وزير الإسكان يبحث مع رئيس المنظمة العربية للسياحة تعزيز التعاون    مؤسسة العربى تحتفل بالعيد القومى للجيزة وتشارك الزفاف الجماعى للمحافظة    موسكو: واشنطن تعمل منذ فترة على تهيئة بنيتها التحتية للتجارب النووية    التشكيل الرسمي لمباراة إندونيسيا ضد السعودية.. سالم الدوسري يقود الهجوم    كل ما تريد معرفته عن مشاركة يد الأهلي في بطولة أفريقيا بالمغرب    محمد صلاح ينفرد بصدارة هدافى تصفيات أفريقيا عبر التاريخ برصيد 19 هدفا    الإسماعيلى يعلن عدم اكتمال النصاب القانوني لعمومية سحب الثقة    فريق من النيابة العامة ينتقل إلى موقع حريق مخزن قطع غيار سيارات بالسلام    تأجيل محاكمة 21 متهما بخلية دعاة الفلاح لجلسة 24 ديسمبر    عرض فيلم "هيبتا.. المناظرة الأخيرة" بسينما الشعب في 5 محافظات    وزير الثقافة: نعمل بشكل مكثف لتطوير البنية التحتية للمواقع الثقافية    نائب وزير الصحة: إدراج الإسكندرية بمنظومة التأمين الصحي الشامل    "التحالف الدولي" يعيد تموضع قواته في سوريا لمواجهة بقايا "داعش"    السيسي للمصريين: ربنا نجانا في 2011    "المنشاوي" يترأس اجتماعًا لمناقشة خطة الأنشطة الطلابية بجامعة أسيوط الأهلية    إصابة جديدة تضرب دفاع ريال مدريد قبل الكلاسيكو    سعر الحديد مساء اليوم الأربعاء 8 أكتوبر 2025    السبت.. نبيل فهمي في صالون ماسبيرو الثقافي    بيراميدز يحدد موعد استئناف تدريباته    مدير صندوق مكافحة الإدمان يستقبل المدير التنفيذي للوكالة الأوروبية للمخدرات    الداخلية تعلن قائمة الممنوعين من السفر لحج القرعة لعام 2026    وكيل «تعليم البحيرة» يشهد ندوة «التعليم بين تحديات الحاضر ورهان المستقبل»    تكاثر السحب الممطرة على هذه المناطق.. الأرصاد الجوية تكشف حالة الطقس في القاهرة والمحافظات    المشدد 6 سنوات وغرامة 100 ألف جنيه ل3 متهمين بالإتجار فى المخدرات بسوهاج    ألمانيا تمنح الشرطة صلاحية إسقاط الطائرات المسيرة بعد حوادث مطار ميونيخ    وزيرة التضامن تترأس اجتماع اللجنة العليا للأسر البديلة الكافلة    نائب محافظ الأقصر يشارك في احتفال مصنع سكر أرمنت بانتصارات أكتوبر | صور    شيرين عبد الوهاب.. صوت العاطفة وتحدي الصعاب في عيد الميلاد    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 8 اكتوبر 2025 فى المنيا    أحمد عمر هاشم.. تعرف على أبرز 10 معلومات عن جهوده الدعوية    «نادية عمارة» تكشف الأسس الشرعية والاجتماعية لاختيار شريك الحياة    محافظ الجيزة يعتمد حركة مديري ووكلاء الإدارات التعليمية    خالد العناني مديرًا عامًا لليونسكو.. والريادة الثقافية والحضارية موطنها مصر    انطلاق برنامج مصر جميلة لاكتشاف المواهب الفنية والأدبية بالوادي الجديد    ضبط كميات كبيرة من المواد الغذائية مجهولة المصدر بمدينة العاشر من رمضان    طارق العوضي: البرلمان الحالي غير مؤهل للنظر في «الإجراءات الجنائية»    بلخي: إعادة بناء النظام الصحي في غزة ضرورة إنسانية عاجلة    علاج 1928 مواطنا مجانا ضمن قافلة طبية بقرية في الشرقية    «فصل الشتاء».. نصائح للوقاية من الأمراض الموسمية    بلخي: اجتماع اللجنة الإقليمية بالقاهرة يناقش إصلاحات جذرية لمستقبل الصحة في المنطقة    عزاء الدكتور أحمد عمر هاشم اليوم بمسجد الشرطة بالتجمع الخامس بعد صلاة المغرب    السيسي: الوضع الاقتصادي يتحسن يومًا بعد يوم.. ولسه الأفضل قادم    رجال لا يكررون الخطأ مرتين.. 