يحل علينا اليوم عيد القوات الجوية الموافق الرابع عشر من أكتوبر، والذي يخلد ذكرى أكبر معركة جوية في التاريخ الحديث وهي "معركة المنصورة"، والتي تفوقت فيها القوات الجوية المصرية على نظيرتها الإسرائيلية محققة انتصارًا لم يتحقق في تاريخ الطيران العسكري علي مستوي العالم حتى الآن. وتعد "معركة المنصورة" أضخم معركة جوية من حيث العدد ومدة القتال، حيث اشتبكت فيها 60 مقاتلة مصرية تابعة للقوات الجوية المصرية، مع 120 مقاتلة إسرائيلية لمدة 53 دقيقة من القتال الجوي التلاحمي فوق مدينة المنصورة. ووقعت أحداث المعركة الجوية في نطاق عمل وبجوار وفوق قاعدة شهيرة للقوات الجوية المصرية تقع في مدينة "المنصورة" بمحافظة الدقهلية, وتسمى قاعدة المنصورة الجوية أو مطار (شاوه) نسبة لقرية شاوه التي تقع بجوار المطار، في منطقة دلتا النيل حيث تنتشر الأراضي الزراعية حول المطار. البداية كانت بعد الهجوم الساحق للقوات الجوية المصرية يوم 6 أكتوبر 1973علي القوات الإسرائيلية ومراكز القيادة، ثم عبور أبطال الجيش المصري لقناة السويس، وتدمير قوات العدو الإسرائيلي في سيناء، وقد حققت الضربة نتيجة غير مسبوقة بالمقياس العسكري. وفي تمام الساعة 3:15 عصر يوم 14 أكتوبر عام 1973 لاحظ عناصر الاستطلاع تواجد 20 مقاتلة إسرائيلية من طراز F-4Phantom قادمة من البحر متجهة إلي بورسعيد، وأبلغت الإشارة إلي قائد القوات الجوية الفريق محمد حسني مبارك، فأمر اللواء أحمد عبد الرحمن نصر قائد القاعدة الجوية بتجهيز 16 مقاتلة من طراز Mig 21 لعمل مظلة جوية فوق القاعدة الجوية بالمنصورة، وألا يبحث الطيارون المصريون عن المقاتلات الإسرائيلية والاشتباك معها. وفي الساعة 3:30 من نفس اليوم أرسلت قيادة الدفاع الجوي تحذيرا باقتراب 60 مقاتلة إسرائيلية من ثلاثة اتجاهات مختلفة في اتجاه بلطيم ودمياط و بورسعيد، فأمر قائد القوات الجوية الفريق "حسني مبارك" الطيارين بالاعتراض والاشتباك هذه المرة، وشرح لهم لماذا لم يعطهم الأمر بالاشتباك في المرة الأولي، لأن الإسرائيليين كانوا يريدون تشتيت المقاتلات المصرية هنا وهناك ثم تهاجم هجوم رئيسي عندما تكون المقاتلات المصرية مشتتة. وكان قائد القوات الجوية في ذلك الوقت الفريق محمد حسني مبارك، قد تعلم تكتيكات القتال الإسرائيلية حيث أن الهجوم الجوي الإسرائيلي يتكون من ثلاث موجات، الأولي ترسل كطعم فتنطلق خلفها المقاتلات المصرية ويكون هذا الوقت المناسب للموجة الثانية التي يكون هدفها ضرب الدفاعات حول الهدف الرئيسي وأخيرا الموجة الثالثة الرئيسية التي تهدف لتدمير الهدف الرئيسي، و هو قاعدة المنصورة الجوية . واستمرت المقاتلات الإسرائيلية في الدوران في حلقات لكنها لم تفلح في اجتذاب المقاتلات المصرية، ثم انطلقت بعد ذلك 16 مقاتلة مصرية من طراز Mig 21 لمواجهة المقاتلات الإسرائيلية من الثلاث جهات في محاولة لبعثرة هذه الطائرات لتكون معرضة للهجوم بشكل أفضل من باقي طائرات القاعدة الجوية، ثم أقلعت 8 مقاتلات أخرى من نفس الطراز من طنطا لمساندة ال 16 مقاتلة الموجودة بالفعل في الجو. وفي الساعة 3:38 أبلغت محطات الرادار المصرية قيادة القوات الجوية بقدوم 16 طائرة إسرائيلية من نفس الاتجاه علي ارتفاع منخفض جدا، فأقلعت أخر 8 طائرات من القاعدة الجوية في المنصورة للتصدي للهجوم لحين وصول مقاتلات أخرى من قاعدة أبو حماد الجوية, إيذانا ببدء أشرس المعارك الجوية علي الإطلاق. وفي الساعة 3:52 التقطت الرادارات المصرية موجه إسرائيلية أخرى مكونة من 60 مقاتلة إسرائيلية من طراز F/4 Phantom , Skyhawk علي ارتفاع منخفض جدا و كانت مهمتها تدمير الأهداف التي لم تدمر في الموجة الثانية التي فشلت فشلا ذريعا في تدمير أي هدف مثل الموجة الأولى. ثم أقلعت 8 مقاتلات Mig 21 من قاعدة أنشاص الجوية للتصدي لهم ولحقت بهم 20 مقاتلة أخرى كانت قد هبطت للتزود بالوقود فظن قائد الموجة الثالثة الإسرائيلية أن المقاتلات المصرية قد زاد عددها عن المرات السابقة فانسحبت المقاتلات الإسرائيلية، وقد انسحبت أخر طائرة الساعة 4:08 و الذي كان علامة انتهاء هذه المعركة الخالدة في تاريخ القوات الجوية المصرية. كان هذا الهجوم رابع هجوم لتدمير قاعدة المنصورة الجوية إذ حاولت إسرائيل ضرب هذه القاعدة في 7 و 9 و 12 أكتوبر لكنها لم تفلح، ولكنها هذه المرة كانت مصممة علي ذلك ويظهر ذلك من عدد الطائرات الإسرائيلية المهاجمة والذي بلغ 120مقاتلة و لكنها فشلت هذه المرة أيضا. ورغم فارق الإمكانيات بين القوات الجوية المصرية وسلاح الجو الإسرائيلي إلا أن عقيدة الجندي المصري ووطنيته وإصراره على النصر، كانت أكثر ما يميزه. وعلق اللواء طيار سمير عزيز أحد أشهر الطيارين المصريين في حرب أكتوبر، عن التفاوت الكبير في قدرات سلاح الجو بين مصر وإسرائيل، قائلا: "إن القوات المسلحة بكافة فروعها وأسلحتها حاربت إسرائيل بالعقل قبل السلاح، والتفاوت في القدرات العسكرية كان واضحاً لصالح إسرائيل، وخاصة في سلاح الطيران، فمصر اعتمدت علي المقاتلة ميج 21 بأنواعها المختلفة كطائرة رئيسية في دور الهجوم والدفاع، في حين تنوعت الطائرات الإسرائيلية بين الميراج 3 والنيشر والفانتوم ، وجميع الطائرات الإسرائيلية تتفوق علينا في السرعة والمدى والحمولة وأيضاً القدرة على المناورة، وكان طيران إسرائيل هو الذراع الطولي التي تتباهى بها على مدار الصراع العربي الإسرائيلي، ولكن مصر لقنت إسرائيل درساً لن تنساه واستردت أرضها وأعادت للأمة العربية عزتها وكرامتها".