لا أحد ينكر حالة الانبهار التى تسيطر علينا وعلى العديد من دول وشعوب العالم تجاه تجربة كل من اليابان وكوريا والتى سارت على دربهما دولة الصين العظيمة. انها تحتم علينا ان نعود بالتاريخ إلى الوراء حتى نفهم موقفنا مما حققته الدولتان من انجازات. هذا التقدم الهائل كان وراء قيام الرئيس عبدالفتاح السيسى بزيارة الدولتين بحثا عن فرص مساهمتهما فى دفع مسيرة البناء والتنمية التى تشغل فكره وباله واهتمام الشعب المصري. بداية فإنه وبالنسبة لليابان التى تعد واحدة من أكبر الاقتصاديات فى العالم المستندة إلى نهضة تكنولوجية وصناعية واقتصادية هائلة.. فإنه لابد ان يكون معروفا انها دولة لا تملك أى ثروات طبيعية على الاطلاق. انها تعتمد علي استيراد المواد الخام لسد احتياجات انتاجها الصناعي المميزالذي يغمر كل أسواق العالم وكذلك احتياجاتها الغذائية. هذه الدولة التي أدهشت وأبهرت العالم خرجت من الحرب العالمية الثانية وهى فى حالة دمار كامل. انها معروفة تاريخيا بأنها كانت الوحيدة بين دول العالم التى تعرضت للقذف بأول قنبلة ذرية صنعها البشر أسقطتها على مدينتيها هيروشيما ونجازاكى القاذفات الامريكية. رغم هذا فإنها مثلها مثل ألمانيا المهزومة والمدمرة أيضا فى هذه الحرب.. استطاعت ان تعيد بناء نفسها من جديد. ان السر فى نهضتها يعود إلى تبنيها سياسة تعليمية دفعت بها إلى مصاف الدول فى هذا المجال. يضاف إلى ذلك تقديس المواطن اليابانى للعمل والانتاج والفكر الخلاق وكلها عوامل حققت الطفرة الهائلة فى الانتاج وجودته. يحسب لهذا الشعب إيمانه وولاؤه بوطنه إلى جانب طبيعته التى تجعله يُقبل علي العمل بحماس جارف من أجل نهضة هذا الوطن.. هذه الغريزة جعلته على استعداد للتضحية من أجل اداء ما هو مطلوب منه واكثر. هذا الامر يدفعه إلى رفض الاجازات والتجاوز بناء على طلبه عن ساعات العمل الاضافية. علاقة مصر بهذه النهضة اليابانية ترجع إلى ايام محمد على باشا باعث النهضة المصرية فى القرن الثامن عشر من الالفية الثانية اى منذ حوالى قرنين من الزمن.. فى ذلك الوقت وانبهارا بتجربة هذا الحاكم العبقرى بعثت اليابان بوفد إلى مصر للاطلاع على كل ما يحيط بالتجربة المصرية للاستفادة منها فى جهودها لتحقيق النهوض والتقدم. من ناحية أخرى وفى نهاية القرن العشرين وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية.. انتشرت البعثات والوفود اليابانية فى كل ألمانيا للاطلاع على تجربتها الصناعية والتكنولوجية لتصبح ركيزة لنهضتها الصناعية الحديثة.. اما فيما يتعلق بدولة كوريا الجنوبية فإن مسيرتها فى التنمية الصناعية لم تبدأ سوى فى الثمانينات بعد حوالى عقدين بعد انتهاء هذه الحرب التى دمرتها وقسمتها إلى بلدين. استطاعت بالتخطيط السليم والانضباط والعزيمة والتطلع إلى مستقبل افضل أن تخوض تجربتها الصناعية والاقتصادية القائمة على العمل والانتاج.. طورت نفسها بالارادة القوية لتحتل المرتبة الرابعة حاليا ضمن الدول المتقدمة صناعيا واقتصاديا. اعتمدت على تدريب العمالة وجندتهم لغزو العالم خاصة السعودية ودول الخليج للعمل في مجالات التعمير والبناء للحصول على العملات الأجنبية اللازمة لمشروعاتها التنموية. ظلت علاقة مصر الدبلوماسية بكوريا الجنوبية حتى قرب نهاية القرن الماضى على المستوى القنصلى رغم الجهود التى بُذلت من جانب القيادة الكورية لرفعها إلى مستوى السفارة. كانت القيادة المصرية تحت رئاسة مبارك تضع فى اعتبارها عدم إغضاب كوريا الشمالية تقديرا لما قدمته لمصر من دعم لإمكانياتها العسكرية. نتيجة للتطور الصناعي والاقتصادي الذي حققته كوريا الجنوبية. واتساع دائرة علاقاتها الاقتصادية والصناعية فى مصر. تمت الموافقة علي رفع مستوى هذه العلاقات الدبلوماسية إلى مرتبة السفارة. فى محاولة من جانب مصر للاستفادة من هذه المكانة التى اصبحت تتمتع بها كوريا صناعيا واقتصاديا جاءت تلبية الرئيس السيسى لدعوة زيارتها. لاجدال أنه استهدف استثمار هذه العلاقة القوية التى اصبحت تربط البلدين فى دعم جهود التنمية الصناعية والاقتصادية التي تحتاجها كل المجالات . ليس خافيا أن التطلع إلى زيادة حركة السياحة الوافدة من كل من اليابان وكوريا وكذلك كازاخستان التى شملتها جولته.. كان ضمن اهداف الزيارات التى قام بها للبلاد الثلاث.