يعتبر اللسان أو الكلمة هيالمنشار الذي يمزق الأفراد والمجتمعات ولخطورتها أوصي الإسلام بضرورة التزام الصمت والمحافظة علي ذكر الله كثيرا والابتعاد عن الجدال والثرثرة فبكلمة قد ينال العبد رضا الله وبكلمة يخلد في النار, فأبولهب عم النبي صلي الله علية وسلملم يرتكب جرما غير كلمة قالها فسخط الله عليه بها.. وحول خطورة اللسان خاصة في وقت انتشار الفتن والأكاذيبالتي تفتك بالمجتمع يدور هذا التحقيق في البداية يوضح الدكتور خالد السيد غانم من علماء الأوقاف أنالكلمة في موازين العقل والفكرلها فضل عظيم إذا كانت في إطار الخير والمعروف,كذلك لها خطر جسيم إذا كانت في إطار الشر, وقد وازن القرآن بين كلمة طيبة وعمل صالح يتبعه كلمة مشينة, فالكلمة الأولي الموصوفة بالمعروف والبعيدة عن شوائب المن والإيذاء هي الأجدر والأنفع, قال تعالي:قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذي والله غني حليم سورة البقرة الاية(263), وهذا المعني أكدت عليه السنة النبوية في أحاديث بلغت حد الكثرة كما فيالحديث عن رسول الله- صلي الله عليه وسلم- أنه قال:إن العبد ليتكلم بالكلمة- من رضوان الله- لا يلقي لها بالا, يرفعه الله بها في الجنة, وإن العبد ليتكلم بالكلمة- من سخط الله- لا يلقي لها بالا, يهوي بها في جهنم أخرجه الإمامان البخاري ومسلم. ومن المتعارف عليه أن الكلمة كما هي تؤلف قلوبا كادت أن تتنافر وتتناحر, تودي بقلوب وأجساد إلي المهالك عن طريق الفتنة التي هي اشد من القتل, وعن طريق الشائعات, والشائعة منأساليب الحرب النفسية, مثلها مثل الدعاية وغسل الدماغ وافتعال الفتن والأزمات وغير ذلك من الأساليب التي تعتبر معوقا من معوقات التكامل الاجتماعي والتلائم المجتمعي, وتهدف الإشاعة إلي التأثير علي الروح المعنوية والبلبلة وزرع الشك في نفوس الناس. ومن أشهر الشائعات في عصر النبوة مقالة السوء التي روجها مشركو قريش في يوم أحد حيث أشاعوا إفكا وافتروا زورا أن الرسول صلي الله عليه وسلم قتل, حتي انقلب نصر المسلمين إلي هزيمة, وكذا حادثة الإفك, تلك الشائعة التي طعنت في عرض رسول الله- صلي الله عليه وسلم- وهزت بيت النبوة شهرا كاملا, بل هزت المدينة كلها, وهذه الشائعة كلف أطهر النفوس في تاريخ البشرية كلها آلاما لا تطاق, وعلقت قلوب أناس مؤمنين بحبال الشك والقلق والألم الذي لا يطاق ليكون درسا تربويا رائعا, لكل مجتمع مسلم إلي قيام الساعة بتبرئة السيدة عائشة مما أشيع حولها. ومن الشائعات التي أضرت بالمجتمع فيما بعد الرسول صلي الله عليه وسلم ما أثير حول الخليفة الراشد عثمان بن عفان- رضي الله تعالي عنه من شبهات تسببت في تجمعأخلاط من الخارجين عن ربقة المسلمين, وقتل علي إثرها سيدنا عثمان رضي الله تعالي عنه بعد حصاره في بيته, وقطع الماء عنه, بل كانت آثار هذه الفتنة ممتدة; حيث قامت حروب بين الصحابة الكرام: كمعركة الجمل, وصفين, بل خرجت علي إثرها الخوارج, وتمحور الفكر الشيعي, وظهرت المرجئة, والقدرية الأولي. وأضاف في العصور المتأخرة أصبحت الإشاعة علما يدرس وينشأ من أجل تعلمه مراكز تعليمية, حتي أدرك الفكر