4 أبراج تتعلم بسرعة من التجارب    الإحصاء: 36.8 % زيادة بقيمة المبالغ المودعة فى صندوق توفير البريد 2024 / 2025    "بجوائز مالية للمرة الاولى".. بطولة مصر المفتوحة للهواة تجمع نجوم الجولف من 15 دولة    وفد لبنانى يزور هيئة الاعتماد والرقابة للاطلاع على تجربة مصر بالإصلاح الصحى    وزير الصحة: إنهاء 20 مشروع بتكلفة 11.7 مليار جنيه خلال 2025    بن جفير يقتحم الأقصى مجددًا وسط توتر أمني في عيد العرش اليهودي    «الشكاوى الحكومية» تتلقى 13.5 ألف شكوى واستغاثة صحية    مصرع صغير وإصابة 3 آخرين في مشاجرة بالأسلحة النارية بسوهاج    الصحة: تنفيذ 348 مشروعًا لتطوير المستشفيات ب 27 محافظة    يد - بعثة الأهلي إلى المغرب للمشاركة في بطولة إفريقيا    تزوجت بقصد الإنجاب عبر الحقن المجهرى دون جماع والطلاق بعده.. ما حكم الدين    أكسيوس: ويتكوف وكوشنر يصلان شرم الشيخ للانضمام لمفاوضات إنهاء حرب غزة    «كنت أسير خلفه».. كيف بشر نبي الله الراحل أحمد عمر هاشم بمستقبله    اعرف اسعار الدولار اليوم الأربعاء 8-10-2025 في بني سويف    سعر سبيكة الذهب اليوم الأربعاء 8-10-2025 بعد الارتفاع الكبير.. بكام سبيكة ال10 جرام؟    منتخب مصر المشارك في كأس العرب يواصل تدريباته استعدادًا لمواجهة المغرب وديًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أطول مباحثات قمة في التاريخ !
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 14 - 08 - 2014

على أبواب الفندق الرئاسي بمدينة سوتشي الروسية على شاطئ البحر الأسود، وقف الرئيس فلاديمير بوتين يودع ضيفه الرئيس عبد الفتاح السيسي، بعد مباحثات قمة بدأت في الصباح، وانتهت مع حلول يوم جديد.
شد بوتين على يدي السيسي قائلا: "نحن معك.. ندعم كل خطواتك .. كنت أعرف بل كنت متأكداً أنك ستنجح في انتخابات الرئاسة..أعلم أن شعبك لديه أمل فيك، وأنت كما سمعتك وعرفتك على قدر هذا الأمل".
تعانق الرئيسان، وغادر بوتين المكان.
كانت الساعة هى الواحدة من صباح الأربعاء..12 ساعة كاملة أمضاها السيسي مع بوتين في مباحثات قمة لم تنقطع، في البر جلوسا ومشيا، وفي الجو على متن طائرة هليكوبتر، وفي البحر على ظهر الفرقاطة "موسكو".
نصف زمن زيارة ال24 ساعة التي قضاها الرئيس السيسي في سوتشي، استغرقتها القمة المصرية الروسية، لتسجل رقما قياسيا غير مسبوق كأطول مباحثات قمة في التاريخ! الزيارة الخاطفة كان لها ما وراءها، والمباحثات المطولة لها بالقطع ما بعدها.
الاحتفاء الهائل بالرئيس السيسي، كان مصدر شعور بالسعادة والزهو لدى رجال الأمن والحراسة المصريين، وكان مثار اهتمام نظرائهم الروس، الذين قالوا لهم: "لقد صدرت لنا وللأجهزة في الرئاسة الروسية تعليمات مباشرة من الرئيس بوتين، بأن يتم استقبال الرئيس السيسي والترحيب به، بصورة لم يسبق حدوثها لأي رئيس يزور روسيا في أى عهد".
