مع بداية شهر رمضان الكريم علينا أن نقف أمام المرأة لنرى أنفسنا ونتأمل السلوكيات الخاطئة التي توغلت في المجتمع ونرفع ستار الخجل عن ثقافة التبذير والإسراف التى ارتبطت بالشهر الفضيل ونقف أمام هذه الثقافة الاستهلاكية المحرمة. وتقول د.سعاد الديب، رئيس الاتحاد النوعى لجمعيات حماية المستهلك، أن الأفراد داخل المجتمع تعودوا على ثقافة الشراء والاستهلاك وتوغل داخل المجتمع الشراء دون حاجة لمجرد وجود منتجات بأسعار مخفضة دون الاكتراث إلى الآخرين دون أن يسأل الشخص نفسه هل أخذ حقه وحق غيره، فمن المؤسف أننا لم يعد لدينا هذه القيم والوعي الاستهلاكي وانتشرت ثقافة الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من السلع الاستهلاكية، وكل ذلك يخلق الأزمات، لأن السوق فى الشراء والبيع عرض وطلب، فإذا أخذ المستهلك أكثر من نصيبه، فذلك سيزيد الطلب على السلع مما يؤدى إلى خلق الأزمات وارتفاع الأسعار. وتضيف: إن مناسباتنا ارتبطت دائما بالأكل ونقوم بترجمتها وربطها بموضوعات خاصة بالطعام، فقد أصبح الأكل بالنسبة لنا نوعا من التباهي والتفاخر بين بعضنا البعض داخل المجتمع حتى يثبت كل طرف للآخر أنه كريم وميسور، لكن من المؤسف أن نتيجة ذلك استهلاك كميات كبيرة من السلع التي يلقى بها مع نهاية اليوم فى القمامة لأنها زائدة عن احتياجاتك، لذلك فنحن بحاجة إلى تغيير النمط الاستهلاكي وأن نشترى السلع بالكميات التي نحتاج إليها فقط دون إسراف وحتما سيحدث ذلك بنشر التوعية وتغيير السلوك بالتعود وزرع هذه الثقافة داخل المجتمع. ففى الغرب نجد أن معدل رواتبهم مرتفع إلا أنهم لا يسرفون فى الاستهلاك على العكس فى مجتمعنا، فمعدل دخل الفرد قليل واستهلاكه كبير وهنا نجد المعادلة الاستهلاكية إذا اشتريت كميات كبيرة تأكلين كميات كبيرة تفسد بصحتك وتعرض كميات كبيرة من الطعام للفساد. وتشير د.سعاد إلى أن زيادة أسعار السلع تعتبر وسيلة يجب أن تدفع الأفراد إلى ترشيد استهلاكهم وأن يرتبوا احتياجاتهم وأولاوياتهم، كما يجب نشر الوعى والثقافة لدى التاجر أيضا فلا يقلل من نظرته إلى الشخص الذى يشترى احتياجاته فقط وأن يحترم ذلك ويساعده على ذلك بدلا من التهكم فى وجهه فيجب أن نتهكم للاستهلاك والإسراف فليس من المنطقي أن أصرف أكثر مما أملك وبعد ذلك أضطر إلى الاقتراض. أضرار صحية ويؤكد د.سمير نيروز، أستاذ الطب بجامعة عين شمس واستشاري التغذية العلاجية، أن الإسراف فى تناول الطعام فى رمضان له آثار سلبية جسيمة على صحة الفرد، فتناول كمية كبيرة من الطعام تزيد عن طاقة تحمل المعدة تؤدى إلى عسر الهضم وكثرة الغازات والتخمة الشديدة ويمكن أن تؤدى إلى توسع المعدة الحاد والتي تسبب ضغطاً شديداً على القلب، كما أن الإسراف فى الطعام يسبب عددا كبيرا من أمراض التغذية كالبدانة والنقرس والداء السكري، كما تزيد نسبة الإصابة بأمراض القلب، فالطعام الزائد عن حاجة الجسم يتراكم على شكل دهون تترسب تحت الجلد وحول الأمعاء وفى الكبد وحول القلب. وينصح د.نيروز بالامتناع عن الطعام لمدة ساعتين بعد الفطار حتى تتم عملية الهضم وبعد ذلك نأخذ وجبة خفيفة ويفضل أن تكون ثمرتين من الفاكهة، ويضيف أن شهر رمضان فرصة يجب استغلالها لتنظيم الوزن لأن انتظام مواعيد الطعام والالتزام يساعد على تقليل الوزن. ويشير د.عبدالحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف، إلى أن ربنا سبحانه وتعالى فرض رمضان على أمة محمد لحكمة سامية وهى «لعلكم تتقون» فالصائم يرتفع بنفسه البشرية إلى درجة أعلى من درجة الملائكية ولقد حذرنا ربنا من الإسراف والتبذير ولو كان الإنسان على شاطئ نهر، فقد حثنا صلى الله عليه وسلم على عدم الإسراف «لا تسرف فى الماء ولو كنت على شاطئ نهر». وقال الله تعالى : «إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين» والله سبحانه وتعالى يسأل كل إنسان عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وقد حذر النبى عليه الصلاة والسلام من ملء المعدة بالطعام فقال ما ملأ ابن آدم وعاء شر من بطنه فإن كان لابد آكلا فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه. فمن كثر أكله كثر شربه ومن كثر شربه كثر نومه ومن كثر نومه محيت بركة عمره، والنبى صلى الله عليه وسلم دعا المقوقس عظيم مصر إلى الإسلام وكان المقوقس يحب الإسلام ورسول الإسلام، ولكنه خشى أن يدخل فى الإسلام فيغيرعليه ملك الروم فيأخذ دولته فأرسل للنبى هدية فيها حرير وديباج ولؤلؤ ومرجان وروائح مع هذه الهدية جارية وهى مارية القبطية التى تزوجها النبى صلى الله عليه وسلم وأنجب منها إبراهيم ومن أجلها قال «الله الله فى أهل مصر فإن لهم نسبا وصهراً» وفوق هذه الهدية طبيب حاذق فقبل النبى الهدية وجاء عند الطبيب فرده وقال له «نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع»، فرد الطبيب إلى المقوقس فعندما رآه المقوقس قال والله إنك لطبيب شؤم كيف يردك رسول الله فقال له يا سيدى لقد أرسلتنى إلى رسول جمع الطب كله فى كلمتين اثنتين «نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا اكلنا لا نشبع» فقال المقوقس «والله لقد أهدانا أكثر مما أهديناه وأعطانا أكثر مما أعطيناه وأمر أن تكتب هذه الوصية بمداد من ذهب وتعلق فوق رأسه. الدين منهج ولو نظرنا إلى حياتنا اليومية لوجدنا أن المريض إذا ذهب إلى الطبيب فإن الطبيب يحدد له كميات الأكل ونوعيات الطعام فلو كان فى كثرة الطعام فائدة بالنسبة للمريض لما منع الطبيب مريضه. والإسراف والتبذير ليس من شأن أمة محمد وإنما نهى النبى عن الإسراف ليس فى المطعم والمشرب وحده وإنما فى أى عمل يقوم به الإنسان حتى لو كان يتوضأ على شاطئ نهر. كما بين الأطباء أن المعدة هى بيت الداء وأن الأمراض كلها إنما تنبعث من المعدة، فلو أن الإنسان اغتنم رمضان واستن بسنة رسول الأنام لخرج من رمضان سليماً صحيحاً معافى فيقول رسول الإسلام «صوموا تصحوا». ويحث د. عبد الحميد ألا ننظر إلى رمضان على أنه شهر أكل وشرب فإن كثرة الأكل تجلب الأمراض والله سبحانه وتعالى لم يفرض على أمة محمد الصيام إلا لحكمة سامية يعلمها ربنا فالصيام يطهر الأبدان ويغفر الذنوب، ويقول علماء اللغة العربية إن كلمة «رمضان» مأخوذة من «الرمضاء» وهى الحجارة المحماة وسمى بهذا الاسم لأنه يحرق الذنوب، فرمضان شهر عبادة وطاعة واتصال بالملأ الأعلى، لا شهر أكل وإسراف وتبذير.