مدبولي: نعمل مع الوزارات المعنية على تسهيل إجراءات التسجيل العقاري للوحدات السكنية    تعاونيات البناء والإسكان تطرح وحدات سكنية ومحلات وجراجات للبيع بالمزاد العلني    برنامج الأغذية العالمي: الوضع الإنساني بقطاع غزة كارثي.. ومخزوننا الغذائي بالقطاع نفد    بيروت ترحب بقرار الإمارات بالسماح لمواطنيها بزيارة لبنان اعتبارا من 7 مايو    رئيس حزب فرنسي: "زيلينسكي مجنون"!    فاركو يسقط بيراميدز ويشعل صراع المنافسة في الدوري المصري    سيل خفيف يضرب منطقة شق الثعبان بمدينة طابا    انضمام محمد نجيب للجهاز الفني في الأهلي    أوديجارد: يجب استغلال مشاعر الإحباط والغضب للفوز على باريس    زيزو يخوض أول تدريباته مع الزمالك منذ شهر    إسرائيل تدرس إقامة مستشفى ميداني في سوريا    التموين: ارتفاع حصيلة توريد القمح المحلي إلى 21164 طن بالقليوبية    الزمالك: نرفض المساومة على ملف خصم نقاط الأهلي    الشرطة الإسرائيلية تغلق طريقا جنوب تل أبيب بعد العثور على جسم مريب في أحد الشوارع    حرس الحدود بمنطقة جازان يحبط تهريب 53.3 كيلوجرامًا من مادة الحشيش المخدر    استشاري طب شرعي: التحرش بالأطفال ظاهرة تستدعي تحركاً وطنياً شاملاً    المخرج طارق العريان يبدأ تصوير الجزء الثاني من فيلم السلم والثعبان    البلشي يشكر عبد المحسن سلامة: منحنا منافسة تليق بنقابة الصحفيين والجمعية العمومية    ترامب يطالب رئيس الفيدرالي بخفض الفائدة ويحدد موعد رحيله    الهند وباكستان.. من يحسم المواجهة إذا اندلعت الحرب؟    حادث تصادم دراجه ناريه وسيارة ومصرع مواطن بالمنوفية    التصريح بدفن جثة طالبة سقطت من الدور الرابع بجامعة الزقازيق    ضبط المتهمين بسرقة محتويات فيلا بأكتوبر    تعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية لقانون سوق رأس المال    مفتي الجمهورية: نسعى للتعاون مع المجمع الفقهي الإسلامي لمواجهة تيارات التشدد والانغلاق    23 شهيدًا حصيلة الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة منذ فجر اليوم    مديرية العمل تعلن عن توفير 945 فرصة عمل بالقليوبية.. صور    رسميًا.. إلغاء معسكر منتخب مصر خلال شهر يونيو    مورينيو: صلاح كان طفلًا ضائعًا في لندن.. ولم أقرر رحيله عن تشيلسي    فيبي فوزي: تحديث التشريعات ضرورة لتعزيز الأمن السيبراني ومواجهة التهديدات الرقمية    كلية الآثار بجامعة الفيوم تنظم ندوة بعنوان"مودة - للحفاظ على كيان الأسرة المصرية".. صور    نائب وزير الصحة يُجري جولة مفاجئة على المنشآت الصحية بمدينة الشروق    مصر تستهدف إنهاء إجراءات وصول السائحين إلى المطارات إلكترونيا    الداخلية تعلن انتهاء تدريب الدفعة التاسعة لطلبة وطالبات معاهد معاونى الأمن (فيديو)    رابط الاستعلام على أرقام جلوس الثانوية العامة 2025 ونظام الأسئلة    رغم توقيع السيسى عليه ..قانون العمل الجديد :انحياز صارخ لأصحاب الأعمال وتهميش لحقوق العمال    في السوق المحلى .. استقرار سعر الفضة اليوم الأحد والجرام عيار 925 ب 55 جنيها    صادرات الملابس الجاهزة تقفز 24% في الربع الأول من 2025 ل 812 مليون دولار    كندة علوش: دخلت الفن بالصدفة وزوجي داعم جدا ويعطيني ثقة    21 مايو في دور العرض المصرية .. عصام السقا يروج لفيلم المشروع X وينشر البوستر الرسمي    إعلام الوزراء: 3.1 مليون فدان قمح وأصناف جديدة عالية الإنتاجية ودعم غير مسبوق للمزارعين في موسم توريد 2025    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : انت صاحب رسالة?!    