الجيش السوداني يستعيد السيطرة جزئيًا في كردفان    البوروندي باسيفيك ندابيها حكما لمباراة مصر ضد جنوب افريقيا في أمم أفريقيا 2025    وزير الصحة يترأس اجتماع مجلس إدارة الهيئة العامة للمستشفيات التعليمية    وزارة التعليم توجه بإطلاق مسابقة للتوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية    وزير التموين ومحافظ القليوبية يفتتحان المركز النموذجي بالغرفة التجارية    وزير الخارجية: إثيوبيا تتعمد حجب مياه النيل وتسببت في غرق السودان    وزير جيش الاحتلال: لن نخرج من غزة وسنقيم منطقة أمنية داخل القطاع    إيبوه نوح.. شاب غانى يدعى النبوة ويبنى سفنا لإنقاذ البشر من نهاية العالم    أحدهم حليف ستارمر.. ترامب يمنع بريطانيين من دخول أمريكا.. اعرف السبب    أجواء احتفالية في لبنان مع عودة كثيفة للمغتربين خلال موسم الميلاد    أمم أفريقيا 2025.. صلاح ومرموش في صدارة جولة تألق نجوم البريميرليج    وزيرة التنمية المحلية ومحافظ بورسعيد يتفقدان نموذج تطوير أسواق الحميدى    شوبير يكشف موقف "الشحات وعبد القادر" من التجديد مع الأهلي    إصابة عضلية تبعد حمدالله عن الشباب لأسابيع    ضبط 4 متهمين بالتنقيب غير المشروع عن الآثار داخل عقار بروض الفرج    تصادم سيارتين على الطريق الصحراوي الغربي بقنا| وأنباء عن وقوع إصابات    مصادرة 1000 لتر سولار مجهول المصدر و18 محضرا بحملة تموينية بالشرقية    مصرع 3 تجار مخدرات وضبط آخرين في مداهمة بؤر إجرامية بالإسكندرية    سيول وثلوج بدءاً من الغد.. منخفض جوى فى طريقه إلى لبنان    موعد حفل تكريم الفائزين بجائزة ساويرس الثقافية في نسختها ال 21    مجلس الوزراء يكشف حقيقة بيع الدولة لمصانع الغزل والنسيج    الكيك بوكسينج يعقد دورة للمدربين والحكام والاختبارات والترقي بالمركز الأولمبي    وزير الخارجية: سنرد بالقانون الدولي على أي ضرر من سد النهضة    وزير الخارجية يلتقي رئيس مجلس الشيوخ    الصور الأولى لقبر أمير الشعراء أحمد شوقي بعد إعادة دفن رفاته في «مقابر تحيا مصر للخالدين»    قرار هام مرتقب للبنك المركزي يؤثر على تحركات السوق | تقرير    الصحة تعلن اختتام البرنامج التدريبي لترصد العدوى المكتسبة    عون: لبنان الجديد يجب أن يكون دولة مؤسسات لا أحزاب    من هو الفلسطيني الذي تولي رئاسة هندوراس؟    المتحدث العسكري: قبول دفعة جديدة من المجندين بالقوات المسلحة مرحلة أبريل 2026    استقرار نسبى فى اسعار الأسمنت اليوم الخميس 25ديسمبر 2025 فى المنيا    «تغليظ عقوبات المرور».. حبس وغرامات تصل إلى 30 ألف جنيه    أحمد البطراوي: منصة "مصر العقارية" الذراع التكنولوجي لوزارة الإسكان وتستوعب مئات آلاف المستخدمين    «مدبولي»: توجيهات من الرئيس السيسي بسرعة إنهاء المرحلة الأولى من حياة كريمة    أشرف فايق يطمئن الجمهور على حالة الفنان محيى إسماعيل: تعافى بنسبة 80%    التشكيل المثالي للجولة الأولى في كأس الأمم الإفريقية.. صلاح ومرموش في الصدارة    التطرف آفة العصر، ساويرس يرد على كاتب إماراتي بشأن التهنئة بعيد الميلاد    محافظ الجيزة يفتتح قسم رعاية المخ والأعصاب بمستشفى الوراق المركزي ويؤكد دعم تطوير