الذين نحبهم لا يموتون ، يبقون أحياء في قلوبنا ، يعيشون ، يتحركون ، ويتكلمون ! فقدت أبي منذ أسبوع ، ولم أشعر أنه مات ، مازلت أري ابتساماته الحلوة ، وأسمع صوت نصائحه ووصاياه ..هو مازال حياً بداخلي وبيننا ! والدي رحمة الله عليه كان معلم ورجل سابق لجيله وعصره .. كان مفكر وناقد متميز في مدرسة الحياة، ومن المفارقات اللذيذة أنه أول شخص في حياتي سمعت منه كلمة " صحفي " عندما كان يداعب أصدقائه وهم كثرة بأنه صحفي في مدرسة الحياة ! ومن أفكاره الهادفة أنه أوصاني أنا وإخوتي وأخواتي بألا نقيم الحداد أو سراديق العزاء التي تعيدنا لزمن الجاهلية رافضاً الحداد والصراخ وشق الجيوب والنحر لحظة الخروج ! أوصانا أن نحتفل بذكري مقابلته لرب العزة بالبسمات والضحكات لا بالدموع واﻵهات، وهل هناك حدث أهم من ملاقاة رب العزة وصانع الكون وخالق الخلق ! والدي رحمة الله عليه كان يريد منا حين نذكره أن نبتسم ، ننسي مأتم وفاته ، ونتذكر صولاته وجولاته في أفعال الخير ومساعدة أهل البلاء ، وجسارته في الدفاع عن الضعفاء وأصحاب الحقوق المهدرة ! والدي رحمة الله عليه ورثنا منه ثورة النيل وزرع فينا صفات النبل، تعلمت منه أن قوة الشباب والسلطان لا تدوم ﻷحد وأن الذي يدوم هو العمل الصالح ومحبة الناس، تعلمت منه أن احني رأسي أمام مشاكل الضعفاء وأرفع رأسي أمام الأقوياء الظلمة ! تعلمت من والدي أن الذين قطعت رؤوسهم وهم يقولون الحق لا يزالون علي قيد الحياة وأن الذين يخافون من أن يقولوا كلمة الحق يموتون وهم علي قيد الحياة ! شكراً لكل من واساني في وفاة والدي الغالي بالبرق أو المهاتفة أو بالحضور في بلدتي أو الحضور بعزاء القاهرة، شكراً لنحوم الكلمة والكتابة والمجتمع، شكرا لنحوم ورموز الرياضة ومشاهير الكرة، شكراً لأساتذتي و زملائي وأصدقائي وأحبائي، شكراً ﻷهل قريتي الغالية ومسقط رأسي دلجا، ولا أراكم الله مكروها في عزيز لديكم، ونسأل الله أن يرحم والدي ويدخله فسيح جناته ويلهمنا الصبر والسلوان.