وبالفعل لم تنقطع مظاهر الحفاوة بالسيسي منذ دخول طائرته الأجواء الروسية فوق مياه البحر الأسود، وحتى مغادرتها لها في طريق العودة إلى القاهرة ظهر أمس الأول.
من نوافذ طائرة الرئاسة المصرية، عرف السيسي ومرافقوه، أنهم بلغوا المجال الجوى الروسي ، حينما شاهدوا سربا من مقاتلات "السوخوي" تحلق على جانبي الطائرة، ومن فوقها وأسفلها، ترحيبا بطائرة الرئاسة ومستقليها، في مشهد لا يذكر الجيل الحالي من الطيارين الروس مثيلا له.
وعندما حطت طائرة الرئيس على أرض مطار "سوتشى"، كانت الموسيقات العسكرية وحرس الشرف في انتظار السيسي ، لأول مرة في تقاليد استقبال رؤساء الدول بهذه المدينة، بينما كان على رأس المستقبلين سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسي أحد أهم أركان حكم بوتين.
في المطار.. تفقد السيسي ولافروف معرضا لبعض من أحدث مركبات القتال المدرعة ومنظومات الدفاع الجوى الروسية، وكان اختيار هذه النوعيات له مغزى يعرفه الروس والمصريون.
ثم اصطحب لافروف الرئيس السيسي، في موكب من السيارات، إلى القرية الأوليمبية بسوتشي التي استضافت دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية.
في تمام الواحدة ظهرا.. كان بوتين في استقبال السيسي، عند مدخل القرية الأوليمبية، لم يكن الرئيس الروسي يرتدي "رابطة عنق " ، في إشارة لأن الزيارة وبرنامجها خارج "البروتوكول".
في القرية الأوليمبية.. شرح بوتين لرئيس مصر ، المنشآت التي تم تشييدها بالقرية لرياضات الرماية والتزحلق على الجليد وهوكي الانزلاق وغيرها.
ثم اصطحب الرئيس الروسي، ضيفه الكبير إلى غرفة صالون في إحدى القاعات، في جلسة مباحثات مغلقة اقتصرت عليهما.
بعدها.. توجه الرئيسان إلى ممشى في قلب المدينة، وتجولا معاً وسط المارة الذين تجمعوا حولهما يلتقطون الصور، ويشيرون بأيديهم مرحبين بالرئيس السيسي.
ثم اصطحب بوتين السيسي إلى مقهى سياحي في الممشى ، لاستكمال الحديث على أكواب الشاي.
عاد بوتين والسيسي بعد ذلك إلى القرية الأوليمبية، واستقلا طائرة هليكوبتر إلى مقر الرئيس الروسي في سوتشي، وهناك ركب الرئيسان سيارة كهربائية قادها بوتين بنفسه.
وترك بوتين، السيسي بعض الوقت، ليبدل ملابسه في غرفة جانبية.
وهنا تداعت إلى أذهان بعض رجال الرئاسة المصريين ، ممن عاصروا زيارة الرئيس الأسبق محمد مرسى إلى سوتشى ، ذكريات تلك الزيارة الكارثية، حينما ألح مرسى على أن يلتقي بوتين، وجاء إلى هذه الغرفة بالذات، وانتظر ساعتين فيها، حتى جاءه الرئيس الروسي، وكان أول ما طلبه مرسى أن ترفع جماعة الإخوان من القائمة الروسية للمنظمات الإرهابية، ولم يخف بوتين ضيقه من مرسى، ولم يقتصد معاونو بوتين ووزراؤه في السخرية في تصريحاتهم من هذا الرجل الذي لا يرقى بأي حال إلى مستوى بلد كبير بحجم مصر.
في المقر الرئيسي بسوتشي، عقد بوتين والسيسي جلسة مباحثات موسعة، كانت أقرب ما تكون إلى جلسة مساءلة أو استجواب من جانب الرئيس الروسي لوزرائه، كل في اختصاصه، عما تم إنجازه، في مجالات التعاون مع مصر، في الزراعة، والتجارة والاستثمار، والصناعة .