المنظومة الصحية    أزمة فيديو ريهام عبد الغفور.. رئيس شعبة المصورين بالصحفيين: من أمن العقاب أساء الأدب    بعد زيادة الطعون عليها، توفيق عكاشة يطالب الهيئة الوطنية بإثبات صحة انتخابات البرلمان    بالفيديو.. استشاري تغذية تحذر من تناول الأطعمة الصحية في التوقيت الخاطئ    تواصل تصويت الجالية المصرية بالكويت في ثاني أيام جولة الإعادة بالدوائر ال19    عبد الحميد معالي ينضم لاتحاد طنجة بعد الرحيل عن الزمالك    نائب وزير الصحة تتفقد منشآت صحية بمحافظة الدقهلية    الأزهر للفتوى: ادعاء خصومات وهمية على السلع بغرض سرعة بيعها خداع محرم    أمن القليوبية يكشف تفاصيل تداول فيديو لسيدة باعتداء 3 شباب على نجلها ببنها    وزيرا «التضامن» و«العمل» يقرران مضاعفة المساعدات لأسر حادثتي الفيوم ووادي النطرون    بشير التابعي يكشف عن الطريقة الأنسب لمنتخب مصر أمام جنوب إفريقيا    وزير الثقافة: المرحلة المقبلة ستشهد توسعًا في الأنشطة الداعمة للمواهب والتراث    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 25ديسمبر 2025 فى المنيا    حكم تعويض مريض بعد خطأ طبيب الأسنان في خلع ضرسين.. أمين الفتوى يجيب    هل يجب الاستنجاء قبل كل وضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    حين يكون الخطر قريبًا.. كيف تحمي الدولة أطفالها من الاعتداءات الجنسية؟    بعد غياب أكثر من 4 سنوات.. ماجدة زكي تعود للدراما ب «رأس الأفعى»    بطولة أحمد رمزي.. تفاصيل مسلسل «فخر الدلتا» المقرر عرضه في رمضان 2026    أحمد سامي يقترب من قيادة «مودرن سبورت» خلفًا لمجدي عبد العاطي    صفاء أبو السعود من حفل ختام حملة «مانحي الأمل»: مصر بلد حاضنة    ما حكم حشو الأسنان بالذهب؟.. الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبر المنابر| الأوقاف تحارب الإخوان ومثيري الشائعات بهذه الأدوات
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 27 - 09 - 2019

استخدمت وزارة الأوقاف منابر المساجد في كل محافظات جمهورية مصر العربية، للتأكيد على مخاطر الشائعات وإثارة الفتن وخطورتها على المجتمعات جميعها، حيث جاء موضوع خطبة الجمعة 27 سبتمبر عن «حروب الشائعات والسوشيال ميديا ومحاولات تزييف الوعي».
وأعطت وزارة الأوقاف عدد من المحاذير والتنبيهات على مدار أيام لجميع الأئمة والخطباء، مشددة على ضرورة الالتزام بها، بالتزامن مع محاولات جماعة الإخوان الإرهابية لإثارة الشغب ببث مقاطع فيديو مفبركة عبر صفحات التواصل الاجتماعي، وجاءت كالتالي:
- إلزام الأئمة بمساجدهم في أوقات العمل الرسمية.
- إلزام العمال بتنظيف المساجد.
- عدم إعطاء الفرصة لغير المصرح لهم بصعود المنبر.
- عدم الخوض وراء الشائعات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وغيره.
- متابعة القوافل الدعوية والدروس والملتقيات الفكرية بكل دقة.
- ترشيد الكهرباء والماء، وتشغيل المراوح قبل الصلاة بنصف ساعة وفصلها عقب الصلاة مباشرة .
- تفعيل غرفة عمليات بالإدارة يوم الجمعة وموافاة غرفة عمليات المديرية عما يحدث أول بأول.
- إلزام جميع الأئمة والدعاة بموضوع خطبة الجمعة المعلن عنها من الوزارة .
