مع احتفال العالم، السبت 3 مايو، باليوم العالمي لحرية الصحافة تبقى أسماء الشهداء من الصحفيين المصريين الذين استشهدوا تباعا في الميدان دفاعا عن الحقيقة محفورة بالمجد في سجل الخلود وذاكرة الثورة الشعبية وشاهدا على انتصار الجماعة الصحفية المصرية لثقافة الحق وإرادة الشعب. وإذا كانت الأممالمتحدة قد قررت اعتبار الثالث من مايو من كل عام يوما لهذا الاحتفال من اجل التفكير والتدبر في أهمية حرية الصحافة، فان هذا اليوم يأتي وقد كتبت الصحافة المصرية صفحة مجد جديدة في كتابها الذهبي بانحيازها لإرادة شعبها العظيم في ثورة الثلاثين من يونيو 2013، بل والتمهيد لهذه الثورة التي شكلت تصحيحا خلاقا لثورة 25 يناير بعد أن قامت جماعة انتهازية بمحاولة السطو على هذه الثورة الشعبية. وفيما باتت أوضاع الصحافة ووسائل الإعلام المصرية في خضم العملية الانتقالية بعد ثورة 30 يونيو 2013 مثيرة لتساؤلات وجدل حول الخطاب الثقافي المعبر عن هذه الثورة الشعبية، تتوالى إرهاصات الأمل في مناخ الحرية والسعي لتحقيق نقلة نوعية في الأداء المهني تعيد لمصر ريادتها الصحفية في المنطقة وتعزز قوتها الناعمة وتنتصر في مواجهة الحرب الإعلامية الشرسة التي يشنها أعداء مصر وأصحاب الخطاب التلفيقي المضاد للثورة وإرادة الشعب. ولقد أصبحت الصحافة القومية جزء من الدولة الوطنية المصرية"، واكتسبت المزيد من "الشرعية التاريخية ورأس مال الثقة الشعبية"، لدورها الطليعي في التمهيد لثورة 30 يونيو التي كانت في احد معانيها ثورة لحماية الدولة الوطنية من مخططات التفتيت لأقدم دولة في التاريخ الإنساني ورفضا لهؤلاء الذين أرادوا تحويل الماضي إلى سجن يصادر المستقبل في انتهاك فادح لأغلى قيم التراث وحق الاجتهاد كما شجع عليه الإسلام . وهذه الصحافة ككيانات إعلامية وصروح ثقافية وتنويرية تخوض الآن مواجهة شرسة مع أعداء مصر والمصريين والقوى المناهضة لثورة 30 يونيو والأبواق العميلة عبر الفضائيات والمنابر الصحفية المأجورة التي تتشدق بالمهنية وهي أبعد ما تكون عنها، ناهيك عن مراكز الأبحاث الاستخباراتية المعادية التي لا تتورع عن توظيف أفكار التكفير وممارسات الإرهاب لخدمة من يمولها. ومن المثير للتأمل أن الجدل الراهن حول أوضاع الصحافة المصرية يأتي في سياق حالة عالمية ومناقشات مستفيضة حول التحديات المطروحة أمام الصحافة والإعلام عموما في القرن الحادي والعشرين. وعلى المستوى العالمي، هناك الآن من يتساءل عما إذا كانت مؤسسة إعلامية عريقة مثل هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" تواجه أزمة، وهو سؤال كان عنوانا لكتاب جديد صدر بالانجليزية واشترك في تحريره ثلاثة محررين رئيسيين هم جون ماير وريتشارد تيت وريتشارد لانس كييبل مع 30 متعاونا من أصحاب الإسهامات في هذا الكتاب وكلهم من الأكاديميين المعنيين بدراسات الإعلام. و كتاب "هل البي بي سي في أزمة؟" حافل بالأرقام والحقائق، واهتم بلا مواربة بالجانب الربحي في أنشطة هيئة الإذاعة البريطانية التي تعتمد في جزء كبير من هذه الأنشطة وخاصة في بعدها الإعلامي الدولي، على التمويل العام من جانب الدولة، ومع ذلك فقد سجلت إيرادات بلغت 125 مليون جنيه إسترليني في 2011-2012. والكتاب يؤكد بوضوح أن "بريطانيا لا تمتلك من المنظور الثقافي مؤسسة أكثر أهمية من "بي بي سي"، فهي كمصدر للقوة الناعمة تضارع القوة الصلبة لأسطول بريطانيا العظمى في عصر الإمبراطورية التي لم تكن تغرب عنها الشمس ومازالت تحظى بالحب في الداخل والاحترام في الخارج وتحمل هذا العبق الفواح بالعراقة". ومن ثم، فإن محرري الكتاب الذين رصدوا مشاكل هيئة الإذاعة البريطانية اتفقوا في الوقت ذاته على رفض أية محاولة لإضعاف أو تقزيم "البي بي سي" عبر تدخل سياسي ، موضحين ضمنا الفارق بين