وطرح بوتين اقتراحا بإقامة مركز لوجيستي لمصر في روسيا على البحر الأسود، مثلما رحب بإقامة منطقة صناعية روسية في مشروع محور قناة السويس.
امتدت المباحثات على مأدبة غداء، وتحدث بوتين عن الوفر الهائل في محصول القمح الروسي الذي يفيض عن الاحتياجات الداخلية بمقدار خمسة ملايين طن، وقال إنه يعلم إن مصر هى أكبر مستورد للقمح في العالم، وإنه مستعد لتقديم كل هذه الكمية إلى مصر، لتأمين كل احتياجاتها.
إلى الفرقاطة "موسكو"، الراسية في القاعدة العسكرية بسوتشي، توجه الرئيسان، وهناك جرى استقبال رسمي لهما، بحضور قائد الأسطول الروسي في البحر الأسود.
على ظهر الفرقاطة، جرت جلسة جديدة من مباحثات القمة، تركزت هذه المرة على شق التعاون العسكري، وهو بالمناسبة، وإن خفت وتيرته في بعض العهود، إلا أنه لم ينقطع أبداً منذ أول صفقة أسلحة روسية تلقتها مصر قبل قرابة 60 عاما مضت!
ومثلما جرى مع الوزراء الروس في مباحثات المقر الرئاسي، سأل الرئيس بوتين كل جنرال روسي في اختصاصه عما تم في التعاون العسكري مع مصر في مجالات التسليح والمنح التدريبية للمبعوثين والتدريبات العسكرية المشتركة.
ودون الخوض في تفاصيل.. كانت استجابة الرئيس بوتين كاملة لكل مطالب مصر.. قائلا: "إن مصر بلد صديق وكبير ، ولها وضعها في الشرق الأوسط، وقد عادت الآن إلى مكانها ومكانتها".
أكثر من ساعة، استغرقتها جلسة المباحثات على ظهر الفرقاطة "موسكو"، ثم غادر الرئيسان القاعدة العسكرية.
ودعا بوتين السيسي لحضور عرض للرقص على الجليد، ولفت الأداء الراقي انتباه الرئيس السيسي، فأوضح له بوتين أن المشاركين في العرض هم أبطال عالم سابقون في التزحلق والرقص الإيقاعي على الجليد، وتتم الاستعانة بهم في العروض الفنية، بعد فوزهم بالبطولات الأوليمبية والعالمية.
يحين وقت العشاء.. ويكسر بوتين مجددا قواعد البروتوكول، ويقرر بدلا من أن يتناول الطعام مع الرئيس السيسي في أجواء المقر الرئاسي الرسمية، أن يدعوه إلى مطعم الأسماك الشهير بسوتشى الذي يعد واحدا من أفخم 5 مطاعم في العالم، لتناول عشاء من المأكولات البحرية التي يشتهر بها البحر الأسود.
وهناك يكمل الرئيسان مباحثاتهما على العشاء حتى الواحدة صباحا، في جلسة منفردة، لم يحضرها المترجم.
ويميل أحد أعضاء الوفد الروسي، على مسئول مصري.. مشيرا إلى الرئيسين قائلا: "هناك أوجه شبه بين الرجلين، حتى في الهيئة والقامة وطريقة المشي".. ثم يضيف: "أظن أن هناك كيمياء شخصية وجدت طريقها بين الرئيسين.. فبوتين يرى في السيسي نفسه حينما تولى رئاسة روسيا بعدما شارفت على الانهيار في عهد يلتسين.. والسيسي يرى في بوتين نموذجاً لقائد استطاع أن ينتشل بلاده من مصير محتوم وأن ينهض بها لتعود قوة عظمى من جديد.
صباح أول أمس الأربعاء.. جاء لافروف وزير الخارجية الروسي إلى الفندق الرئاسي لاصطحاب الرئيس السيسي ومرافقيه إلى مطار سوتشى، وهناك جرت مجددا مراسم رسمية مصحوبة بحرس الشرف الرئاسي في وداع رئيس مصر.