وجاء نص الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: أيها المسلمون منذ أن خلق الله الخليقة وُجد الصراع بين القوى، صراعٌ يستهدف أعماق الإنسانية، ويؤثر في كيان البشرية، وإذا كانت الحروب والأزمات والكوارث والنكبات تستهدف بأسلحتها الفتاكة الإنسان من حيث جسده وبناؤه، فإن هناك حرباً سافرة مستترة تتوالد على ضفاف الحوادث والملِمَّات، وتتكاثر زمن التقلبات والمتغيّرات، وهي أشدّ ضراوة وأقوى فتكا؛ لأنها تستهدف الإنسان من حيث عُمقُه وعطاؤه، وقيمُه ونماؤه، أتدرون يا رعاكم الله ما هي هذه الحرب القذرة؟! "إنها حرب الشائعات". الشائعات من أخطر الحروب المعنوية، والأوبئة النفسية، بل من أشد الأسلحة تدميراً، وأعظمها وقعاً وتأثيراً، وليس من المبالغة في شيء إذا عُدَّت ظاهرةً اجتماعية عالمية، لها خطورتها البالغة على المجتمعات البشرية، وأنها جديرة بالتشخيص والعلاج، وحريةٌ بالتصدي والاهتمام لاستئصالها والتحذير منها، والتكاتف للقضاء على أسبابها وبواعثها، حتى لا تقضي على الروح المعنوية في الأمة، التي هي عِماد نجاح الأفراد، وأساس أمن واستقرار المجتمعات، وركيزة بناء أمجاد الشعوب والحضارات. تُعتبَر الشائعات من أخطر الأسلحة الفتاكة والمدمِّرة للمجتمعات والأشخاص؛ فكم أقلقت الإشاعة من أبرياء، وكم حطمت الإشاعة من عظماء، وكم هدَّمت الإشاعة من وشائج، وكم تسببت الشائعات في جرائم، وكم فكَّكت الإشاعة من علاقات وصداقات، وكم هزمت الإشاعة من جيوش، وكم أخرت الإشاعة في سير أقوام؟
لخطر الشائعات فإننا نرى الدول تهتم بها، والحكام ورؤساء الدول يرقبونها معتبرين إياها، بل إن كثير من دول العالم تُسخِّر وحدات خاصة في أجهزة استخباراتها، لرصد وتحليل ما يبث وينشر من الإشاعات، بانين عليها توقعاتهم لبعض الأحداث. ولا نكون مبالغين إذا قلنا بأن الإشاعة ربما تُقيم دولاً وتسقط أخرى. والمستقرئ للتاريخ الإنساني يجد أن الشائعات وُجدت حيث وُجد الإنسان، بل إنها عاشت وتكاثرت في أحضان كل الحضارات، ومنذ فجر التاريخ والشائعة تمثّل مصدر قلقٍ في البناء الاجتماعي، والانتماء الحضاري لكل الشعوب والبيئات. ولما جاء الإسلام اتخذ الموقف الحازم من الشائعات وأصحابها لما لنشرها وبثها بين أفراد المجتمع من آثار سلبية، على تماسك المجتمع المسلم، وتلاحم أبنائه، وسلامة لُحْمته، والحفاظ على بيضته، بل لقد عدّ الإسلام ذلك سلوكاً مرذولاً منافياً للأخلاق النبيلة، والسجايا الكريمة، والمُثل العليا، التي جاءت بها وحثت عليها شريعتنا الغرّاء من الاجتماع والمحبة والمودّة والإخاء والتعاون والتراحم والتعاطف والصفاء، وهل الشائعة إلا نسف لتلك القيم؟! ومعول هدم لهذه المُثل؟!
