الإجابة «تونس» هي كلمة السر، تسبق جميع الدول العربية بخطوات، ففي يناير 2011 سبقت تونس جميع الدول العربية، وأطاحت بزين العابدين بن علي لتكون هي صاحبة الرمية الأولى في ثورات الربيع العربي. خلال 5 سنوات من الثورة التي أشعلها بوعزيزي عندما أحرق نفسه احتجاجًا على الظلم، كانت تونس هي النموذج الأنجح بين الدول التي اختارت الثورة، فنجحت في وضع دستور جديد للبلاد في يناير 2014، ثم انتخاب مجلس النواب في أكتوبر، وانتهاءً بانتخاب الباجي قائد السبسي رئيسًا في نوفمبر من نفس العام.. لكن يبدو أن الثورة في تونس مازالت مستمرة لنفس الأسباب التي اندلعت للقضاء عليها في 2011. 79 تونسيا يقودون الثورة الجديدة تصاعدت الأحداث في تونس مؤخرا بعد اندلاع عدد من المظاهرات في محافظة القصرين نتيجة لموت الشاب رضا اليحياوي 29 عاماً، السبت 16 يناير، وقالت صحيفة الصباح التونسية إن الاحتجاجات بدأت منذ مساء السبت 16 يناير، وذادت في اليوم التالي أثناء مشاركة التونسيين في تشيع جثمان اليحياوي. وأضافت الصحيفة أن "موت اليحياوي" ليس أول الحوادث التي تحدث صيتاً في القصرين، وإنما سبقها عدد من الدعوات المدنية لفتح ملفات الفساد في المحافظة التونسية. واتهم أفراد عائلة اليحياوي، من شطب اسمه من سجل المعينين بقتله، بالإضافة لأحد نواب مجلس الشعب التونسي "كمال الحمزاوي" الذي وعد الشاب التونسي بحل مشكلته عندما قام وزملائه بالاعتصام. وصرح "والي القصرين" للصحيفة التونسية بأن قصة اليحياوي ومجموعة أخرى من الشباب يبلغ عددهم 79 شخصا، تعود لاعتصام قاموا به منذ فترة لمعاناتهم من البطالة، وبالفعل تم تعيينهم في وزارة التربية، إلا إنه بعد الفحص تم استبعاد 7 أسماء وليس اليحياوي فقط. العاصمة تنضم للاحتجاجات.. والمعتصمون: سلمية استمرت الاحتجاجات في الصعود وامتدت من محافظة القصرين إلى العاصمة، وسيدي بوزيد و سوسه و سليانة وبعض المحافظاتالتونسية الأخرى، ورفع المحتجون شعارات "شغل.. حرية.. كرامة" للمطالبة بحل مشكلة البطالة في البلاد، ورفع بعضهم لأول مرة منذ عام 2011 شعار "الشعب يريد إسقاط النظام." فيما أصدر المعتصمون بياناً وفقاً لموقع قناة العربية، الأربعاء 20 يناير، أكدوا فيه "سلمية تحركاتهم و رفضهم التام للتعامل الأمني مع قضيتهم وتحميلهم الحكومة تبعات تأزم الأوضاع في القصرين ورفضهم تسييس قضيتهم مع التأكيد على انفتاحهم على كل مبادرة سياسية تساعد في إيجاد حل عملي ونهائي لأزمة التشغيل في القصرين، بالإضافة لمواصلة فتح باب الحوار مع السلطات المعنية لغاية إيجاد اتفاق مشترك يرضي جميع الأطراف." وطالبوا في بيانهم، "الجماهير الغاضبة بالحفاظ على مؤسسات الدولة ورفض جميع الأجندات الحزبية التي تسعى لتوجيه مطالب المعتصمين والمحتجين." الأحزاب تدعم الحكومة وتدعوا للتهدئة في السياق ذاته، أصدر حزب نداء تونس وحركة النهضة بيانات تعليقاً على الأحداث، داعيين للتهدئة، حيث نشر "نداء تونس" الحاكم، بيان على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، الخميس 21 يناير قائلا إن البلاد تمر بمرحلة مفصلية ودقيقة في تاريخها الوطني ومسارها الانتقالي ومشروعها الديمقراطي، والتي تقتضي من جميع مواطنيها الوعي بالتحديات الخطيرة والمخططات المشبوهة. وأكد الحزب دعمه الكامل للحكومة في قراراتها لإيجاد حلول اجتماعية واقتصادية، مطالبين الشعب التونسي والنخب السياسية بألا يقعوا فريسة استغلال الأطراف الخبيثة الساعية لضرب الوحدة الوطنية. وقدم حزب النهضة الإسلامي برئاسة راشد الغنوشي تعازيه في وفاة رضا اليحياوي، قائلا، في بيان الأربعاء 20 يناير، إنه يتفهم تتفهم المطالب المشروعة في الشغل ومقاومة الفقر والتهميش، داعياً إلى التهدئة، ومطالباً الحكومة بتنفيذ البرامج والمشاريع المقررة وتركيز الجهود على التشغيل والتنمية. امنحونا الوقت فليس لدينا عصا سحرية وقال الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، الأربعاء 20 يناير، إن "الحكومة الحالية ورثت وضعاً صعباً للغاية، حيث يوجد 700 ألف عاطل عن العمل، بينهم 250 ألف شاب يحملون شهادات، مضيفاً، أنه لا يمكن حل مشاكل من هذا النوع بالتصريحات، فلابد من الوقت". وفي حوار له مع قناة فرانس 24 قال رئيس الوزراء