يلقبونها بالمرأة الهندية الحديدية في بعض الأحيان.. وفي أحيان أخرى يقولون إنها المرأة التي هزت أركان الدنيا الأربعة!..ويصفها البعض بأنها امرأة ارتدت لباس الديمقراطية والحرية ومارست في الوقت نفسه جبروت الحاكم الطاغي، الذي لا يكاد يلتفت إلى شعبه. أنصار حركة تحرير المرأة التي تفتحت ورودها وأوراقها الخضراء في منتصف القرن الماضي يتغنون بأمجادها ويشدون بإنجازاتها, ويضعون صورها فوق أغلفة المجلات والملصقات.. ولا عجب في ذلك.. ألم ترفع رايتهم عاليا في سماء المجد؟ ..إنها أنديرا غاندي ابنة المعلم السياسي الكبير نهرو.. وتلميذة الزعيم الهندي الخالد غاندي الذي بهر العالم كله بصموده وصبره وجلده في مقاومة الاستعمار البريطاني، رافعا شعار "اللا عنف".. إنها المرأة التي كانت على رأس السلطة لعقدين من الزمان. ففي 19 نوفمبر عام 1917 داخل إحدى المستشفيات الهندية الراقية، كان المشهد يبدو متوترا.. فالأب جواهر لال نهرو ينتظر في لهفة وشوق قدوم مولوده الأول إلى الدنيا. يظل يسير هنا وهناك في أروقة المستشفى في انتظار تلقي نبأ سعيد يبث في نفسه القلقة الطمأنينة.. وخارج أسوار المستشفي هناك جمهور كبير يشاركه القلق ويأمل في الوقت نفسه أن يكون المولود ذكرا..فالأب ليس أبا عاديا. انه جواهر لال نهرو أحد رموز العائلات الهندية المرموقة، وهو كذلك أحد قادة الحركة الوطنية الهندية المناضلة ضد الاستعمار البريطاني.. وجاءت الجدة لتخبره أن المولودة أنثى لا ذكر. تلقى نهرو النبأ بسرور وسعادة، وقرر في أعماقه أن يربيها تربية مختلفة عن تلك التي تلقاها البنات، بل وان يعدها لأن تصبح زعيمة سياسية تقود بلادها نحو أفق المستقبل الرحبة. وكتب يوما رسالة إلى أحد أصدقائه الذين يعملون معه يقول:"لي نظرة خاصة عن التربية، لا أريد لابنتي أن تكون مجرد امرأة تغسل الثياب وتنظف البيت.. أتمني أن تدخل معترك الحياة العامة كأي شخص آخر.. كأي رجل، ولهذا فمن المفضل أن تشتغل في معمل ما لسنة كاملة، مثلها في ذلك مثل بقية العمال والعاملات لا ينبغي أن تشعر بأنها متميزة عن الآخرين، فالعمل جزء لايتجزأ من التربية وهو الذي يشكل الشخصية"..هكذا كان يفكر نهرو الأب والزعيم. لقد دفع الرجل ابنته نحو الحياة العامة دفعا.. أرسلها إلى الخارج كي تتلقي تعليمها في معاهد وجامعات أوروبا.. إذ كان لا يثق كثيرا في المدارس والجامعات الهندية، وكان يأمل وهو الأهم، أن تحظى بتعليم جاء صارما فتكتسب المعارف والعلوم المختلفة وينضج عقلها وتتسع خبراتها وتصبح جديرة بتحمل المسئولية. وعلي الرغم من إجلاله الكبير لشاعر الهند العظيم طاغور، إلا أنه لم يكن مرحبا أن تتلقي أنديرا تعليمها في المعهد الذي أسسه في شانتنيكيتان، إذ ساورته الشكوك بشأن المعايير الأكاديمية لهذا المعهد، ومع ذلك قبل الرجل أن تلتحق بالمعهد الذي أطلق عليه طاغور "دار السلام"، هذه الفترة القصيرة في حياة أنديرا كان لها تأثير عظيم عليها. وحسب كتاب "قصة حياة أنديرا