حسين لبيب يحضر حفل تأبين العامري فاروق داخل النادي الأهلي    عام المليار جنيه.. مكافآت كأس العالم للأندية تحفز الأهلي في 2025    10 توصيات في ختام المؤتمر الثالث لمبادرة اسمع واتكلم بمرصد الأزهر    جهاز العبور الجديدة يحرر محاضر لوحدات إسكان اجتماعي مخالفة    «البترول» تواصل تسجيل قراءة عداد الغاز للمنازل لشهر مايو 2024    الخارجية الأمريكية: نراجع شحنات أسلحة أخرى لإسرائيل    بوتين: 90% من المدفوعات في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي تتم بالعملات الوطنية    أحمد موسى : مصر لا تتحمل أي مسؤولية أمنية في غزة    «المحاربين القدماء وضحايا الحرب» تُكرم عدداً من أسر الشهداء والمصابين    جدول امتحانات الصف السادس الابتدائى 2024 بالجيزة .. اعرف التفاصيل    توت عنخ آمون يتوج ب كأس مصر للسيدات    أمطار حتى الإثنين.. الأرصاد السعودية تحذر من بعض الظواهر الجوية    الثقافة جهاز مناعة الوطن    نجوم الفن ينعون والدة كريم عبد العزيز: «ربنا يصبر قلبك»    أولادكم أمانة عرفوهم على ربنا.. خالد الجندى يوجه نصائحه للأباء والأمهات فى برنامج "لعلهم يفقهون"    بعد قرار "أسترازينيكا" سحب لقاح كورونا.. استشاري مناعة يوجه رسالة طمأنة للمصريين (فيديو)    أسعار الأضاحي في مصر 2024 بمنافذ وزارة الزراعة    «اسمع واتكلم».. المحاضرون بمنتدى الأزهر يحذرون الشباب من الاستخدام العشوائي للذكاء الاصطناعي    لفترة ثانية .. معلومات عن سحر السنباطي أمين المجلس القومي للطفولة والأمومة    السجن 5 سنوات لنائب رئيس جهاز مدينة القاهرة الجديدة بتهمة الرشوة    محافظ أسوان: مشروع متكامل للصرف الصحي ب«عزبة الفرن» بتكلفة 30 مليون جنيه    محلل سياسي: «الجنائية الدولية» تتعرض للتهديد لمنع إصدار مذكرة اعتقال لنتنياهو    حسن الرداد يكشف عن انجازات مسيرته الفنية    «فلسطين» تثني على اعتراف جزر البهاما بها كدولة    أمين الفتوى يوضح حكم وضع المرأة "مكياج" عند خروجها من المنزل    «التجارية البرازيلية»: مصر تستحوذ على 63% من صادرات الأغذية العربية للبرازيل    وكيل وزارة الصحة بالشرقية يتفقد مستشفى الصدر والحميات بالزقازيق    رئيسة المنظمة الدولية للهجرة: اللاجئون الروهينجا في بنجلاديش بحاجة إلى ملاجئ آمنة    تقديم رياض أطفال الأزهر 2024 - 2025.. الموعد والشروط    "عليا الوفد" تلغي قرار تجميد عضوية أحمد ونيس    مناقشة تحديات المرأة العاملة في محاضرة لقصور الثقافة بالغربية    دعاء للميت بالاسم.. احرص عليه عند الوقوف أمام قبره    «تويوتا» تخفض توقعات أرباحها خلال العام المالي الحالي    كريستيانو رونالدو يأمر بضم نجم مانشستر يونايتد لصفوف النصر.. والهلال يترقب    «الجيزة التجارية» تخطر منتسبيها بتخفيض الحد الأدنى لقيمة الفاتورة الإلكترونية    «القاهرة الإخبارية» تعرض تقريرا عن غزة: «الاحتلال الإسرائيلي» يسد شريان الحياة    أحدثهم هاني شاكر وريم البارودي.. تفاصيل 4 قضايا تطارد نجوم الفن    11 جثة بسبب ماكينة ري.. قرار قضائي جديد بشأن المتهمين في "مجزرة أبوحزام" بقنا    يوسف زيدان عن «تكوين»: لسنا في عداء مع الأزهر.. ولا تعارض بين التنوير والدين (حوار)    «8 أفعال عليك تجنبها».. «الإفتاء» توضح محظورات الإحرام لحجاج بيت الله    فرقة الحرملك تحيي حفلًا على خشبة المسرح المكشوف بالأوبرا الجمعة    تعرف على التحويلات المرورية لشارع ذاكر حسين بمدينة نصر    رئيس قطاع التكافل ببنك ناصر: حصة الاقتصاد الأخضر السوقية الربحية 6 تريليونات دولار حاليا    تعمد الكذب.. الإفتاء: اليمين الغموس ليس له كفارة إلا التوبة والندم والاستغفار    الزمالك يكشف مفاجآت في قضية خالد بوطيب وإيقاف القيد    ذكرى وفاة فارس السينما.. محطات فنية في حياة أحمد مظهر    صحة المنيا تقدم الخدمات العلاجية ل10 آلاف مواطن فى 8 قوافل طبية    محافظ كفر الشيخ: نقل جميع المرافق المتعارضة مع مسار إنشاء كوبري سخا العلوي    مصرع سيدة صدمها قطار خلال محاولة عبورها السكة الحديد بأبو النمرس    صالح جمعة معلقا على عقوبة إيقافه بالدوري العراقي: «تعرضت لظلم كبير»    لمواليد 8 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    ضبط قضايا اتجار في العملة ب12 مليون جنيه    الصحة: فحص 13 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    إخماد حريق في شقة وسط الإسكندرية دون إصابات| صور    سيد معوض: الأهلي حقق مكاسب كثيرة من مباراة الاتحاد.. والعشري فاجئ كولر    إعلام فلسطيني: شهيدتان جراء قصف إسرائيلي على خان يونس    «النقل»: تصنيع وتوريد 55 قطارا للخط الأول للمترو بالتعاون مع شركة فرنسية    رئيس إنبي: نحن الأحق بالمشاركة في الكونفدرالية من المصري البورسعيدي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ننشر تفاصيل مقدمتي وزير الأوقاف ومفتي الجمهورية لكتاب «حماية دور العبادة»
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 22 - 04 - 2019

