اليوم يطل علينا ذكرى مولد أنديرا نهرو غاندى الملقبة بالمرأة الحديدية ابنة المعلم السياسي الكبير نهرو وتلميذة الشاعر الهندي العظيم طاغور ، نصيرة الفقراء التى أبحرت عكس التيار و حكمت الهند كرئيسة وزراء لفترتين متتاليتين ، ووصفها البعض بأنها امرأة لبست لباس الديمقراطية والحرية ومارست في الوقت نفسه جبروت الحاكم الطاغي . نشرت الكاتبة الأمريكية كاترين فرانك قصة حياة أنديرا غاندى بمثابة دراسة عميقة ومستفيضة لسيرة حياتها، و قالت عنها الناقدة " جنى موراى " فى جريدة " صن داى تايمز " : أنها سيرة امرأة انتخبت بعد ذلك كأهم امرأة فى القرن العشرين ، ، امرأة دفعت دفعا الي ساحة المعترك السياسي من قبل الرجل, ثم أفسدت من قبل السلطة, ثم قتلت من قبل أولئك الذين ينبغي أن تثق بهم أكثر من غيرهم: حرسها الشخصي بالذات .
ولدت أنديرا فى 19 نوفمبر 1917 ، و كان والدها جواهر لال نهرو أحد رموز العائلات الهندية المرموقة, وهو كذلك أحد قادة الحركة الوطنية الهندية المناضلة ضد الاستعمار البريطاني .
كتب يوما رسالة الي أحد أصدقائه الذين يعملون معه يقول: لي نظرة خاصة عن التربية, لا أريد لابنتي أن تكون مجرد امرأة تغسل الثياب وتنظف البيت.. أتمني أن تدخل معترك الحياة العامة كأي شخص آخر.. كأي رجل, ولهذا فمن المفضل أن تشتغل في معمل ما لسنة كاملة, مثلها في ذلك مثل بقية العمال والعاملات لا ينبغي أن تشعر بأنها متميزة عن الآخرين, فالعمل جزء لا يتجزأ من التربية وهو الذي يشكل الشخصية .
تلمذت فى معهد " شانتنيكيتان " الذى أسسه الشاعر طاغور وهو معهد يعني بمزج الثقافة الهندية بكل تراثها العريق القديم مع الثقافة الأوروبية, و أثرت الدراسة هناك على يد أستاذها طاغور فى نفسها السكينة و أثرت فى حياتها كثيرا .
و تزوجت انديرا من فيروز غاندي الذي التقت به كزميل دراسة في انجلترا، و لم يكن الأب نهرو موافقا علي هذه الزيجة ، لكنه أذعن في النهاية وبارك زواجها حينما أدرك شدة تمسكها بالرجل ، ووقف الي جوارها في معارضة الجميع لهذا الزواج لاختلاف ديانتهما من ناحية ولخروجهما عن الأعراف الهندية والتقاليد من ناحية أخري .
كان نهرو بالنسبة لانديرا ليس فقط أبا يهتم بابنته ويمنحها الحب و الحنان لكنه كان أيضا صديقا ومعلما ومثلا أعلي ، فثمة علاقة عميقة وفريدة ربطت بينهما، لقد كان دائما حاضرا معها عبر كل مراحل حياتها ، وبعد موته عام1964 شعرت بوحدة شديدة وألم بها مرضا نفسيا .
تأثرت بوالدها كثيرا و بالزعيم الهندى مهاتما غاندى فكانت امرأة غير عادية ، آمنت باستقلال بلادها وضرورة الخلاص من الاستعمار البريطاني والاعتماد علي الذات في سد احتياجات الشعب والحفاظ علي وحدة الهند ورفض الاقتتال الطائفي. عام1966 كان عاما حاسما في حياة انديرا غاندي و حياة الهند بأكملها ، ففي هذا العام انتخبت كرئيسة للوزراء ، وقد اختارتها مجلة التايم الأمريكية كشخصية العام ووضعت صورتها علي غلافها بالألوان وكتبت تحتها معلقة: " الهند المضطربة بين يدي امرأة " .
