لم تصبح «وثائق بنما» مجرد تسريب لحسابات زعماء ومسئولين حول العالم بل أزاحت تلك الوثائق الستار عن أكبر مسرحية «تهرب ضريبي» ضربت 72 دول حول العالم، لكن تظل شركة «موساك فونسيكا» هي المخرج الخفي لهذه «الكارثة» الاقتصادية الضخمة. 40 عامًا في الظل في قلب «بنما»، بدأت شركة «موساك فونسيكا» للخدمات القانونية عملها، مقدمة نموذج السرية «عربون» لعملائها حول العالم، قبل أن تخرج وثائقها إلى النور، وصل عددها إلى 11 مليون وثيقة، تفضح تورط 72 من رؤساء الدول الحاليين والسابقين، في عمليات مالية مشبوهة. عمل «موساك فونسيكا» كمكتب محاماة بعيدًا عن الأضواء، ولذلك كان نجاحه واضحًا في ضم زبائن لشخصيات بارزة، بعد أن تخصص في قضايا التهرب الضريبي. بين «موساك» و«فونسيكا» أما عن اسم الشركة البنمية، فهو مستمد من شخصين يديرونها من أحد مباني حي الأعمال في بنما «العاصمة»، وهما: الألماني «يورجن موساك» والبنمي «رامون فونسيكا مورا»، وفقًا ل«فرانس 24». «موساك» أحد مؤسسي للشركة، ولد في ألمانيا عام 1948 قبل أن يهاجر إلى بنما مع عائلته، حيث نال إجازة في القانون، وكان والده نازيًا خدم في وحدات النخبة في الجيش الألماني، وبحسب ملفات سابقة للاستخبارات فإنه عرض التجسس لحساب وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «CIA». بينما «فونسيكا» المؤسس الثاني للشركة فولد عام 1952، ونال أيضًا إجازة في القانون ببنما، لكنه تابع دراساته في معهد لندن للاقتصاد، وقال في مقابلة إنه كان يفكر في أن يصبح كاهنا، لكن صار مديرًا لشركة صغيرة قبل الاندماج مع موساك، وفتح المحاميان في بادئ الأمر مكتبا في الجزر العذراء البريطانية. ونصف الشركات التي أنشأها هذا المكتب (أكثر من 113 ألف شركة)، كان مقرها في هذا الملاذ الضريبي بالجزر البريطانية، بحسب الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين. أشهر الفروع عامًا تلو الآخر، تزايد نشاط «موساك فونسيكا» ومعه ارتفع عدد أفرعها، حيث تم فتح مكتب جديد في دولة صغيرة بالمحيط الهادي هي «نيو»، وفي العام 2001 كانت عائدات الشركة في هذه الجزيرة مرتفعة إلى حد أنها ساهمت في 80% من الموازنة السنوية لنيو. أمام الضغط الدولي، تم إجبار الجزر العذراء البريطانية على التخلي عن نظام الأسهم بدون تسمية المالكين، وعادت «موساك فونسيكا» إلى بنما، كما تركز في أرخبيل انغيلا بالكاريبي. وفي البرازيل تم ذكر اسم الشركة، ضمن فضيحة فساد هزت البلاد، وطالت شركة النفط العملاقة «بتروبراس» المملوكة للدولة، أما الولاياتالمتحدةالأمريكية فاعتبر قاض من نيفادا أن المكتب حاول عمدا إخفاء دوره في إدارة فرعه المحلي في هذه الولاية الأمريكية. وأظهرت البيانات أيضًا شبكة مشتبها بها لغسل الأموال تقدر قيمتها بمليار دولار يديرها بنك روسي، ويشارك فيها عدد من المقربين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إضافة إلى أن رئيس الوزراء الأيسلندي سيجموندور جونلاوجسون لديه مصالح غير معلنة في بنوك البلاد التي قامت الدولة بإنقاذها. القفز من السفينة «موساك فونسيكا» سارعت بالرد على أول سيول التسريبات بالتأكيد على أنها تلتزم بالبروتوكولات الدولية لضمان أن الشركات التي تضمها لا تستخدم في التهرب الضريبي وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب أو أي غرض غير قانوني. وتتمسك الشركة كذلك بأنها حريصة في عملها وتأسف على إساءة استخدام خدماتها، مضيفة: «على مدى 40 عاما عملت موساك فونسيكا بعيدا عن أي شبهات في بلدنا وفي المناطق الأخرى التي توجد بها عمليات لنا.. لم يوجه الاتهام قط لشركتنا ولم تدان في أي عمل إجرامي»، بحسب تقرير ل«بي بي سي» نشره موقعها، اليوم. واصلت الشركة البنمية الدفاع عن نفسها، قائلة: «عندما نكتشف أي نشاط مشبوه، نبلغ السلطات على الفور، وعندما تتصل بنا السلطات بدليل على احتمال وجود مخالفات، نتعاون معها بصورة تامة.. الشركات التي تدار في الخارج موجودة في كل مكان وتستخدم لأغراض قانونية متعددة». وأخيرًا، قال رئيس مكتب المحاماة رامون فونسيكا مورا، إن الكشف عن كل هذه الوثائق «جريمة وهجوم» يستهدف بنما، مؤكدًا أن «الخصوصية هي حق أساسي من حقوق الإنسان، وتشهد تراجعًا متواصلا في عالمنا اليوم، كل شخص لديه الحق في الخصوصية سواء أكان ملكا أم متسولا».