يعد المذهب الاباضى من أقدم المذاهب الإسلامية وهو يختلف عن مذاهب أهل السنة والمذاهب الشيعية وحياتهم الاجتماعية لا تنفصل عن الآخرين يتزاوجون مع المنتمين إلى المذاهب الأخرى كما ان عاداتهم هى نفس عادات الآخرين فى المجتمعات التى يعيشون فيها ولهم آراء محددة فى الخلافة والحكم وأسلوب التعامل مع الحكام وان كان العلماء يرون ان الاباضية من الفرق الضالة لِمَا فيهم مِن البغى والعدوان والخروج على عثمان بن عفان وعلى رضى الله عنهما ولا تجوز الصلاة خلفهم، لانها تعد من فرق الخوارج. يعود نشأة الفكر الاباضى بالدرجة الأولى إلى العامل الدينى والسياسى الذى تمثل فى قيام بعض الصحابة والتابعين بمبايعة عبد الله بن وهب الراسبى وهم من أنكروا التحكيم على على بن أبى طالب حتى أن منهم من أهل بدر ومن شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة، حيث كانت هذه النشأة فى عام 37ه وقد رفع أصحاب عبد الله بن وهب الراسبى شعار «قبلت الدنيا ولا حكم إلا لله» وهكذا انقسم الذين مع على فى صفين متوادعين فروا عليه وعرفوا لذلك بالخوارج أو الشراة عند المؤرخين عامة لكن الشىء الوحيد الذى يربط الاباضية بالخوارج هو رفضهم المشترك للتحكيم والدعوة إلى إمامة المسلمين عن طريق حرية الاختيار والكفاءة الشرعية لهذا المنصب بين المسلمين جميعًا. وقد ظهر المذهب الاباضى فى القرن الأول الهجرى فى البصرة فهو أقدم المذاهب الإسلامية على الإطلاق وينسب الاباضية لجابر بن زيد الأزدى الذى يقدمونه على كل أحد ويروون عنه مذهبهم وهو من تلاميذ ابن عباس رضى الله عنه. إلا أن شهرتهم واسمهم جاءت بالنسب إلى عبدالله بن يحيى بن اباض المرى بسبب مواقفه الشهيرة مع الحكام وهو ينسب إلى بنى تميم وقد أطلق الأمويون هذا الاسم على هذا المذهب ولعل السبب هو المواقف الكلامية والجدالية والسياسية التى اشتهر بها عبدالله بن اباض فى تلك الفترة. وينتمى الاباضى إلى قبيلة تميم التى كانت تسكن البصرة وهى القبيلة التى ينتمى إليها الأحنف بن قيس المشهور بحكمته وحسن تصرفه وإن كانت المصادر لم تذكر تاريخ مولده ولا تاريخ وفاته بالتحديد ولكنه أدرك معاوية بن أبى سفيان وهو شاب وعاش حتى زمن عبدالملك بن مروان ونظرًا لمواقف عبدالله بن اباض الجدلية مع الخوارج ولحركته النشطة فى نقد سلوك الأمويين واتهامه لهم بأنهم ابتعدوا عن منهج الخلفاء الراشدين ظهر عبدالله بمظهر الزعيم ونسب الأمويين له هذا المذهب وان كان الاباضية انفسهم لم يعترفوا بهذه التسمية إلا فى وقت متأخر بعدما انتشرت على ألسنة الجميع. وتنقسم الإباضية إلى أربع فرق وهى الحفصية وهم اتباع حفص بن أبى المقدام وقد تميز عنهم بأن قال إن بين الشرك والإيمان خصلة واحدة وهى معرفة الله تعالى وحده فمن عرفه ثم كفر بما سواه من رسول أو كتاب أو قيامة أو جنة أو نار أو ارتكب الكبائر من الزن وشرب الخمر فهو كافر لكنه برىء من الشرك. أما الفرقة الثانية فهى الحارثية وهم أصحاب «الحارث الإباضى» والذى خالف الإباضية فى قوله بالقدر على مذهب المعتزلة وفى الاستطاعة قبل الفعل وفى إثبات طاعة لا يراد بها الله تعالى، وزعمت الحارثية أنه لم يكن لهم إمام بعد المحكمة الأولى إلا «عبد الله بن اباض وبعده حارث بن يزيد» الاباضى. اما الفرقة الثالثة فهى اليزيدية وهم أصحاب يزيد بن أنيسة كان من البصرة ثم انتقل إلى منطقة جور بأرض فارس وكان على رأى الاباضية وهو من المتشددين ولعل من اشهر أقواله «إن فى هذه الأمة شاهدين عليها أنا أحدهما والآخر لا أدرى من هو ولا متى هو» كما زعم أن الله سيبعث رسولا من العجم وينزل عليه كتابا من السماء يكتب فى السماء وينزل عليه جملة واحدة. والفرقة الرابعة هم أصحاب الطاعة والتى لا يراد بها الله تعالى وزعموا أنه يصح وجود طاعات كثيرة ممن لا يريد الله تعالى بها إلا أن ذلك لا يصح إلا فى طاعة واحدة. أما ما أشتهر عند المؤرخين من نسبة المذهب الاباضى إلى عبد الله بن اباض فهى نسبة عرضية سببها بعض المواقف الكلامية والسياسية التى اشتهر بها وتميز بها فنسبت الاباضية إليه من قبل الأمويين والسياسية