وقد آن الأوان لفك المزيد من القيود، وتحرير طاقة المجتمع وطاقة الشباب السلمي بالذات، فثروة أي أمة هم شبابها، وثروة مصر في شباب الثورة بالذات لا أريد أن أغمط حق الرئيس السيسي، ولا أن انتقص من قيمة قراراته وتوجيهاته الثمانية في خطاب «يوم الشباب المصري»، وإن كنت انتظرت قراره التاسع دون جدوي، وتمنيت أن يكون قراره الأول في عام 2016 الذي جعله عاما للشباب، هو إخلاء سبيل عشرات الآلاف من الشباب المحتجزين بالسجون في غير تهم العنف والإرهاب المباشر، فلا يعقل أن نحتفل بالشباب، وكل هذا العدد من أبنائنا وفلذات أكبادنا محبوس الحرية، ويشعر بالقهر الذي يطاردنا بذنوبه. نعرف أن ثمة ما يشبه الأخبار، تتحدث عن إمكانية الإفراج عن مئة أو مئتين من الشباب في الذكري الخامسة لثورة 25 يناير، وقد سبق الإفراج عن مئات معدودة، وعلي فترات متباعدة، لكن هذه الطريقة، أي الإفراج بالقطارة، لم تعد تكفي، وتحتاج القصة الحزينة إلي اقتحام مباشر من الرئيس، بعيدا عن وصاية وتقارير الأجهزة التي تزيد الأمر تعقيدا، وتعرقل أي مبادرة ذات مغزي تجاه مأساة المحتجزين، والذين اعترف الرئيس مرارا بوجود مظالم لحقت بهم، ودون أن يتغير شئ جوهري، ولا أن تخف المظالم، ولا أن يترفق صانع القرار بآلام عشرات الألوف من الأسر، وهو ما يحتاج إلي ترجمة عملية لرفق الرئيس وحنوه الذي يتحدث عنه كثيرا، ومن سلطة الرئيس أن يصدر قرارات عفو واسع عن المحتجزين في غير تهم العنف والإرهاب المباشر، وأن يطفئ غليانا في الصدور، وأن يقرر إخلاء سبيل كافة المحكوم عليهم في قضايا التظاهر بدون ترخيص، وأن يناشد النائب العام القيام بالإجراء الضروري نفسه، ولأسباب مقنعة ووجيهة جدا، فقانون التظاهر ظالم، ومليء بعقوبات مشددة لا مثيل لها في الدنيا كلها، ففي الديمقراطيات الناشئة وغيرها المستقرة، تحدث مخالفات لقوانين التظاهر، لكن السلطات القضائية المختصة تأخذ في حسابها الطبيعة المخففة للجرم المفترض، وتوقع الحد الأدني من العقاب بالغرامات، وإذا حكمت بالحبس، فهي تأمر بوقف التنفيذ غالبا، وليس كما يحدث عندنا، وحيث يلقي الشباب بالسجون لسنوات، ويجري التعامل مع كل تظاهر مخالف كأنه جريمة قلب لنظام الحكم، ثم إن قانون التظاهر المصري مخالف بالجملة للدستور الجديد، وقد أحالت محكمة القضاء الإداري طعنا بخصوصه إلي المحكمة الدستورية العليا، ولم تحسم الأخيرة قرارها برغم مرور ما يقارب العامين، وكان يجدر بالمحكمة الدستورية فيما نتصور أن تنهي الأمر سريعا، فالمخالفة الدستورية في قانون التظاهر زاعقة، ويعرفها القاصي والداني، فقانون التظاهر قائم علي أساس ضرورة الترخيص المسبق من السلطات الأمنية، بينما الدستور يجعل التظاهر حقا بمجرد الإخطار، ووظيفة القوانين أن تنظم طريقة اكتساب الحقوق الدستورية، لا أن تصادر عليها، كما يفعل القانون الذي يصنع المآسي، فالتظاهر من حريات التعبير الأساسية، ومن حق الناس