بهذا الرجل وأمثاله من أهل عُمان القابضين علي دينهم الحافظين لحدود الله يعيش الجميع في وئام وسلام، لا احد يشاغب ولا أحد يفرض رأيه ورؤيته لمذهبه ضمن مجموعة من الصحفيين المصريين معظمهم من دارأخبار اليوم عملت في سلطنة عمان في الفترة من أول فبراير 1983 إلي العشرين من ابريل عام 89. كنت بين فريق العمل في جريدة عُمان وهي الجريدة الحكومية التي كان رئيس تحريرها وزير الاعلام آنذاك عبدالعزير الرواس وتركتها ورئيس تحريرها حمد الراشدي الذي صار بعد ذلك وكيلا لوزارة الاعلام ثم وزيرا حتي وقت قريب مع تعيين الرواس مستشاراً للسلطان قابوس. وكان من الطبيعي منذ عودتي وطوال ما يزيد علي ستة وعشرين عاماً أن أتابع وبشغف كل ما يتعلق بالسلطنة من قضايا سواء محيطها المحلي أو الاقليمي ودورها كذلك في المحافل الدولية. عُمان صاحبة تاريخ وحضارة تضرب بجذورها في عمق التاريخ، فهي أرض اللبان الذي كان تجارة رائجة مع مصر الفرعونية، وهي أرض التجار العرب الذين وصلوا بالاسلام إلي شرق أفريقيا حيث أصبحت دول عدة تدين به بفضل هؤلاء العمانيين. الذين يعرفون عُمان سواء عملوا هناك علي أرضها أو أقاموا فيها لسبب أو لآخر يدركون قيمة الشخصية العمانية والاصالة التي تقف وراءها والتدين الحق الذي يعيشه به معظم العمانيين ونقاء السريرة التي تصادفها كلما توغلت في الولايات علي اختلاف فئات قاطنيها وسماتهم. أتاح لنا عملنا الصحفي أن نجوب عمان من شمالها إلي جنوبها ومن شرقها إلي غربها، فما من ولاية إلا وكنا فيها خاصة مع اصدار ملحق اسبوعي عام 1985 علي غرار ملحق خارج القاهرة في الاخبار. أتذكر مشهدا مع الزميل العُماني جمعة الرقيشي أثناء سفرنا إلي ولاية تسمي «سمائل» حيث استوقفتنا مواطنة عُمانية تحمل طفلا وسألتنا ان كان طريقنا يمر بالمستشفي وعندما أومأنا بالايجاب ركبت في المقعد الخلفي ومعها طفلها وعند باب المستشفي نزلت بطفلها وقلت لصديقي هذا هو الاسلام من كان معه فضل ظهر فليعد به علي من لا ظهر له، هذاما تطبقه أوروبا الآن تحت اسم «الاوتوستوب» ونحن الذين اخترعناه وطبقناه بحذافيره في صدر الاسلام وعلي أرض عُمان. جالت الذكريات والخواطر عن أيام كانت لنا في سلطنة عُمان، جالت وصالت عندما أهداني الزميل عاصم رشوان كتابه «قابوس سلطان.. صاحب رسالة» وهو الصحفي المصري المسئول عن مكتب جريدة الخليج في العاصمة العمانيةمسقط منذ ما يزيد علي 28 عاماً سبر خلالها غور عمان أرضا وأناسا وهو صاحب قلم نشهد له نحن زملاؤه في المهنة بالتفرد والتميز كما نشهد له بثقافته الواسعة وايمانه بالدور المنوط به كممثل لواحدة من كبريات صحف الامارات في السلطنة. يستعرض المؤلف في فصل بعنوان المشهد العماني حال السلطنة قبل بزوغ فجر الثالث والعشرين من يوليو عام 1970 حيث قاد السلطان حركته للتغيير ويكفي انه ضرب مثالا واحداً يجسد لك صورة المشهد وهو عدم الخروج أو الدخول من مدينة مسقط بعد الثامنة مساء. بناء الانسان كان الشغل الشاغل للسلطان قابوس عندما رفع شعار التعليم ولو تحت ظل شجرة، ثم نادي في المغتربين عن بلادهم سواء لموقف سياسي أومن أجل لقمة العيش للعودة مع التعهد بفتح صفحة بيضاء يشارك في صياغتها الجميع دون استثناء. وطوال خمس سنوات كانت يد تبني ويد تحمل السلاح حتي الحادي عشر من سبتمبر عام1975 عندما انتصرت ارادة التعمير علي دعاة التخريب الذين ظهروا في الجنوب بحركة تسعي للخروج من طاعة الوطن. ولا تقتصر اسباب النهضة العُمانية علي الاستراتيجية التي سعي اليها السلطان قابوس، فهو لم يكتف بمتابعتها من خلال مكتبه داخل قصره أو لقاءاته مع المسئولين عن تنفيذها بل انه علي مدي سنوات حكمه استن ما لم يستنه غيره من الحكام فهو يحرص علي التواجد في جولة سنوية بإحدي المناطق حيث تنصب الخيام ويلتقي بالمواطنين وجها لوجه علي بساط يفرش علي الارض ومعه وزراؤه يستمع ويتعرف ويقدم الحلول في التو واللحظة. واذاكان الصديق عاصم رشوان قد استعرض في كتابه ملحمة أمة في البناء والتشييد علي أيدي زعيم جل همه العبور بشعبه إلي آفاق الحاضر والتقدم فإنني لابد هنا وأن اذكر فضيلة الشيخ أحمد الخليلي مفتي عام السلطنة منذ بضعة عقود، هذا الرجل الذي ينتمي إلي مذهب الأباضية نسبة إلي عبدالله بن اباض احد اوائل المسلمين في عُمان كان سببا مهما في ترسيخ قيم التسامح والتعايش في سلام مع الآخر طوال تاريخه في ان يقف الأباضي بجوار السني بجوار الشيعي داخل المسجد كل علي مذهبه وكل يحترم مذهب الآخر ولايدخل هذا في جدال مع ذاك ولايفكر احد منهم في ان ينعت غيره بما لايحبه الله ورسوله.. الرجل يدعو إلي سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة وله محاضراته القيمة وكتبه الخالدة فهو بحر علم في الفقه وينهل من التراث العماني ما تركه الائمة العظام من السلف الصالح اهل عمان وأذكر انني رأيته سائرا علي قدميه في الشارع فهرولت من سيارتي مصافحا اياه، وبجلبابه البسيط وعمامته الاكثر بساطة لايتوقع من لايعرفه ان يكون هذا الرجل الذي تنطبق علي قسماته الآية الكريمة «سيماهم في وجوههم من أثر السجود» هو صاحب اكبر منصب ديني في السلطنة. بهذا الرجل وأمثاله من أهل عُمان القابضين علي دينهم الحافظين لحدود الله يعيش الجميع في وئام وسلام، لا احد يشاغب ولا أحد يفرض رأيه أو رؤياه لمذهبه ولا حتي أحد يعترض علي ما يفعله بعض المقيمين من طقوس في دياناتهم وشعار العارفين بالله هناك.. لكم دينكم ولي دين.