نهرو غاندي" لكاتبته الأمريكية كاترين فرانك، تزوجت أنديرا من فيروز غاندي التي التقت به كزميل دراسة في انجلترا، ولم يكن الأب نهرو موافقا على هذه الزيجة، حيث اعتقد أنها تزوجت كي تنسحب من الحياة العامة والمسئولية وهذا شيء يؤلمه جدا وكيف لا وهو يعد ابنته لخدمة الوطن، لكنه أذعن في النهاية وبارك زواجها. عاشت أنديرا غاندي تؤمن باستقلال بلادها وضرورة الخلاص من الاستعمار البريطاني والاعتماد علي الذات في سد احتياجات الشعب والحفاظ علي وحدة الهند ورفض الاقتتال الطائفي، وكثيرا ما تأثرت أنديرا بالزعيم الهندي الكبير المهاتما غاندي، وسارت علي نهجه الفكري والسياسي، فشكل إلى جوار أبيها نهرو دعامة وركيزة راسخة في مبادئها وعقائدها، حتى أنها باتت تنسب إليه وأصبح يطلق عليها أنديرا غاندي وارتدت على طريقته الشهيرة الرداء الهندي المصنوع يدويا من القطن لتؤكد لشعبها مدي حبها وإيمانها بهذا الرجل العظيم. ثلاثة رجال شكلوا في الحقيقة حياة هذه المرأة الهندية: الأب جواهر لال نهرو بعاطفته ووعيه ونضوجه الفكري وإيمانه بمستقبل ابنته ورغبته العارمة في أن تكمل مسيرته السياسية وتقود الهند نحو طريق التقدم والتحديث. المهاتما غاندي الذي آمن بالحرية ومبدأ الاعتماد علي النفس في سد احتياجات الهند ورفع شعار (اللاعنف) في مواجهة الأعداء. وأخيرا الزوج فيروز غاندي الذي أحبته أنديرا حبا جارفا وأصرت علي الارتباط به برغم معارضة الأهل والمجتمع. كان عام 1966 عاما حاسما في حياة أنديرا غاندي، بل في الحقيقة في حياة الهند بأسرها، ففي هذا العام انتخبت كرئيسة للوزراء.. وشعر الجميع وقتها بأنها ورثت والدها الذي رحل منذ عامين فقط. ها هي تجسد بصورة ما شخصيته القوية ذات الحضور الطاغي. وقد اختارتها مجلة التايم الأمريكية كشخصية العام ووضعت صورتها على غلافها بالألوان وكتبت تحتها معلقة: "الهند المضطربة بين يدي امرأة". في الواقع إن وصول أنديرا غاندي إلى رئاسة الوزارة في الهند تزامن مع ظهور حركات تحرير المرأة في الغرب. وعلي الرغم من أنها قالت في العديد من المناسبات إنها ليست امرأة متحررة علي الطريقة الغربية، إلا أن صحافة الغرب النسائية راحت تستخدم صورتها كشعار لها، وراحت المجلات النسائية تقول: إذا كانت أنديرا غاندي تحكم بلدا كبيرا كالهند، فهذا يعني أن المرأة قادرة علي كل شيء. لم يكن وصول أنديرا غاندي في الحقيقة إلى هذا المنصب السياسي الكبير وليد الصدفة.. بل كان نتاج مسيرة سياسية طويلة حفرها والدها نهرو في البداية وأكملتها الابنة التي كانت مهيأة ومدربة علي الولوج في رحابها. وجاءت الثمار الطيبة لتؤكدها: ففي عام 1971 جرت انتخابات عامة جديدة في الهند، وكانت أضخم انتخابات ديمقراطية تشهدها الهند في تاريخها كله، فقد صوت فيها ما لا يقل عن 150 مليون مواطن ومواطنة وكانت النتيجة نجاحا ساحقا لأنديرا غاندي وحزبها. .