها المحتملة وآثارها المتوقعة، ويسأل الخبراء والمتخصصين فى كل زواياها، قبل أن يفاتح بها الرأى العام.
ولقد استمعت كغيرى من مئات الكُتَّاب ورجال السياسة إلى السيسى حينما كان مديرا للمخابرات الحربية وهو يبثنا آلامه من العدوان على الأراضى الزراعية الذى استشرى أثناء وعقب ثورة 25 يناير، استغلالا لضعف أجهزة الأمن والنظام فى تلك الفترة العصيبة التى لانت فيها معظم أعمدة الدولة وتداعت.
ولعل ذاكرة المصريين لا تنسى مداخلات الرئيس السيسى العديدة خلال لقاءاته ومشاركاته فى افتتاح المشروعات الكبرى والقومية، والخاصة بمجابهة الاعتداء على أراضى الدولة والعدوان على الأراضى الزراعية وأحزمة القبح التى تحيط بخاصرة العاصمة والمدن الكبرى من أبراج مخالفة تعتدى على حرم الطريق العام أو زمام الترع وتطل بواجهاتها المثيرة للاشمئزاز تهزأ من تاريخ أول من بنى على ظهر الأرض وأعظم من شيد أروع المعابد وأكثرها جمالاً على مر العصور، وأيضا تنطق بمظاهر فقر كاذبة تنتقص من حقيقة هذا البلد برغم أن أصحاب تلك الأبراج وسكانها ينعمون فى داخل وحداتهم بعيش كريم بل وبرغد العيش.

ليس سراً أن الهدف الأسمى لبرنامج «الحلم المصرى» الذى وضعه السيسى أساساً لبناء الدولة المصرية الحديثة ونشر العمران فى ربوعها هو مضاعفة مساحة المعمور على أرضها، ذلك أن هذه المساحة لا تتعدى نسبة تتراوح بين 6٪ و7٪ من اجمالى أرض مصر، وهى بالقطع لا تكفى لإعالة عدد سكانها البالغ ما يزيد على مائة مليون مواطن، سواء فى السكن أو الأرض الزراعية أو الأرض المخصصة للصناعة وغيرها من أنشطة.
لذا كانت المدن الجديدة هى السبيل لخلخلة التكدس السكانى فى العاصمة ودلتا النيل وصعيد مصر والوسيلة لتوفير المسكن وفرص العمل للأجيال الجديدة من الشباب والراغبين فى الزواج، ولذا جاء مشروع الملايين الأربعة من الأفدنة ومرحلته الأولى التى تشمل استصلاح وزراعة 1.5 مليون فدان بخلاف مشروعات الصوبات الزراعية والمجمعات الزراعية الصناعية كطريق لإنتاج المحاصيل والخضر والفاكهة اللازمة لتلبية احتياجات الزيادة السكانية المطردة والتى تعجز الأرض القديمة عن الوفاء بها.
من هنا.. لم يكن من المقبول منطقاً بخلاف أنه من المجرم قانونا، تحويل المناطق حسنة التخطيط كالمدن الجديدة إلى مناطق غير نظامية بتركها فريسة للمخالفات والخروقات، ولا أيضا تبوير الأرض الزراعية والبناء عليها أو على جانبى الترع فى وقت تصرف فيه الدولة مئات المليارات لاستصلاح وزراعة الصحراء. أى أننا نصرف لتبوير الأرض ونصرف أيضا لاستصلاحها، فضلا عن أن البناء العشوائى المخالف على الأرض الزراعية أدى إلى ظهور الآلاف من التوابع أى الكتل السكنية متناهية الصغر حول القرى، مما أربك خطط الدولة لمد مياه الشرب والصرف الصحى والطرق إليها، ويكفى أن نعلم أن بنداً واحداً وهو الصرف الصحى الذى امتدت مظلته ليغطى 40٪ من القرى بعد ما كانت تغطى 14٪ منها قبل 6 سنوات مضت، أصبح يستلزم توفير 300 مليار جنيه لتغطية جميع القرى بهذه الخدمة.
وهناك دعاوى كاذبة تُرَوًّج بين أوساط الجماهير وفى الإعلام بل وبين الساسة والمشرعين، ومنها أن الدولة لا تزيد مساحات الأحوزة العمرانية، بينما فى خلال 12 عاماً مضت زادت الأحوزة العمرانية بالمدن والقرى بنحو 160 ألف فدان، وهى مساحة تكفى لاستيعاب 24 مليون نسمة حتى عام 2030 بكثافة 50 نسمة للفدان، أى أن تلك المساحة قادرة على استيعاب الزيادة السكانية التى أضيفت إلى تعداد البلاد خلال تلك السنوات، بخلاف ما أقيم ويقام من مدن جديدة.
وغير مخالفات التراخيص بالمدن والبناء على الأرض الزراعية، هناك جرائم الاعتداء على أراضى الدولة التى تفتئت على حقوق الشعب فى مجمله والمواطنين كأفراد، وتشكل خرقاً فاضحاً للقانون، لا ينبغى التغافل عنه ولا التسامح فيه بأى حال.