اعتمد الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، النسخة النهائية لكتاب «حماية دور العبادة».
وأكد وزير الأوقاف أن هذا الكتاب يعمل على ترسيخ المواطنة المتكافئة، وأسس العيش المشترك، وفقه التعايش السلمي بين البشر جميعا، دون تمييز على أساس الدين أو اللغة أو اللون أو الجنس أو العرق، ويعمق الايمان بحق التنوع والاختلاف، وبيان أنهما سنة من سنن الله الكونية، حيث يقول الحق سبحانه : {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}.
وذكر أن الكتاب يرمي إلى حماية دور العبادة مبنى ومعنى، روادًا وقاصدين، وتوفير الحماية القانونية والإنسانية اللازمة لها وطنيا ودوليا.
وقدم له كل من وزير الأوقاف مفتي الجمهورية بمقدمة ننشرهما كاملتين:
أولا: تقديم الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف للكتاب:
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسل الله أجمعين، وعلى خاتم أنبيائه ورسله سيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين .
وبعد:
فقد كرم الحق سبحانه الإنسان على إطلاق إنسانيته دون تفرقة بين بني البشر، فقال (عز وجل ) :” وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ ” (الإسراء :70) , ورسخ ديننا الحنيف مبدأ فقه العيش المشترك بين البشر جميعا , ودعانا إلى التراحم والتقارب والتعارف, حيث يقول الحق سبحانه :” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ” (الحجرات : 13) , ولم يقل سبحانه : لتتقاتلوا أو تتصارعوا أو تتصادموا , بل قال سبحانه : ” لِتَعَارَفُوا “
وقامت فلسفة ديننا السمح على الإيمان بالتنوع والاختلاف , حيث يقول الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ” (هود : 118) , وقد عدَّ سبحانه وتعالى التنوع في الخلق آية من آيات الله (عز وجل) حيث يقول في كتابه العزيز :” وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ" (الروم :22).
وعظم سبحانه وتعالى شأن المشتركات الإنسانية في جميع كتبه المنزلة ورسالاته التي أرسل بها رسله (عليهم السلام) , فأجمعت الشرائع السماوية قاطبة على مبادئ : الحق , والعدل ، والتسامح ، والوفاء بالعهد ، وأداء الأمانة، والصدق في الأقوال والأفعال ، وبر الوالدين ، وحرمة مال اليتيم ، ومراعاة حق الجوار ، والكلمة الطيبة ، فمصدر التشريع السماوي واحد ، ولهذا قال نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” الأنبياء إخوة لعلَّات أممهم شتى ودينهم واحد”.