أن يتظاهروا سلميا، ودون تخريب للممتلكات ولا جنوح للعنف أو الإرهاب، وقد جاءت الرئاسة الحالية بعد مظاهرات مليونية كبري في ثورة 25 يناير و30 يونيو، وجعل الدستور من ثورة التظاهر أساسا لشرعية الحكم، ولا يعقل أن يعطي البعض لنفسه حق ركل السلم بعد الصعود عليه. ونعرف أن البلد يواجه إرهابا، وأن التداخل وارد بين جماعات الإرهاب وحقوق التظاهر، وأنه قد يختلط الحابل بالنابل، لكن ذلك لا يعني أن نأخذ العاطل بالباطل، وأن نوسع علي غير مقتضي في دوائر الاشتباه، وأن نقدم لجماعات الإرهاب هدايا مجانية، وأن تتوسع السلطات الأمنية في دمغ كل ميل معارض بالإرهاب، فليس هكذا تورد الإبل، ولا بد من خطوط تفرقة حمراء ظاهرة، تتيح حصر الإرهاب في جماعاته، ومواجهته بالسلاح ما دام قد اختار اللجوء للسلاح، والنتيجة محسومة، فلم يحدث بمصر في أي حال، ولن يحدث في الاستقبال، أن تلاقي أي جماعة إرهاب سوي مصير الهزيمة والفناء المحتوم، والمطلوب : تخفيف ضرائب المواجهة علي المجتمع، والمراجعة الدورية لمعادلة الأمن والحرية، وضمان قدر أكبر من الحريات مع كل هزيمة تلحق بالإرهاب، وقد آن الأوان لفك المزيد من القيود، وتحرير طاقة المجتمع وطاقة الشباب السلمي بالذات، فثروة أي أمة هم شبابها، وثروة مصر في شباب الثورة بالذات، ولا يصح أن نتطلع إلي المستقبل، ولا إلي استعادة حيوية الشباب، ولا إلي القوة الدافعة التي تحيا بها مصر حقا، لا يصح لنا أن تأمل في الخير المؤكد، مع اتصال مأساة حبس الشباب الثوري السلمي. وبوسع الرئاسة أن تقلب المائدة علي ظنون المتآمرين من جماعات الإرهاب، وعلي شبكة التحالفات السرية والعلنية بين الإخوان والأمريكان، وأن تحول 25 يناير 2016 إلي يوم فرح حقيقي، تستحقه مناسبة يوم الثورة، لو جعلته يوما لتحرير الشباب المحبوس، وضربت عشرة عصافير بحجر واحد، وأراحت الضمائر المثقلة، وأنهت المظالم التي يعترف بها الرئيس شخصيا، وإن كان يحتاج إلي قرار جرئ ينهي المأساة، وعلي نمط قراراته الثمانية في «يوم الشباب»، من نوع إتاحة القروض للشباب بنسبة فائدة مخفضة، وتخصيص 145 ألف وحدة سكنية جديدة للشباب، وتمليكهم نسبة معتبرة من أراضي مشروع المليون ونصف المليون فدان، وإقامة دوري رياضي سنوي لشباب المدارس والجامعات، وتنظيم مسابقات ثقافية قومية للشباب، والمراجعة العاجلة لمناهج التعليم، وإقامة منتدي لحوار الدولة مع الشباب، وكل ذلك وغيره مطلوب جدا، وخطوات تستحق الإشادة في الاتجاه الصحيح، وإن كنا نخشي كالعادة من البيروقراطية وأجهزتها المميتة، والتي قد تفرغ القرارات من مضمونها، وتجعلها حبرا علي ورق، ومهرجانات لشباب الزينة إياهم، لا لشباب مصر الحقيقي المعاني المكافح المبدع، تماما كما تفعل الأجهزة الأمنية في قضية الشباب المحبوس، وتصور للرئيس خطورة تحريرهم، وتدعي أن الإفراج عنهم قد يدعم الإرهاب، بينما القهر الأعمي هو الذي يصب الزيت علي نار الإرهاب