النقد البناء والنقد الهدام، وان الهدف من رصد المشاكل هو التوصل لحلها وليس هدم صرح كهيئة الإذاعة البريطانية. فهذا الكيان الإعلامي الذي فرض و يفرض حضوره على دارسي الإعلام الدولي، يواجه مشاكل تتعلق ببنيته الداخلية ومسائل الأجور والرواتب وتضخم بيروقراطي يلتهم أصحابه الكثير من المال، فيما رأت مارجريت هودج رئيسة لجنة المحاسبات العامة بمجلس العموم إن هيئة الإذاعة البريطانية تعاني من "ثقافة إدارية تقوم على المحاباة بين أشخاص في مواقع مفصلية عرفوا بعضهم البعض لسنوات طويلة"، معتبرة أن هذه الثقافة تفرخ فسادا بقدر ما تشكل قوة ضغط على متخذ القرار. وحسب هذا الكتاب الجديد، فإن هذا الوضع الذي أفضى لقائمة طويلة ومتضخمة من المديرين، إنما أدى إلى شعور بالاغتراب والإحباط بين القائمين بالعمل الصحفي وصنع البرامج في البي بي سي، وهي تلك الكوادر الصحفية التي جعلت "بي بي سي" على كل لسان وتصنع شهرتها العالمية رغم أنهم يعملون في "ظروف معادية" ويواجهون تحديات جمة وما يعرف "بصحافة ميردوخ" حسب ما يصفه الكتاب، في إشارة إلى صحافة الإثارة التي لا تبغي سوى الربح وتحقيق مصالح رأس المال المسيطر على هذا النوع من وسائط الإعلام. ومن ثم، فهناك حاجة لقرارات قد تكون صعبة لكنها ذات أهمية جوهرية لكبح جماح هذا التضخم البيروقراطي في كيان إعلامي وتصويب موازنته وأوجه الإنفاق فيه، حتى "لا تكون البي بي سي كسفينة عملاقة لكنها تتحرك ببطء بالغ جراء التضخم الإداري والتهام العناصر البيروقراطية لكثير من المزايا وما يشكله ذلك من ضغوط هائلة على الطاقم الحقيقي الذي يقود السفينة ويتحمل أعباء قاسية وشعور أفراد هذا الطاقم بالغبن"، على حد وصف القاصة البريطانية بي دي جيمس. و يخلص الكتاب إلى أهمية وجود "إرادة سياسية" واستمرار التمويل العام، بل وزيادته للحفاظ على كيان إعلامي وصرح ثقافي مثل "البي بي سي" وتطوير هيئة الإذاعة البريطانية وحل مشاكلها الداخلية ومعالجة أوجه الخلل الهيكلي وتصويب موازنتها وتحسين بنيتها، حتى لا يترك المجتمع فريسة لقراصنة الإثارة الصحفية وأباطرة المال. وفي مصر ورغم التسليم بالدور الطليعي للصحافة في ثورة 30 يونيو، فهناك الآن جدل وتساؤلات حول الأداء الصحفي والإعلامي، وهناك مراجعات ثقافية لدور الإعلام في السياق المصري الراهن وانتقادات حادة للخروج على القيم المصرية والتحلل من المهنية. ويقول مثقف كبير هو الشاعر والكاتب فاروق جويدة:"إذا أردنا أن نحدد بأمانة الأسباب التي تقف وراء ارتباك المشهد في الشارع المصري سنكتشف أن الإعلام من أهم وأخطر هذه الأسباب"، معتبرا أن "الدولة حائرة ما بين منظومة للحريات تحاول تأكيدها وغياب للمسئولية بكل جوانبها"، لدى إعلاميين. ورأى فاروق جويدة أننا نعيش "حالة انفلات في معنى الحقوق والواجبات وأكبر شواهدها ما يحدث في الإعلام في ظل عدد رهيب من الفضائيات وأعداد مخيفة من الصحف السوداء والصفراء ومتعددة الألوان وعشرات الأقلام التي لا تدرك مسئولية الكلمة وفي ظل المواقع الالكترونية التي تطارد ملايين الشباب بالأخبار والحكايات الجرائم". وانتقد جويدة ظاهرة غياب مناقشة المشاكل الحقيقية للمصريين في الفضائيات " فيما تحدث عن "دولة جديدة هي دولة الإعلام التي لا أحد يعرف أهدافها ولا مصادر تمويلها" ، موضحا أن المطلوب ليس إجراءات رقابية فقد انتهى هذا الزمن وإنما "مشاركة في المسئولية أمام مجتمع يخوض معركة رهيبة ضد الإرهاب والعنف والفوضى". ولفت إلى أن هناك "قوى خارجية كثيرة تلعب في مصر الآن أدوارا مشبوهة وتعتمد في معركتها على الإعلام ولا ينبغي أبدا أن يكون الإعلام من أسلحة الدمار الشامل التي تستخدمها قوى مغرضة ضد هذا الوطن"، فيما سلم بأن "كل ما يتعلق بالفكر والثقافة يمثل سلعة ثقيلة في الانتشار والتداول، ولكن