تقرير المعمل الجنائي في حريق شقة بالمطرية    بالفيديو.. كندة علوش: عمرو يوسف داعم كبير لي ويمنحني الثقة دائمًا    بلعيد يعود لحسابات الأهلي مجددا    بدء الجلسة العامة لمجلس الشيوخ لمناقشة تجديد الخطاب الدينى    الأوقاف تحذر من وهم أمان السجائر الإلكترونية: سُمّ مغلف بنكهة مانجا    غدا.. الثقافة تطلق برنامج "مصر جميلة" للموهوبين بالبحيرة    وزير الصحة يبحث مع نظيره السعودي مستجدات التعاون بين البلدين    في ذكرى ميلاد زينات صدقي.. المسرح جسد معانتها في «الأرتيست»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم 4-5-2025 في محافظة قنا    الرئيس السيسي يوافق على استخدام بنك التنمية الأفريقي «السوفر» كسعر فائدة مرجعي    دعوى عاجلة جديدة تطالب بوقف تنفيذ قرار جمهوري بشأن اتفاقية جزيرتي تيران وصنافير    الأزهر للفتوى يوضح في 15 نقطة.. أحكام زكاة المال في الشريعة الإسلامية    هل يجوز للزوجة التصدق من مال زوجها دون علمه؟ الأزهر للفتوى يجيب    خبير تغذية روسي يكشف القاعدة الأساسية للأكل الصحي: التوازن والتنوع والاعتدال    الإكوادور: وفاة ثمانية أطفال وإصابة 46 شخصا بسبب داء البريميات البكتيري    تصاعد جديد ضد قانون المسئولية الطبية ..صيدليات الجيزة تطالب بعدم مساءلة الصيدلي في حالة صرف دواء بديل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أطول مباحثات قمة في التاريخ !
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 14 - 08 - 2014

على أبواب الفندق الرئاسي بمدينة سوتشي الروسية على شاطئ البحر الأسود، وقف الرئيس فلاديمير بوتين يودع ضيفه الرئيس عبد الفتاح السيسي، بعد مباحثات قمة بدأت في الصباح، وانتهت مع حلول يوم جديد.
شد بوتين على يدي السيسي قائلا: "نحن معك.. ندعم كل خطواتك .. كنت أعرف بل كنت متأكداً أنك ستنجح في انتخابات الرئاسة..أعلم أن شعبك لديه أمل فيك، وأنت كما سمعتك وعرفتك على قدر هذا الأمل".
تعانق الرئيسان، وغادر بوتين المكان.
كانت الساعة هى الواحدة من صباح الأربعاء..12 ساعة كاملة أمضاها السيسي مع بوتين في مباحثات قمة لم تنقطع، في البر جلوسا ومشيا، وفي الجو على متن طائرة هليكوبتر، وفي البحر على ظهر الفرقاطة "موسكو".
نصف زمن زيارة ال24 ساعة التي قضاها الرئيس السيسي في سوتشي، استغرقتها القمة المصرية الروسية، لتسجل رقما قياسيا غير مسبوق كأطول مباحثات قمة في التاريخ! الزيارة الخاطفة كان لها ما وراءها، والمباحثات المطولة لها بالقطع ما بعدها.
الاحتفاء الهائل بالرئيس السيسي، كان مصدر شعور بالسعادة والزهو لدى رجال الأمن والحراسة المصريين، وكان مثار اهتمام نظرائهم الروس، الذين قالوا لهم: "لقد صدرت لنا وللأجهزة في الرئاسة الروسية تعليمات مباشرة من الرئيس بوتين، بأن يتم استقبال الرئيس السيسي والترحيب به، بصورة لم يسبق حدوثها لأي رئيس يزور روسيا في أى عهد".