استقل الرئيس السيسي طائرة الرئاسة عائدا إلى القاهرة، حاملا مشاعر امتنان لحفاوة الاستقبال، وقبلها مشاعر ارتياح للنتائج فوق المتوقعة التي أسفرت عنها مباحثات القمة، وحاملا معه أيضا هدية ذات مغزى من الرئيس بوتين.
الهدية تلقاها السيسي من بوتين عقب مباحثات الغداء في المقر الرئاسي، وهى عبارة عن صورة فوتوغرافية فريدة ليس لها نسخ أخرى، تجمع بين الزعيم جمال عبد الناصر، والزعيم السوفييتي ميخائيل خروشوف في مطلع الستينيات.
لعل بوتين كان يريد أن يقول للسيسى إن علاقات القاهرة وموسكو ستعود إلى ما كانت في الستينيات، أيام بناء السد العالي والتصنيع الثقيل والتسليح غير المشروط، ولعله كان يريد أن يقول إن الصداقة الوليدة بيني وبينك، ستكون كتلك التي جمعت ناصر وخروشوف.
لعله يريد أن يقول إن روسيا كانت وستعود صديقا حقيقيا لمصر، لا يملك أجندات خفية ولا خرائط تقسيم، يفتح ذراعيه لمصر، ولا يستدير ليطعنها بغدر!.
على أبواب الفندق الرئاسي بمدينة سوتشي الروسية على شاطئ البحر الأسود، وقف الرئيس فلاديمير بوتين يودع ضيفه الرئيس عبد الفتاح السيسي، بعد مباحثات قمة بدأت في الصباح، وانتهت مع حلول يوم جديد.
شد بوتين على يدي السيسي قائلا: "نحن معك.. ندعم كل خطواتك .. كنت أعرف بل كنت متأكداً أنك ستنجح في انتخابات الرئاسة..أعلم أن شعبك لديه أمل فيك، وأنت كما سمعتك وعرفتك على قدر هذا الأمل".
تعانق الرئيسان، وغادر بوتين المكان.
كانت الساعة هى الواحدة من صباح الأربعاء..12 ساعة كاملة أمضاها السيسي مع بوتين في مباحثات قمة لم تنقطع، في البر جلوسا ومشيا، وفي الجو على متن طائرة هليكوبتر، وفي البحر على ظهر الفرقاطة "موسكو".
نصف زمن زيارة ال24 ساعة التي قضاها الرئيس السيسي في سوتشي، استغرقتها القمة المصرية الروسية، لتسجل رقما قياسيا غير مسبوق كأطول مباحثات قمة في التاريخ! الزيارة الخاطفة كان لها ما وراءها، والمباحثات المطولة لها بالقطع ما بعدها.
الاحتفاء الهائل بالرئيس السيسي، كان مصدر شعور بالسعادة والزهو لدى رجال الأمن والحراسة المصريين، وكان مثار اهتمام نظرائهم الروس، الذين قالوا لهم: "لقد صدرت لنا وللأجهزة في الرئاسة الروسية تعليمات مباشرة من الرئيس بوتين، بأن يتم استقبال الرئيس السيسي والترحيب به، بصورة لم يسبق حدوثها لأي رئيس يزور روسيا في أى عهد".
وبالفعل لم تنقطع مظاهر الحفاوة بالسيسي منذ دخول طائرته الأجواء الروسية فوق مياه البحر الأسود، وحتى مغادرتها لها في طريق العودة إلى القاهرة ظهر أمس الأول.
من نوافذ طائرة الرئاسة المصرية، عرف السيسي ومرافقوه، أنهم بلغوا المجال الجوى الروسي ، حينما شاهدوا سربا من مقاتلات "السوخوي" تحلق على جانبي الطائرة، ومن فوقها وأسفلها، ترحيبا بطائرة الرئاسة ومستقليها، في مشهد لا يذكر الجيل الحالي من الطيارين الروس مثيلا له.
وعندما حطت طائرة الرئيس على أرض مطار "سوتشى"، كانت الموسيقات العسكرية وحرس الشرف في انتظار السيسي ، لأول مرة في تقاليد استقبال رؤساء الدول بهذه المدينة، بينما كان على رأس المستقبلين سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسي أحد أهم أركان حكم بوتين.
