في التقييم النهائي لثورة الياسمين في تونس، التي مر عليها حوالي خمس سنوات، تحصل التجربة علي درجة الامتياز في الانتقال السلس للسلطة، في الالتزام التام بالمسار الديمقراطي. اما علي الصعيد الاقتصادي فلم تكن النتائج علي المستوي المأمول، من جماهير خرجت تطالب وتبحث عن العدل الاجتماعي، عن مقومات الحياة الكريمة. صحيح انها نجحت في اقرار دستور عصري توافقي حظي بشبه اجماع، وانتخابات برلمانية ورئاسية تمت بشفافية ونزاهة شهد بها الجميع، ولكن أزماتها الاقتصاديه ظلت علي حالها، معدلات البطالة كما هي، وقد تكون قد زادت، وكانت النتيجة ماحدث خلال الأيام الماضية من احتجاجات، شهدتها عدد من الولايات والمحافظات، والتي وصفت بانها الأخطر منذ عام ٢٠١١،،والتي أعادت للأذهان، نفس مشاهد ماحدث في تونس منذ خمس سنوات، فوفاة البوعزيزي فجر ثورة الياسمين، وموت اليحياوي كان وراء اندلاع المظاهرات الاخيرة، والسبب في الحالتين واحد، هو المعاناة المعيشية، والشعور بالظلم والفقر والبطالة والتهميش وغياب العدالة. عانت تونس خلال السنوات الماضيه، من عقبات ومطبات ومعضلات ومشاكل سياسيه عديده، وسط حاله من الانقسام والتشرذم بين الأحزاب والتيارات، والتي تجاوز عددها المائة، ولكنها نجحت في تجاوزها، في ظل الالتزام الكامل من الجميع، بقواعد اللعبة الديمقراطية، والإجماع علي الحفاظ علي مقومات الدولة التونسية، والرغبة في المشاركة لا المغالبة، وهو النهج الذي استمرت حتي اليوم، وكانت البداية من حزب النهضة الذي سعي إلي ترويكا حاكمة، عندما حاز علي الاكثرية في اول انتخابات برلمانية بعد الثورة في عام ٢٠١١، تولي هو رئاسة الوزارة، وترك رئاسة المجلس التأسيسي ورئاسة الجمهورية لحلفائة، وعندما زادت الضغوط عليه من الشارع، تنازل عن رئاسة الوزارة لآخر مستقل، أشرف علي الانتخابات الاخيرة في عام ٢٠١٤، وقبلت بنتائجها، بعد ان حل ثانيا لصالح تكتل نداء تونس، الذي سعي هو الآخر إلي تشكيل ائتلاف حكومي رباعي، مع النهضة والاتحاد الوطني الحر، وآفاق تونس، دون ان يتوقف أحد، عند فكرة أن قيادات نداء تونس من رجال العهد السابق، او أنهم من الفلول بالتعبير الشهير للنخب المصرية، فالشعب هو الذي اختار، وعلي الجميع احترام ذلك الاختيار. وحرصت النهضة ايضا علي عدم استثمار ازمة نداء تونس، والخلافات الشديدة بين قياداته، نتيجة اتهامات للرئيس الباجي السبسي، بالتخطيط لتوريث رئاسة الحزب إلي ابنه حافظ، وهو احد قيادات الحزب، وهو ما نفاه مؤخراً، ورغم ذلك استقال من الحركه ٢٢ نائبا في البرلمان، وعدد من الوزراء، وراحوا يشكلون تكتلا برلمانيا جديدا لهم، فأجري الحبيب الصيد رئيس الوزراء تعديلا وزاريا، وتراجع النداء إلي المرتبة الثانية في البرلمان ب٦٤ عضوا، لتحتل النهضة الاكثرية ب٦٩ مقعدا، ومع ذلك حرصت النهضة علي الإبقاء علي الوضع علي حاله، دون الدعوة إلي حل البرلمان، والذهاب إلي انتخابات جديدة، وكان الجميع علي مستوي المسئولية، خاصة الائتلاف الحاكم، حيث دعمت النهضة تحركات الحكومة ومعالجتها للازمة الاخيرة، بل حذر الغنوشي زعيم حزب النهضة، من مغبة استغلال الإرهابيين للحركات الاحتجاجية، التي تعاملت معها الحكومة بنفس آليات الواجب اتباعها، ومن ذلك اعلان حظر التجول ليلا، دون اي إجراءات قمعية. الازمة الاخيرة ببعدها الاقتصادي، هي احد توابع المرحلة الانتقالية في تونس، واحدي سماتها الاساسية حالة عدم الاستقرار السياسي، التي تؤثر بالسلب علي الاوضاع الاقتصادية، ناهيك عن تنامي ظاهرة الارهاب، وكانت ابرز عملياته في في الاعتداء علي متحف بارود، والآخر الذي استهدف فندقا في سوسه، وكان الضحايا من السياح الأجانب، والنتيجة زيادة موازنة الدفاع إلي ١٥ بالمائة، في مقابل ٢ بالمائة للزراعة، مع تراجع معدلات السياحة في تونس بنسبة ٣١ بالمائة في العام الماضي، والتي تمثل ١١ بالمائة من الدخل القومي، اما البطالة فهي الازمة الأكبر، والتحدي الأعظم الذي يواجهه حكومة الصيد، وكانت وراء الاحتجاجات الاخيرة، حيث تصل نسبتها إلي ١٦ بالمائة، وترتفع في بعض المناطق إلي ٣٠ بالمائة وأكثر في الريف، ثلثهم من حملة الشهادات الجامعية، المشكلة الحقيقة هو ان الازمة كشفت عن عجز الحكومة، في إيجاد خطة حقيقية للنهوض بالاقتصاد، وهذا ما جسده تصريح رئيس الوزراء الحبيب الصيد، عندما أعلن عن عدم قدرة الاقتصاد التونسي، علي إيجاد حلول للجميع في نفس الوقت، ودعي إلي التحلي بالصبر، مع حلول مؤقتة. تونس ستظل تجربة مهمة من تجارب الربيع العربي، تواجه المشاكل ولكنها تسعي إلي الحلول، وتتجاوز المصاعب، فهي وضعت نفسها علي الطريق الصحيح