وبالفعل لم تنقطع مظاهر الحفاوة بالسيسي منذ دخول طائرته الأجواء الروسية فوق مياه البحر الأسود، وحتى مغادرتها لها في طريق العودة إلى القاهرة ظهر أمس الأول.
من نوافذ طائرة الرئاسة المصرية، عرف السيسي ومرافقوه، أنهم بلغوا المجال الجوى الروسي ، حينما شاهدوا سربا من مقاتلات "السوخوي" تحلق على جانبي الطائرة، ومن فوقها وأسفلها، ترحيبا بطائرة الرئاسة ومستقليها، في مشهد لا يذكر الجيل الحالي من الطيارين الروس مثيلا له.
وعندما حطت طائرة الرئيس على أرض مطار "سوتشى"، كانت الموسيقات العسكرية وحرس الشرف في انتظار السيسي ، لأول مرة في تقاليد استقبال رؤساء الدول بهذه المدينة، بينما كان على رأس المستقبلين سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسي أحد أهم أركان حكم بوتين.
في المطار.. تفقد السيسي ولافروف معرضا لبعض من أحدث مركبات القتال المدرعة ومنظومات الدفاع الجوى الروسية، وكان اختيار هذه النوعيات له مغزى يعرفه الروس والمصريون.
ثم اصطحب لافروف الرئيس السيسي، في موكب من السيارات، إلى القرية الأوليمبية بسوتشي التي استضافت دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية.
في تمام الواحدة ظهرا.. كان بوتين في استقبال السيسي، عند مدخل القرية الأوليمبية، لم يكن الرئيس الروسي يرتدي "رابطة عنق " ، في إشارة لأن الزيارة وبرنامجها خارج "البروتوكول".
في القرية الأوليمبية.. شرح بوتين لرئيس مصر ، المنشآت التي تم تشييدها بالقرية لرياضات الرماية والتزحلق على الجليد وهوكي الانزلاق وغيرها.
ثم اصطحب الرئيس الروسي، ضيفه الكبير إلى غرفة صالون في إحدى القاعات، في جلسة مباحثات مغلقة اقتصرت عليهما.
بعدها.. توجه الرئيسان إلى ممشى في قلب المدينة، وتجولا معاً وسط المارة الذين تجمعوا حولهما يلتقطون الصور، ويشيرون بأيديهم مرحبين بالرئيس السيسي.
ثم اصطحب بوتين السيسي إلى مقهى سياحي في الممشى ، لاستكمال الحديث على أكواب الشاي.
عاد بوتين والسيسي بعد ذلك إلى القرية الأوليمبية، واستقلا طائرة هليكوبتر إلى مقر الرئيس الروسي في سوتشي، وهناك ركب الرئيسان سيارة كهربائية قادها بوتين بنفسه.
وترك بوتين، السيسي بعض الوقت، ليبدل ملابسه في غرفة جانبية.
وهنا تداعت إلى أذهان بعض رجال الرئاسة المصريين ، ممن عاصروا زيارة الرئيس الأسبق محمد مرسى إلى سوتشى ، ذكريات تلك الزيارة الكارثية، حينما ألح مرسى على أن يلتقي بوتين، وجاء إلى هذه الغرفة بالذات، وانتظر ساعتين فيها، حتى جاءه الرئيس الروسي، وكان أول ما طلبه مرسى أن ترفع جماعة الإخوان من القائمة الروسية للمنظمات الإرهابية، ولم يخف بوتين ضيقه من مرسى، ولم يقتصد معاونو بوتين ووزراؤه في السخرية في تصريحاتهم من هذا الرجل الذي لا يرقى بأي حال إلى مستوى بلد كبير بحجم مصر.
في المقر الرئيسي بسوتشي، عقد بوتين والسيسي جلسة مباحثات موسعة، كانت أقرب ما تكون إلى جلسة مساءلة أو استجواب من جانب الرئيس الروسي لوزرائه، كل في اختصاصه، عما تم إنجازه، في مجالات التعاون مع مصر، في الزراعة، والتجارة والاستثمار، والصناعة .
وطرح بوتين اقتراحا بإقامة مركز لوجيستي لمصر في روسيا على البحر الأسود، مثلما رحب بإقامة منطقة صناعية روسية في مشروع محور قناة السويس.