في المطار.. تفقد السيسي ولافروف معرضا لبعض من أحدث مركبات القتال المدرعة ومنظومات الدفاع الجوى الروسية، وكان اختيار هذه النوعيات له مغزى يعرفه الروس والمصريون.
ثم اصطحب لافروف الرئيس السيسي، في موكب من السيارات، إلى القرية الأوليمبية بسوتشي التي استضافت دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية.
في تمام الواحدة ظهرا.. كان بوتين في استقبال السيسي، عند مدخل القرية الأوليمبية، لم يكن الرئيس الروسي يرتدي "رابطة عنق " ، في إشارة لأن الزيارة وبرنامجها خارج "البروتوكول".
في القرية الأوليمبية.. شرح بوتين لرئيس مصر ، المنشآت التي تم تشييدها بالقرية لرياضات الرماية والتزحلق على الجليد وهوكي الانزلاق وغيرها.
ثم اصطحب الرئيس الروسي، ضيفه الكبير إلى غرفة صالون في إحدى القاعات، في جلسة مباحثات مغلقة اقتصرت عليهما.
بعدها.. توجه الرئيسان إلى ممشى في قلب المدينة، وتجولا معاً وسط المارة الذين تجمعوا حولهما يلتقطون الصور، ويشيرون بأيديهم مرحبين بالرئيس السيسي.
ثم اصطحب بوتين السيسي إلى مقهى سياحي في الممشى ، لاستكمال الحديث على أكواب الشاي.
عاد بوتين والسيسي بعد ذلك إلى القرية الأوليمبية، واستقلا طائرة هليكوبتر إلى مقر الرئيس الروسي في سوتشي، وهناك ركب الرئيسان سيارة كهربائية قادها بوتين بنفسه.
وترك بوتين، السيسي بعض الوقت، ليبدل ملابسه في غرفة جانبية.
وهنا تداعت إلى أذهان بعض رجال الرئاسة المصريين ، ممن عاصروا زيارة الرئيس الأسبق محمد مرسى إلى سوتشى ، ذكريات تلك الزيارة الكارثية، حينما ألح مرسى على أن يلتقي بوتين، وجاء إلى هذه الغرفة بالذات، وانتظر ساعتين فيها، حتى جاءه الرئيس الروسي، وكان أول ما طلبه مرسى أن ترفع جماعة الإخوان من القائمة الروسية للمنظمات الإرهابية، ولم يخف بوتين ضيقه من مرسى، ولم يقتصد معاونو بوتين ووزراؤه في السخرية في تصريحاتهم من هذا الرجل الذي لا يرقى بأي حال إلى مستوى بلد كبير بحجم مصر.
في المقر الرئيسي بسوتشي، عقد بوتين والسيسي جلسة مباحثات موسعة، كانت أقرب ما تكون إلى جلسة مساءلة أو استجواب من جانب الرئيس الروسي لوزرائه، كل في اختصاصه، عما تم إنجازه، في مجالات التعاون مع مصر، في الزراعة، والتجارة والاستثمار، والصناعة .
وطرح بوتين اقتراحا بإقامة مركز لوجيستي لمصر في روسيا على البحر الأسود، مثلما رحب بإقامة منطقة صناعية روسية في مشروع محور قناة السويس.
امتدت المباحثات على مأدبة غداء، وتحدث بوتين عن الوفر الهائل في محصول القمح الروسي الذي يفيض عن الاحتياجات الداخلية بمقدار خمسة ملايين طن، وقال إنه يعلم إن مصر هى أكبر مستورد للقمح في العالم، وإنه مستعد لتقديم كل هذه الكمية إلى مصر، لتأمين كل احتياجاتها.
إلى الفرقاطة "موسكو"، الراسية في القاعدة العسكرية بسوتشي، توجه الرئيسان، وهناك جرى استقبال رسمي لهما، بحضور قائد الأسطول الروسي في البحر الأسود.
على ظهر الفرقاطة، جرت جلسة جديدة من مباحثات القمة، تركزت هذه المرة على شق التعاون العسكري، وهو بالمناسبة، وإن خفت وتيرته في بعض العهود، إلا أنه لم ينقطع أبداً منذ أول صفقة أسلحة روسية تلقتها مصر قبل قرابة 60 عاما مضت!