هذه مسئولية تفرضها الأمانة الوطنية والرسالة الإعلامية تجاه الوطن". وفي سياق تحذيره من "ظاهرة الجدل السياسي حول الأحكام القضائية"، انتقد الباحث المرموق نبيل عبد الفتاح ما وصفه "ببعض من الفوضى والتوظيفات السياسية للأجهزة الإعلامية المرئية والمكتوبة والمسموعة لاسيما بعض الفضائيات لبعض الأحكام ذات الطبيعة السياسية أو الدينية أو المذهبية أو الاجتماعية". وقال نبيل عبد الفتاح في صحيفة "الأهرام"، إن الطبيعة السجالية والآثارية في بعض التعليقات من بعض غير المتخصصين ومن بعض السياسيين وغيرهم تعكس انطباعات سريعة، بل وفي غالب الأحيان عدم معرفة دقيقة بالقانون والجوانب الموضوعية أو الإجرائية لكل قضية من هذه القضايا". وفي الاتجاه ذاته ، لاحظ الكاتب الصحفي محمد أبو الفضل إن "بعض القوى السياسية يتعمد لي أعناق بعض الأحكام القضائية ويسعى إلى توفير الأجواء اللازمة لإلباسها الثوب السياسي وهي بريئة أصلا من ارتدائه"، مشيرا لظاهرة "توافر كمية هائلة من المعلومات المغلوطة"، فيما تحدث في هذا السياق عن بعض الزملاء الاعلاميين "الذين يتباطئون في تحري الدقة وينقلون وقائع منقوصة في عدد من القضايا يستثمرها مغرضون في الترويج لأهدافهم السياسية ويتخذون القضاء للتنصل من جرائمهم وما تحدثه من خسائر بشرية ومادية". ولفت أبو الفضل إلى أن هناك فئة تناست أن الصحافة هي مهنة البحث عن المتاعب وفضلت الجلوس على مقاعد وثيرة في المحطات الفضائية، "تفتي في كل شيء وبأي شيء وترفض سماع ذوي الاختصاص حتى تتوه الحقيقة". وهكذا تؤدي هذه البيئة السياسية والإعلامية المضطربة للتأثير على صورة القضاء في الوعي والإدراك الجمعي للغالبية الساحقة من المصريين التي استقر في وجدانها ووعيها الثقة في عدالة ونزاهة القضاء، فيما كان المستشار نير عثمان، وزير العدل قد أكد أن "قضاة مصر مستقلون ولا سلطان لأحد عليهم وأنهم لا يتلقون توجيهات حتى من وزير العدل نفسه". وعلى مدى سنوات، كانت إشارات عديدة تنطلق من أصحاب أقلام في الصحافة العربية من العارفين بفضائل مصر وفضل صحافتها لتبدى انزعاجا حيال التراجع الواضح في مستوى الصحافة المصرية، بينما كانت قضايا الصحافة والإعلام ككل ظاهرة بوضوح في مطالب الشعب المصري في غمار ثورة 25 يناير وذروتها العظمى في ثورة الثلاثين من يونيو. وفيما تتوالى قصص تنشرها الصحف المصرية عن الأوضاع التى أدت للتراجع المهني في مراحل سابقة ويجتر بعض أصحاب الأقلام ذكريات مريرة عما حدث من وقائع مثيرة للأسى داخل المؤسسات الصحفية لتفضى لهذا التراجع، فان العديد من الطروحات والمقالات تبشر في الوقت ذاته بأن ربيع الحرية سيعنى تفتح كل الزهور وإبداع كل القادرين على الابداع في الصحافة ووسائل الإعلام المصرية، رغم "حالة الأزمة" الظاهرة في المشهد الإعلامي الراهن. ويحق التساؤل عما إذا كانت حالة الأزمة الراهنة لها علاقة "بخطأ التفكير بمبدأ العلة الواحدة"، وهو نمط من التفكير يصفه مثقف كبير مثل الدكتور علي مبروك بأنه "ينتمي لحقبة ما قبل العقل العلمي الحديث حيث لم تكن الظواهر قد تعقدت على النحو الذي يتعذر معه تفسيرها بعلة واحدة". وفي سياق أزمة الصحافة، فهناك بالفعل "شبكة معقدة من الأسباب والعلل"، بما يدفع للابتعاد عن "ضرب التفكير بمبدأ العلة الواحدة التي تفسر كل شييء"، والاتجاه بدلا من ذلك لفهم هذه الشبكة المعقدة من الأسباب والعلل والتي تتشابك فيها عوامل تاريخية وسياسية واقتصادية وإدارية، ناهيك عن البعد المهني الذي تأثر بشدة جراء هذه العوامل بقدر ما يؤثر فيها. ولعل هذا المنهج الذي يقتضي حفرا معرفيا في الثقافة باعتبارها الحقل المؤسس لكل ممارسة في حقول أخرى، بما فيها السياسي والاقتصادي والصحفي والإعلامي، يقدم إطارا معقولا للتفسير والوصول لجوهر الأزمة، ومن