امتدت المباحثات على مأدبة غداء، وتحدث بوتين عن الوفر الهائل في محصول القمح الروسي الذي يفيض عن الاحتياجات الداخلية بمقدار خمسة ملايين طن، وقال إنه يعلم إن مصر هى أكبر مستورد للقمح في العالم، وإنه مستعد لتقديم كل هذه الكمية إلى مصر، لتأمين كل احتياجاتها.
إلى الفرقاطة "موسكو"، الراسية في القاعدة العسكرية بسوتشي، توجه الرئيسان، وهناك جرى استقبال رسمي لهما، بحضور قائد الأسطول الروسي في البحر الأسود.
على ظهر الفرقاطة، جرت جلسة جديدة من مباحثات القمة، تركزت هذه المرة على شق التعاون العسكري، وهو بالمناسبة، وإن خفت وتيرته في بعض العهود، إلا أنه لم ينقطع أبداً منذ أول صفقة أسلحة روسية تلقتها مصر قبل قرابة 60 عاما مضت!
ومثلما جرى مع الوزراء الروس في مباحثات المقر الرئاسي، سأل الرئيس بوتين كل جنرال روسي في اختصاصه عما تم في التعاون العسكري مع مصر في مجالات التسليح والمنح التدريبية للمبعوثين والتدريبات العسكرية المشتركة.
ودون الخوض في تفاصيل.. كانت استجابة الرئيس بوتين كاملة لكل مطالب مصر.. قائلا: "إن مصر بلد صديق وكبير ، ولها وضعها في الشرق الأوسط، وقد عادت الآن إلى مكانها ومكانتها".
أكثر من ساعة، استغرقتها جلسة المباحثات على ظهر الفرقاطة "موسكو"، ثم غادر الرئيسان القاعدة العسكرية.
ودعا بوتين السيسي لحضور عرض للرقص على الجليد، ولفت الأداء الراقي انتباه الرئيس السيسي، فأوضح له بوتين أن المشاركين في العرض هم أبطال عالم سابقون في التزحلق والرقص الإيقاعي على الجليد، وتتم الاستعانة بهم في العروض الفنية، بعد فوزهم بالبطولات الأوليمبية والعالمية.
يحين وقت العشاء.. ويكسر بوتين مجددا قواعد البروتوكول، ويقرر بدلا من أن يتناول الطعام مع الرئيس السيسي في أجواء المقر الرئاسي الرسمية، أن يدعوه إلى مطعم الأسماك الشهير بسوتشى الذي يعد واحدا من أفخم 5 مطاعم في العالم، لتناول عشاء من المأكولات البحرية التي يشتهر بها البحر الأسود.
وهناك يكمل الرئيسان مباحثاتهما على العشاء حتى الواحدة صباحا، في جلسة منفردة، لم يحضرها المترجم.
ويميل أحد أعضاء الوفد الروسي، على مسئول مصري.. مشيرا إلى الرئيسين قائلا: "هناك أوجه شبه بين الرجلين، حتى في الهيئة والقامة وطريقة المشي".. ثم يضيف: "أظن أن هناك كيمياء شخصية وجدت طريقها بين الرئيسين.. فبوتين يرى في السيسي نفسه حينما تولى رئاسة روسيا بعدما شارفت على الانهيار في عهد يلتسين.. والسيسي يرى في بوتين نموذجاً لقائد استطاع أن ينتشل بلاده من مصير محتوم وأن ينهض بها لتعود قوة عظمى من جديد.
صباح أول أمس الأربعاء.. جاء لافروف وزير الخارجية الروسي إلى الفندق الرئاسي لاصطحاب الرئيس السيسي ومرافقيه إلى مطار سوتشى، وهناك جرت مجددا مراسم رسمية مصحوبة بحرس الشرف الرئاسي في وداع رئيس مصر.
استقل الرئيس السيسي طائرة الرئاسة عائدا إلى القاهرة، حاملا مشاعر امتنان لحفاوة الاستقبال، وقبلها مشاعر ارتياح للنتائج فوق المتوقعة التي أسفرت عنها مباحثات القمة، وحاملا معه أيضا هدية ذات مغزى من الرئيس بوتين.