وأصبحت أقوي رئيس وزراء شهدته الهند منذ الاستقلال، حيث اشتهرت بوقوفها إلى جوار الفقراء.. وجموع الشعب العادية التي تعاني من شظف الحياة البائسة.. وما أكثرها في الهند.. لقد انحازت إليهم.. ووقفت تساند قضيتهم مما أكسبها شعبية هائلة.. إذ رفعت شعار "اطردوا الفقر"، وأدخلت تعديلا على الدستور يلغي النفقات التي تدفعها الحكومة للأمراء.. وكانت هذه الخطوة الحاسمة بمثابة اللبنة الأولي في جدار الإصلاحات الاجتماعية والدستورية والاقتصادية التي كانت تخطط لها لتحديث الهند. لقد أدركت أنديرا أنها كي تقيم دولة هندية حديثة ومتطورة ينبغي عليها أولا أن تفوز بتأييد وحب الشعب وأن تعمل لصالحه.. فهذه الجماهير الغفيرة ما كانت تقف إلى جوارها لو لم تهتم هي بقضيتها ومعركتها وهمومها وأوجاعها وأولها: الفقر. وقادت المرأة الهندية الحديدية الحرب ضد باكستان عام 1971 وذلك بعد أن أعطت أوامرها إلى الجيش الهندي بدخول باكستانالشرقية لدعم الانفصاليين هناك، وقد حقق الجيش الهندي انتصارا كبيرا على نظيره الباكستاني، وكان من أهم نتائج هذه الحرب انفصال باكستانالشرقية عن الغربية وإنشاء كيان سياسي جديد هو بنجلاديش، وقد رفع هذا الانتصار الكبير من شعبية أنديرا وجعلها من زعماء الهند التاريخيين. وتقع أنديرا في نفس الخطأ الذي يقع في شركه العديد من الزعماء السياسيين، حينما تشعر أنها باتت تملك في قبضتها السلطة والنفوذ والقوة، وأنها صارت المرأة الأولى في الهند بلا منازع، فتخرس أصوات المعارضة وترفض أي احتجاج علي قراراتها.. وحينما ضرب الجفاف أراضي الهند عام 1975، دخلت البلاد في حالة من التضخم والفساد المالي والإداري والذي ساعد بدوره علي ارتفاع أصوات المعارضة، مما أدي بها إلى إعلان حالة الطوارئ، وزجت حكومتها بأبرز زعماء المعارضة في السجون وفرضت رقابة علي الصحف وعلقت الحريات الدستورية وتراجعت شعبيتها كثيرا، إذ خسر حزبها الانتخابات في أكتوبر عام 1977. ومع بداية الثمانينيات كانت الهند مهددة بالتفكك والانقسام.. فالصراعات بين الهندوس والسيخ والمسلمين والمسيحيين، كانت في أوجها، وكانت هناك أقاليم، عديدة تهدد بالانفصال عن الدولة المركزية.. وكلما شددت أنديرا غاندي من قبضتها علي الحكم وقوت النظام المركزي في نيودلهي كلما زادت الانقسامات في الأقاليم البعيدة..وتأتي ضربة القدر الموجعة: وفاة ابنها الكبير "سانجي" في حادث طائرة. الابن العزيز الذي كانت تعده لخلافتها في رئاسة الحكومة.. ونظمت أنديرا جنازة مهيبة لابنها "سانجي".. جنازة تكلفت الأموال الطائلة وفاقت جنازة المهاتما غاندي نفسه مما عرضها للنقد الشديد.. واشتدت الاحتجاجات ضدها، خاصة من جانب زعماء السيخ، الذين قاموا بالاعتصامات احتجاجا على سياساتها مما جعلها تفض هذه الاعتصامات بالقوة، الأمر الذي أثار حفيظتهم وكراهيتهم تجاهها ومع ذلك رفضت أنديرا تغيير حارسها الشخصي الذي ينتمي إلى طائفة السيخ لتقع ضحية رصاصته القاتلة يوم 31 أكتوبر 1984 وليسدل الستار على حياة امرأة تركت بصمة قوية مؤثرة في وجدان شعبها ووطنها. يلقبونها بالمرأة الهندية الحديدية في بعض الأحيان.. وفي أحيان أخرى يقولون إنها المرأة التي هزت أركان الدنيا الأربعة!..