ومثلما جرى مع الوزراء الروس في مباحثات المقر الرئاسي، سأل الرئيس بوتين كل جنرال روسي في اختصاصه عما تم في التعاون العسكري مع مصر في مجالات التسليح والمنح التدريبية للمبعوثين والتدريبات العسكرية المشتركة.
ودون الخوض في تفاصيل.. كانت استجابة الرئيس بوتين كاملة لكل مطالب مصر.. قائلا: "إن مصر بلد صديق وكبير ، ولها وضعها في الشرق الأوسط، وقد عادت الآن إلى مكانها ومكانتها".
أكثر من ساعة، استغرقتها جلسة المباحثات على ظهر الفرقاطة "موسكو"، ثم غادر الرئيسان القاعدة العسكرية.
ودعا بوتين السيسي لحضور عرض للرقص على الجليد، ولفت الأداء الراقي انتباه الرئيس السيسي، فأوضح له بوتين أن المشاركين في العرض هم أبطال عالم سابقون في التزحلق والرقص الإيقاعي على الجليد، وتتم الاستعانة بهم في العروض الفنية، بعد فوزهم بالبطولات الأوليمبية والعالمية.
يحين وقت العشاء.. ويكسر بوتين مجددا قواعد البروتوكول، ويقرر بدلا من أن يتناول الطعام مع الرئيس السيسي في أجواء المقر الرئاسي الرسمية، أن يدعوه إلى مطعم الأسماك الشهير بسوتشى الذي يعد واحدا من أفخم 5 مطاعم في العالم، لتناول عشاء من المأكولات البحرية التي يشتهر بها البحر الأسود.
وهناك يكمل الرئيسان مباحثاتهما على العشاء حتى الواحدة صباحا، في جلسة منفردة، لم يحضرها المترجم.
ويميل أحد أعضاء الوفد الروسي، على مسئول مصري.. مشيرا إلى الرئيسين قائلا: "هناك أوجه شبه بين الرجلين، حتى في الهيئة والقامة وطريقة المشي".. ثم يضيف: "أظن أن هناك كيمياء شخصية وجدت طريقها بين الرئيسين.. فبوتين يرى في السيسي نفسه حينما تولى رئاسة روسيا بعدما شارفت على الانهيار في عهد يلتسين.. والسيسي يرى في بوتين نموذجاً لقائد استطاع أن ينتشل بلاده من مصير محتوم وأن ينهض بها لتعود قوة عظمى من جديد.
صباح أول أمس الأربعاء.. جاء لافروف وزير الخارجية الروسي إلى الفندق الرئاسي لاصطحاب الرئيس السيسي ومرافقيه إلى مطار سوتشى، وهناك جرت مجددا مراسم رسمية مصحوبة بحرس الشرف الرئاسي في وداع رئيس مصر.
استقل الرئيس السيسي طائرة الرئاسة عائدا إلى القاهرة، حاملا مشاعر امتنان لحفاوة الاستقبال، وقبلها مشاعر ارتياح للنتائج فوق المتوقعة التي أسفرت عنها مباحثات القمة، وحاملا معه أيضا هدية ذات مغزى من الرئيس بوتين.
الهدية تلقاها السيسي من بوتين عقب مباحثات الغداء في المقر الرئاسي، وهى عبارة عن صورة فوتوغرافية فريدة ليس لها نسخ أخرى، تجمع بين الزعيم جمال عبد الناصر، والزعيم السوفييتي ميخائيل خروشوف في مطلع الستينيات.
لعل بوتين كان يريد أن يقول للسيسى إن علاقات القاهرة وموسكو ستعود إلى ما كانت في الستينيات، أيام بناء السد العالي والتصنيع الثقيل والتسليح غير المشروط، ولعله كان يريد أن يقول إن الصداقة الوليدة بيني وبينك، ستكون كتلك التي جمعت ناصر وخروشوف.
لعله يريد أن يقول إن روسيا كانت وستعود صديقا حقيقيا لمصر، لا يملك أجندات خفية ولا خرائط تقسيم، يفتح ذراعيه لمصر، ولا يستدير ليطعنها بغدر!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.