أيها المسلمون: إذا كان في دنيا النبات طفيليات تلتفُّ حول النبتة الصالحة، لتفسد نموّها، فإن الشائعات ومروّجيها أشدُّ وأنكى؛ لِمَا يقومون به من خلخلة البُنى التحتية للمجتمع، وتقويض أركانه، وتصديع بنيانه. فكم تجنّوا على أبرياء؟
وأشعلوا نار الفتنة بين الأصفياء؟ وكم نالوا من علماء وعظماء؟ وكم هُدِّمَت الشائعة من وشائج؟ وتسبّبت في جرائم؟
وفكّكت من أواصر وعلاقات؟ وحطّمت من أمجاد وحضارات؟ وكم دمّرت من أُسر وبيوتات؟ وأهلكت من حواضر ومجتمعات؟ بل لَرُبَّ شائعة أثارت فِتناً وبلايا، وحروباً ورزايا، وأذكت نار حروب عالمية، وأجَّجت أُوار معارك دولية، وإن الحرب أوّلها كلام، ورُبَّ كلمة سوءٍ ماتت في مهدمها، ورُبَّ مقالة شرّ أشعلت فِتناً لأن حاقداً ضخّمها نفخ فيها. ومروّج الشائعة -يا عباد الله- لئيم الطبع، دنيء الهمة، مريض النفس، منحرِف التفكير، صفيق الوجه، عديم المروءة، ضعيف الديانة، يتقاطر خسَّة ودناءة، قد ترسّب الغِلّ في أحشائه، فلا يستريح حتى يُزبد ويُرغي، ويُفسِد ويؤذي، فتانٌ فتاكٌ، ساع في الأرض بالفساد، يجلب الفتن للبلاد والعباد.
إنه عضو مسموم، ذو تجاسر مذموم، وبذاء محموم، يسري سريان النار في الهشيم، يتلوّن كالحرباء، وينفث سمومه كالحية الرقطاء، ديدنه الإفساد والهمز، وسلوكه الشرّ واللمز، وعادته الخبث والغمز، لا يفتأ إثارة وتشويشاً، ولا ينفك كذباً وتحريشاً، ولا يبرح تقوّلا وتهويشاً، فكم حصلت وحصلت من جناية على المؤهلين الأكفياء بسبب شائعة دعيٍّ مأفون، ذي لسان شرير، وقلم أُجِير، في سوء نية، وخُبث طوية، وهذا سِرّ النزيف الدائم في جسد الأمة الإسلامية. ومنذ فجر التاريخ والشائعات تنشب مخالبها في جسد العالم كله، لا سيما في أهل الإسلام، يُروِّجها ضعاف النفوس والمغرضون من أعداء الديانة، ويتولى أعداء الإسلام عبر التاريخ، لاسيما اليهود قتلة الأنبياء ونقضة العهود، كبر الشائعات، بغيةَ هدم صرح الدعوة الإسلامية، والنيل من أصحابها، والتشكيك فيها، ولم يسلم من شائعاتهم حتى الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه، فقد تعرّضوا لحملة من الافتراءات، والأراجيف ضد رسالتهم، تظهر حيناً، وتحت جُنح الظلام أحياناً، {فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} [البقرة من الآية:87].
فهذا المسيح عليه السلام تشكك الشائعات المغرِضة فيه وفي أمة الصديقة: {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم:28]. - ويوسف عليه السلام نموذج من نماذج الطُّهر والنقاء ضد الشائعات المغرضة التي تمسّ العِرض والشرف {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف من الآية:24].
-ونبي الله هود عليه السلام يُشاع عنه الطيش والخفة كما قال تعالى: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [الأعراف:66]،
ومرة يُشاع عنه أنه أُصيب في عقله: {قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ .
إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ} [هود:54].
والشائعة التي انتشرت أن كفار قريش قد أسلموا؛ وذلك بعد الهجرة الأولى للحبشة، كانت نتيجتها أن رجع عدد من المسلمين إلى مكة، وقبل دخولهم علموا أن الخبر كذب، فدخل منهم من دخل وعاد من عاد، فأما الذين دخلوا فأصاب بعضهم من عذاب قريش ما كان هو فارٌّ منه، فلله الأمر من قبل ومن بعد. -
وفي معركة أُحد؛ عندما أشاع الكفار أن الرسول صلى الله عليه وسلم قُتِل، فتّ ذلك في عضد كثير من المسلمين، حتى أن بعضهم ألقى السلاح وترك القتال، فتأمَّلوا رحمكم الله تأثير الإشاعة. -
والشائعة الكاذبة التي صُنعت ضد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه؛ ترتَّب عليه أن تجمع أخلاط من المنافقين ودهماء الناس وجهلتهم، وأصبحت لهم شوكة، وقُتِل على إثرها خليفة المسلمين بعد حصاره في بيته وقطع الماء عنه، بل كانت آثار هذه الفتنة، أن قامت حروب بين الصحابة الكرام كمعركة الجمل وصِفِّين.