ويصفها البعض بأنها امرأة ارتدت لباس الديمقراطية والحرية ومارست في الوقت نفسه جبروت الحاكم الطاغي، الذي لا يكاد يلتفت إلى شعبه. أنصار حركة تحرير المرأة التي تفتحت ورودها وأوراقها الخضراء في منتصف القرن الماضي يتغنون بأمجادها ويشدون بإنجازاتها, ويضعون صورها فوق أغلفة المجلات والملصقات.. ولا عجب في ذلك.. ألم ترفع رايتهم عاليا في سماء المجد؟ ..إنها أنديرا غاندي ابنة المعلم السياسي الكبير نهرو.. وتلميذة الزعيم الهندي الخالد غاندي الذي بهر العالم كله بصموده وصبره وجلده في مقاومة الاستعمار البريطاني، رافعا شعار "اللا عنف".. إنها المرأة التي كانت على رأس السلطة لعقدين من الزمان. ففي 19 نوفمبر عام 1917 داخل إحدى المستشفيات الهندية الراقية، كان المشهد يبدو متوترا.. فالأب جواهر لال نهرو ينتظر في لهفة وشوق قدوم مولوده الأول إلى الدنيا. يظل يسير هنا وهناك في أروقة المستشفى في انتظار تلقي نبأ سعيد يبث في نفسه القلقة الطمأنينة.. وخارج أسوار المستشفي هناك جمهور كبير يشاركه القلق ويأمل في الوقت نفسه أن يكون المولود ذكرا..فالأب ليس أبا عاديا. انه جواهر لال نهرو أحد رموز العائلات الهندية المرموقة، وهو كذلك أحد قادة الحركة الوطنية الهندية المناضلة ضد الاستعمار البريطاني.. وجاءت الجدة لتخبره أن المولودة أنثى لا ذكر. تلقى نهرو النبأ بسرور وسعادة، وقرر في أعماقه أن يربيها تربية مختلفة عن تلك التي تلقاها البنات، بل وان يعدها لأن تصبح زعيمة سياسية تقود بلادها نحو أفق المستقبل الرحبة. وكتب يوما رسالة إلى أحد أصدقائه الذين يعملون معه يقول:"لي نظرة خاصة عن التربية، لا أريد لابنتي أن تكون مجرد امرأة تغسل الثياب وتنظف البيت.. أتمني أن تدخل معترك الحياة العامة كأي شخص آخر.. كأي رجل، ولهذا فمن المفضل أن تشتغل في معمل ما لسنة كاملة، مثلها في ذلك مثل بقية العمال والعاملات لا ينبغي أن تشعر بأنها متميزة عن الآخرين، فالعمل جزء لايتجزأ من التربية وهو الذي يشكل الشخصية"..هكذا كان يفكر نهرو الأب والزعيم. لقد دفع الرجل ابنته نحو الحياة العامة دفعا.. أرسلها إلى الخارج كي تتلقي تعليمها في معاهد وجامعات أوروبا.. إذ كان لا يثق كثيرا في المدارس والجامعات الهندية، وكان يأمل وهو الأهم، أن تحظى بتعليم جاء صارما فتكتسب المعارف والعلوم المختلفة وينضج عقلها وتتسع خبراتها وتصبح جديرة بتحمل المسئولية. وعلي الرغم من إجلاله الكبير لشاعر الهند العظيم طاغور، إلا أنه لم يكن مرحبا أن تتلقي أنديرا تعليمها في المعهد الذي أسسه في شانتنيكيتان، إذ ساورته الشكوك بشأن المعايير الأكاديمية لهذا المعهد، ومع ذلك قبل الرجل أن تلتحق بالمعهد الذي أطلق عليه طاغور "دار السلام"، هذه الفترة القصيرة في حياة أنديرا كان لها تأثير عظيم عليها. وحسب كتاب "قصة حياة أنديرا