[email protected] لاشك أننا بحاجة إلي مشروع نهضوي دقيق التفاصيل والابعاد علي ضوء التحول والتغير الذي يطرأ في العالم بين آونة وأخري. لدينا الكثير ممن يرددون ويتكلمون عن النهضة ولا سيما النهضة العربية، ولكن من المؤسف إن هؤلاء الذين يرددونها ينتمون إلي مدارس فكرية شاخت وشاخ زمانها، لذا فشلت في النهوض إلي المستوي المراد تحقيقه في الوقت الذي تخاطبنا النهضة الاسيوية سواء كانت في كوريا أو اليابان بمنتهي الوضوح والتوضيح.. حيث وصل هؤلاء العلماء بنهضتهم الصناعية والاقتصادية والفكرية ونخص هنا النهضة اليابانية التي قادها رجال المال والاعمال اكثر من رجال الفكر الا انها حققت نجاحات هائلة في شتي مجالات الصناعة والاقتصاد، وبالتالي أدي ذلك إلي ارتفاع المستوي المعيشي. ان اعظم التجارب النهضوية الآسيوية هي بلاشك التجربة اليابانية التي انهت المجتمع الاقطاعي في تلك الجزر النائية المعزولة وغيرت الحياة الانتاجية والاجماعية وباتت في النهاية مجتمعا صناعيا زراعيا تجاريا معماريا لا مثيل له وتحولت اليابان إلي اكبر دولة مصدرة للإلكترونيات برغم افتقارها الشديد للخامات المعدنية واعتمادها الكلي علي استيراد الوقود رغم الظروف المناخية القاسية والزلازل المتكررة، لاشك انها كانت ثورة ضد الفقر والبؤس واستطاعت بوسائلها ووعيها وبعد نظرتها للوصول إلي ما كانت تصبو إليه هذا هو اليابان خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، فإذا كنا نريد أو نبحث عن نهضة عربية لابد أن ننظر نظرة جدية إلي تجربة اليابان والحركة الاصلاحية اليابانية الكبري، ناهيك ان اليابان قد قامت بتغيير مناهجها الدراسية سواء كانت في التعليم الاساسي او الجامعي بدءاً من الثمانينيات سبع مرات كي تتوافق مع التحول الذي يحدث في العالم رغم انها احد مصادر التحول، وما أن لبثت الدولة ان سيطرت علي الصناعة كي تضمن استقلالها كما انتقلت بالاهتمام بالصناعات الثقيلة دون ان تتنازل عن تنمية الصناعات الخفيفة والحاجات الاستهلاكية، واهتمت اليابان بالمعارض التجارية منذ معرض 2591 في فيينا حيث ارسلت آنذاك نحو سبعين موظفا كفئا في تخصصات متعددة لحضور المعرض أولا ثم القيام بجولة عن كثب لتقصي المعلومات التجارية والصناعية في كل من أوربا لدراسة مزايا وعيوب منتجات كل دولة مشتركة في هذا المعرض ولا زالت حتي يومنا هذا تسلك نفس الاسلوب لدراسة الاسواق العالمية، وقد اتقن اليابانيون العمل الجماعي لتوصيلهم إلي توازن دقيق لربط الفرد بالمجتمع في بناء الدولة والمجتمع، وتحمل شعبهم نتيجة ذلك ضغوطا للتحول الصناعي راضيا لدفع ثمن التقدم ونجحت الحكومة في تفكيك التركيبة الاجتماعية القديمة لليابان سلميا بترغيب جميع افراد الشعب نحو التقدم انطلاقا من مبدأ الجدية والصدق مع النفس استطاعت تحقيق النجاح الاقتصادي والصناعي. لقد اهتمت اليابان ووضعت نصب أعينها بدءا من السبعينات إلي سنة الالفين وعملت لتحقيق هذا حتي احتلت القمة الصناعية وعلي الخصوص الالكترونيات لانها مهدت من بداية السبعينيات اطفالها الذين لم يتجاوزوا الخمس سنوات ان يكونوا رجالا سنة الالفين بتحديث المناهج الدراسية وفقا للمتغيرات بين آونة وأخري حتي تتوافق مع طور التحديث والتحول وبهذا استطاعت ان تعتمد اعتمادا كليا علي طاقات الشباب ونحن لازلنا ندرس في التعليم الاساسي والجامعي مناهج وضعت منذ عشرات السنين، ولازالت رغم انها لم تعد تنفق ولا تتوافق مع موجة التحديث والتغيير والتحول، اذن كيف نستطيع ان نهيء اطفالنا للغد القادم بأثقالة من علوم وفكر ومعرفة لتحقيق مشروع نهضوي يتلاقي مع عالم اليوم. كاتب المقال: عضو اتحاد كُتاب العرب