ثم للتغيير نحو الأفضل. وفي سياق الاهتمام الواضح بأوضاع الصحافة ووسائل الإعلام المصرية، تبدو الحاجة ماسة لإعلام غير تقليدي وصحفيين مدربين وصولا "لصحافة لا تخشى في الحق لومة لائم". ولأن العلاقة بين الصحافة والسياسة غنية عن البيان، فإن الصحافة لابد وأن تتأثر بقوة بطبيعة النظام القائم، فيما بدا أن الصحافة القومية في مصر التي يفترض حسب إطارها النظري أن تعبر عن المجتمع ككل قد دفعت غاليا ثمن استبداد النظام السياسي في الماضي. فنظام الحكم الاستبدادي الذي اختزل إرادة الشعب في شخص الحاكم، كان لابد وأن يستنسخ ذاته في المؤسسات الصحفية القومية وأن تتحول صحف ذات تاريخ عريق وتقاليد وطنية ثرية إلى مجرد أبواق تروج لرغبات ونزوات هذا النظام. كما يقول الباحث نبيل عبد الفتاح، فإن الحضور في المشهد الكتابي في ظل النظام الاستبدادي ارتبط بالموافقة أو الموالاة لخطاب السلطة السياسية الحاكمة ومصالحها، وذلك في إشارة للصحافة القومية على وجه الخصوص. وتحتفظ ذاكرة الجماعة الصحفية المصرية بقصص دالة حول شخصيات صحفية وثقافية خالدة، مثل إحسان عبد القدوس وكامل الشناوي، بدت مهمومة دوما باكتشاف المواهب في عالم الصحافة ودفعها للأمام، فيما كان من المثير للأسى أن تتآكل هذه الظاهرة النبيلة بل وأن تتحول للنقيض في ظل نظام الحكم الاستبدادي الذي أفضت ممارساته أيضا لتراجع مهني مؤسف. وكان الخبير الإعلامي خوان جيبير اعتبر في مؤتمر عقد في القاهرة حول الإبداع والإعلام، إن "الشيء الوحيد الذي يجب إن نهتم به هو جودة الصحافة التي نقدمها"، فيما لفت لنماذج إعلامية في دول كانت قد شهدت ثورات أو حركات تغيير جذري مثل البرتغال واسبانيا وبولندا. وإذا كانت سياسات التوظيف في الصحافة المصرية في ظل النظام الاستبدادي قد شابتها عيوب خطيرة وانتشرت أحاديث المحسوبية وقصص الفساد، فإن ثمة حاجة على هذا الصعيد لسياسات صارمة بقدر ما هي واضحة وشفافة لأنها تعني قضية حياة أو موت في ظل بيئة صحفية تنافسية لا تعرف الرحمة وتطورات سريعة ومخيفة. ولعل الخبير الإعلامي خوان جينير لم يجانب الصواب عندما قال: "يجب أن تكون للصحافة روح وأن يحقق الإعلام أرباحا ويكون مستقلا ويحظى بالمصداقية"، فيما لم يعد مقبولا ترك تيار عارم من الكتابات السطحية تسيطر على مقالات وأعمدة الرأي في الصحف، بل إن المطلوب "فتح الأبواب أمام المواهب والكفاءات والتصدي لصانعي الرداءة والقبح والجهالة في بلادنا". ولئن كان العالم يحتفل هذا العام باليوم العالمي لحرية الصحافة تحت شعار "حرية الإعلام من أجل مستقبل أفضل"، فإن الصحافة القومية في مصر لابد وأن تجسد مجموع الإرادات الوطنية في تنوعها الخلاق ولا تستبعد الحقيقة لحساب الأيديولوجيا فيما تعلي دوما من حرية الضمير وتقدم إجابات معرفية مقنعة على أسئلة المستقبل منحازة لمبادئ وقيم الثورة الشعبية المصرية والملايين الهادرة، كما تبدت في ذروة حراكها يوم الثلاثين من يونيو. فالصحفي هو "صديق الشعب" في زمن المتغيرات الخطرة والعولمة التي أفضت لما يسمى بالثورة الكونية والانتقال لما يعرف "بقيم ما بعد الحداثة"، وهي حركة فلسفية جامعة- كما يقول الكاتب والمفكر المصري السيد يسين- تركت آثارها في الفلسفة والاقتصاد والسياسة والعلاقات الدولية وكذلك في مجال العلاقة بين الكاتب والقارئ. وهذه الحركة الفلسفية سعت لتحطيم السلطة الفكرية القاهرة للأنساق الفكرية الكبرى المغلقة والتي عادة ما تأخذ شكل الإيديولوجيات على أساس أنها في زعمها تقدم تفسيرا كليا للظواهر، فيما تلغي في الواقع حقيقة التنوع الإنساني. ورغم أي مآخذ أو ملاحظات، فغن الصحافة القومية تتبدى الآن عازمة تحت القسم وعلم مصر على أن تعبر بالحق وبخطاب ثقافي هو أعلى تجسيدات الحقيقة عن نبض أمة وتروي بالحقائق قصة شعب عظيم. مع