نهرو غاندي" لكاتبته الأمريكية كاترين فرانك، تزوجت أنديرا من فيروز غاندي التي التقت به كزميل دراسة في انجلترا، ولم يكن الأب نهرو موافقا على هذه الزيجة، حيث اعتقد أنها تزوجت كي تنسحب من الحياة العامة والمسئولية وهذا شيء يؤلمه جدا وكيف لا وهو يعد ابنته لخدمة الوطن، لكنه أذعن في النهاية وبارك زواجها. عاشت أنديرا غاندي تؤمن باستقلال بلادها وضرورة الخلاص من الاستعمار البريطاني والاعتماد علي الذات في سد احتياجات الشعب والحفاظ علي وحدة الهند ورفض الاقتتال الطائفي، وكثيرا ما تأثرت أنديرا بالزعيم الهندي الكبير المهاتما غاندي، وسارت علي نهجه الفكري والسياسي، فشكل إلى جوار أبيها نهرو دعامة وركيزة راسخة في مبادئها وعقائدها، حتى أنها باتت تنسب إليه وأصبح يطلق عليها أنديرا غاندي وارتدت على طريقته الشهيرة الرداء الهندي المصنوع يدويا من القطن لتؤكد لشعبها مدي حبها وإيمانها بهذا الرجل العظيم. ثلاثة رجال شكلوا في الحقيقة حياة هذه المرأة الهندية: الأب جواهر لال نهرو بعاطفته ووعيه ونضوجه الفكري وإيمانه بمستقبل ابنته ورغبته العارمة في أن تكمل مسيرته السياسية وتقود الهند نحو طريق التقدم والتحديث. المهاتما غاندي الذي آمن بالحرية ومبدأ الاعتماد علي النفس في سد احتياجات الهند ورفع شعار (اللاعنف) في مواجهة الأعداء. وأخيرا الزوج فيروز غاندي الذي أحبته أنديرا حبا جارفا وأصرت علي الارتباط به برغم معارضة الأهل والمجتمع. كان عام 1966 عاما حاسما في حياة أنديرا غاندي، بل في الحقيقة في حياة الهند بأسرها، ففي هذا العام انتخبت كرئيسة للوزراء.. وشعر الجميع وقتها بأنها ورثت والدها الذي رحل منذ عامين فقط. ها هي تجسد بصورة ما شخصيته القوية ذات الحضور الطاغي. وقد اختارتها مجلة التايم الأمريكية كشخصية العام ووضعت صورتها على غلافها بالألوان وكتبت تحتها معلقة: "الهند المضطربة بين يدي امرأة". في الواقع إن وصول أنديرا غاندي إلى رئاسة الوزارة في الهند تزامن مع ظهور حركات تحرير المرأة في الغرب. وعلي الرغم من أنها قالت في العديد من المناسبات إنها ليست امرأة متحررة علي الطريقة الغربية، إلا أن صحافة الغرب النسائية راحت تستخدم صورتها كشعار لها، وراحت المجلات النسائية تقول: إذا كانت أنديرا غاندي تحكم بلدا كبيرا كالهند، فهذا يعني أن المرأة قادرة علي كل شيء. لم يكن وصول أنديرا غاندي في الحقيقة إلى هذا المنصب السياسي الكبير وليد الصدفة.. بل كان نتاج مسيرة سياسية طويلة حفرها والدها نهرو في البداية وأكملتها الابنة التي كانت مهيأة ومدربة علي الولوج في رحابها. وجاءت الثمار الطيبة لتؤكدها: ففي عام 1971 جرت انتخابات عامة جديدة في الهند، وكانت أضخم انتخابات ديمقراطية تشهدها الهند في تاريخها كله، فقد صوت فيها ما لا يقل عن 150 مليون مواطن ومواطنة وكانت النتيجة نجاحا ساحقا لأنديرا غاندي وحزبها. .