في حديث تليفزيوني لحسنين هيكل أشار الي شيخوخة الفكر التي لم تعد تتوافق مع الظروف الحالية والمتغيرات التي استجدت علي الساحة وهذا ما شد انتباهي من جهة ومن جهة ثانية حين كان يردد البعض بالعودة الي عصر الطربوش, ربما المقصود ما يحتويه ما تحت الطربوش من فكر وآراء وربطت بين هذا وهذا وبادلتني الملحة لكتابة هذه المقالة عن شيخوخة الفكر التي أصابت مجتمعاتنا بعدم القدرة علي التواصل والاتصال للاستقبال والاستيعاب والمشاركة فيما يحدث في العالم من تحول عبر التغير والمغايرة في مقاييس ومعايير العلوم والمستجدات التي يبدو قلعت الطربوش منذ زمن عند هؤلاء الذين قلعوا الطربوش ولكن مازالوا يرتدونه فكرا ورأيا وعقلا هو ذلك الفكر الذي استشاخ وشاخ زمانه الذي أشار اليه حسنين هيكل في حديثه التليفزيوني شيخوخة الفكر. لاشك ان الزمن يسير ولا يعترف لا بشيخوخة ولا بكهوله وليس هناك من يستطيع ايقافه عن سيره المتصاعد بعطاءاته المتدفقة بالتزايد يوما عن يوم, لاشك أن عقل الانسان الجبار في كل مطلع يوم يكتشف شيئا جديدا يعود بالمنافع علي البشرية جمعاء, صدق كارل ماركس حين قال الانسان أثمن رأسمال في العالم لانه هو الذي يصعد بنا الي كل ما يؤدي الي الخدمة البشرية من كل جوانبها, ولاشك ان هناك أفكارا في بلادنا العربية قد شاخت وبرزت شيخوختها امام موجة التحديث والعولمة التي فرضت مفاهيمها ومعطياتها علي العالم أجمع وباتت محورا ايجابيا لكل من يريد ان يغرف من اناء عطاءاتها المتعددة الجوانب في جميع منافع حقول العلوم والمعرفة. ولا ريب هناك الكثير ممن أقدم علي قبول هذه العولمة وافرازاتها في منهج حياتهم العلمية والثقافية عبر التحول والانتقال مما كانوا عليه الي ما وصلوا اليه من طور وازدهار مما جعلهم ينتهجون المعلوماتية والعلوماتية عبر الوصل والتواصل والاتصال في شتي مفاهيم التحديث والتغير والمغايرة في ممارستهم الفكرية والعملية التي عمت مستجداتها وتبوتقت مفاهيمها وتبلورت علي الكرة الارضية قاطبة دون ان تستثني احدا أو تضع حدود او سدودا بين دولة وأخري لاعتبارها أممية لكل من يريد ان يقتني من اناء معطياتها العلمية والفكرية التي تتصاعد يوما بعد يوم وتتبوتق في محورية منهجية فرضت افرازاتها علي مجتمعات العالم سواء شاءت أو أبت وبهذه الموجة الجديدة من هذا التسلق المتصاعد من الفكر الجديد والعلم الحديث الذي رفض كل ما كان قبله حتي لا يصاب بالشيخوخة التي أصابت الدول النامية مما جعلها عاجزة عن استيعاب الجديد مما يردنا الي الوراء نعيش حقبا لا تتفق ولا تلتقي لما يهدف اليه الانسان الجديد الي المعاصرة والعصور مع ميكنة المستجدات التي أحدثت دويا في المتغيرات والتغير والتحول, واختزلت الزمن بسرعة فائقة وجعلت بآلياتها وتقنياتها ما كان يتحقق في خمسين سنه تستطيع البشرية اليوم تحقيقه في عشر سنوات بفضل تحديث ميكنة المستجدات. ولاشك ان هذه العقول المبدعة التي أفرزتها العلوم في الآونه الاخيرة تواكبت مع طور التحديث والمستجدات وبالتالي حققت ازدهارا ملحوظا في حقول العلوم والمعرفة والفكر مما ادي الي عزلنا عن العالم الحديث لاننا لم نستجب لهذا الفيض المعلوماتي والعلوماتي رغم اننا في سن الشباب ولكن من المؤسف توارثنا شيخوخة الفكر التي باتت تحتاج ترميما حتي تستطيع ان تستقبل وتستوعب ما يحدث علي الساحة العالمية من انجازات في مجري العلوم والفكر والمعرفة. هذا من حيث الاستيعاب فقط اما من حيث الابتكار والابداع لتحقيق الذات فأمر يتطلب انقلابا جذريا في مفاهيم التعليم الاساسي الموروثة سواء كان الجامعي او ما قبل الجامعي. ان بعض المقررات الدراسية التي عفي عليها الدهر وشرب لم تعد صالحة لفكر اليوم لانها شاخت وشاخ معها زمانها لم تعد تتوافق وتلتقي مع مستجدات اليوم ناهيك عن القوانين التي شرعت في الثلاثينيات والاربعينات في عصر الطربوش ومازالت المشرع يقف أمامها حائرا يبدو انه لامكان لنا في هذا العوم المتدفق بعلومه ومفاهيمه للعجز الفكري المستشيخ الذي ورثته شيوخنا التي انصرمت افكارها وانصرم زمانها لم يعد لها وجود في عالمنا الذي نعيشه الآن. لاشك ان موجة التحديث قد ازالت حواجز الفكر منذ بدء معارف العولمة وفتحت الابواب علي مصراعيها لكل من يريد استقبالها لم يعد هناك أية سدود للفكر والمعرفة والعلوم لانها قد ساحت علي بعضها البعض كالهواء لا هوية لها تجنسها ولا حدود تفرقها ولا عرقية تصنفها, وليس هناك من يصدها سوي من استشاخت أفكاره وأصيبت بالعجز وعدم القدرة علي الاستيعاب لانها أصيبت بالمرض المزمن وهو شيخوخة الفكر العربي التي تعوقنا عن التقدم والتطور وتجرنا الي الوراء وتعود بنا الي عصر الطربوش. ----------------------------------------------------- الأهرام 20 سبتمبر 2005