احتفال العالم، السبت 3 مايو، باليوم العالمي لحرية الصحافة تبقى أسماء الشهداء من الصحفيين المصريين الذين استشهدوا تباعا في الميدان دفاعا عن الحقيقة محفورة بالمجد في سجل الخلود وذاكرة الثورة الشعبية وشاهدا على انتصار الجماعة الصحفية المصرية لثقافة الحق وإرادة الشعب. وإذا كانت الأممالمتحدة قد قررت اعتبار الثالث من مايو من كل عام يوما لهذا الاحتفال من اجل التفكير والتدبر في أهمية حرية الصحافة، فان هذا اليوم يأتي وقد كتبت الصحافة المصرية صفحة مجد جديدة في كتابها الذهبي بانحيازها لإرادة شعبها العظيم في ثورة الثلاثين من يونيو 2013، بل والتمهيد لهذه الثورة التي شكلت تصحيحا خلاقا لثورة 25 يناير بعد أن قامت جماعة انتهازية بمحاولة السطو على هذه الثورة الشعبية. وفيما باتت أوضاع الصحافة ووسائل الإعلام المصرية في خضم العملية الانتقالية بعد ثورة 30 يونيو 2013 مثيرة لتساؤلات وجدل حول الخطاب الثقافي المعبر عن هذه الثورة الشعبية، تتوالى إرهاصات الأمل في مناخ الحرية والسعي لتحقيق نقلة نوعية في الأداء المهني تعيد لمصر ريادتها الصحفية في المنطقة وتعزز قوتها الناعمة وتنتصر في مواجهة الحرب الإعلامية الشرسة التي يشنها أعداء مصر وأصحاب الخطاب التلفيقي المضاد للثورة وإرادة الشعب. ولقد أصبحت الصحافة القومية جزء من الدولة الوطنية المصرية"، واكتسبت المزيد من "الشرعية التاريخية ورأس مال الثقة الشعبية"، لدورها الطليعي في التمهيد لثورة 30 يونيو التي كانت في احد معانيها ثورة لحماية الدولة الوطنية من مخططات التفتيت لأقدم دولة في التاريخ الإنساني ورفضا لهؤلاء الذين أرادوا تحويل الماضي إلى سجن يصادر المستقبل في انتهاك فادح لأغلى قيم التراث وحق الاجتهاد كما شجع عليه الإسلام . وهذه الصحافة ككيانات إعلامية وصروح ثقافية وتنويرية تخوض الآن مواجهة شرسة مع أعداء مصر والمصريين والقوى المناهضة لثورة 30 يونيو والأبواق العميلة عبر الفضائيات والمنابر الصحفية المأجورة التي تتشدق بالمهنية وهي أبعد ما تكون عنها، ناهيك عن مراكز الأبحاث الاستخباراتية المعادية التي لا تتورع عن توظيف أفكار التكفير وممارسات الإرهاب لخدمة من يمولها. ومن المثير للتأمل أن الجدل الراهن حول أوضاع الصحافة المصرية يأتي في سياق حالة عالمية ومناقشات مستفيضة حول التحديات المطروحة أمام الصحافة والإعلام عموما في القرن الحادي والعشرين. وعلى المستوى العالمي، هناك الآن من يتساءل عما إذا كانت مؤسسة إعلامية عريقة مثل هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" تواجه أزمة، وهو سؤال كان عنوانا لكتاب جديد صدر بالانجليزية واشترك في تحريره ثلاثة محررين رئيسيين هم جون ماير وريتشارد تيت وريتشارد لانس كييبل مع 30 متعاونا من أصحاب الإسهامات في هذا الكتاب وكلهم من الأكاديميين المعنيين بدراسات الإعلام. و كتاب "هل البي بي سي في أزمة؟" حافل بالأرقام والحقائق، واهتم بلا مواربة بالجانب الربحي في أنشطة هيئة الإذاعة البريطانية التي تعتمد في جزء كبير من هذه الأنشطة وخاصة في بعدها الإعلامي الدولي، على التمويل العام من جانب الدولة، ومع ذلك فقد سجلت إيرادات بلغت 125 مليون جنيه إسترليني في 2011-2012. والكتاب يؤكد بوضوح أن "بريطانيا لا تمتلك من المنظور الثقافي مؤسسة أكثر أهمية من "بي بي سي"، فهي كمصدر للقوة الناعمة تضارع القوة الصلبة لأسطول بريطانيا العظمى في عصر الإمبراطورية التي لم تكن تغرب عنها الشمس ومازالت تحظى بالحب في الداخل والاحترام في الخارج وتحمل هذا العبق الفواح بالعراقة". ومن ثم، فإن محرري الكتاب الذين رصدوا مشاكل هيئة الإذاعة البريطانية اتفقوا في الوقت ذاته على رفض أية محاولة لإضعاف أو تقزيم "البي بي سي" عبر تدخل سياسي ، موضحين ضمنا الفارق بين