النازي أهمية الدعاية والشائعات; حتي إنه أنشأ وربما لأول مرة كما يقال وزارة البروباجاندا أو الدعاية والتي رأسها( جوزيف جوبلز), وهو أحد مؤسسي علم الشائعات, وإن القاعدة التي تقول: إن الناس مستعدون لتصديق الكذب مهما بدا زيفه, إذا ما صادف هواهم وتكذيب الصدق مهما بلغ وضوحه إذا ما خالف هواهم ينبغي أن يعاد النظر في دراستها واقعيا ودينيا, ويوضح الدكتور خالد غانم ان الإنسان الفطن عند سماع الشائعات عليه أن يفكر بعقله فيقدم حسن الظن بأخيه, وهو طلب الدليل الباطني الوجداني, وأن ينزل أخيه بمنزلته, وهذه هي وحدة الصف الداخلي كما قال تعالي:{ لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا}, وأن يطلب الدليل الخارجي البرهاني كما قال سبحانه:{ لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء}. وأن لا يتحدث بما سمعه ولا ينشره, فإن الإنسان لو لم يتكلم بمثل هذه الشائعات لماتت في مهدها ولم تجد من يحيها إلا من المنافقين, وأن يرد الأمر إلي أولي الأمر, ولا يشيعه بين الناس أبدا, وهذه قاعدة عامة في كل الأخبار المهمة, والتي لها أثرها الواقعي, كما قال-تعالي-:{ وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلي الرسول وإلي أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا} النساء:.83 والشائعات إذا حوصرت بهذه الأمور فإنه يمكن أن تتفادي آثارها السيئة المترتبة عليها, لكن الإشكالية في الاستماع إلي المتقولين وتضيف الدكتورةمفيدة إبراهيم علي عميدة كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر أنإفشاء الشائعات جريمة ضد أمن المجتمع والإشاعات تحمل المعني نفسه من الشيوع والانتشار وقد استعملت في نقل الأخبار التي تنشر ويتم تداولها من غير تثبت ولا تبين قال تعالي: يا أيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين, وهي الأفكار التي يتناقلها الناس دون أن تكون مستندة علي مصدر موثوق به يشهد بصحتها. ولقد أصبحت الشائعات في وقتنا الحاضر الذي يشهد تقنيات عالية في كل وسائل الاتصال أكثر رواجا وأبلغ تأثيرا في كل ما يعوق الحق عن مواصلة طريقة كما تستخدم الشائعات ويحسن صناعتها كل من يريد صد الناس عن الحق والحقيقة والصواب أو ليثبط حماسة وهمم أصحاب الحقوق أو لما هو أبشع من ذلك أن تشيع الفاحشة في المجتمعات قال تعالي: إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون ومنشأ حب إشاعة الفاحشة هو الحقد والكراهية, ويقصد من الشائعات التأثير السلبي في النفوس والعمل علي نشر الاضطراب وعدم الثقة بين كل رئيس ومرؤسيه لكونها اختلاق لا أساس له من الواقع والشائعات جريمة تهدد أمن المجتمع وتسعي لتدميره وصاحبها مجرم في حق دينه ومجتمعه وأمته وطالبت الدكتورة مفيدة إبراهيمأفراد المجتمعسواء في البيت والمسجد والكنيسة والمدرسة و الجامعة ووسائل الإعلام بالتصدي للقضاء علي هذه الظاهرة التي لها أثارها المدمرة ضد أمن وأمان الأمة واستقرار المجتمع بدءا بالوعي وتقوية الوازع الديني وتبيين الحقائق ونشرها بدون مبالغة ولا تهويل ولا إثارة إعلامية ولا مزايدة لحساب عمر أو زيد.