حين تبكي القلوب قبل العيون، وتتوحد الدعوات من المآذن والأجراس، ندرك أننا أمام رحيل استثنائي.. رحيل رجل لم يكن مجرد كاهن، بل كان وطناً يمشي على الأرض، وصوتًا صدح بالحق في وجه العدو، وقلبًا وسَع الجميع بالمحبة. في كنيسة مارجرجس ببورسعيد، لم يكن العزاء مجرد طقسٍ ديني، بل مشهد وطني وإنساني بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حيث اجتمع المسلم والمسيحي، الصغير والكبير، ليودعوا القمص بطرس الجبلاوي.. الأب، والمقاوم، والرمز. عزاء مهيب في قاعة مناسبات كنيسة مارجرجس
استقبلت مطرانية الأقباط الأرثوذكس ببورسعيد، برئاسة الأنبا تادرس مطران بورسعيد وضواحيها، المعزين من أبناء المحافظة مسلمين ومسيحيين، داخل قاعة المناسبات بكنيسة مارجرجس بشارع محمد علي، لتقديم واجب العزاء في القمص بطرس الجبلاوي، أحد أبرز الرموز الدينية والوطنية في تاريخ بورسعيد.
مشهد مؤثر.. دموع ومحبة متبادلة شهدت مراسم العزاء حالة من الحزن العميق والبكاء بين الحضور، الذين توافدوا من مختلف أنحاء المحافظة، مؤكدين أن القمص بطرس الجبلاوي كان يتمتع بمحبة وشعبية واسعة بين جميع أطياف المجتمع، خصوصًا كبار السن، الذين ارتبطوا به وبمواقفه الوطنية على مدار عقود. رمز من رموز المقاومة الشعبية في 1956 لم يكن القمص بطرس مجرد رجل دين، بل كان رمزًا للمقاومة خلال العدوان الثلاثي عام 1956، حيث خَطَب في المواطنين من أعلى منبر المسجد العباسي، لتحفيزهم على الدفاع عن الوطن، وشارك فعليًا بدعم أبطال المقاومة، وكان يرافقهم في الميدان، مما أكسبه مكانة استثنائية في قلوب أبناء المدينة. محافظ بورسعيد ينعي رمزًا للوطنية والتسامح ونعى اللواء محب حبشي، محافظ بورسعيد، القمص الراحل، مشيرًا إلى أن وفاته تمثل خسارة كبيرة للمحافظة وللوطن، مشيداً بمواقف القمص البطولية والوطنية، أبرزها خطبته الشهيرة في المسجد العباسي خلال العدوان الثلاثي، ومشاركته في العمل المسلح، وتعيينه لاحقًا عضوًا في مجلس حرب بورسعيد من قِبل الرئيس الراحل أنور السادات. رائد الوحدة الوطنية.. مواقف لا تُنسى يُعد القمص بطرس من أوائل من رسخوا مفهوم الوحدة الوطنية، إذ كان أول من بادر بإقامة مائدة إفطار رمضانية داخل الكنيسة، وهو تقليد استمر وتوسّع على مستوى الجمهورية، وكان رمزًا للتسامح والتعايش والمحبة بين أبناء الوطن الواحد. سيرة كاهن.. أكثر من 75 عامًا في خدمة الكنيسة ولد القمص بطرس الجبلاوي عام 1931، وتمت رسامته كاهنًا عام 1954 عن عمر 22 عامًا، بعد أن لفت الأنظار بنبوغه وثقافته وحبه للناس، وعلى مدى 75 عامًا، خدم الكنيسة بوفاء، ونشر قيم الخير والمحبة، حتى وافته المنية في الولاياتالمتحدةالأمريكية عن عمر ناهز 93 عامًا. المطرانية: فقدنا رجلًا وطنيًا نادر الطراز وأصدرت مطرانية الأقباط الأرثوذكس ببورسعيد بيانًا نعت فيه القمص الراحل، واصفة إياه بأنه "رجل وطني من طراز فريد"، ومؤكدة أن ذكراه ستظل محفورة في قلوب الجميع، لما قدمه من محبة غير محدودة وخدمة خالصة للوطن والكنيسة على حد سواء. وداع يليق بمكانته.. ورسالة محبة من شعب بورسعيد
العزاء في كنيسة مارجرجس لم يكن مجرد وداع ديني، بل كان احتفالًا بمسيرة رجل سطّر صفحات مضيئة في تاريخ الوطن، وبقي في قلوب الجميع رمزًا للسلام، والوطنية، والوحدة.