الهدية تلقاها السيسي من بوتين عقب مباحثات الغداء في المقر الرئاسي، وهى عبارة عن صورة فوتوغرافية فريدة ليس لها نسخ أخرى، تجمع بين الزعيم جمال عبد الناصر، والزعيم السوفييتي ميخائيل خروشوف في مطلع الستينيات.
لعل بوتين كان يريد أن يقول للسيسى إن علاقات القاهرة وموسكو ستعود إلى ما كانت في الستينيات، أيام بناء السد العالي والتصنيع الثقيل والتسليح غير المشروط، ولعله كان يريد أن يقول إن الصداقة الوليدة بيني وبينك، ستكون كتلك التي جمعت ناصر وخروشوف.
لعله يريد أن يقول إن روسيا كانت وستعود صديقا حقيقيا لمصر، لا يملك أجندات خفية ولا خرائط تقسيم، يفتح ذراعيه لمصر، ولا يستدير ليطعنها بغدر!.
على أبواب الفندق الرئاسي بمدينة سوتشي الروسية على شاطئ البحر الأسود، وقف الرئيس فلاديمير بوتين يودع ضيفه الرئيس عبد الفتاح السيسي، بعد مباحثات قمة بدأت في الصباح، وانتهت مع حلول يوم جديد.
شد بوتين على يدي السيسي قائلا: "نحن معك.. ندعم كل خطواتك .. كنت أعرف بل كنت متأكداً أنك ستنجح في انتخابات الرئاسة..أعلم أن شعبك لديه أمل فيك، وأنت كما سمعتك وعرفتك على قدر هذا الأمل".
تعانق الرئيسان، وغادر بوتين المكان.
كانت الساعة هى الواحدة من صباح الأربعاء..12 ساعة كاملة أمضاها السيسي مع بوتين في مباحثات قمة لم تنقطع، في البر جلوسا ومشيا، وفي الجو على متن طائرة هليكوبتر، وفي البحر على ظهر الفرقاطة "موسكو".
نصف زمن زيارة ال24 ساعة التي قضاها الرئيس السيسي في سوتشي، استغرقتها القمة المصرية الروسية، لتسجل رقما قياسيا غير مسبوق كأطول مباحثات قمة في التاريخ! الزيارة الخاطفة كان لها ما وراءها، والمباحثات المطولة لها بالقطع ما بعدها.
الاحتفاء الهائل بالرئيس السيسي، كان مصدر شعور بالسعادة والزهو لدى رجال الأمن والحراسة المصريين، وكان مثار اهتمام نظرائهم الروس، الذين قالوا لهم: "لقد صدرت لنا وللأجهزة في الرئاسة الروسية تعليمات مباشرة من الرئيس بوتين، بأن يتم استقبال الرئيس السيسي والترحيب به، بصورة لم يسبق حدوثها لأي رئيس يزور روسيا في أى عهد".
وبالفعل لم تنقطع مظاهر الحفاوة بالسيسي منذ دخول طائرته الأجواء الروسية فوق مياه البحر الأسود، وحتى مغادرتها لها في طريق العودة إلى القاهرة ظهر أمس الأول.
من نوافذ طائرة الرئاسة المصرية، عرف السيسي ومرافقوه، أنهم بلغوا المجال الجوى الروسي ، حينما شاهدوا سربا من مقاتلات "السوخوي" تحلق على جانبي الطائرة، ومن فوقها وأسفلها، ترحيبا بطائرة الرئاسة ومستقليها، في مشهد لا يذكر الجيل الحالي من الطيارين الروس مثيلا له.
وعندما حطت طائرة الرئيس على أرض مطار "سوتشى"، كانت الموسيقات العسكرية وحرس الشرف في انتظار السيسي ، لأول مرة في تقاليد استقبال رؤساء الدول بهذه المدينة، بينما كان على رأس المستقبلين سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسي أحد أهم أركان حكم بوتين.