التونسي، الحبيب الصيد، إن حكومته تدرك المهمة الصعبة، لافتا إلى أن الديمقراطية تتطلب مزيدا من النضج. وتابع الصيد "ليس لدينا عصا سحرية لإعطاء وظيفة للجميع في نفس الوقت، ما يحدث في تونس مع الشباب ليست حالة جديدة مضيفا،" نحن نرث هذا الوضع، وظائف جديدة تتطلب جهدا كبيرا، نحن بحاجة إلى أشخاص تتحلى بالصبر." حظر التجوال يعود لتونس ونتيجة لتصاعد الاشتباكات والمناوشات بين المحتجين التونسيين والشرطة أعلنت السلطات التونسية، الجمعة 22 يناير، حظر التجوال في البلاد، حيث أصدرت وزارة الداخلية بياناً، قالت فيه، "إنه بسبب المخاطر على الممتلكات العامة والخاصة سيفرض حظر للتجوال بدءا من الساعة 8 مساء حتى 5 صباحا، بداية من الجمعة" وحذر البيان من خرق حظر التجوال قائلا: "يستثنى من حظر التجوال العاملون في دوام ليلي، ومن يحتاجون إلى رعاية طبية عاجلة"، وحذر من أن مخالفة الحظر يعرض للخطر وللمحاكمة." الظلم يوحد بوعزيزي ويحياوي من أجل الثورة كانت الثورة التونسية قد بدأت في ال17 من ديسمبر عندما قرر محمد البوعزيزي أن يضرم النار في نفسه احتجاجا على الظلم الذي تعرض له، ليتوفي بعدها بأيام، إلا أنه ألهم الملايين من الشعب التونسي لخوض ثورة التغيير للاحتجاج على البطالة والتي ضربت المجتمع خلال فترة حكم زين العابدين بن علي. وكما كان محمد بوعزيزي هو شرارة البداية للثورة التونسية فإن الشاب رضا يحياوي هو إشارة البدء لزيادة رقعة الاحتجاجات في تونس بعد ما لقي مصرعه هو الآخر حرقا بعد ما صعقته كهرباء أحد أعمدة الإنارة التي حاول تسلقها ليحتج على اعدم إدراج اسمه بقوائم العمال بوزارة التربية. البطالة في تونس عرض مستمر منذ 2011 قال تقرير لشبكة "سي إن إن" الإخبارية إن نسبة البطالة في تونس عام 2015 بلغت 15.3% مقارنة بنحو 12% في 2010، العام السابق لثورة الياسمين. وأضاف التقرير الذي نشرته سي إن إن على موقعها الإلكتروني إن ثلث العاطلين عن العمل من حاملي المؤهلات الجامعية، لافتا إلى أنهم منتشرين في محافظات القصرين وسيدي بوزيد، وتتجاوز نسبة البطالة المعدل الوطني لتصل في بعضها قرابة ال50%. فيما خصصت شبكة روسيا اليوم الإخبارية عبر موقعها الإلكتروني إنفوجراف لأبرز الإحصائيات التونسية عقب 5 سنوات على الثورة، والتي أشارت فيها إلى أن العجز في الميزانية بحسب البنك المركزي بلغ 79%، فيما وصل معدل متوسط دخل الفرد ل4.968 دولار. وأضافت أن تونس تحتل الآن المركز ال79 عالميا في مؤشرات الفساد، وال86 في مؤشر الفشل والهشاشة، وال104 في مؤشر سعادة المواطن. تونس.. النموذج العربي الأنجح يقترب من الفشل كانت البداية هي تونس، فمن خلال ثورتها انتقلت الاحتجاجات لعدد من الدول العربية الأخرى إلا أن النموذج التونسي كان دائما ما يوصف بأنه الأنجح في التعامل في مرحلة ما بعد الثورة والتي خاضتها تونس بالتدريج الصحيح الذي بدأ بالدستور ثم انتخاب البرلمان ومن بعده الرئيس. ومصر من البلاد التي تبعت تونس في ثورتها عقب انتفاضة التحرير في ال25 من يناير من أجل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية وهي الهتافات التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك وقضت على مشروع التوريث، إلا أن البلاد مرت بفترة من التوتر والاحتجاجات بداية من فترة حكم المجلس العسكري ثم مرحلة الإخوان المسلمين. وفي 30 يونيو أطاح المصريون بمحمد مرسي، لتبدأ بعدها البلاد في عمل دستور جديد مخالف لدستور الإخوان، وتبعه انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسي، ليتم بعدها انتخاب مجلس الشعب وإكمال خارطة الطريق. كما كانت ليبيا هي الدولة الثالثة التي تنتفض على حاكمها مستلهمة ما حدث في ثورتي الياسمين وال25 من يناير إلا أن لازالت تعاني من الانقسام والفشل في السيطرة على أي شيء داخل البلاد، بينما كان النموذج السوري هو الأسوأ فأصبحت تخوض حربا أهلية بين المليشيات المسلحة، وقوات بشار الأسد مما أوجد مئات الآلاف من اللاجئين. ومع الأحداث الأخيرة التي تشهدها تونس فإن النموذج الذي كان يضرب به المثل في العملية الديمقراطية أصبح الآن على شفا حفرة من ثورة جديدة أو فوضى، لتنضم إلى ليبيا وسوريا التي حلم شعبها بالتغيير للأفضل فأصبحوا منقسمين حول من يملك هذا الحلم.