نهى الدين الاسلامى الحنيف وجميع الشرائع السماوية عن الإسراف والتبذير، ودعا إلى الترشيد فى الإنفاق والاستهلاك، سواء أكان ذلك فى شهر رمضان أم فى غيره من الشهور، وذلك امتثالا لأمر الله تعالى حيث قال: «يَا بَنِى آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ»، وقال سبحانه: «وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِين كَانُوا إِخْوَان الشَّيَاطِين وَكَان الشَّيْطَان لِرَبِّهِ كَفُورًا»، كما نهى الرسول عليه الصلاة والسلام عن الاسراف فى ماء الوضوء حتى ولو كان الإنسان على نهر جار. وقد دعا علماء الدين الى استثمار الشهر الكريم فى التخلص من الاسراف والتبذير فى تناول المأكولات والمشروبات، الذى يعد من العادات السيئة التى يفعلها البعض، وذلك أن تلك العادات تتنافى مع روح العبادة فى شهر الصيام، وطالبوا بضرورة الحرص على الالتزام بهدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن يظهر علينا أثر نعمة الله - سبحانه وتعالى - ولكن دون اسراف او تبذير، وليكن شهر رمضان منطلقا وبداية لتصحيح هذه الأخطاء وان نحرص على عدم الاسراف والتبذير، وان نبدل هذه العادة السيئة إلى عادة حسنة. الوسطية والاعتدال ويقول الدكتور عبد الغفار هلال الاستاذ بجامعة الأزهر، إن الاسلام نهى عن كل صور الاسراف، ودعا الى الترشيد والتوسط والاعتدال فى كل الامور الحياتية التى تتعلق بالانسان، سواء فى المأكل اوالملبس والمشرب او حتى فى المشى والتحدث بصوت معتدل لا ارتفاع فيه ولا انخفاض، وهذه الامور كلها مأخوذة من أهم صفة لهذه الامة الخاتمة وهى الوسطية والاعتدال حتى فى القول، قال تعالي «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عليكم شهيدا». وأشار الى ان الاسراف فى المأكولات والمشروبات خلال شهر رمضان، ظاهرة تتكرر كل عام، وذلك على الرغم من التحذيرات المتكررة للخبراء والعلماء والمتخصصين من الآثار والعواقب الوخيمة لهذه الظاهرة على الصحة العامة للاشخاص، وايضا على اقتصاد الاسرة بوجه خاص وميزانية الدولة بوجه عام، والاضرار التى تلحق بالبيئة، وذلك لتجنب الانزلاق الى هذه الظاهرة السيئة التى تتنافى مع روحانيات الشهر الكريم، مشددا على ضرورة ان يتجنب المسلمون جميع الظواهر السلبية على وجه العموم وبخاصة ظاهرة الاسراف فى الأطعمة وما يحدث فى سائر المنازل من طهى وطبخ للعديد من المأكولات وإعداد للمشروبات، ثم تناول اليسير منها وإلقاء ماتبقى منها فى سلة القمامة، موضحا ان الاسراف فى شهر رمضان وغيره من الشهور والايام منهى عنه، فانفاق الأموال على هذه المأكولات والمشروبات، دون الاستفادة منها، مخالفة لتعاليم ديننا، وأمر ينكره الشرع ويحرمه. التخطيط ضرورة وفى سياق متصل، يوضح الدكتور رمضان إمام استاذ العقيدة والفلسفة بكلية التربية جامعة الازهر، انه قد أصبحت هناك ضرورة عاجلة أن نقدم باستمرار لجميع أفراد المجتمع دروسا فى التربية والتوعية الاستهلاكية وآداب الطعام والشراب التى تقتضى عدم ملء المعدة بالطعام وترك ثلث للشراب وثلث للنفس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، «ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا بد فاعلا، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه»، وكذلك دروس فى حسن إدارة الطعام، مثل التخطيط فى شراء المستلزمات الغذائية، وتقدير الكميات المناسبة عند إعداد الأطعمة سواء للأسرة أو للضيوف، وكذلك كيفية تجنب الإهدار فى بواقى الطعام، ومن دون إلقائها كمخلفات فى صناديق القمامة، وذلك من خلال كيفية المحافظة عليها بصورة جيدة وتخزينها فى الثلاجة لاستغلالها، وتجميع الأطعمة الجيدة السليمة لا الفضلات، فى أكياس وعلب بلاستيكية وإعادة تغليفها لتوزيعها على الفقراء والمحتاجين، والتدوير الجيد لفضلات ومخلفات الأطعمة. واشار الى ان ذلك لن يتأتى إلا من خلال برامج تربوية وحملات إعلامية جادة وفعالة، تركز على المعانى السامية الكثيرة لشهر رمضان، وتقضى على التصرفات والسلوكيات غير العقلانية المبالغ فيها فى الشراء والإنفاق من قبل كثير من الأفراد، واستثمار الأموال فى مشاريع خيرية تنهض بالفقراء والمحتاجين وتسهم فى القضاء على الجوع وتعضد وتقوى التكافل والتضامن والتماسك الاجتماعى وحل مشكلات المجتمع، حتى تصبح الأمة بحق مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمي، وبذلك تستطيع ان تواجه الامة جميع التحديات التى تواجهها فى العصر الحالي.