فقد تختلف الشرائع في العبادات وطريقة أدائها وفق طبيعة الزمان والمكان، لكن الأخلاق والقيم الإنسانية التي تكون أساساً للتعايش لم تختلف في أي شريعة من الشرائع ، يقول نبينا صلى الله عليه وسلم : ” إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت”.
فأروني أي شريعة من الشرائع أباحت قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، أو أباحت عقوق الوالدين، أو أكل السحت، أو أكل مال اليتيم، أو أكل حق العامل أو الأجير، وأروني أي شريعة أباحت الكذب، أو الغدر، أو الخيانة، أو خُلف العهد، أو مقابلة الحسنة بالسيئة .

بل على العكس من ذلك كله فإن جميع الشرائع السماوية قد اتفقت وأجمعت على القيم الإنسانية السامية، ومن خرج عليها أو عنها فإنه لم يخرج على مقتضى الأديان فحسب، وإنما يخرج على مقتضى الإنسانية وينسلخ من آدميته ومن الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها.

ولهذا قال ابن عباس (رضي الله عنهما) عن قوله تعالى: “قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” (الأنعام : 151-153).
هذه آيات محكمات لم ينسخهن شيء من جميع الكتب ، وهى محرمات على بني آدم جميعاً، وهن أم الكتاب ”أي أصله وأساسه“، من عمل بهن دخل الجنة، ومن تركهن دخل النار.
وإيمانًا منا بضرورة دراسة المستجدات والقضايا العصرية دراسة دقيقة ، وإبراز الوجه الحضاري السمح لديننا الحنيف ، واقتحام المشكلات الصعبة بحكمة وشجاعة معًا على أيدي العلماء والفقهاء المتخصصين ..

وانطلاقًا من قوله تعالى :” لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ” (البقرة : 256) ، وإيمانًّا منًّا بالتنوع والاختلاف الذي هو سنة من سنن الله الكونية , وترسيخًا لأسس المواطنة العصرية الكاملة دون تمييز، وتأصيلاً لفقه العيش الإنساني المشترك بين البشر دون تفرقة على أساس الدين أو اللون أو العرق أو الجنس أو اللغة ..

وعطفًا على ما أكده كل من فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف ، والبابا فرنسيس بابا الفاتيكان في وثيقة الأخوة الإنسانية من أنَّ حماية دور العبادة ، من معابد وكنائس ومساجد ، واجبٌ تكفله كل الأديان والقيم الإنسانية والمواثيق والأعراف الدولية ، وكل محاولة للتعرض لدور العبادة ، واستهدافِها بالاعتداء أو التفجير أو التهديم، هي خروجٌ صريحٌ عن تعاليم الأديان، وانتهاكٌ واضحٌ للقوانين الدولية ..

وخروجًا من ضيق الأفق الفكري إلى رحابة الإسلام الواسعة واحترامه للآخر ، وحرصًا منًّا على إبراز حقوق الآخرين علينا إنصافًا من أنفسنا ، وتأصيلاً لمبدأ الاحترام المتبادل ، ودحضًا للفكر المتطرف ، والتأكيد للعالم كله على سماحة الإسلام ، وأن ما يحاك ضده من محاولات تشويه لا يمت لسماحته بصلة..

لهذا كله كان إصدار هذا الكتاب «حماية دور العبادة» الذي عكف على إعداده وإخراجه نخبة من العلماء المتخصصين المستنيرين كتابة وتدقيقا ومراجعة ختمت بمراجعتنا ومراجعة الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية.

مع تأكيدنا على أن الحماية التي ننشدها لدور العبادة هي الحماية المادية والمعنوية معا، حماية دور العبادة مبنى ومعنى وروادًا وقاصدين، بما يشمل الحماية المادية من التخريب أو التفجير أو السرقة أو النهب أو العبث، والحماية المعنوية من محاولة غير المؤهلين والمتاجرين بالأديان استخدام دور العبادة أو توظيفها في غير ما خصصت له، ويشمل كذلك حماية روادها وقاصديها من أي أذى أو اعتداء يمكن أن ينالهم بسببها أو أثناء أداء مناسكهم وشعائرهم بها، مع تغليظ عقوبة من يعتدي على أي من ذلك سواء في القوانين الوطنية أم الدولية .

