لو أن المذيعة أماني الخياط في قناة «أون تي ڤ» تعرف ولو قدراً ضئيلاً عن عمق وخصوصية العلاقة بين المغرب ومصر لما أقدمت علي التفوه بما نطقت به مساء الأربعاء من سباب لشعب عظيم عريق بأكمله، صحيح انها اعتذرت في اليوم الثاني لكن السهم نفذ وأحدثت شرخاً هائلا في بلد وشعب تربطه بمصر أواصر عميقة، ثقافية في جوهرها. لو تعرف ان مصر كانت من أهم المحطات في طريق الحج البري الذي لم يقتصر علي المغاربة فقط، إنما كان يضم الأفارقة أيضا. وقد استمر حتي عام 1969، ومن المغاربة جاء كل حماة مصر من أقطاب الصوفية، سيدي أحمد البدوي من فاس، سيدي عبدالرحيم القنائي من سبته، سيدي أبوالعباس المرسي من مرسية بالأندلس، سيدي الشاطبي وغيرهم، حتي الصوفية في القري الصغيرة مغاربة. ولعلها تعرف اسم أبوالحسن الشاذلي الذي يعتبر المصريون ان زيارته سبع مرات في البحر الأحمر تعادل حجة إلي مكة، لم يقتصر الأمر علي البعد الروحي، لعلها تعرف ان القاهرة بناها مغاربة، وأن الحواري في الغورية والجمالية تحمل أسماء قبائل مغربية، الجددرية، زويلة، الباطنية، وأن المغاربة هم من أسسوا الدولة الفاطمية. وفي العصر الحديث كان الشعب المصري يعتبر الملك محمد الخامس من رموز القومية والإسلام، وعندما خرج من المنفي جاء إلي مصر واستقبله الزعيم جمال عبدالناصر ورأيت موكبه الذي خرج المصريون لاستقباله حتي انهم حملوا السيارة التي كان يركبها الزعيمان عند العباسية، ثم حضر افتتاح العمل في السد العالي، وضغط مع عبدالناصر الذر الذي فجر أول شحنة متفجرات إيذانا بالعمل في السد العالي. أزور المغرب منذ عام 1979، ولم أعرف بلداً عربياً يحب الثقافة المصرية مثل المغاربة، حتي انهم يطلبون من المصري أن يتحدث بالعامية، أما أم كلثوم فصوتها يتردد من القصور إلي الكفور. كذلك محمد عبدالوهاب إلي عبدالحليم حافظ. الكلمة التي تصدر من مصر لها تأثير، ولنا أن نتخيل تأثير هذا السب للشعب كله، لقد وصل الإعلام الخاص إلي نقطة يجب فيها المراجعة، مذيعة أخري تغلق الهاتف في وجه سفير أثيوبيا وبذلك تضرب جهود الدولة المصرية من رئيس وخارجية ومخابرات وثقافة في مقتل، وها هي مذيعة أخري تسب بلداً عربياً أصيلا وعظيما فتهدم جهوداً مبذولة في السنوات الأخيرة، ضاع كل ما قام به سفراء مصر وآخرهم مناضل حقيقي وطني في المقام الأول، السفير ايهاب عبدالأحد جمال الدين، حدثني من المغرب متأثرا قال لي: إن كل ما بذلته الدولة المصرية والجهود الشعبية راح ادراج الرياح، لقد اتصلت بكل من أعرف في الدولة، الأمر يحتاج إلي موقف علي أعلي مستوي، أما ما وصل إليه الإعلام الخاص من انفلات وظواهر مرضية تؤذي مصالح الدولة فيحتاج إلي وقفة.