لم تهدأ المظاهرات فى تونس منذ ان لقى الشاب رضا اليحياوى مصرعه صعقا بالكهرباء قبل 5 سنوات خرج الشباب التونسي إلي الميادين مشعلا ثورة غضب ليتخلص من عقود من الظلم والفساد والقمع السياسي ضد المعارضين ونشطاء حقوق الإنسان والعمال، وتوحدت الآمال لبناء نظام عادل بعد سنوات من الاحباطات التي جعلت الشاب بوعزيزي ينتحر ليثأر له الشباب بإسقاط الرئيس زين العابدبن بن علي لتنتقل تونس من ثورة الياسمين إلي سنوات إرساء نظام سياسي يليق بثورة بيضاء لشعب عاني طويلا. وظلت تونس منذ ذلك الوقت نموذجا عربيا فريدا للانتقال الديمقراطي للسلطة بعد صياغة دستور جديد وانتخاب رئيسين فاستحقت عن جدارة جائزة نوبل للسلام العام الماضي.بينما ضلت بعض الدول العربية الثائرة الطريق وسقطت في براثن التقسيم والدمار والانقسامات الطائفية. لكن الطريق التونسي لم يكن سهلا حيث اغتيل اثنين من السياسيين اليساريين، وتعرضت تونس لهجمات ارهابية ضد قوات الأمن، وأخري ضد السياح والتي فرضت وجود حملات من الاعتقالات التعسفية، وتم تجريم التظاهر والاحتجاج. واختفي ذلك الجانب المشرق لثورة الياسمين ليظهر الجانب الاسود ويسقط الشاب رضا اليحياوي، ضحية 5 سنوات من الفشل في احتواء الشباب التونسي وانقاذهم من حالة الاحباط كما ان كثر من نصفهم يعانون من البطالة. وازداد الامر سوءا للشباب لان ذاك الجديد الذي توقعوه لم يأت بعد ، ولم يقنعه ال121 حزبا التي أنشئت عقب الثورة في أن شيئا قد تغير أمام لعبة تبادل الكراسي بين الأحزاب الاسلامية ممثلة في حزب النهضة الذي فشل في محاربة الإرهاب وحزب «الفلول « نداء تونس الذي أعاد رجال نظام الرئيس زين العابدين للسلطة مجددا. وتشابهت البدايات إلي حد كبير، شاب محبط يعترض علي عدم حصوله علي وظيفه فيصعق بالكهرباء ويموت في مدينة قصرين التي كانت أول المدن التونسية الثائرة ضد نظام بن علي قبل 5 سنوات لتشتعل فيها الاحتجاجات مجددا علي وقع تهديد اكثر من شاب بالانتحار وإصابة العشرات نتيجة إلقائهم لأنفسهم من فوق مبني الحكومة المحلية اعتراضا علي الفساد والمحسوبية في توزيع فرص العمل في المدينة التي تتضاعف فيها نسبة البطالة عن النسبة في تونس كلها. لتنتقل المظاهرات والاحتجاجات لمدينة سيدي بوزيد ثم إلي تونس العاصمة كما حدث إبان الثورة. هذه الحالة من الإحباطات المتكررة من الحكومات المتعاقبة التي لم تحقق للشباب ما يريد صاحبتها حالة من الانقسام السياسي داخل حزب الأغلبية نداء تونس الفائز بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية الذي بدأ ينهار علي وطأة الانقسام الداخلي بين أعضاء المكتب السياسي والنواب بين طرفين رئيسيين : ابن الرئيس رجل الأعمال حافظ قائد السبسي وبين محسن مرزوق الأمين العام الذي استقال من حزب نداء تونس لتتبعه سلسلة من الاستقالات الجماعية اعتراضا علي اسئثار ابن الرئيس بالسلطة ومخالفة قرارات لجنة ال13 والداعين لتنظيم مؤتمر سوسة. وأعلن القيادي بحزب «نداء تونس» ووزير الشؤون الاجتماعية في حكومة الحبيب الصيد، محمود بن رمضان استقالته من الحزب وهو أحد أهم مؤسسيه، إضافة إلي إعلان وزير الصحة سعيد العايدي تجميد عضويته بالحزب ومكتبه السياسي بالإضافة لفوزي اللومي أحد اهم ممولي الحزب. وبلغ عدد النواب المستقيلين من كتلة نداء تونس البرلمانية 22 عضواً، والذين أعلنوا عن تشكيل كتلة الأمل وأصبحت كتلة حزب النهضة هي الأولي في البرلمان، تليها نداء تونس، ثم كتلة المستقيلين. تلك الانقسامات التي ربما لا تعني كثيرا للشباب الغاضب والشعب الغاضب ايضا الذي لم يتوافق قطاع كبير منه مع فكرة التسامح والمصالحة سواء مع اذناب نظام بن علي المتهمين بالفساد ومع حزب النهضة المتهم برعاية الإرهاب والذين قتل في عهدهم ناشطين يساريين من رموز العمل السياسي ولم يقدم اي من قتلهم للعدالة. من ناحية أخري تقف تونس علي المحك بعد ثلاث حوادث ارهابية تبنتها داعش والتي ضربت قطاع السياحة في مقتل لتتواصل جهود قواتها الأمنية في التصدي لأفواج الإرهابيين القادمين من تونس والعائدين من القتال في سوريا والعراق حيث يوجد أكثر من 3000 شاب تونسي انضموا لصفوف داعش الذين دفعتهم الظروف الاقتصادية السيئة واوضاعهم المعيشية المتردية للانضمام للجماعات الجهادية سواء القاعدة او داعش او جماعة أنصار الشريعة. ولا أحد يعلم ما إذا كانت عبارة «الآن فهمتكم « ستعاد علي مسامعنا مجددا بعد فوات الأوان أم ستصمد الحكومة والنظام أمام المطالب المشروعة لشباب غاضب قطعا ليس هو من يسرق وينهب ويدمر.