النقد البناء والنقد الهدام، وان الهدف من رصد المشاكل هو التوصل لحلها وليس هدم صرح كهيئة الإذاعة البريطانية. فهذا الكيان الإعلامي الذي فرض و يفرض حضوره على دارسي الإعلام الدولي، يواجه مشاكل تتعلق ببنيته الداخلية ومسائل الأجور والرواتب وتضخم بيروقراطي يلتهم أصحابه الكثير من المال، فيما رأت مارجريت هودج رئيسة لجنة المحاسبات العامة بمجلس العموم إن هيئة الإذاعة البريطانية تعاني من "ثقافة إدارية تقوم على المحاباة بين أشخاص في مواقع مفصلية عرفوا بعضهم البعض لسنوات طويلة"، معتبرة أن هذه الثقافة تفرخ فسادا بقدر ما تشكل قوة ضغط على متخذ القرار. وحسب هذا الكتاب الجديد، فإن هذا الوضع الذي أفضى لقائمة طويلة ومتضخمة من المديرين، إنما أدى إلى شعور بالاغتراب والإحباط بين القائمين بالعمل الصحفي وصنع البرامج في البي بي سي، وهي تلك الكوادر الصحفية التي جعلت "بي بي سي" على كل لسان وتصنع شهرتها العالمية رغم أنهم يعملون في "ظروف معادية" ويواجهون تحديات جمة وما يعرف "بصحافة ميردوخ" حسب ما يصفه الكتاب، في إشارة إلى صحافة الإثارة التي لا تبغي سوى الربح وتحقيق مصالح رأس المال المسيطر على هذا النوع من وسائط الإعلام. ومن ثم، فهناك حاجة لقرارات قد تكون صعبة لكنها ذات أهمية جوهرية لكبح جماح هذا التضخم البيروقراطي في كيان إعلامي وتصويب موازنته وأوجه الإنفاق فيه، حتى "لا تكون البي بي سي كسفينة عملاقة لكنها تتحرك ببطء بالغ جراء التضخم الإداري والتهام العناصر البيروقراطية لكثير من المزايا وما يشكله ذلك من ضغوط هائلة على الطاقم الحقيقي الذي يقود السفينة ويتحمل أعباء قاسية وشعور أفراد هذا الطاقم بالغبن"، على حد وصف القاصة البريطانية بي دي جيمس. و يخلص الكتاب إلى أهمية وجود "إرادة سياسية" واستمرار التمويل العام، بل وزيادته للحفاظ على كيان إعلامي وصرح ثقافي مثل "البي بي سي" وتطوير هيئة الإذاعة البريطانية وحل مشاكلها الداخلية ومعالجة أوجه الخلل الهيكلي وتصويب موازنتها وتحسين بنيتها، حتى لا يترك المجتمع فريسة لقراصنة الإثارة الصحفية وأباطرة المال. وفي مصر ورغم التسليم بالدور الطليعي للصحافة في ثورة 30 يونيو، فهناك الآن جدل وتساؤلات حول الأداء الصحفي والإعلامي، وهناك مراجعات ثقافية لدور الإعلام في السياق المصري الراهن وانتقادات حادة للخروج على القيم المصرية والتحلل من المهنية. ويقول مثقف كبير هو الشاعر والكاتب فاروق جويدة:"إذا أردنا أن نحدد بأمانة الأسباب التي تقف وراء ارتباك المشهد في الشارع المصري سنكتشف أن الإعلام من أهم وأخطر هذه الأسباب"، معتبرا أن "الدولة حائرة ما بين منظومة للحريات تحاول تأكيدها وغياب للمسئولية بكل جوانبها"، لدى إعلاميين. ورأى فاروق جويدة أننا نعيش "حالة انفلات في معنى الحقوق والواجبات وأكبر شواهدها ما يحدث في الإعلام في ظل عدد رهيب من الفضائيات وأعداد مخيفة من الصحف السوداء والصفراء ومتعددة الألوان وعشرات الأقلام التي لا تدرك مسئولية الكلمة وفي ظل المواقع الالكترونية التي تطارد ملايين الشباب بالأخبار والحكايات الجرائم". وانتقد جويدة ظاهرة غياب مناقشة المشاكل الحقيقية للمصريين في الفضائيات " فيما تحدث عن "دولة جديدة هي دولة الإعلام التي لا أحد يعرف أهدافها ولا مصادر تمويلها" ، موضحا أن المطلوب ليس إجراءات رقابية فقد انتهى هذا الزمن وإنما "مشاركة في المسئولية أمام مجتمع يخوض معركة رهيبة ضد الإرهاب والعنف والفوضى". ولفت إلى أن هناك "قوى خارجية كثيرة تلعب في مصر الآن أدوارا مشبوهة وتعتمد في معركتها على الإعلام ولا ينبغي أبدا أن يكون الإعلام من أسلحة الدمار الشامل التي تستخدمها قوى مغرضة ضد هذا الوطن"، فيما سلم بأن "كل ما يتعلق بالفكر والثقافة يمثل سلعة ثقيلة في الانتشار والتداول، ولكن