ويأتي هذا الكتاب بمثابة تطوير لكتاب “حماية الكنائس” الذي أصدره المجلس الأعلى للشئون الإسلامية عام 2016م، وتم ترجمته إلى اثنتي عشرة لغة، في إطار تناولنا للقضايا العصرية التي تتم دراستها تباعًا من خلال سلسلتي القضايا والدراسات الإسلامية وموسوعة المستجدات العصرية، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، التي يصدرها المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بوزارة الأوقاف المصريةة
والله من وراء القصد، هو حسبنا ونعم الوكيل...

ثانيا: تقديم الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية للكتاب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: فقد أقر الشرع الشريف بالحرية الدينية للناس جميعًا حيث صرح القرآن الكريم بأن اختلاف الناس في معتقداتهم من سنن الله تعالى في خلقه كما في قولِه تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [هود: 119،118].

وهذا يقتضي ضرورة التعامل مع هذه السنة الإلهية الربانية بإيجابية لأنها تحمل في طياتها أبعادًا ومضامين تنظم علاقة المسلم بغيره من أتباع الديانات الأخرى، وهي تتجلى إجمالًا في الإقرار بوجود هذا النوع من الاختلاف وضرورة التعايش والتعاون والتكامل معه بما يحقق النفع للخلق واكتمال العمران في الدنيا؛ فلا يكون العيش بين الشخص وذات ذلك الشخص؛ إنما يكون بين شخصين أو أكثر بينهما تمايز، ولا يقتضي هذا التعايش بالضرورة معاداة العقائد والأديان أو مخالفة أحكامها أو فصلها عن كيان الدولة أو تهميش دورها في الحياة، أو إزالة الفروق والتمايز بينها؛ وإنما يقصد به الاتحاد لإعمار الأرض، والتعاون في المتفق عليه انطلاقًا من القيم العليا المشتركة بين الناس.

ومن هذا المعني أَوْلَى الشرع الشريف إقامة دور العبادة وحمايتها عناية خاصة سواء في السِّلم أو الحرب، فأهميتها لا تقل عن الاهتمام بكيان الإنسان المادي، لكونها تمثل كيانه الحضاري والثقافي؛ كما في قوله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الحج: 40-41].
وترسم هذه الآية الكريمة الإطار العام لشخصية المسلم ومكونات عقله؛ فقد أشار الله تعالى فيها إلى أن المسلمين في مجتمعاتهم في كل حال عليهم كالتزام تفرضه حضارتهم المنبثقة عن مقاصد دينهم أن يعنوا بإقامة دور العبادة التي يتخذها أتباع كل دينٍ وملةٍ لممارسة شعائرهم وطقوسهم الدينية وحفظها من الهدم، وضمانًا لأمنها، وسلامة أصحابها، وفي ذلك يقول ابن عباس رضي الله عنهما: “تفسيره، والبِيَع: مساجد اليهود، وصلوات: كنائس النصارى، والمساجد: مساجد المسلمين”. أخرجه عبد بن حميد، وابن أبي حاتم في “التفسير”.

وقال مقاتل بن سليمان في “تفسيره” (2/ 385، ط. دار الكتب العلمية): [كل هؤلاء الملل يذكرون الله كثيرًا في مساجدهم، فدفع الله عز وجل بالمسلمين عنها] اه.

وقال الإمام القرطبي في “تفسيره” (12/ 70، ط. دار الكتب المصرية، بتصرف): [أي: لولا ما شرعه الله تعالى للأنبياء والمؤمنين من قتال الأعداء لاستولى أهل الشرك وعطلوا ما بَنَتْهُ أربابُ الديانات من مواضع العبادات.. قال ابن خويز منداد: تضمنت هذه الآية المنعَ من هدم كنائس أهل الذمة وبيعهم وبيوت نيرانهم] اه.

كما جاءت السنة النبوية الشريفة أيضًا بتقرير واضح لوجوب ترك الناس على أديانهم وسمحت لهم بممارسة طقوسهم وشعائرهم في دور عبادتهم المختلفة، وضمنت لهم من أجل ذلك سلامة هذه الأماكن، ومن ذلك ما كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسقف بني الحارث بن كعب وأساقفة نجران وكهنتهم ومَن تبعهم ورهبانهم أن: «لهم على ما تحت أيديهم من قليل وكثير من بِيعهم وصلواتهم ورهبانيتهم، وجوار الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ألَّا يُغَيَّرَ أسقف عن أسقفيته، ولا راهب عن رهبانيته، ولا كاهن عن كهانته، ولا يُغير حق من حقوقهم، ولا سلطانهم، ولا شيء مما كانوا عليه، ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم، غيرَ مُثقَلين بظلم ولا ظالمين» أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب “الأموال” (ص: 244، ط. دار الفكر).