ولقد أسعدنى الحظ بالالتقاء أمس ومجموعة من زملائى من كبار رجال الصحافة والإعلام مع الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء فى منطقة كفر سعد ببنها التى تنهض على مقربة منها أبراج مخالفة تخرق عيون الناظرين وتخترق نصوص القانون وروحه.
وجرى اللقاء بحضور الفريق أول محمد زكى القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والانتاج الحربى واللواء محمود شعراوى وزير التنمية المحلية واللواء محمود توفيق وزير الداخلية والدكتور عاصم الجزار وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية والكاتب الصحفى أسامة هيكل وزير الدولة للإعلام والمحاسب السيد القصير وزير الزراعة.
على مدى ساعة تقريبا وجه رئيس الوزراء رسائل للمواطنين، وأوضح حقائق، وأبرز تفاصيل غائبة عن مجمل الصورة، وعرض إجراءات وتسهيلات، ثم نقل تكليفات وقرارات للرئيس عبدالفتاح السيسى تستهدف التخفيف عن المواطنين بالذات من أبناء الريف فى تحديد مبالغ التصالح وتقديم تسهيلات عند السداد.
قال رئيس الوزراء إن الرئيس السيسى وجه بأن تتحدد قيمة التصالح لأى مخالفات للبناء على الأراضى الزراعية بمبلغ 50 جنيها فقط للمتر المربع بغض النظر عن مكان المخالفة. أى أن المنزل المخالف الذى تبلغ مساحته 100 متر مربع، سيكون مبلغ التصالح المطلوب سداده هو خمسة آلاف جنيه يدفع على 3 سنوات بدون فوائد، وأيضا سيتم بتوجيه من الرئيس تقديم خصم 25٪ من قيمة التصالح فى أى مخالفة بالريف أو المدن عند السداد الفورى.
فى اللقاء طرح رئيس الوزراء تساؤلات تراود الرأى العام وأجاب عنها بوضوح وتفصيل، وأهمها لماذا صمتت الحكومة على المخالفات، ولماذا الآن تواجهها ثم وماذا بعد؟!
وفى إجابات رئيس الوزراء، طرح هذه الحقائق والأرقام وأفصح عن خفايا بعض الأمور.
- موعد تطبيق قانون التصالح رقم (1) لسنة 2020 ليس سراً خافياً على المواطنين، ولا يحمل أعباء على المواطنين، بالعكس فهو يقدم تيسيرات كانت غير واردة فى القانون رقم 119 لسنة 2008 الذى لا يجيز التعامل مع أى مبنى مخالف إلا بالهدم. وفى أعقاب ثورة 25 يناير التى شهدت مخالفات هائلة شملت إنشاء 5 آلاف كتلة سكنية متناثرة حول القرى فوق الأراضى الزراعية، وتم اصدار قانون مؤقت لتقنين حجم المخالفات بعد عام 2008 وهو القانون رقم 144 لسنة 2017، وفى ابريل 2019 صدر قانون التصالح على المخالفات، وتم تعديله فى يناير 2020 بالقانون رقم (1)، الذى صدرت لائحته التنفيذية فى مارس وأعطت مهلة تنتهى فى 30 سبتمبر الحالى، لفتح التصالح فى كل المخالفات.
- قدمت الحكومة تيسيرات عديدة لراغبى التصالح منها أن يتم قبول أى مستندات يقدمها المواطن ويحصل على نموذج (3) الذى يجمد قرارات الإزالة، بشرط أن يقدمها قبل 30 سبتمبر، على أن يستوفيها خلال شهرين وتنظر لجنة تقييم قيم التصالح فى أمره، وتم التسهيل بإمكان الاستعانة بمهندس استشارى بدلا من مكتب استشارى لتحديد الصلاحية الفنية للمبنى.
- بلغ عدد المخالفات المسجلة منذ عام 2011، 2مليون مخالفة على 90 ألف فدان، وحتى الآن تقدم أصحاب نحو مليون مخالفة بطلبات جديدة للتصالح، وسوف تخصص كل المبالغ المحصلة لتطوير المناطق التى توجد بها مخالفات، وحتى الآن انفقت الدولة 13.5 مليار جنيه على مبادرة حياة كريمة التى أطلقها الرئيس فى العام الماضى لتطوير أفقر ألف قرية، وتم تطوير 375 تجمعا ريفيا منها.

أقوى وأوضح رسائل الدولة المصرية التى شدد عليها الدكتور مصطفى مدبولى بعد عرضه الوافى المحترم الحافل بالمعلومات والبيانات، هو رسالة التصميم على عدم السماح مهما كانت الظروف بالبناء من الآن فصاعدا على قيراط واحد من الأرض الزراعية، والتصدى بكل قوة وحسم من جانب أجهزة الدولة المعنية لأى مخالفة جديدة.
ثم رسالة التأكيد على أن نظام 30 يونيو لا يمكن أن يغض الطرف عن أى انتهاك للقانون، أو اختراق للأمن القومى وأحد أعمدته وركائزه هو الأرض الزراعية التى توفر الأمن الغذائى لهذا الجيل والأجيال القادمة، فالحكومة تسابق الزمن -على حد قول الدكتور مصطفى مدبولى- ولو استمر الحال على ما هو عليه الآن من مخالفات فسوف يكون السباق خاسراً وهو ما لا تقبله القيادة ولا الحكومة ولا يرضاه الشعب.