هذه مسئولية تفرضها الأمانة الوطنية والرسالة الإعلامية تجاه الوطن". وفي سياق تحذيره من "ظاهرة الجدل السياسي حول الأحكام القضائية"، انتقد الباحث المرموق نبيل عبد الفتاح ما وصفه "ببعض من الفوضى والتوظيفات السياسية للأجهزة الإعلامية المرئية والمكتوبة والمسموعة لاسيما بعض الفضائيات لبعض الأحكام ذات الطبيعة السياسية أو الدينية أو المذهبية أو الاجتماعية". وقال نبيل عبد الفتاح في صحيفة "الأهرام"، إن الطبيعة السجالية والآثارية في بعض التعليقات من بعض غير المتخصصين ومن بعض السياسيين وغيرهم تعكس انطباعات سريعة، بل وفي غالب الأحيان عدم معرفة دقيقة بالقانون والجوانب الموضوعية أو الإجرائية لكل قضية من هذه القضايا". وفي الاتجاه ذاته ، لاحظ الكاتب الصحفي محمد أبو الفضل إن "بعض القوى السياسية يتعمد لي أعناق بعض الأحكام القضائية ويسعى إلى توفير الأجواء اللازمة لإلباسها الثوب السياسي وهي بريئة أصلا من ارتدائه"، مشيرا لظاهرة "توافر كمية هائلة من المعلومات المغلوطة"، فيما تحدث في هذا السياق عن بعض الزملاء الاعلاميين "الذين يتباطئون في تحري الدقة وينقلون وقائع منقوصة في عدد من القضايا يستثمرها مغرضون في الترويج لأهدافهم السياسية ويتخذون القضاء للتنصل من جرائمهم وما تحدثه من خسائر بشرية ومادية". ولفت أبو الفضل إلى أن هناك فئة تناست أن الصحافة هي مهنة البحث عن المتاعب وفضلت الجلوس على مقاعد وثيرة في المحطات الفضائية، "تفتي في كل شيء وبأي شيء وترفض سماع ذوي الاختصاص حتى تتوه الحقيقة". وهكذا تؤدي هذه البيئة السياسية والإعلامية المضطربة للتأثير على صورة القضاء في الوعي والإدراك الجمعي للغالبية الساحقة من المصريين التي استقر في وجدانها ووعيها الثقة في عدالة ونزاهة القضاء، فيما كان المستشار نير عثمان، وزير العدل قد أكد أن "قضاة مصر مستقلون ولا سلطان لأحد عليهم وأنهم لا يتلقون توجيهات حتى من وزير العدل نفسه". وعلى مدى سنوات، كانت إشارات عديدة تنطلق من أصحاب أقلام في الصحافة العربية من العارفين بفضائل مصر وفضل صحافتها لتبدى انزعاجا حيال التراجع الواضح في مستوى الصحافة المصرية، بينما كانت قضايا الصحافة والإعلام ككل ظاهرة بوضوح في مطالب الشعب المصري في غمار ثورة 25 يناير وذروتها العظمى في ثورة الثلاثين من يونيو. وفيما تتوالى قصص تنشرها الصحف المصرية عن الأوضاع التى أدت للتراجع المهني في مراحل سابقة ويجتر بعض أصحاب الأقلام ذكريات مريرة عما حدث من وقائع مثيرة للأسى داخل المؤسسات الصحفية لتفضى لهذا التراجع، فان العديد من الطروحات والمقالات تبشر في الوقت ذاته بأن ربيع الحرية سيعنى تفتح كل الزهور وإبداع كل القادرين على الابداع في الصحافة ووسائل الإعلام المصرية، رغم "حالة الأزمة" الظاهرة في المشهد الإعلامي الراهن. ويحق التساؤل عما إذا كانت حالة الأزمة الراهنة لها علاقة "بخطأ التفكير بمبدأ العلة الواحدة"، وهو نمط من التفكير يصفه مثقف كبير مثل الدكتور علي مبروك بأنه "ينتمي لحقبة ما قبل العقل العلمي الحديث حيث لم تكن الظواهر قد تعقدت على النحو الذي يتعذر معه تفسيرها بعلة واحدة". وفي سياق أزمة الصحافة، فهناك بالفعل "شبكة معقدة من الأسباب والعلل"، بما يدفع للابتعاد عن "ضرب التفكير بمبدأ العلة الواحدة التي تفسر كل شييء"، والاتجاه بدلا من ذلك لفهم هذه الشبكة المعقدة من الأسباب والعلل والتي تتشابك فيها عوامل تاريخية وسياسية واقتصادية وإدارية، ناهيك عن البعد المهني الذي تأثر بشدة جراء هذه العوامل بقدر ما يؤثر فيها. ولعل هذا المنهج الذي يقتضي حفرا معرفيا في الثقافة باعتبارها الحقل المؤسس لكل ممارسة في حقول أخرى، بما فيها السياسي والاقتصادي والصحفي والإعلامي، يقدم إطارا معقولا للتفسير والوصول لجوهر الأزمة، ومن