مَن كان يتصور أن الإشاعة تفعل كل هذا؟!
بل خرجت على إثرها الخوارج، وتزندقت الشيعة، وترتب عليها ظهور المرجئة والقدرية، ثم انتشرت البدع بكثرة، وظهرت فتن وقلاقل كثيرة، ما تزال الأمة الإسلامية تعاني من آثارها إلى اليوم.
والسيرة العطرة لرسول الهدى صلى الله عليه وسلم أنموذج يحمل في طياته نماذج حية لتاريخ الشائعات، والموقف السليم منها، فقد رُميت دعوته المباركة بالشائعات منذ بزوغها: فرُمي بالسحر والجنون والكذب والكهانة، وتفنَّن الكفار والمنافقون الذين مردوا على النفاق في صنع الأراجيف الكاذبة، والاتهامات الباطلة ضد دعوته صلى الله عليه وسلم.
ولعل من أشهرها قصة الإفك؛ تلك الحادثة التي كشفت عن شناعة الشائعات، وهي تتناول بيت النبوة الطاهرة، وتتعرّض لعِرض أكرم الخلق على الله صلى الله عليه وسلم، وعِرض الصدّيق والصدّيقة وصفوان بن المعطل رضي الله عنهم أجمعين وتشغل هذه الشائعة المسلمين بالمدينة شهراً كاملاً، والمجتمع الإسلامي يصطلي بنار تلك الفرية، ويتعذّب ضميره، وتعصره الشائعة الهوجاء عصراً، ولولا عناية الله لعصفت بالأخضر واليابس، حتى تدخّل الوحي ليضع حداً لتلك المأساة الفظيعة، ويرسم المنهج للمسلمين عَبر العصور للواجب اتخاذه عند حلول الشائعات المغرضة
{لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ . لَوْلا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُولَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ . وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ . إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ . وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ . يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [النور:12-17].
تقول عائشة رضي الله عنها: "فمكثتُ شهراً لا يرقأ لي دمعٌ ولا أكتحل بنوم"، حتى برّأها الله من فوق سبع سماوات، رضي الله عنها وأرضاها. إن هذه الحادثة هو حدث الأحداث في تاريخه عليه الصلاة والسلام، فلم يُمكر بالمسلمين مكرٌ أشد من تلك الإشاعة، وهي مجرد إشاعة مختلقة بين الله تعالى كذبها، ومن ذلك أيضاً:
استغلال الكفار والمنافقين لحادث موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين أخذوا يشنون الحرب النفسية ضد المسلمين عن طريق الشائعات المغرضة، زاعمين أن الإسلام قد انتهى، ولن تقوم له قائمة حتى أثّر ذلك على بعض الصحابة رضي الله عنهم، وظل الناس في اضطراب حتى هيّأ الله الصدّيق أبا بكر رضي الله عنه فحسم الموقف بتذكير الأمة بقول الحق تبارك وتعالى:
{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144].
أيها المسلمون: وتتطوّر الشائعات بتطور العصور، ويُمثِّل عصرنا الحاضر عصراً ذهبياً لرواج الشائعات المغرضة، وما ذاك إلا لتطوّر التقنيات، وكثرة وسائل الاتصالات، التي مثّلت العالم قرية كونية واحدة، فآلاف الوسائل الإعلامية، والقنوات الفضائية، والشبكات المعلوماتية تتولّى كِبرَ نشر الشائعات المغرضة، والحملات الإعلامية المحمومة، في صورة من أبشع صور الإرهاب النفسي والتحطيم المعنوي، له دوافعه المشينة، وأغراضه المشبوهة، ضد عقيدة الأمة ومُثلها، وثوابتها وقيمها. إنها ألغام معنوية، وقنابل نفسية، ورصاصات طائشة، تصيب أصحابها في مقتل، وتفعل في غرضها ما لا يفعله العدوّ بمخابراته وطابوره الخامس، مركِّزةً على شائعات الخوف والمرض، وإثارة القلق والرعب والحروب، وزرع بذور الفتنة، وإثارة البلبلة بين الناس، لا سيما في أوقات الأزمات؛ يوافق ذلك فراغ عند المتلقي وفضول، وبطالة وخمول، فتسري الشائعة في الناس مسرى الهواء، وتهيج فيهم هيجان البحر المتلاطم، وتكمن خطورتها أنها سلاحٌ جنوده مغفّلون أغرار، سحرتهم الشائعات ببريقها الخادع، فأصبحوا يرددونها كالبَّبغاوات دون أن يدركوا أنهم أدوات يُستخدمون لمصالح أعدائهم، وهم لا يشعرون. وكم كان للشائعات آثارها السلبية على الرأي العام، وصُنّاع القرار في العالم، وكم كانت سبباً في أن يصرِف الأعداء جبهة الأمة الداخلية عن مشكلاتها الحقيقية لإغراقها في مشكلات مفتعلة، علاوة على تمزيق الوحدة الإسلامية، والعمل على تفتيت الجبهة الداخلية.