في المطار.. تفقد السيسي ولافروف معرضا لبعض من أحدث مركبات القتال المدرعة ومنظومات الدفاع الجوى الروسية، وكان اختيار هذه النوعيات له مغزى يعرفه الروس والمصريون.
ثم اصطحب لافروف الرئيس السيسي، في موكب من السيارات، إلى القرية الأوليمبية بسوتشي التي استضافت دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية.
في تمام الواحدة ظهرا.. كان بوتين في استقبال السيسي، عند مدخل القرية الأوليمبية، لم يكن الرئيس الروسي يرتدي "رابطة عنق " ، في إشارة لأن الزيارة وبرنامجها خارج "البروتوكول".
في القرية الأوليمبية.. شرح بوتين لرئيس مصر ، المنشآت التي تم تشييدها بالقرية لرياضات الرماية والتزحلق على الجليد وهوكي الانزلاق وغيرها.
ثم اصطحب الرئيس الروسي، ضيفه الكبير إلى غرفة صالون في إحدى القاعات، في جلسة مباحثات مغلقة اقتصرت عليهما.
بعدها.. توجه الرئيسان إلى ممشى في قلب المدينة، وتجولا معاً وسط المارة الذين تجمعوا حولهما يلتقطون الصور، ويشيرون بأيديهم مرحبين بالرئيس السيسي.
ثم اصطحب بوتين السيسي إلى مقهى سياحي في الممشى ، لاستكمال الحديث على أكواب الشاي.
عاد بوتين والسيسي بعد ذلك إلى القرية الأوليمبية، واستقلا طائرة هليكوبتر إلى مقر الرئيس الروسي في سوتشي، وهناك ركب الرئيسان سيارة كهربائية قادها بوتين بنفسه.
وترك بوتين، السيسي بعض الوقت، ليبدل ملابسه في غرفة جانبية.
وهنا تداعت إلى أذهان بعض رجال الرئاسة المصريين ، ممن عاصروا زيارة الرئيس الأسبق محمد مرسى إلى سوتشى ، ذكريات تلك الزيارة الكارثية، حينما ألح مرسى على أن يلتقي بوتين، وجاء إلى هذه الغرفة بالذات، وانتظر ساعتين فيها، حتى جاءه الرئيس الروسي، وكان أول ما طلبه مرسى أن ترفع جماعة الإخوان من القائمة الروسية للمنظمات الإرهابية، ولم يخف بوتين ضيقه من مرسى، ولم يقتصد معاونو بوتين ووزراؤه في السخرية في تصريحاتهم من هذا الرجل الذي لا يرقى بأي حال إلى مستوى بلد كبير بحجم مصر.
في المقر الرئيسي بسوتشي، عقد بوتين والسيسي جلسة مباحثات موسعة، كانت أقرب ما تكون إلى جلسة مساءلة أو استجواب من جانب الرئيس الروسي لوزرائه، كل في اختصاصه، عما تم إنجازه، في مجالات التعاون مع مصر، في الزراعة، والتجارة والاستثمار، والصناعة .
وطرح بوتين اقتراحا بإقامة مركز لوجيستي لمصر في روسيا على البحر الأسود، مثلما رحب بإقامة منطقة صناعية روسية في مشروع محور قناة السويس.
امتدت المباحثات على مأدبة غداء، وتحدث بوتين عن الوفر الهائل في محصول القمح الروسي الذي يفيض عن الاحتياجات الداخلية بمقدار خمسة ملايين طن، وقال إنه يعلم إن مصر هى أكبر مستورد للقمح في العالم، وإنه مستعد لتقديم كل هذه الكمية إلى مصر، لتأمين كل احتياجاتها.
إلى الفرقاطة "موسكو"، الراسية في القاعدة العسكرية بسوتشي، توجه الرئيسان، وهناك جرى استقبال رسمي لهما، بحضور قائد الأسطول الروسي في البحر الأسود.
على ظهر الفرقاطة، جرت جلسة جديدة من مباحثات القمة، تركزت هذه المرة على شق التعاون العسكري، وهو بالمناسبة، وإن خفت وتيرته في بعض العهود، إلا أنه لم ينقطع أبداً منذ أول صفقة أسلحة روسية تلقتها مصر قبل قرابة 60 عاما مضت!