إلى اليوم وبقى العلماء يشرفون بشكل مباشر على المجتمع الاباضى تحت نظام الإمامة ثم السلطنة. وقد أسهم الاباضية بتراثهم المكتوب فى الفكر الإسلامى وفى الفكر السياسى ببناء كيانات الإمامة وتطبيق السياسة الشرعية التى حاولت السير على نهج الخلفاء الراشدين كما ان لهم دورا بارزا فى نشر الإسلام وحضارته وذلك فى حقول التجارة والعمران والرى والنظم الاجتماعية والتربوية. وقد دخل المذهب الاباضى إلى عمان مبكرا واستقر هناك وصار له أتباع أخذوا فى الازدياد مع مرور الزمن، حيث تمتع المذهب بنفوذ كبير وسرعان ما تبنى أهل عمان مبادئ المذهب الأباضى حتى أنه يقال إنه بمطلع القرن الثالث عشر الميلادى لم تصبح هذه المبادئ مسيطرة فقط ولكنها أصبحت لها صفة عامة تقريبا مما جعلهم يحاولون الانقلاب على الخلافة العباسية بتأسيس دولة خاصة بهم ومستقلة عن الخلافة حيث بدأت محاولة تكوين تلك الدولة سنة 129ه فى آخر دولة بنى أمية وأول دولة بنى العباس. وأول حركة للاباضية عرفت فى التاريخ بجهة المغرب العربى ظهور «الحارث وعبد الجبار» الاباضيين والذين دخلا فى مواجهة مع الدولة الأموية وبالتحديد مع آخر خلفائها مروان بن محمد ونجحوا فى انتزاع طرابلس وسيطروا عليها لفترة ليست قصيرة الى ان قتل فى عام 121ه. ومن بعده جاء عبدالرحمن بن رستم الذى قام بتأسيس دولة الأباضية الشاهر «وقد استمرت هذه الدولة قرابة 150 عاما» وحكمت الدولة الرستمية عدة أجزاء من المغرب الأوسط وإقليم طرابلس ومنطقة الجريد وامتد حكمها حتى قيام الدولة الفاطمية وقد انتشر المذهب الاباضى من حدود جبال تلمسان غربا إلى إقليم طرابلس وجبال نفوسة شرقا على امتداد 1300 كلم فى السهوب وفى واحات جنوبالجزائر ويصعب تحديد حدود واضحة للدولة الرستمية بشكل دقيق وكان للاباضية تواجد قوى فى بلاد الاندلس «إسبانيا والبرتغال الآن» وشهدت الأندلس تأسيس دولة «بنى برزال» الإباضية حيث أقيمت هذه الإمارة فى مدين مورور أو مورون بالقسم الجنوبى من الأندلس وكانت تشغل رقعة صغيرة تمتد حول هذه المدينةجنوبا حتى وادى «لكه» واستطاع الإباضية أن يصلوا إلى «حضرموت وسقطرة» وحكموها قرونا ولا تزال بعض مناطقهم الشمالية تابعة لحكومة سلطنة عمان واستطاعت الدولة الإباضية أن تمتد وتصل إلى بعض المناطق الباكستانية وفى عهد والد السلطان قابوس»سلطان عمان الحالى « قام بتسليم هذه المنطقة طوعا ولا يزال رعايا هذه الدولة إلى يومنا هذا يحنون إلى عمان وتحدها من الشمال «إيران» واستطاع الإباضية أن يحتلوا بندر عباس وكانت العملة المتداولة فى الخليج العربى هى العملة «البرقشية» وهى عملة إباضية. ومن ذلك التاريخ وحتى هذا اليوم وعمان تعد من معاقل الإباضية يحكمها حكام أو سلاطين أو ولاة إباضيون إلا فترات يسيرة من التاريخ كانت فيها تحت سلطات إسلامية غير إباضية أو استعمارية لكنها بقيت إباضية من حيث المعتقد والسكان ولا يزال لهم وجود فى حضرموت باليمن وامتداد فى الساحل الشرقى للخليج جهة إيران حاليا والساحل الشرقى لإفريقيا فى زنجبار أو تنزانيا كما تسمى حاليا، حيث إن سلاطينها إباضيين حتى بعد وجود الاستعمار ويظهر أنه بعد الوجود الشيوعى فى تنزانيا وضمها إلى تنجانيقيا لم يعد للإباضية وجود كبير بسبب الاضطهاد الشيوعى وقتها. الجدير بالذكر أن هناك سبعة ملايين تقريبا ينتمون للمذهب الإباضى موزعون على أربع دول عربية فى مقدمتها سلطنة عمان. وقد اكد الشيخ أحمد بن حمد الخليلى المفتى العام لسلطنة عمان أنه لا توجد أى ممارسات خاصة بالمذهب الإباضى سوى ما أقره شرع الله من صلاة وصيام وحج بيت الله وإيتاء الزكاة وفى إجابته حول فكرة توريث الحكم الذى يرفضه المذهب الإباضى وما يجرى الآن فى سلطنة عمان من توريث الحكم قال إنه لا بد من أن تراعى مصلحة الأمة وإذا اقتضت مصلحة الأمة ذلك فمن الممكن أن يورث الحكم. ويقول إن المذهب الإباضى يعتمد على الكتاب والسنة والإجماع والقياس وأنه يميل إلى الشورى ويرفض أن توريث الخلافة كما يعتبر الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر يجب أن يشمل الكبير والصغير