أيها المسلمون:
الشائعات جريمة ضد أمن المجتمع، وصاحبها مُجرِم في حق دينه ومجتمعه وأمته، مثيرٌ للاضطراب والفوضى في الأمة، وقد يكون شراً من مروّج المخدرات، فكلاهما يستهدف الإنسان، لكن الاستهداف المعنوي أخطر وأعتى. وإنك لتأسف أشد الأسف ممن يتلقى الشائعات المغرضة، وكأنها حقائق مسلّمة يجلس أحدهم الساعات الطوال أمام أجهزة الشبكات المعلوماتية بوجهها الكالح وما يعرِف بجهاز الإنترنت، عبر مواقع كثيرة، فيلطّخ سمعه وبصره من الشائعات الباطلة، وتلفيق التهم الصفيقة مما تجفل القلوب من مجرّد سماعه، وتتحرّج النفوس المؤمنة من مطالعته، فضلاً عن البوح به.
وما درى من هم هؤلاء الكُتّاب، خفافيش الظلام، وكلها أسماء مستعارة، وقد يكون بعضهم أدوات في أيدي من يُعرف باللوبي الصهيوني العالمي، ضد أمن الأمة ومجتمعاتها الإسلامية. وإنه ليخشى لمن أدمن النظر فيها أن يخسر دينه ودنياه وآخرته، وأن يلتبس عليه الحق بالباطل، فينحرف عن جادة الصواب والعياذ بالله.
وهل يجوز لنا ويليق بنا نحن أهل الإسلام أن نتخلى عن شيء من ثوابتنا؟
¸أو أن تهتزَّ بعض قناعاتنا؟
أو أن نظن غير الحق بأحد من علمائنا وفضلائنا بمجرّد وشاية كاذبة أو شائعة مغرضة؟
أين عقولنا وتفكيرنا؟
بل أين ديننا وإيماننا أن نتلقف كل شيء تحت شعار قالوا وزعموا؟
يقول الإمام الذهبي رحمه الله: "ولو أن كلَّ عالِم تركنا قوله بمجرّد خطأ وقع فيه، أو كلام الناس فيه، ما سلِم معنا أحد، ونعوذ بالله من الهوى والفظاظة".
