علق الروائي والمترجم محمد عزب علي ديوان تامر عفيفي الثاني "الفئران لا تدخن المارلبورو" الصادر حديثا عن دار شرقيات . وجاء التعليق في نقاط موضحا كيف تجلت خصائص الشعر الحديث بشكل متطور ومختلف في شعره قائلا: " أهم ما يميز الديوان الثاني للشاعر الشاب تامر عفيفي كونه جاء ليؤصل خصائص الشعر الحر الحديث كما تجلت في شعر "ولتر دو لا مير "و"صلاح عبد الصبور" و"بدر شاكر السياب". وأضاف أن العنوان في الشعر الحر الحديث رمزي إلى حد كبير ولا يقول الكثير عن القصيدة؛ وهذا ما فعله بالضبط تامر عفيفي في أغلب قصائده؛ فمثلا العناوين الآتية لإبراز وجهة النظر: هناك راقص تحت "السفرة"/ رحم ميت ليس مليئا باللعب / رجل أجاد تربية القتلة / دماء لا تجيد فن الممكن / النوم كما علمتني الملائكة. وأستطرد عزب أن الصورة في الشعر الحر الحديث مفككة وممتدة ومتناثرة فالصورة عند تامر عفيفي سريالية وتحتاج لكثير من التأمل. الصورة عند عفيفي تستدعي اللامحدود والمستحيل ففي قصيدته "رحم ميت ليس مليئا باللعب" نتعرف على الفتاة التي تمنت أن تصير بحرا؛ وفي "من الذي فرط حبات المسبحة؟" يقول الصوت الوحيد في القصيدة أن طموحه هو أن يصير نبيا! وأوضح أن الشعر يمتاز الحر الحديث بأن لغة قصائده بسيطة وعالمية؛ وتامر عفيفي ليس استثناءا ففي قصائد ديوانه يدعو ربما لخلق لغة شعرية جديدة وموحدة يفهمها سكان القارات الست؛ ولا يهم أن نجد في عربيته ألفاظا مثل "أناركيين" و "بلوجرز" لأن اللغة عنده ليست متحفا تحوي ألفاظا محنطة بل مطايا للتواصل. وبعبارة أخرى اللغة عند عفيفي وسيلة وليست غاية في حد ذاتها والقصيدة بالتبعية ليست تمثالا بل كائنا حيا يتفاعل مع الآخر. وقال عزب إن تامر لا يتوقف ليبكي وينتحب أمام أطلال الألفاظ القديمة بل يمضي ليزوج الألفاظ من عائلات مختلفة ليخلق لنا هجينا قويا. فمثلا هذه التراكيب التي أحسب أنه أول . من أدخلها إلى حظيرة اللغة العربية: " لدي قطة تصعد على كتفي بكل شفافية/أن تستحمي ببعض الهواء / وتحبون ظل العنكبوت / تخشى رائحة الطوب / والصبر فوق الشماعة / والميت الذي يكسو أجسادكم / محاولا بشمعته إذابة السحب / لابد أن أرتدي المساء في سكينة / ملابسي الواسعة من الفراغ ،حتى أخي من أمي ليس له زعانف / لن نستخدم الشعارات طلاء أظافر . وأوضح أن غالبية النهايات في الشعر الحر الحديث مفتوحة Open end وتامر عفيفي يحافظ على هذه التيمة فلديه قصائد عديدة في ديوانه تنتهي نهاية مفاجأة ومذهلة. تتجمع النهايات المفتوحة على مصراعيها وعلامات الاستفهام والتعجب لتخلق إحساسا بالحيرة لدى القارئ، فتامر لا يقدم حلولا سحرية لمشاكل الحياة فكما أن اليقين ينتج من الشك فإن الحيرة قد توصلك إلى الهداية. ففي الشعر الحر الحديث الشخوص باهتة وشخوص تامر مكتملة النمو لكن تفاصيل وجوههم ضائعة لأنهم أنا وأنت والهندي الأحمر والشيشاني والأوروبي :" الله يحدثنا عن البراح في الملكوت / وأنتم تقولون: / هذا أمريكي / وهذا أفغاني / افتحوا العالم أيها الحمقى / ستجدوننا / نعرف بعضنا بعضا . وصحيح أن عفيفي يستخدم ضمير المتكلم كثيرا، لكن الأنا عنده ليست نرجسية بل جمعية بمعنى أنه يتطوع للحديث باسم الآخرين راصدا ضياع الإنسان وعبثية الأقدار. واختتمت تعليقه قائلاً"ديوان تامر عفيفي "الفئران لا تدخن المارلبورو" يأخذك كما في فيلم "حدوته مصرية" وتكعيبيات بيكاسو وموسيقى تشاكوفيسكي إلى أماكن متداخلة من أرحام النساء إلى الشمس وخزانة الملابس ثم يتركك هناك تعصر دماغك وتحاول أن تجد معنى لحياتك. في ديوانه يحدثك تامر عن كل شيء: عن الله والأنبياء وعن العشب والحب وعن الفئران التي لا تدخن المارلبورو. "