ومثلما جرى مع الوزراء الروس في مباحثات المقر الرئاسي، سأل الرئيس بوتين كل جنرال روسي في اختصاصه عما تم في التعاون العسكري مع مصر في مجالات التسليح والمنح التدريبية للمبعوثين والتدريبات العسكرية المشتركة.
ودون الخوض في تفاصيل.. كانت استجابة الرئيس بوتين كاملة لكل مطالب مصر.. قائلا: "إن مصر بلد صديق وكبير ، ولها وضعها في الشرق الأوسط، وقد عادت الآن إلى مكانها ومكانتها".
أكثر من ساعة، استغرقتها جلسة المباحثات على ظهر الفرقاطة "موسكو"، ثم غادر الرئيسان القاعدة العسكرية.
ودعا بوتين السيسي لحضور عرض للرقص على الجليد، ولفت الأداء الراقي انتباه الرئيس السيسي، فأوضح له بوتين أن المشاركين في العرض هم أبطال عالم سابقون في التزحلق والرقص الإيقاعي على الجليد، وتتم الاستعانة بهم في العروض الفنية، بعد فوزهم بالبطولات الأوليمبية والعالمية.
يحين وقت العشاء.. ويكسر بوتين مجددا قواعد البروتوكول، ويقرر بدلا من أن يتناول الطعام مع الرئيس السيسي في أجواء المقر الرئاسي الرسمية، أن يدعوه إلى مطعم الأسماك الشهير بسوتشى الذي يعد واحدا من أفخم 5 مطاعم في العالم، لتناول عشاء من المأكولات البحرية التي يشتهر بها البحر الأسود.
وهناك يكمل الرئيسان مباحثاتهما على العشاء حتى الواحدة صباحا، في جلسة منفردة، لم يحضرها المترجم.
ويميل أحد أعضاء الوفد الروسي، على مسئول مصري.. مشيرا إلى الرئيسين قائلا: "هناك أوجه شبه بين الرجلين، حتى في الهيئة والقامة وطريقة المشي".. ثم يضيف: "أظن أن هناك كيمياء شخصية وجدت طريقها بين الرئيسين.. فبوتين يرى في السيسي نفسه حينما تولى رئاسة روسيا بعدما شارفت على الانهيار في عهد يلتسين.. والسيسي يرى في بوتين نموذجاً لقائد استطاع أن ينتشل بلاده من مصير محتوم وأن ينهض بها لتعود قوة عظمى من جديد.
صباح أول أمس الأربعاء.. جاء لافروف وزير الخارجية الروسي إلى الفندق الرئاسي لاصطحاب الرئيس السيسي ومرافقيه إلى مطار سوتشى، وهناك جرت مجددا مراسم رسمية مصحوبة بحرس الشرف الرئاسي في وداع رئيس مصر.
استقل الرئيس السيسي طائرة الرئاسة عائدا إلى القاهرة، حاملا مشاعر امتنان لحفاوة الاستقبال، وقبلها مشاعر ارتياح للنتائج فوق المتوقعة التي أسفرت عنها مباحثات القمة، وحاملا معه أيضا هدية ذات مغزى من الرئيس بوتين.
الهدية تلقاها السيسي من بوتين عقب مباحثات الغداء في المقر الرئاسي، وهى عبارة عن صورة فوتوغرافية فريدة ليس لها نسخ أخرى، تجمع بين الزعيم جمال عبد الناصر، والزعيم السوفييتي ميخائيل خروشوف في مطلع الستينيات.
لعل بوتين كان يريد أن يقول للسيسى إن علاقات القاهرة وموسكو ستعود إلى ما كانت في الستينيات، أيام بناء السد العالي والتصنيع الثقيل والتسليح غير المشروط، ولعله كان يريد أن يقول إن الصداقة الوليدة بيني وبينك، ستكون كتلك التي جمعت ناصر وخروشوف.
لعله يريد أن يقول إن روسيا كانت وستعود صديقا حقيقيا لمصر، لا يملك أجندات خفية ولا خرائط تقسيم، يفتح ذراعيه لمصر، ولا يستدير ليطعنها بغدر!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.