ومن هنا تدركون يا رعاكم الله خطورة هذه الحرب ضد دين الأمة وأمنها ومجتمعها، مما يتطلب ضرورة التصدي لها، وأهمية مكافحتها، والتخطيط لاستئصال جرثومتها، حتى لا تقضي على البقية الباقية من تماسك المجتمع، وتلاحم أفراده. وواجب علماء الأمة ودعاتها، وطلاب العلم فيها وشبابها في ذلك كبير وعظيم، فإنهم مستهدفون، فعليهم أن يدركوا أبعاد المؤامرة، وأن لا يكونوا ميداناً خصباً لتواجدها، وانتشارها بينهم، وأن يحرصوا على التثبت والتبيّن، وأن يحذروا مسالك التأويل والهوى، واتباع المتشابه، وأن يقفوا في الأحداث عن علم وبصيرة، ويكفّوا ببصر نافذ، ونظر ثاقب، وظنٍّ حسن، بعيداً عن إيغار الصدور، وبث الشائعات والشرور، معتصمين بالكتاب والسنة متخذين من موقف السلف الأنموذج عند الفتن. والأمة مطالبة كلٌ في مجاله للقضاء على هذه الظاهرة التي لها آثارها المدمرة ضد أمن الأمة واستقرار المجتمع، كما أن على البيت والمسجد والأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام دوراً كبيراً في المحافظة على سلامة المجتمع من شرورها وأخطارها، بدءاً بالوعي وتقوية الوازع الإيماني وتبيين الحقائق ونشرها، وعدم التساهل في نقل الكلام وبث الأنباء، لا سيما في أوقات الأزمات، وعدم التهويل والإثارة في التعليقات، والمبالغة في التحليلات، دون تزييف أو التواء، رفعاً من روح المعنوية، وبُعداً عن الخور والضعف والانهزامية، كما قال سبحانه:
{0لَّذِينَ قَالَ لَهُمُ 0لنَّاسُ إِنَّ 0لنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَ0خْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَٰناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا 0للَّهُ وَنِعْمَ 0لْوَكِيلُ . فَ0نْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مّنَ 0للَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء وَ0تَّبَعُواْ رِضْوٰنَ 0للَّهِ وَ0للَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ . إِنَّمَا ذٰلِكُمُ 0لشَّيْطَٰنُ يُخَوّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران:173-175].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه كان حليما غفوراً.
فيما جاء نص الخطبة الثانية:
الحمد لله مُبدِع الكائنات، وبارئ النسمات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له جزيل العطايا والهبات، وواهب الخيرات والبركات، أمر بالصدق وحرّم الأكاذيب والشائعات. وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أفضل البريات، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أُولي الفضل والمكرُمات والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعملوا أن دينكم الإسلامي الحنيف رسم المنهج الصحيح لمواجهة أخطار الشائعات قاصداً من ذلك بناء المجتمع المسلم المتماسك فأقام الضمانات الواقية، والحصانات الكافية التي تحول دون معاول الهدم والتخريب، ومستنقعات الترويج والتأليب أن تتسلّل إليه أو تؤثر عليه في غفلة من أهل الوعي والصلاح، فتتناثر حبات عقده الناصح، وتتشتت لبنات بنائه المحكَم، فلا يقوى على التصدي لعاتيات العواصف والفتن، وتلاطمات أمواج المِحن، فيوشك أن تغرق سفينته، أو يتغير مسارها الصحيح، أو تحدث فيه الشروخ والخروق، فتطوّح بها بعيداً عن شاطئ السلامة، وساحل النجاة. وإن من أولى الخطوات في مواجهة حرب الشائعات تربية النفوس على الخوف من الله، والتثبت في الأمور، فالمسلم لا ينبغي أن يكون أُذناً لكل ناعق، بل عليه التحقق والتبيّن، وطلب البراهين الواقعية، والأدلّة الموضوعية، والشواهد العملية، وبذلك يُسدّ الطريق أمام الأدعياء، الذين يعملون خلف الستور، ويلوكون بألسنتهم كل قول وزور، ضد كل مصلح ومحتسب وغيور.
وفي نهاية الخطبة أوضحت الأوقاف عدة طرق للتعامل مع الشائعات، قائلة: «نستطيع أن نحدد طريقة التعامل مع الشائعات في أربعة نقاط مستنبطة من قصة الأفك، التي رسمت منهجاً للأمة في طريقة تعاملها مع أيةِ شائعة إلى قيام الساعة»، جاءت كالتالي:
النقطة الأولى: أن يُقدِّم المسلم حسن الظن بأخيه المسلم، قال الله تعالى: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا} [النور من الآية:12].
النقطة الثانية: أن يطلب المسلم الدليل البرهاني على أيةِ إشاعة يسمعها، كما قال تعالى: {لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء} [النور من الآية:13].
النقطة الثالثة: أن لا يتحدّث بما سمِعه ولا ينشره، فإن المسلمين لو لم يتكلموا بأيةِ إشاعة، لماتت في مهدها قال الله تعالى: {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا} [النور:16-17].
النقطة الرابعة: أن يرد الأمر إلى أولى الأمر ولا يُشيعه بين الناس أبداً، وهذه قاعدة عامة في كل الأخبار المهمة، والتي لها أثرها الواقعي، قال الله تعالى: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً} [النساء:83].


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.