ثم للتغيير نحو الأفضل. وفي سياق الاهتمام الواضح بأوضاع الصحافة ووسائل الإعلام المصرية، تبدو الحاجة ماسة لإعلام غير تقليدي وصحفيين مدربين وصولا "لصحافة لا تخشى في الحق لومة لائم". ولأن العلاقة بين الصحافة والسياسة غنية عن البيان، فإن الصحافة لابد وأن تتأثر بقوة بطبيعة النظام القائم، فيما بدا أن الصحافة القومية في مصر التي يفترض حسب إطارها النظري أن تعبر عن المجتمع ككل قد دفعت غاليا ثمن استبداد النظام السياسي في الماضي. فنظام الحكم الاستبدادي الذي اختزل إرادة الشعب في شخص الحاكم، كان لابد وأن يستنسخ ذاته في المؤسسات الصحفية القومية وأن تتحول صحف ذات تاريخ عريق وتقاليد وطنية ثرية إلى مجرد أبواق تروج لرغبات ونزوات هذا النظام. كما يقول الباحث نبيل عبد الفتاح، فإن الحضور في المشهد الكتابي في ظل النظام الاستبدادي ارتبط بالموافقة أو الموالاة لخطاب السلطة السياسية الحاكمة ومصالحها، وذلك في إشارة للصحافة القومية على وجه الخصوص. وتحتفظ ذاكرة الجماعة الصحفية المصرية بقصص دالة حول شخصيات صحفية وثقافية خالدة، مثل إحسان عبد القدوس وكامل الشناوي، بدت مهمومة دوما باكتشاف المواهب في عالم الصحافة ودفعها للأمام، فيما كان من المثير للأسى أن تتآكل هذه الظاهرة النبيلة بل وأن تتحول للنقيض في ظل نظام الحكم الاستبدادي الذي أفضت ممارساته أيضا لتراجع مهني مؤسف. وكان الخبير الإعلامي خوان جيبير اعتبر في مؤتمر عقد في القاهرة حول الإبداع والإعلام، إن "الشيء الوحيد الذي يجب إن نهتم به هو جودة الصحافة التي نقدمها"، فيما لفت لنماذج إعلامية في دول كانت قد شهدت ثورات أو حركات تغيير جذري مثل البرتغال واسبانيا وبولندا. وإذا كانت سياسات التوظيف في الصحافة المصرية في ظل النظام الاستبدادي قد شابتها عيوب خطيرة وانتشرت أحاديث المحسوبية وقصص الفساد، فإن ثمة حاجة على هذا الصعيد لسياسات صارمة بقدر ما هي واضحة وشفافة لأنها تعني قضية حياة أو موت في ظل بيئة صحفية تنافسية لا تعرف الرحمة وتطورات سريعة ومخيفة. ولعل الخبير الإعلامي خوان جينير لم يجانب الصواب عندما قال: "يجب أن تكون للصحافة روح وأن يحقق الإعلام أرباحا ويكون مستقلا ويحظى بالمصداقية"، فيما لم يعد مقبولا ترك تيار عارم من الكتابات السطحية تسيطر على مقالات وأعمدة الرأي في الصحف، بل إن المطلوب "فتح الأبواب أمام المواهب والكفاءات والتصدي لصانعي الرداءة والقبح والجهالة في بلادنا". ولئن كان العالم يحتفل هذا العام باليوم العالمي لحرية الصحافة تحت شعار "حرية الإعلام من أجل مستقبل أفضل"، فإن الصحافة القومية في مصر لابد وأن تجسد مجموع الإرادات الوطنية في تنوعها الخلاق ولا تستبعد الحقيقة لحساب الأيديولوجيا فيما تعلي دوما من حرية الضمير وتقدم إجابات معرفية مقنعة على أسئلة المستقبل منحازة لمبادئ وقيم الثورة الشعبية المصرية والملايين الهادرة، كما تبدت في ذروة حراكها يوم الثلاثين من يونيو. فالصحفي هو "صديق الشعب" في زمن المتغيرات الخطرة والعولمة التي أفضت لما يسمى بالثورة الكونية والانتقال لما يعرف "بقيم ما بعد الحداثة"، وهي حركة فلسفية جامعة- كما يقول الكاتب والمفكر المصري السيد يسين- تركت آثارها في الفلسفة والاقتصاد والسياسة والعلاقات الدولية وكذلك في مجال العلاقة بين الكاتب والقارئ. وهذه الحركة الفلسفية سعت لتحطيم السلطة الفكرية القاهرة للأنساق الفكرية الكبرى المغلقة والتي عادة ما تأخذ شكل الإيديولوجيات على أساس أنها في زعمها تقدم تفسيرا كليا للظواهر، فيما تلغي في الواقع حقيقة التنوع الإنساني. ورغم أي مآخذ أو ملاحظات، فغن الصحافة القومية تتبدى الآن عازمة تحت القسم وعلم مصر على أن تعبر بالحق وبخطاب ثقافي هو أعلى تجسيدات الحقيقة عن نبض أمة وتروي بالحقائق قصة شعب عظيم.