وصول انديرا غاندي الي رئاسة الوزارة في الهند تزامن مع ظهور حركات تحرير المرأة في الغرب ، فكانت انديرا فى هذا الوقت قدوة للنساء وراحت المجلات النسائية تقول: اذا كانت انديرا غاندي تحكم بلدا كبيرا كالهند, فهذا يعني أن المرأة قادرة علي كل شيء .
و في عام1971 أعيد انتخابها من جديد وأصبحت أقوي رئيس وزراء شهدته الهند منذ الاستقلال, فحتي والدها لم يحظ بكل هذه المكانة الشعبية التي حظيت بها ولا بكل الصلاحيات والسلطات التي تمتعت بها انديرا ، وعندما سألها احد الصحفيين عن مشاعرها وقد اصبحت زعيمة الهند مرة اخرى، أجابت: " كنت دائماً زعيمة للهند.. ولكن ماذا بعد الوصول إلى القمة؟ يخشى من الانحدار والسقوط " .
و اكتسبت انديرا شعبيتها الهائلة من وقوفها بجانب الفقراء و المستضعفين ،إذ رفعت شعار " اطردوا الفقر ", وقادت المرأة الهندية الحديدية الحرب ضد باكستان عام1971 وقد حقق الجيش الهندي انتصارا كبيرا علي نظيره الباكستاني, وكان من أهم نتائج هذه الحرب انفصال باكستانالشرقية عن الغربية وإنشاء كيان سياسي جديد هو بنجلاديش, وقد رفع هذا الانتصار الكبير من شعبية انديرا وجعلها من زعماء الهند التاريخيين .
ووقعت انديرا في نفس الخطأ الذي يقع فيه العديد من الزعماء السياسيين, تحت السلطة المطلقة, و صارت المرأة الأولي في الهند بلا منازع, فأخرست أصوات المعارضة ورفضت أي احتجاج علي قراراتها .
وحينما ضرب الجفاف أراضي الهند عام1975 , دخلت البلاد في حالة من التضخم والفساد المالي والإداري والذي ساعد بدوره علي ارتفاع أصوات المعارضة, مما أدي بها الي إعلان حالة الطواريء, وزجت حكومتها بأبرز زعماء المعارضة في السجون وفرضت رقابة علي الصحف وعلقت الحريات الدستورية وتراجعت شعبيتها كثيرا, إذ خسر حزبها الانتخابات في أكتوبر عام 1977 .
وفاة ابنها الكبير سانجي في حادث طائرة التى كانت تعده لخلافتها في رئاسة الحكومة كان له أثر كبير فى نفسها ، ونظمت له جنازة تكلفت أموال طائلة وفاقت جنازة المهاتما غاندي نفسه مما عرضها للنقد الشديد ، لاستغلال المال العام لأغراض شخصية.
جمعت انديرا العائلة مرة وقالت لهم بكل جدية: «ربما اغتالوني قريباً، واذا ما حصل ذلك فإني أود ان تنظموا لي جنازة على النحو التالي». ثم أعطتهم التعليمات .
واشتدت الاحتجاجات ضدها, خاصة من جانب زعماء السيخ, الذين قاموا بالاعتصامات احتجاجا علي سياساتها ، فقامت بفض اعتصامتهم بالقوة , الأمر الذي أثار حفيظتهم وكراهيتهم تجاهها .
لقد اصبح جميع من حولها يشعرون بأن حياتها في خطر ، وعندئذ حاول وزير الدفاع أن يقنعها بتغيير حرسها الشخصي فيصبحون من الجيش بدلاً من الشرطة. ولكنها رفضت وقالت له: " أنا رئيسة حكومة ديمقراطية منتخبة عن طريق الشعب ولست ديكتاتوراً وصل الى السلطة عن طريق انقلاب عسكري ، فلماذا تريدني أن أخاف على نفسي؟ " .
و رحلت انديرا عن الحياة برصاص حارسها الشخصى المنتمى لطائفة السيخ يوم13 أكتبور1984 ، ليسدل الستار علي حياة امرأة تركت بصمة قوية في تاريخ أمتها ، و كان من أقوالها الخالدة : " أظن أنه فى وقت من الأوقات كانت الزعامة تعنى العضلات ،أما الآن فهى تعنى التجاوب ممع الناس " .