وأصبحت أقوي رئيس وزراء شهدته الهند منذ الاستقلال، حيث اشتهرت بوقوفها إلى جوار الفقراء.. وجموع الشعب العادية التي تعاني من شظف الحياة البائسة.. وما أكثرها في الهند.. لقد انحازت إليهم.. ووقفت تساند قضيتهم مما أكسبها شعبية هائلة.. إذ رفعت شعار "اطردوا الفقر"، وأدخلت تعديلا على الدستور يلغي النفقات التي تدفعها الحكومة للأمراء.. وكانت هذه الخطوة الحاسمة بمثابة اللبنة الأولي في جدار الإصلاحات الاجتماعية والدستورية والاقتصادية التي كانت تخطط لها لتحديث الهند. لقد أدركت أنديرا أنها كي تقيم دولة هندية حديثة ومتطورة ينبغي عليها أولا أن تفوز بتأييد وحب الشعب وأن تعمل لصالحه.. فهذه الجماهير الغفيرة ما كانت تقف إلى جوارها لو لم تهتم هي بقضيتها ومعركتها وهمومها وأوجاعها وأولها: الفقر. وقادت المرأة الهندية الحديدية الحرب ضد باكستان عام 1971 وذلك بعد أن أعطت أوامرها إلى الجيش الهندي بدخول باكستانالشرقية لدعم الانفصاليين هناك، وقد حقق الجيش الهندي انتصارا كبيرا على نظيره الباكستاني، وكان من أهم نتائج هذه الحرب انفصال باكستانالشرقية عن الغربية وإنشاء كيان سياسي جديد هو بنجلاديش، وقد رفع هذا الانتصار الكبير من شعبية أنديرا وجعلها من زعماء الهند التاريخيين. وتقع أنديرا في نفس الخطأ الذي يقع في شركه العديد من الزعماء السياسيين، حينما تشعر أنها باتت تملك في قبضتها السلطة والنفوذ والقوة، وأنها صارت المرأة الأولى في الهند بلا منازع، فتخرس أصوات المعارضة وترفض أي احتجاج علي قراراتها.. وحينما ضرب الجفاف أراضي الهند عام 1975، دخلت البلاد في حالة من التضخم والفساد المالي والإداري والذي ساعد بدوره علي ارتفاع أصوات المعارضة، مما أدي بها إلى إعلان حالة الطوارئ، وزجت حكومتها بأبرز زعماء المعارضة في السجون وفرضت رقابة علي الصحف وعلقت الحريات الدستورية وتراجعت شعبيتها كثيرا، إذ خسر حزبها الانتخابات في أكتوبر عام 1977. ومع بداية الثمانينيات كانت الهند مهددة بالتفكك والانقسام.. فالصراعات بين الهندوس والسيخ والمسلمين والمسيحيين، كانت في أوجها، وكانت هناك أقاليم، عديدة تهدد بالانفصال عن الدولة المركزية.. وكلما شددت أنديرا غاندي من قبضتها علي الحكم وقوت النظام المركزي في نيودلهي كلما زادت الانقسامات في الأقاليم البعيدة..وتأتي ضربة القدر الموجعة: وفاة ابنها الكبير "سانجي" في حادث طائرة. الابن العزيز الذي كانت تعده لخلافتها في رئاسة الحكومة.. ونظمت أنديرا جنازة مهيبة لابنها "سانجي".. جنازة تكلفت الأموال الطائلة وفاقت جنازة المهاتما غاندي نفسه مما عرضها للنقد الشديد.. واشتدت الاحتجاجات ضدها، خاصة من جانب زعماء السيخ، الذين قاموا بالاعتصامات احتجاجا على سياساتها مما جعلها تفض هذه الاعتصامات بالقوة، الأمر الذي أثار حفيظتهم وكراهيتهم تجاهها ومع ذلك رفضت أنديرا تغيير حارسها الشخصي الذي ينتمي إلى طائفة السيخ لتقع ضحية رصاصته القاتلة يوم 31 أكتوبر 1984 وليسدل الستار على حياة امرأة تركت بصمة قوية مؤثرة في وجدان شعبها ووطنها.