«لا تغرد سلطنة عمان خارج السرب»، ولكنها تسعي إلي البعد عن سياسة «سكب الزيت علي الأزمات الملتهبة»، وانتهاج سياسة هادئة عقلانية وواقعية إلي أبعد الحدود إذا أردت أن تبحث عن الحكمة، فستجدها في عمان. وإذا عجزت عن التوصل إلي حل أي مشكلة، فاستعن بالسلطنة وسيطا نزيها، تشهد له سوابقه وإنجازاته في هذا المجال. أما إذا بحثت عن تطبيق مثالي لمبدأ «تصفير المشاكل»، فمسقط هي العنوان والمقصد، صحيح أن التعبير يمثل سياسة كشف عنها مبكرا رئيس الوزراء التركي أحمد أوغلو، عندما كان وزيرا للخارجية، ولكن سلطنة عمان تكاد تكون من بين عدد محدود من دول العالم، ليس لها مشاكل من أي نوع مع مثيلتها، علي مستوي الجوار الجغرافي أو المحيط الإقليمي، أو الفضاء الدولي. ولهذا لم تفاجئني أنباء المباحثات الأخيرة التي يجريها أعضاء الهيئة التأسيسة لصياغة مشروع الدستور الليبي في مدينة صلالة، فهو نجاح مضاف يحسب للسلطنة وسياساتها الخارجية، خاصة وأن الفرقاء الليبيين هم من طلبوا القدوم إلي عمان، لإنجاز مهمتهم، بعيدا عن الخلافات والتباينات في الداخل الليبي، والتدخلات العديدة ومن جهات مختلفة دولية وعربية في الملف، سلطنة عمان وفرت الأجواء المناسبة لأعضاء اللجنة، لإنجاز مهمتهم التاريخية، بعيدا عن المنازعات علي الشرعية بين طبرق وطرابلس، بعيدا عن صراعات الفصائل المسلحة والجهوية وهي بالعشرات، مسقط فقط شاركت في الجلسة الافتتاحية عبر وزير خارجيتها يوسف بن علوي الذي أصبح عميد وزراء الخارجية في العالم، وقدم للمجتمعين في كلمات اتسمت بالوضوح والمباشرة والصراحة، «وصفة نجاح» لمهمتهم، عندما أكد لهم علي ثقته في تجاوز ليبيا للأوضاع الراهنة، مشيرا إلي أن الدول لا تبني بالنزاعات، وإنما بالتسامح وأن الأوطان تتسع للجميع. جهد السلطنة في الملف الليبي استثناء بين دول تدعم هذا الطرف أو ذاك سياسيا وعسكريا، وبين جهات تدفع باتجاه التدخل العسكري في ليبيا، وركزت مسقط علي فعل إيجابي سيكون له نتائجه علي مسار الأزمة، وهي الانتهاء من مسودة الدستور، وعرضه للاستفتاء علي الشعب الليبي، خاصة إذا توافق ذلك مع بدء عمل حكومة الوفاق الوطني، كما أن الانتهاء من صياغة الدستور، والاتفاق علي بنوده، يمثل إحدي مراحل بناء مؤسسات الدولة الليبية. ولعل الوقائع تشير إلي أن جهد سلطنة عمان في الملف الليبي، ليس استثناء في مسيرة السياسة الخارجية العمانية، منذ أن تولي السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان مقاليد الحكم في 23 يوليو 1970، حيث رفعت شعار «لا ضرر ولا ضرار» في إنهاء كل خلافاتها الحدودية مع دول الجوار، سواء برية أو بحرية، والتزمت سياسة عدم التدخل في الشئون الداخلية لأي دولة من دول العالم، علي العكس فقد تمسكت بسياسة الإبقاء علي الجسور، ولم تلجأ إلي آلية قطع العلاقات في أي أزمة، والمواقف الأشهر لذلك، رفض السلطان قابوس الالتزام بقرار القمة العربية في بغداد، بقطع العلاقات مع مصر في أعقاب توقيعها علي اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، كما أنها أبقت علاقاتها علي حالها مع العراق، بعد غزوه للكويت دون أن تتأخر عن أن تكون جزءا من التحالف الدولي لتحرير الكويت، حتي مع سوريا تظل مسقط هي العاصمة العربية الوحيدة التي أوفدت وزير خارجيتها يوسف بن علوي إلي دمشق، والتقي الرئيس السوري بشار الأسد، واستقبلت وزير الخارجية السوري وليد المعلم، وتحفظت علي قرار تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية بعد الأزمة. كما أن استمرار علاقاتها مع الجارة إيران، تمثل نموذجا يحتذي، فهي جزء من منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، ولكنها تتميز بعلاقات ثابتة مع طهران، يحكمها التاريخ والجوار الجغرافي، وقد نجحت من خلال تلك العلاقة، في أن تكون وسيطا مقبولا بين طهران وعدد من دول العالم، بالإضافة إلي الدور التاريجي في الجمع بين وفدين من طهران وواشنطن، فتح الطريق أمام التوصل إلي الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، كما كانت سلطنة عمان وسيطا مهما بين الحكومة الشرعية واليمنية وجماعة الحوثي وعلي عبد الله صالح. رياض النيل نجاحات السفير الصديق أحمد قطان سفير السعودية بالقاهرة لا تنتهي ولا تتوقف، عند إسهاماته في تعزيز العلاقات الثنائية بين مصر والمملكة، والتي وصلت إلي حالة من التميز غير مسبوقة، ولكنها تمتد إلي مجال جديد، وبعد مختلف من خلال أمسيات رياض النيل الثقافية، التي يستضيفها كل شهر في مقر إقامته بالزمالك، فبعد الأمسية التي كرم فيها الشاعر فاروق جويدة كانت الندوة الثانية، حول حوار الحضارات والأديان، والمتحدث الرئيسي فيها الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف الأسبق، الذي امتع الحاضرين من النخبة الفكرية والإعلامية برؤية متكاملة حول تلك القضية، كما نجح السفير قطان في توضيح موقف بلاده منها، حيث تبني الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز مثل تلك المبادرة، والذي سبق له أن التقي مع رأس الكنيسة الكاثوليكية، وتأسيس مركز الملك عبد الله للحوار بين أتباع الاديان والثقافات في فيينا 2009، وفي انتظار نجاحات جديدة للسفير قطان، وأمسيات جديدة لرياض النيل.