وعلى ذلك سار المسلمون سلفًا وخلفًا عبر تاريخهم المُشَرِّف وحضارتهم النقية وأخلاقهم النبيلة السمحة منذ عهود الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، فنص أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عهده لأهل القدس على حريتهم الدينية، وأعطاهم الأمانَ لأنفسهم، والسلامةَ لكنائسهم، وكتب لهم بذلك كتابًا جاء فيه: [بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عبدُ الله عمرُ أميرُ المؤمنين أهلَ إيلياء من الأمان، أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا تُسكَنُ كنائسُهم، ولا تُهدَمُ، ولا يُنتَقَصُ منها ولا مِن حَيِّزها، ولا من صَلِيبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرَهون على دينهم، ولا يُضَارَّ أحد منهم، وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية، شهد على ذلك: خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان، وكتب وحضر سنة خمس عشرة] اه.
وكتب لأهل لُدٍّ كتابًا مماثلًا جاء فيه: [بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عبدُ الله عمر أمير المؤمنين أهلَ لُدٍّ ومن دخل معهم من أهل فلسطين أجمعين، أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصُلُبهم وسقيمهم وبريئهم وسائر ملتهم، أنه لا تُسكَن كنائسهم ولا تُهدَم ولا يُنتَقَص منها ولا مِن حيزها ولا مللها ولا مِن صُلُبهم ولا من أموالهم، ولا يُكرَهون على دينهم، ولا يُضَارَّ أحد منهم] اه. رواهما الإمام الطبري في “تاريخه” (2/ 449، ط. دار الكتب العلمية).

فجملة هذه النصوص والعهود والمواثيق تؤكد على أن مبدأ حماية دور العبادة من المنظور الشرعي يُعَدُّ رابطة ضرورية قائمة على الالتزام والمسؤولية، لا على تبادل العاطفة والمشاعر المعنوية، ومن ثَمَّ يحقق الاستقرار والتآلف بين أهل البلد الواحد مهما تعددت دياناتهم وانتماءاتهم العرقية؛ فوحدتهم عبارة عن إدارة إيجابية للاختلاف وتوافقهم على التعايش السلمي وتعاونهم على النهوض بوطنهم وتقويته وتوحيد صف شعبه وكلمة أفراده في مواجهة أي خطر يهدد هُوِيِّة هذا الوطن وسيادته واستقراره.

ولئن شاب العلاقات بين المسلمين وبين غيرهم بعض الإشكالات والتحديات نظريةً أو تطبيقًا والتي يحلو للبعض طرحها على العامة مع استدعاء بعض السياقات التاريخية والملابسات الزمنية في خصوص هذه العلاقة، بما ينعكس بتشويه الصورة النقية وانقلاب الحقائق الناصعة، فإن المؤسسات العلمية تحمل على عاتقها نصيبًا أكبر في شرح الحقائق والمفاهيم الشرعيَّة وتعليمها للعامة والخاصة، حتى تتحطم هذه الأفكار الخبيثة والدعاوى الزائفة التي لا تدخر جهدا في إحداث الانقسام بين أبناء الوطن الواحد، وتكريس العنف والصدام بين أهل الدين الواحد فضلا عن أهل الأديان المختلفة.

ومن هنا تأتي أهمية هذا الكتاب القيم الذي تقوم عليه وزارة الأوقاف المصرية مساهمة مشكورة منها في التصدي لمحاولات الإرهابيين وأصحاب الفكر المتشدد بتصحيح المفاهيم وبيان الأحكام الشرعيَّة في عدة قضايا تمس مبدأ حماية دور العبادة من جوانب شتى بطريقة شافية تظهر الحقائق المسلمة وتدفع الشبهات والأوهام القائمة في أذهان البعض سواء من جهة الشرع الشريف أو من جهة القوانين والتشريعيات المحلية والعالمية، وسواء في حالة السلم أو في حالة الحرب، وذلك في إطار تناول المجلس الأعلى للشئون الإسلامية عددًا من الموضوعات والمسائل المعاصرة تحت سلسلة المستجدات وتصحيح المفاهيم الخاطئة، مع نشر الفكر الصحيح الذي نحن في حاجة إليه في عصرنا الحاضر.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.